عمرو لحي
Amr ibn Luhay - Amr ibn Luhay
عمرو بن لُحَيّ
(…/…)
أبو ثُمامة عمرو بن لُحَيّ، وقيل للُحَيّ: أبو خزاعة، وهو ربيعة بن حارثة ابن عمرو بن عامر بن خزاعة.
وهناك من سمَّاه عمرو بن ربيعة، وعمرو بن لُحي، والراجح أنه منسوب إلى جدّه فعُرف به (عمرو بن لحي)، علماً أن القدماء اختلفوا في اسم جده: هل هو ربيعة أو لحي؟ ومن ثم فهو خزاعي مُضَرِي عدناني، نسبه في خُزاعة بن قَمَعَة بن خِنْدِف بن إلياس ابن مضر، وذهب بعض المحدثين أنه أَزْدِيّ قحطاني.
وهو جاهلي قديم جداً لا تُعْرَفُ سنة ولادته ولا سنة وفاته، ولا مكانهما، وإن رجحناهما بمكة، لأن جده لأمه (فهيرة بنت عامر بن الحارث) كان يلي أمر الكعبة.
تفيد الأخبار أنه كان كاهناً يتكهن بمكة، علماً أنه بلغ من الشرف مالم يبلغه عربي قبله، فكان سيداً مطاعاً في العرب، على الرغم من أنه كان يزعم أن له رِئْياً من الجنّ، وهو الذي كان يحثه على جلب الأصنام، وتشجيعه على عبادتها، إذ قال له يوماً: «عجّل السير والظَّعْن من تِهامة، بالسَّعد والسلامة. اِئتِ جدَّة، تجد فيها أصناماً معَّدة، فأوردْها تِهامة ولا تَهَب، ثم ادع العرب إلى عبادتها تُجَبِ»
ولهذا فهو أول من غَيَّرَ دين إبراهيم وإسماعيل، ودعا العرب إلى عبادة الأصنام وتعظيمها، والمشاركة بينها وبين الله سبحانه في التلبية، والاستشفاع بها، وكان أول من أطعم الحاجَّ بمكة سدايف الإبل ولحمها مع الثَّريد، وقيل: إنه فَقأ عين عشرين فحلاً، على عادة العرب بفقء عين فحلٍ لكل ألف ناقة، لذا فهو أول من سيَّب السَّوائب ووصل الوصيلة، وبَحَرَ البَحِيرة، وحمى الحامي (أي لايُركب ظهر بعير حماه).
ويؤكد ما سبق حديث للنبي الكريم يخاطب فيه أكثم بن الجَوْن أو ابن أبي الجَوْن الخُزاعي ـ واسم الجَوْن عبد العُزَّى بن مُنقذ، وكان أشبه الناس بعمرو بن لحي ـ قائلاً له: «يا أكثم، رأيت عمرو بن لحيّ بن قَمَعة بن خِنْدف يجرّ قُصْبَهُ (أي أمعاءه) في النار. ومارأيت من رجل أشبه برجل منك به ولابه منك»، فقال أكثم: «أيضرني شبهه يا رسول الله؟» قال: «لا، وإنه كان أول من غيَّر دين إسماعيل، فنصب الأوثان، وسيَّب السائبة، وبَحَرَ البَحِيرة، ووصل الوصيلة، وحمى الحامي».
وقيل في هذا المقام: إن عمراً نازع الحارث جدّ زوجه في ولاية أمر الكعبة حينما بلغ أشدَّه ونبغ في أشياء كثيرة، فأخذها منه، ومن ثم نفى جُرْهُمَ عن مكَّة، فصارت له حِجابة البيت الحرام وخزانة الكعبة. ثم إنه زار بلاد الشام ودخل ديار (مآب) وهي مؤاب عند الأقدمين ـ من أرض الأردن بالبلقاء ـ، فوجد أهلها يعبدون الأصنام فطلب إليهم عدداً منها، فلبّوا رغبته، وقدموا له ما أراد، فنقل (هُبَل) إلى جوف الكعبة، ثم منحَ بعض الأوثان والأصنام لقبائل عربية عدَّة مثل مَناة لهُذِيْلَ، ونَسْر لذي رُعَين من حمير، وغيرهما، ودعا العرب إلى تعظيمها وكان قوله فيهم ديناً متبعاً لا يخالف، فصار أول من فعل ذلك من العرب، ثم اتخذت القبائل الأصنام والأوثان في بلادها فعُبدت (الَّلات) بالطائف، على حين عُبدت (العُزّى) ـ وهي ثلاث أشجار ـ بوادي نخلة الشامية، ولعل ما قوّى الميل إلى عبادة الأصنام والأوثان عند العرب ـ فضلاً عن مكانة عمرو بن لحي فيهم وطاعتهم له ـ تلك العادة التي تمكنت من نفوسهم حتى غدت عقيدة لهم، ثم انتشرت في قبائلهم، وكان منها أنه إذا أراد أحد من أهل مكة السفر، أو الظَّعْن حمل معه حجراً من حجارة الحرم تيمُّناً به. ثم تحوّل هذا كله إلى تقديس ذاك الحجر والطواف به كما يطوفون حول الكعبة، ثم صاروا يختارون أيّ حجر يعجبهم من أي مكان ويطوفون به، ثم يرمون به إذا رحلوا عن المكان.
وفي ضوء ذلك كله نسوا ما كانوا عليه من دين إبراهيم الخليل، وصاروا إلى ما كانت عليه الأمم الأخرى من عبادة الأصنام، وإن ظلت فيهم بقايا من ذلك الدين كتعظيم الكعبة والحج إليها، والطواف بها.
هكذا عُدّ عمرو بن لُحيّ صاحب أوليات عديدة عند العرب، وإن اخْتُلِفَ في قليل منها، كما هي الحال في أول من نسأ الشهور، فقد اخْتُلِفَ بينه وبين حُذيفة بن عبد بن فُقَيم بن عَدَيّ بن عامر في أيّهما كان الأول في النَّسئ؟ والنَّسيء هو أن العرب كانوا يُحلّون شهراً من الأشهر الحُرم، ويحرمون شهراً من أشهر الحلّ، فيؤخرون ذلك الشهر الذي أحلّوه.
حسين جمعة
Amr ibn Luhay - Amr ibn Luhay
عمرو بن لُحَيّ
(…/…)
أبو ثُمامة عمرو بن لُحَيّ، وقيل للُحَيّ: أبو خزاعة، وهو ربيعة بن حارثة ابن عمرو بن عامر بن خزاعة.
وهناك من سمَّاه عمرو بن ربيعة، وعمرو بن لُحي، والراجح أنه منسوب إلى جدّه فعُرف به (عمرو بن لحي)، علماً أن القدماء اختلفوا في اسم جده: هل هو ربيعة أو لحي؟ ومن ثم فهو خزاعي مُضَرِي عدناني، نسبه في خُزاعة بن قَمَعَة بن خِنْدِف بن إلياس ابن مضر، وذهب بعض المحدثين أنه أَزْدِيّ قحطاني.
وهو جاهلي قديم جداً لا تُعْرَفُ سنة ولادته ولا سنة وفاته، ولا مكانهما، وإن رجحناهما بمكة، لأن جده لأمه (فهيرة بنت عامر بن الحارث) كان يلي أمر الكعبة.
تفيد الأخبار أنه كان كاهناً يتكهن بمكة، علماً أنه بلغ من الشرف مالم يبلغه عربي قبله، فكان سيداً مطاعاً في العرب، على الرغم من أنه كان يزعم أن له رِئْياً من الجنّ، وهو الذي كان يحثه على جلب الأصنام، وتشجيعه على عبادتها، إذ قال له يوماً: «عجّل السير والظَّعْن من تِهامة، بالسَّعد والسلامة. اِئتِ جدَّة، تجد فيها أصناماً معَّدة، فأوردْها تِهامة ولا تَهَب، ثم ادع العرب إلى عبادتها تُجَبِ»
ولهذا فهو أول من غَيَّرَ دين إبراهيم وإسماعيل، ودعا العرب إلى عبادة الأصنام وتعظيمها، والمشاركة بينها وبين الله سبحانه في التلبية، والاستشفاع بها، وكان أول من أطعم الحاجَّ بمكة سدايف الإبل ولحمها مع الثَّريد، وقيل: إنه فَقأ عين عشرين فحلاً، على عادة العرب بفقء عين فحلٍ لكل ألف ناقة، لذا فهو أول من سيَّب السَّوائب ووصل الوصيلة، وبَحَرَ البَحِيرة، وحمى الحامي (أي لايُركب ظهر بعير حماه).
ويؤكد ما سبق حديث للنبي الكريم يخاطب فيه أكثم بن الجَوْن أو ابن أبي الجَوْن الخُزاعي ـ واسم الجَوْن عبد العُزَّى بن مُنقذ، وكان أشبه الناس بعمرو بن لحي ـ قائلاً له: «يا أكثم، رأيت عمرو بن لحيّ بن قَمَعة بن خِنْدف يجرّ قُصْبَهُ (أي أمعاءه) في النار. ومارأيت من رجل أشبه برجل منك به ولابه منك»، فقال أكثم: «أيضرني شبهه يا رسول الله؟» قال: «لا، وإنه كان أول من غيَّر دين إسماعيل، فنصب الأوثان، وسيَّب السائبة، وبَحَرَ البَحِيرة، ووصل الوصيلة، وحمى الحامي».
وقيل في هذا المقام: إن عمراً نازع الحارث جدّ زوجه في ولاية أمر الكعبة حينما بلغ أشدَّه ونبغ في أشياء كثيرة، فأخذها منه، ومن ثم نفى جُرْهُمَ عن مكَّة، فصارت له حِجابة البيت الحرام وخزانة الكعبة. ثم إنه زار بلاد الشام ودخل ديار (مآب) وهي مؤاب عند الأقدمين ـ من أرض الأردن بالبلقاء ـ، فوجد أهلها يعبدون الأصنام فطلب إليهم عدداً منها، فلبّوا رغبته، وقدموا له ما أراد، فنقل (هُبَل) إلى جوف الكعبة، ثم منحَ بعض الأوثان والأصنام لقبائل عربية عدَّة مثل مَناة لهُذِيْلَ، ونَسْر لذي رُعَين من حمير، وغيرهما، ودعا العرب إلى تعظيمها وكان قوله فيهم ديناً متبعاً لا يخالف، فصار أول من فعل ذلك من العرب، ثم اتخذت القبائل الأصنام والأوثان في بلادها فعُبدت (الَّلات) بالطائف، على حين عُبدت (العُزّى) ـ وهي ثلاث أشجار ـ بوادي نخلة الشامية، ولعل ما قوّى الميل إلى عبادة الأصنام والأوثان عند العرب ـ فضلاً عن مكانة عمرو بن لحي فيهم وطاعتهم له ـ تلك العادة التي تمكنت من نفوسهم حتى غدت عقيدة لهم، ثم انتشرت في قبائلهم، وكان منها أنه إذا أراد أحد من أهل مكة السفر، أو الظَّعْن حمل معه حجراً من حجارة الحرم تيمُّناً به. ثم تحوّل هذا كله إلى تقديس ذاك الحجر والطواف به كما يطوفون حول الكعبة، ثم صاروا يختارون أيّ حجر يعجبهم من أي مكان ويطوفون به، ثم يرمون به إذا رحلوا عن المكان.
وفي ضوء ذلك كله نسوا ما كانوا عليه من دين إبراهيم الخليل، وصاروا إلى ما كانت عليه الأمم الأخرى من عبادة الأصنام، وإن ظلت فيهم بقايا من ذلك الدين كتعظيم الكعبة والحج إليها، والطواف بها.
هكذا عُدّ عمرو بن لُحيّ صاحب أوليات عديدة عند العرب، وإن اخْتُلِفَ في قليل منها، كما هي الحال في أول من نسأ الشهور، فقد اخْتُلِفَ بينه وبين حُذيفة بن عبد بن فُقَيم بن عَدَيّ بن عامر في أيّهما كان الأول في النَّسئ؟ والنَّسيء هو أن العرب كانوا يُحلّون شهراً من الأشهر الحُرم، ويحرمون شهراً من أشهر الحلّ، فيؤخرون ذلك الشهر الذي أحلّوه.
حسين جمعة