عريضه (نسيب)
Arida (Nasib-) - Arida (Nasib-)
عريضة (نسيب ـ)
(1304ـ 1365هـ/1887ـ 1946م)
نسيب بن أسعد عريضة، شاعر أديب صحفي، من مؤسّسي الرابطة القلمية في المهجر بأمريكا الشمالية، ولد في حمص وتعلّم فيها، ثم درس في المدرسة الروسية بالناصرة، وهاجر إلى نيويورك سنة 1913، فأنشأ فيها مجلة «الفنون» من السنة ذاتها، وأنفق عليها من ماله الذي كان يكسبه من التجارة، وتولى تحرير الجريدة اليومية «مرآة الغرب» ثم جريدة «الهدى» وله: «الأرواح الحائرة»، ديوان شعر صدر في نيويورك بعد وفاته بمدينة بروكلن بقليل، و«أسرار البلاط الروسي»، قصة مترجمة، و«ديك الجنّ الحمصي» قصة نشرها في مجموعة الرابطة القلمية.
هو شاعر الحنين والشكوى والحزن والتشاؤم والحيرة، مجدّد لم يتخلّ عن تراثه العربي، ففي شعره حنين عظيم إلى حمص ظلّ يكابده طوال حياته، فمات بعيداً عنها، وكانت أمنيته الوحيدة أن يُدفن في تربتها، فنراه يحدّد مكانها على الخريطة بافتخارٍ عظيم، ويتذكّر أمكنة مقترنة بها كـ«الميماس» و«الدوير» في قصيدته الشهيرة «أم الحجار السّود»، ومنها هذان المقطعان:
يا جارة العاصي لديكِ السُّؤْدُدُ
لبنانُ دونَكِ ساجدٌ مُتَعَبِّدُ
هو عاشقٌ من دمعِهِ لكِ مورِدِ
وارحمتا لميتَّمٍ مَصْفُودِ
يسقي الهوى من قلبِهِ الجُلمُودِ
يا دهرُ قد طالَ البعادُ عن العطَنْ
هل عودةُ تُرْجى وقد فاتَ الظعنْ؟
عُدْ بي إلى حمصٍ ولو حَشْوَ الكفنْ
واهتفْ: «أتيتُ بعاثرٍ مَرْدُودِ»
واجعلْ ضريحي من حجارٍ سودِ
اتسم شعر نسيب بالشكوى من الزمان بسبب ابتعاده عن وطنه حيث طفولته وصباه، فرفل شعره بأثواب الحزن ومال به إلى التشاؤم، وهو يعيش في أرض غريبة، ولم تستطع ناطحات السحاب والمدن العظيمة أن تشغله عن أزقّة حمص وحاراتها وحجارتها السود. تأمل الحياة فإذا هي قاسية لاطعم لها لإنسان يتألم بعيداً عما يحبّ ويهوى، فكانت الحيرة سمة من أهمّ سمات شعر عريضة، ولذلك أطلق على ديوانه عنوان «الأرواح الحائرة»، فكان الحنين باعثاً التساؤل الدائمّ والحيرة المهيمنة، ومن ذلك هذا المقطع:
يا نفسُ مالكِ والأنينْ
تتألمينَ وتؤلمينْ ؟
عذَّبْتِ قلبي بالحنينْ
وكتمْتِهِ ما تقصدينْ؟
أحمامة بين الرياحْ
قد ساقها القدرُ المتاحْ؟
فابتلّ بالمطر الجناحْ
يا نفس مالكِ ترجفينْ؟
كان نسيب عريضة واسع الاطلاع على تاريخ الأدب العربي، وعنوانات أعماله تشهد بتمسكه الشديد بهذا التراث، ومنها «اختصار أبي فراس» و«ديك الجن الحمصي» و«حديث الصمصامة»، وهو مجدّد بقوة، فمعظم شعره على النظام المقطعي والمزدوجات والمخمسات، وفي شعره نزعة غنائية صافية تردّدها قوافٍ متعانقة وأوزان خفيفة رشيقة متجاوبة، وفي مطولاته نزعة صوفية جارفة ممتزجة بالحنين الطاغي، ومن ذلك مثلاً، مطولته «إرم ذات العماد». نظم قصيدة التفعيلة في قصيدته «النهاية» 1917، فكتب عنه ميخائيل نعيمة:
«شاعر ذو شخصية لا تندغم في شخصية أحد من الشعراء. في شعره مدى بعيد، ولشاعريته وجه يميزها عن كل الوجوه، ولألحانه رنّة تعرف بها بين سائر الألحان».
خليل الموسى
Arida (Nasib-) - Arida (Nasib-)
عريضة (نسيب ـ)
(1304ـ 1365هـ/1887ـ 1946م)
نسيب بن أسعد عريضة، شاعر أديب صحفي، من مؤسّسي الرابطة القلمية في المهجر بأمريكا الشمالية، ولد في حمص وتعلّم فيها، ثم درس في المدرسة الروسية بالناصرة، وهاجر إلى نيويورك سنة 1913، فأنشأ فيها مجلة «الفنون» من السنة ذاتها، وأنفق عليها من ماله الذي كان يكسبه من التجارة، وتولى تحرير الجريدة اليومية «مرآة الغرب» ثم جريدة «الهدى» وله: «الأرواح الحائرة»، ديوان شعر صدر في نيويورك بعد وفاته بمدينة بروكلن بقليل، و«أسرار البلاط الروسي»، قصة مترجمة، و«ديك الجنّ الحمصي» قصة نشرها في مجموعة الرابطة القلمية.
هو شاعر الحنين والشكوى والحزن والتشاؤم والحيرة، مجدّد لم يتخلّ عن تراثه العربي، ففي شعره حنين عظيم إلى حمص ظلّ يكابده طوال حياته، فمات بعيداً عنها، وكانت أمنيته الوحيدة أن يُدفن في تربتها، فنراه يحدّد مكانها على الخريطة بافتخارٍ عظيم، ويتذكّر أمكنة مقترنة بها كـ«الميماس» و«الدوير» في قصيدته الشهيرة «أم الحجار السّود»، ومنها هذان المقطعان:
يا جارة العاصي لديكِ السُّؤْدُدُ
لبنانُ دونَكِ ساجدٌ مُتَعَبِّدُ
هو عاشقٌ من دمعِهِ لكِ مورِدِ
وارحمتا لميتَّمٍ مَصْفُودِ
يسقي الهوى من قلبِهِ الجُلمُودِ
يا دهرُ قد طالَ البعادُ عن العطَنْ
هل عودةُ تُرْجى وقد فاتَ الظعنْ؟
عُدْ بي إلى حمصٍ ولو حَشْوَ الكفنْ
واهتفْ: «أتيتُ بعاثرٍ مَرْدُودِ»
واجعلْ ضريحي من حجارٍ سودِ
اتسم شعر نسيب بالشكوى من الزمان بسبب ابتعاده عن وطنه حيث طفولته وصباه، فرفل شعره بأثواب الحزن ومال به إلى التشاؤم، وهو يعيش في أرض غريبة، ولم تستطع ناطحات السحاب والمدن العظيمة أن تشغله عن أزقّة حمص وحاراتها وحجارتها السود. تأمل الحياة فإذا هي قاسية لاطعم لها لإنسان يتألم بعيداً عما يحبّ ويهوى، فكانت الحيرة سمة من أهمّ سمات شعر عريضة، ولذلك أطلق على ديوانه عنوان «الأرواح الحائرة»، فكان الحنين باعثاً التساؤل الدائمّ والحيرة المهيمنة، ومن ذلك هذا المقطع:
يا نفسُ مالكِ والأنينْ
تتألمينَ وتؤلمينْ ؟
عذَّبْتِ قلبي بالحنينْ
وكتمْتِهِ ما تقصدينْ؟
أحمامة بين الرياحْ
قد ساقها القدرُ المتاحْ؟
فابتلّ بالمطر الجناحْ
يا نفس مالكِ ترجفينْ؟
كان نسيب عريضة واسع الاطلاع على تاريخ الأدب العربي، وعنوانات أعماله تشهد بتمسكه الشديد بهذا التراث، ومنها «اختصار أبي فراس» و«ديك الجن الحمصي» و«حديث الصمصامة»، وهو مجدّد بقوة، فمعظم شعره على النظام المقطعي والمزدوجات والمخمسات، وفي شعره نزعة غنائية صافية تردّدها قوافٍ متعانقة وأوزان خفيفة رشيقة متجاوبة، وفي مطولاته نزعة صوفية جارفة ممتزجة بالحنين الطاغي، ومن ذلك مثلاً، مطولته «إرم ذات العماد». نظم قصيدة التفعيلة في قصيدته «النهاية» 1917، فكتب عنه ميخائيل نعيمة:
«شاعر ذو شخصية لا تندغم في شخصية أحد من الشعراء. في شعره مدى بعيد، ولشاعريته وجه يميزها عن كل الوجوه، ولألحانه رنّة تعرف بها بين سائر الألحان».
خليل الموسى