النيكل معدنٌ صلب أبيض فضيّ حيث جعلت منه قوّته، وليونته، ومقاومته للحرارة والتآكل عنصرًا مفيدًا للغاية من أجل تطوير طائفة واسعة من المواد مثل الأسلاك الكهربائيّة، والعملات النقديّة، والمعدّات العسكريّة.
يتوضّع هذا العنصر المفيد بشكل كبير المركز 28 من الجدول الدوريّ بين عنصريّ الكوبالت والنحاس. كما أنّه مُوصل مقبول للكهرباء والحرارة، وواحد من العناصر الأربعة – الكوبالت، والحديد، والنيكل، والغادولينيوم – والتّي تُعتبَر ذات الأنفاذيّة المغناطيسيّة العالية (تتمغنط بسهولة) في درجة حرارة الغرفة.
كما يُعتَبَر عنصرًا انتقاليًا، أيّ أنّه يمتلك إلكترونات تكافؤيّة في مدارين اثنين بدلًا من واحد (الطبقات المحيطة بالنواة في الذرّة) الأمر الذي يمكّنه من تشكيل حالات أكسدةٍ مختلفة.
الاكتشاف
إنّ اكتشاف النيكل الخام في أوروبا في القرن السابع عشر هو حكايةٌ لتعريفٍ خاطئ وخرافة. خلال القرن السابع عشر، كان عمّال المناجم الألمان يبحثون عن النحاس في (جبال الخام – Ore Mountains) وصادفوا خلال بحثهم خام النيكل غير المعروف مُسبقًا – والذي يُعرف اليوم بزرنيخيد النيكل أو النيكوليت – وهو عبارة عن صخرة بلونٍ أحمر بنّي باهت من النيكل والزرنيخ. وحاول العمّال عندها أن يستخرجوا النحاس، حيث اعتقدوا أنّهم قد اكتشفوا مصدرًا آخر له، ولكنّ بالطبع فشلت عمليّة الاستخراج هذه. عندها ونتيجة ل”خداعهم” وجّه العمّال المحبطون اللّوم على (النيكل – Nickel) – وهو اسمٌ لشيطانٍ مؤذٍ في الميثولوجيا الألمانيّة – وبدأوا بإطلاق عليه اسم كوبفير نيكل والتّي تُترجم ل”شيطان النحاس”.
وبعد قرن، تقريبًا عام 1751 حاول عالم الكيمياء القديمة السويدي (بارون أكسل فريدريك كرونستيدت – Baron Axel Fredrik Cronstedt) تسخين (كوبفير نيكل – kupfernickel) – خليط من النحاس والنيكل -بالفحم ووجد أنّ خصائصه المختلفة كشفت وبوضوح أنّه ليس نحاس. وكان (كرونتسد – Cronstedt) أوّل من استخرج النيكل وعزله كعنصرٍ جديد وأسقط عنه تسمية “كوبفير (نحاسيّ)” وسمّى العنصر الجديد بالنيكل.
أين يوجد في الأرض؟
هو خامس العناصر وفرةً على الأرض. ولكنّ تركيزه تحت قشرة الأرض أكبر مئة مرة من تركيزه داخلها وفقًا لموقع “Chemicool”. في الحقيقة يُعتقد أنّه ثاني العناصر وفرةً في نواة الأرض الداخليّة بحيث يكون الحديد هو العنصر الأول بفارق كبير.
يتواجد عادةً في موقعين رئيسيَين وهما: الصخور الرمليّة الحمراء – المُتشكّلة نتيجة التعرية المُكثّفة لسطح الصخور الغنية بالنيكل -، والموقع الثاني هو رواسب الكبريتات المنصهرة. كما يمكن أن يتواجد في العقد والقشور المنغنيزيّة في قاع البحر العميق، لكنّ في الوقت الحالي لا يُستَخرَج من هذا المصدر وفقاً لموقع “Geology.com”. بالإضافة إلى ذلك، تُشكّل ليمونيت أكسيد الحديد المائيّ، والغارنيريت، والبنتلانديت (كبريت النيكل) المصادر المعدنيّة الرئيسيّة للنيكل.
اعتُبِرَت النرويج عام 1848 كأول موقعٍ لإذابة النيكل بنطاقٍ واسع. حيث قاموا باستخدامهم نوعًا من خام النيكل والمعروف باسم (يريت مغناطيسي – pyrrhotite). وفي 1883 اُكتُشِفَت مخازن ضخمة من النيكل في (حوض سودبيري – Sudbury Basin) في كندا حيث يتمّ استخراج 30% من نيكل العالم اليوم. ويُعتقد أنّ هذا المخزون الكبير من النيكل يعود للتأثير النيزكيّ القديم. كما اُكتُشِفَ المزيد من النيكل في روسيا وجنوب أفريقيا في أوائل القرن الماضي، الأمر الذّي فتح المجال لتربّع المزيد من النيكل مكانًا قويًا في الصّناعة.
الحقائق فقط
العدد الذريّ (عدد البروتونات في النواة): 28.
الرمز الذريّ (على الجدول الدوري للعناصر): Ni.
الوزن الذريّ (متوسط كتلة الذرة): 58.6934.
الكثافة: 8.912 جرام لكلّ سنتيمتر مكعّب.
الحالة في درجة حرارة الغرفة: صلب.
نقطة الانصهار: 2,651 فهرنهايت (1,455 درجة مئويّة).
نقطة الغليان: 5,275.4 فهرنهايت (2,913 درجة مئويّة).
عدد النظائر (ذرات من نفس العنصر مع عدد مختلف من النيوترونات): 5 مستقرة و26 غير مستقر.
النظير الأكثر شيوعًا: Ni-58 (68.077 بالمئة وفرة طبيعيّة).
عنصرٌ خارق
القليل من المواد تُصنَع من النيكل الصافي. عِوَضًا عن ذلك هو يميل لِلعب دور الداعم والمحافظ على الاستقرار في صناعة المواد، حيث يُدمج عادةً مع المعادن الأخرى لإنتاج موادٍ أقوى وأكثر بريقًا ومتانةً. كما يُستخدَم النيكل بشكل كبير كطلاءٍ خارجيّ واقٍ للمعادن الأضعف (الألين).
النيكل هو المعدن المفضّل لصنع السبائك الفائقة – وهي مجموعة المعادن المعروفة بقوّتها الكبيرة، ومقاومتها للحرارة والتآكل والتأكسد – بسبب قدرته على الصمود في درجات الحرارة العالية جدًا.
وفي الحقيقة فإنّ 65 بالمئة تقريبًا من النيكل يُستخدم لصنع الفولاذ المُقاوم للصدأ، و20 بالمئة أخرى تُستخَدم لصنع الفولاذ والسبائك غير الحديديّة والتّي تشمل الأدوات العسكريّة عالية التخصّص، والطائرات، والاستخدامات الصناعيّة. وحوالي 9 بالمئة يُستخدم في التصفيح (أو الطلاء المعدنيّ) و6 بالمئة يُستخدم لأنواعٍ أخرى من التطبيقات كالعملات المعدنيّة، والبطاريات، والمواد الكهربائيّة.
الأموال تتكلّم
يُعتبَر النيكل معدنًا ممتازًا من أجل صناعة العملة المعدنيّة وذلك يعود لقوّته ومقاومته للتآكل. وكانت
أوّل عملة احتوت على معدن النيكل هي قطعة النسر المحلّق بقيمة واحد سنت، والتّي تضمنت 12 بالمئة نيكل و88 بالمئة نحاس. كما أنّ هذه العلمة اعتُبِرَت أوّل عملةٍ تقوم على اسم “النيكل” وقد تمّ تداولها لسنتين فقط بين عاميّ 1857-1858.
بعد سنوات قليلة، عام 1866، طُرِحَ النيكل بقيمة خمسة سنتات وذلك بعد نهاية الحرب الأهليّة فقط. كانت معظم العملات قبل الحرب لا تزال تُصنع من الذهب والفضة الأمر الذّي يعطيها قيمة حقيقيّة. وبمجرد أن بدأت إشاعات الحرب بالانتشار شَرَع الناس بادّخار عملاتهم القيّمة، ممّا أدّى لانخفاض الاقتصاد. وبهدف التعويض عن النقص في العملات بدأ الناس بتداول طوابعَ وعملاتٍ ورقيّة، والتّي أُصدِرَت من قِبَل البنوك والمتاجر. حتّى أنّ جنود الاتحاد كانوا يتلَقّوْن رواتبهم بالعملات الورقيّة من قِبَل الحكومة.
في غضون ذلك اشترى الصناعيّ جوزيف وارتون العديد من مناجم النيكل في سنوات الحرب الأولى. حيث كان النيكل أكثر المعادن المطلوبة خلال الحرب لأنّه استُخدِمَ للمساعدة في صناعة المعدّات العسكريّة. ولكنّ بمجرد انتهاء الحرب كان هناك فائض من النيكل وتسائل جوزيف وارتون ماذا سيصنع بكلّ هذا النيكل. فقام بحثّ المشرّعين على صنع المزيد من عملات النيكل، حيث سيقلّ احتمال تخزين الناس لهذا المعدن الأقل قيمةً.
استقبل المشرّعون اقتراحه هذا بآذانٍ صاغية، لذلك وفي عام 1866 قامت الحكومة الأمريكيّة بسكب 15 مليون قطعة نقديّة من فئة الخمسة سنتات مصنوعةً من 75 بالمئة من النحاس و25 بالمئة من النيكل. وقد غمر النيكل الاقتصاد وأصبح العملة الأبرز في سنوات ما بعد الحرب.
في الولايات المتحدة، لا تزال الخمس والعشر سنتات، والربع والنصف دولار تُصنع من خليط النحاس والنيكل. تحتوي الخمس سنتات – وبشكل ملائم للغاية – على أكبر نسبةٍ من النيكل بحوالي 25 بالمئة بينما تحتوي العملات الأخرى على نسبة 8.33 من النيكل.
من كان يعلم؟
– تتألف العديد من النيازك من خليط معدنيّ من النيكل والحديد. وقد اعتبر الناس في مصر القديمة النيازك الغنيّة بالنيكل جليلةً للغاية (هامّة للغاية) وصنعوا منها أشكالًا ليتزيّنوا بها. كما اكتُشِفَ خرز على شكل أنابيب مصنوعةٍ من مواد نيزكيّة (حوالي 30 بالمئة من وزنها النيكل) في حفرة قبرٍ في مقبرة جرزة الواقعة على الضفّةِ الغربيّةِ لنهر النيل. ويُعتقد أنّها دُفِنَت حوالي 3300 قبل الميلاد.
– يُستخدم النيكل مُحفّزًا لهدرجة (إضافة الهيدروجين) المكوّنات غير المُشبعة في العديد من أنواع الزيوت، حيث يقوم بتحويل المواد من سائلة إلى صلبة. كما يمكن استخدام مُحفّز النيكل لإنتاج السمن والدهن وأنواع مُعيّنة من الصابون.
– النيتينول هو خليط من النيكل والذّي “يتذكّر شكله السابق” وفقًا لموقع “Chemicool”. فعند قيامك بتسخين سلكٍ من خليط الينكل – تيتانيوم هذا في درجة حرارة 500 درجة مئويّة (932 فهرنهايت) يمكنك ثني السلك بأيّ شكلٍ تريده. ثمّ أعطه فرصةً ليبرد وقم بثنيه لشكلٍ آخر، ثمّ قم بإعادة تسخين السلك، عندها ستشاهد الشكل الأول يظهر من جديد.
– أنتج انفجار النجم المتفجّر الأعظم أو “سوبر نوفا 2007bi” كميّةً من النيكل أكبر بثلاثِ مرّاتٍ من شمسنا، ممّا دفع الغازات المتوسّعة للتوهّج بسطوعٍ كبيرٍ لشهور. .
– النيكل واحد من أكثر الأسباب الشائعة للحساسيّة المُتّصلة بالجلد، وتُعتبَر المجوهرات التّي تحتوي على النيكل مثل الذهب الأبيض من ضمن الأشياء الشائعة المُسبّبة للتهيّج.
– أنتجت سويسرا في عام 1881 أوّل عملة معدنيّة من النيكل الصافي تقريبًا، كما قدّمت كندا – وهي أكبر مُصدّرٍ عالميّ للنيكل في العالم – بين عاميّ 1922-1981عملةً معدنيّةً بنسبة 99.9 بالمئة من النيكل، حيث تساوي هذه القطعة 5 سنتات.
– إضافة النيكل إلى الزجاج يعطيه لونًا أخضرًا.
– يمكن مدّ كيلوغرام واحد من النيكل لثلاثمئة كيلومترٍ من الأسلاك الكهربائيّة، وفقًا لمختبر (جيفرسون -Jefferson).
المغنطة
يُعتَبَر هذا العنصر واحدًا من المعادن الأربعة الوحيدة ذات الأنفاذيّة المغناطيسيّة العالية، أيّ أنّها تنجذب للمغناطيسات وأنّها مُمغنظةٌ بذاتها. أمّا المعادن الثلاث الأخرى هي: الحديد، والكوبالت، والغادولينيوم. مغناطيسات ألنيكو – مزيج من الألمنيوم (Al)، النيكل (Ni) والكوبالت (Co) – هي مغناطيسات دائمة قوية جدًا، تحافظ على مغناطيسيّتها حتّى عند تسخينها وتوهّجها باللون الأحمر، وفقًا لموقع “Chemicool”.
(السبيكة عالية الأنفاذيّة المغناطيسيّة – Mu-metal) هي مزيج مغناطيسيّ طريّ يتألف تقريبًا بنسبة 80 بالمئة من النيكل و20 بالمئة من الحديد (إضافةً إلى قليل من الموليبدينوم). تمتلك (السبيكة عالية الأنفاذيّة المغناطيسيّة – Mu-metal) نفاذيّةً عاليةً جدًا، ممّا يمكّنها من حماية المعدّات الإلكترونيّة الحساسة من الحقول المغناطيسيّة الثابتة أو منخفضة الترددّ، فإذا قمت بوضع سبيكةٍ عاليةِ الأنفاذيّة المغناطيسيّة بين مغناطيسٍ ومعدن فإنّ التجاذب المعتاد الحاصل سوف يختفي بالفعل.
السميّة
يُعتَبَر النيكل عنصرًا أساسيًّا من أجل حياةٍ صحيّةٍ للنباتات حيث توجد كميّات ضئيلة منه في أغلب الخضروات والفواكه والمكسّرات، وبكميات أكبر بقليل في الشوكولا والخمر، وفقًا (لمعهد النيكل – Nickel Institue).
ولكنّ كمعظم المعادن الأخرى فللنيكل جانبٌ مظلم عندما يدخل الجسم البشريّ بكمّياتٍ كبيرة. وعندما تتجمّعِ كميات كبيرة من النيكل (والمعروف بأنّه مُسرطن) في التربة والهواء وفي إمداداتنا من الغذاء والماء سينجمُ عن ذلك مخاطرَ للسمّية.
كما أنّ الأشخاص العاملين في وظائف مثل صقل النيكل، والتصفيح الكهربائيّ بالنيكل، واللّحام، يتعرّضون لأخطر المشاكل الصحّية. حيث يتواجد العمّال الّذين يستنشقون كمّياتٍ ضئيلةٍ من غبار النيكل في خطرٍ متزايدٍ لسرطان الرئة والتليّف والأمراض الأخرى.
في عام 2012 أُجريَ فحص لاختبار وطائف الكبد لخمسة وعشرين عاملًا في مجال الطلي المعدنيّ بالنيكل في مصر. وأظهرت النتائج وبأغلبية ساحقة أنّ وظائف الكبد كانت ضعيفة عند العمّال بالنيكل، مقارنةً بمجموعة المراقبة. كما كشفت دراسة أخرى أيضًا في المملكة العربية السعودية عن الآثار السّامة لتعرّض الرئتين والمجاري الهوائيّة للنيكل، ولكنّ الباحثين اكتشفوا أيضًا حقيقة مُثيرة بخصوص تناول الكركمين الغذائيّ – وهو المركّب النشط لبهارات الكركم – حيث وُجد أنّ تناوله ارتبط بانخفاضٍ ملحوظٍ في السمّية والإجهاد التأكسديّ.