في ورقةِ بحثٍ جديدةٍ نُشِرت في التقاريرِ العلميّة، حلّلَ _فريقٌ دوليٌّ مِن الباحثين_ أحافيرَ و(أحماضَ نوويّة DNA) لِأنواعٍ مازالت على قيدِ الحياةِ وأنواعٍ أخرى انقرضَت مُؤخراً؛ لإثباتِ أنّ حِفظِ الجرابيّاتِ الأستراليّة الحسّاسة هو أقدمُ بكثيرٍ ممّا كان مُعتقَدٌ سابقاً.
يقولُ الدّكتور (بنجامين كير) _من مُتحفِ التّطوُّرِ في جامعةِ (أوبسالا) ومؤلّف أساسي في هذه الدراسة_: «لقد استخدمنا حيوانَ البنديكوت كنموذجٍ لدراسةِ إشعاع الجِرابيّاتِ المُرتبطةِ بِتغيُّرِ المناخِ عبرَ الزّمن. حيواناتُ البنديكوت هي المعادِلُ الجِرابيُّ للقوارضِ والأرانبِ، وتعيشُ اليوم في أوطانٍ تمتدُّ من الصّحراءِ إلى الغاباتِ المَطيرةِ في أستراليا، بالإضافةِ إلى غينيا الجديدة والجُزرِ المحيطةِ بها. من المثيرِ لِلقلق أنّ معظمَ أنواعِ البنديكوت تحتَ تهديدٍ رهيب بِخطرِ الإنقراض؛ بسبب استقدامِ الحيواناتِ المُفترسةِ، فقدِ الموطِن، والصّيد البشريّ.
مُستحاثّاتُ البنديكوت مهمّةٌ لِفهمِ كيفيّةِ تفاعُلِ التنوّعِ الحيَويِّ الأُستراليِّ الفريدِ من نوعِه مع التغيُّرِ المناخيّ في الماضي. يعتقِدُ الباحثون أنّ تغيُّرَ المناخِ _نحو الجفاف مُنذُ 5_10 مليون سنة_ أدّى إلى انقراضِ العديدِ من الأنواعِ القديمة، وظهورِ أنواعٍ جديدةٍ في ذاتِ الوقت.
يقولُ الدُّكتور (كين آبلين) _من متحفِ (سميثونيان) الوطنيّ للتاريخِ الطبيعيّ_: «إنّ تطورَ الثديّاتِ في أستراليا ارتبطَ منذُ فترةٍ طويلةٍ بالجفاف. ورغم ذلك فإنّ هذهِ الفرضيّة تستندُ إلى عددٍ من الصّفاتِ المميّزةِ الموجودةِ في أسنانِ وجماجمِ الأنواعِ الحديثة».
انتشَلَ الدُّكتور (آبلين) بقايا _قديمةً مثيرةً للاهتمامِ_ لِمُستحاثّةٍ جديدةٍ للبنديكوت من النوع Lemdubuoryctes aruensis)) من جُزُرِ (آرو) في شرقِ أندونيسيا.
المستحاثّاتُ الأقدمُ للبنديكوت تعودُ لِأكثرِ مِن 25 مليون سنة، لكنّ الأسنانَ المعزولةَ _والّتي تعودُ لِأكثرِ من 50 مليون سنة_ تُعطي تلميحاً لِسَلَفٍ أقدم. بالمقابل، ظهرَ أوّلَ حيوانِ بنديكوت بشكلٍ واضحٍ مُنذُ أقلّ من 5 ملايين سنة، والّذي تبيّن أنّ مُعظمَ أسلافِهِ القديمة قد استوطنتِ الغاباتَ المطيرةَ منذُ 20 مليون سنة.
يقولُ الدُّكتور (كير): «إنّ حفريّاتِ جُزرِ (آرو) قديمةٌ وبِدائيّةٌ جدًا، وتُشبهُ مُعظمَ أنواعِ البنديكوت القديمةِ المُنقرضة، لكنّها _وبِشكلٍ مُثير_ تعودُ فقط لتِسعةِ آلافِ عامٍ مضت».
لم يعِش النوعَ (Lemdubuoryctes) مُنذ البداية في الغاباتِ الإستوائيةِ المطيرة، بل عاش في السّافانا الواسعةِ _الّتي امتدّت ما بين أستراليا وغينيا_ وذلك خلال العصر الجليدي السابق.
يقولُ البروفيسور (مايكل وسترمان) _الأستاذُ الفخريّ في جامعة (لا تروب) في أستراليا_: «على الرُّغم من تراجعِ الغاباتِ المطيرةِ وانتشارِ المراعي؛ إلّا أنّها أمّنت الخلفيّةَ المناسِبةَ لتغيُّر النُّظُم البيئيّة خلال 5–10.000.000 عام، فتكيَّف كلٌّ من الأستراليين والحيوانات _على حدٍّ سواء_ مع هذا التغيُّرِ، بدلاً من الخضوعِ للإنقراضِ بالجملةِ والإستبدال».
يُضيف البروفسور (ويسترمان): «هذا يتّفقُ مع نتائِجِنا الخاصّةِ بتحليلِ الحمضِ النّووي_DNA، والّتي تُشيرُ إلى أنّ الجماعاتِ الصّحراويةِ الحديثةِ من البنديكوت الحيّ تسبِقُ تاريخَ بدايةِ الجفافِ بما يقدّر بحوالي 40 مليون سنة».
وبشكلٍ واضح؛ تتزامنُ هذه الأُطُرُ الزّمنية مع الزّيادةِ الموسميّةِ وانتشارِ غاباتِ (الأوكاليبتوس) المفتوحةِ في الدّاخلِ القاريّ الأستراليّ.
يقول الدُّكتور (كير): «البنديكوت _كبقيّة الجِرابيّات الأستراليةِ الأُخرى_ احتلّ نطاقًا من البيئاتِ والمواطنِ المُختلفةِ على مدى ملايينِ السّنين. وعلى أيّةِ حال، لدراستِنا هذه آثارٌ أُخرى على مُستقبلِ الحِفاظِ على الأنواع. اليوم، ومع انقراضِ عدّة أنواعٍ مِنهُ خلالَ المِئةِ عامٍ المُنصرِمة؛ يُعتبرُ _بنديكوت المناطق الجّافة_ مِن أكثرِ الثدييّاتِ ضعفاً في أستراليا، ومن خلال توضيحِ قُدرتِهِم التطوريّةِ البالغةِ في العصورِ القديمة؛ نستطيعُ أن نسلّط الضّوءَ على مدى الحاجةِ المُلِحّةِ لحمايةِ هذه المستحاثّات الحيّة كجُزءٍ من التنوّعِ الحَيويّ المُميّزِ في أستراليا».