عفيف تلمساني (سليمان علي)
Al-Afif al-Tilmisani (Sulaiman ibn Ali-) - Al-Afif al-Tilmisani (Sulaiman ibn Ali-)
العفيف التلمساني (سليمان بن علي)
(610ـ 690هـ/1213ـ 1291م)
عفيف الدين، أبو الربيع، سليمان ابن علي بن عبد الله العابدي الكوميّ، نسبة إِلى كومية وهي قبيلة بربرية (إليها يُنْسَبُ عبد المؤمن بن علي الموحدي التلمسانيّ) وقد عُرِفَ عند القدماء بلقب العفيف التلمساني.
ولد الشاعر في تلمسان بالجزائر، ونال القسط الأكبر من ثقافته في مسقط رأسه، وارتحل من بلده في أوائل العقد الثالث من عمره، فنزل القاهرة، ورزقه الله فيها ولداً هو الشاعر المعروف الشاب الظريف، وكان يقيم في خانقاه سعيد السعداء مجاوراً صاحبه شمس الدين الأيكي. ثم انتقل بعد ذلك إلى بلاد الروم صوفياً متجرداً كعادته، وقد ذكر شمس الدين الجزري (ت 739 هـ) في تاريخه «أنه عمل ببلاد الروم أربعين خلوة، يخرج من واحدة ويدخل أخرى».
أما المرحلة الختامية فتختلف كل الاختلاف عن المراحل السابقة. فقد أعرض فيها عن اتخاذ التصوف سلوكاً كاملاً، وإنما كان يؤثر الإقامة الدائمة في دمشق في قصره الذي أقامه في ظاهر دمشق في سفح جبل قاسيون بين رياض الصالحية، ومازال هذا المكان معروفاً باسم العفيف، وهو حي من أحيائها العامرة، وذلك بعد أن أصبح ثاني اثنين بعد السلطان في دمشق، واستمر في عمله الرسمي حتى وفاته ودفن في مقابر الصوفية بدمشق.
التزم الشاعر سلوكه الصوفي عقيدة في شعره، ويمكن إجمال ذلك في خمسة أقسام رئيسة هي الآتية: الله والعقل والحقيقة، الحسن والجمال والكمال، الأكوان والدهور والخليقة، الأنبياء والرسل والمتصوفة، التوحيد والوحدة المطلقة.
تضمن شعره هذه المعاني كلها، وكان يعرضها مستقلةً في بعض الأحيان، ومضمَّنة في أحيان أخرى، فنراها مضمنة في الأغراض الشعرية.
ولابدّ من الإشارة هنا إلى أنّ الأقسام كلها تتجمع في القسم الأخير، وهو التوحيد والوحدة المطلقة، والمعروف في تفسير ذلك أنّ هذا العالم المحسوس أو هذا الوجود الماديّ إنما هو صورة وظل للخالق، وبتعبير آخر فإن هذا الوجود مرآة تعكس درجة الحقيقة المتمثلة في الذات الإلهية.
ذكر ابن تيمية أنّ هذا المذهب كثير في شعر كثير من المتأخرين، وأرجعه إِلى طوائف الجهمية، وعدّد منهم ابن الفارض وعامراً البصري وابن عربي وابن سبعين والششتري والقونوي وابن إسرائيل والحريري والبلباني والعفيف التلمساني، وعدّه أخطر هؤلاء جميعاً وأهمهم.
ويمكن أن يدرس الوحدة المطلقة في أربع حالات: تضمنت الحالة الأولى ذكر المعاني في التوحيد، أو الوحدة، أو الاتحاد من دون اللفظ، وتضمنت الحالة الثانية ذكر هذه المعاني مشفوعة بألفاظها المحدّدة، وتضمنت الحالة الثالثة ذكر الشواهد المقصورة على هذه المعاني، من دون أن تشاب ـ في الغالب ـ بأي من الأغراض المعروفة، وجدير بالذكر أن الحالة الأخيرة تتضمن النص الصريح على نفي الغير والسوى في القول بالوحدة المطلقة. ويفرق الشاعر في التحدث عن الوحدة المطلقة فينفي فكرة التعدّد، ويندّد بفرقة التعداد ويكرهها، كما كان يكره الازدواجية الثنائية في كل شيء، ذلك لأن التوحيد والتحقيق في أصولها الصوفية لابدّ منهما، يضاف إِلى ذلك أن التوحيد أصل واحد وجوهر مفرد.
أما سائر الأغراض بالإضافة إِلى ذلك فهي ثلاثة: الغزل الصوفي، والخمريات الصوفية، والوصف، ولاسيما وصف الطبيعة، كقوله:
كأن الأقاحي والشقيق تقابلاً
خدود جلاهنّ الصبا ومباسم
كأن بها للنرجس الغضّ أعيُناً
تنبّه منها البعض والبعض نائم
أمَّا النسيب والغزل الصوفي فيتضمن التحدث عن معالم النسيب العربية، ووصف نَجْدٍ وما حوله، والتحدث عن العرب والعروبة، ووصف النساء العربيات، والوقوف عند أوصاف الحب وأحوال المحب، وذلك كله في الرمز الصوفي.
وأمّا الخمريات فهي الغرض الثاني الذي اتخذه الشاعر سبيله، وقد تحدث عن قدم الخمرة، وذكر من خلالها عوالم الصور والأرواح، ووصف الأكوان التي أسكرت، والخمّار الذي سقاها، وكان في ذلك كله يصور نفسه في جدّها وخلاعتها، ويجد في حياة الخلاعة والمجون الجد كل الجد.
وأما وصف الطبيعة فيمثل الغرض الثالث، وله مظهران، أولهما: مقصور على وصف الطبيعة المحض. وثانيهما: مقصور على وصف الطبيعة المشوب بغيره من الأغراض الشعرية، وذلك كله ضمن الرمز الصوفي.
للشاعر ديوان مشهور، وهو مخطوط، منه عدة نسخ مخطوطة موزعة في مكتبات العالم، وقد ترجمه إِلى الفرنسية اسكندر المغربي بعنوان «ديوان الحب للشريف سليمان» سنة 1911. وله شرح «فصوص الحكم» لابن عربي، وشرح تائية ابن الفارض، وشرح» المواقف» للنفري، وشرح «منازل السائرين» للهروي، وشرح «عينية ابن سينا»، وشرح «أسماء الله الحسنى»،. والمقامات وفنّ العروض.
عمر موسى باشا
Al-Afif al-Tilmisani (Sulaiman ibn Ali-) - Al-Afif al-Tilmisani (Sulaiman ibn Ali-)
العفيف التلمساني (سليمان بن علي)
(610ـ 690هـ/1213ـ 1291م)
عفيف الدين، أبو الربيع، سليمان ابن علي بن عبد الله العابدي الكوميّ، نسبة إِلى كومية وهي قبيلة بربرية (إليها يُنْسَبُ عبد المؤمن بن علي الموحدي التلمسانيّ) وقد عُرِفَ عند القدماء بلقب العفيف التلمساني.
ولد الشاعر في تلمسان بالجزائر، ونال القسط الأكبر من ثقافته في مسقط رأسه، وارتحل من بلده في أوائل العقد الثالث من عمره، فنزل القاهرة، ورزقه الله فيها ولداً هو الشاعر المعروف الشاب الظريف، وكان يقيم في خانقاه سعيد السعداء مجاوراً صاحبه شمس الدين الأيكي. ثم انتقل بعد ذلك إلى بلاد الروم صوفياً متجرداً كعادته، وقد ذكر شمس الدين الجزري (ت 739 هـ) في تاريخه «أنه عمل ببلاد الروم أربعين خلوة، يخرج من واحدة ويدخل أخرى».
أما المرحلة الختامية فتختلف كل الاختلاف عن المراحل السابقة. فقد أعرض فيها عن اتخاذ التصوف سلوكاً كاملاً، وإنما كان يؤثر الإقامة الدائمة في دمشق في قصره الذي أقامه في ظاهر دمشق في سفح جبل قاسيون بين رياض الصالحية، ومازال هذا المكان معروفاً باسم العفيف، وهو حي من أحيائها العامرة، وذلك بعد أن أصبح ثاني اثنين بعد السلطان في دمشق، واستمر في عمله الرسمي حتى وفاته ودفن في مقابر الصوفية بدمشق.
التزم الشاعر سلوكه الصوفي عقيدة في شعره، ويمكن إجمال ذلك في خمسة أقسام رئيسة هي الآتية: الله والعقل والحقيقة، الحسن والجمال والكمال، الأكوان والدهور والخليقة، الأنبياء والرسل والمتصوفة، التوحيد والوحدة المطلقة.
تضمن شعره هذه المعاني كلها، وكان يعرضها مستقلةً في بعض الأحيان، ومضمَّنة في أحيان أخرى، فنراها مضمنة في الأغراض الشعرية.
ولابدّ من الإشارة هنا إلى أنّ الأقسام كلها تتجمع في القسم الأخير، وهو التوحيد والوحدة المطلقة، والمعروف في تفسير ذلك أنّ هذا العالم المحسوس أو هذا الوجود الماديّ إنما هو صورة وظل للخالق، وبتعبير آخر فإن هذا الوجود مرآة تعكس درجة الحقيقة المتمثلة في الذات الإلهية.
ذكر ابن تيمية أنّ هذا المذهب كثير في شعر كثير من المتأخرين، وأرجعه إِلى طوائف الجهمية، وعدّد منهم ابن الفارض وعامراً البصري وابن عربي وابن سبعين والششتري والقونوي وابن إسرائيل والحريري والبلباني والعفيف التلمساني، وعدّه أخطر هؤلاء جميعاً وأهمهم.
ويمكن أن يدرس الوحدة المطلقة في أربع حالات: تضمنت الحالة الأولى ذكر المعاني في التوحيد، أو الوحدة، أو الاتحاد من دون اللفظ، وتضمنت الحالة الثانية ذكر هذه المعاني مشفوعة بألفاظها المحدّدة، وتضمنت الحالة الثالثة ذكر الشواهد المقصورة على هذه المعاني، من دون أن تشاب ـ في الغالب ـ بأي من الأغراض المعروفة، وجدير بالذكر أن الحالة الأخيرة تتضمن النص الصريح على نفي الغير والسوى في القول بالوحدة المطلقة. ويفرق الشاعر في التحدث عن الوحدة المطلقة فينفي فكرة التعدّد، ويندّد بفرقة التعداد ويكرهها، كما كان يكره الازدواجية الثنائية في كل شيء، ذلك لأن التوحيد والتحقيق في أصولها الصوفية لابدّ منهما، يضاف إِلى ذلك أن التوحيد أصل واحد وجوهر مفرد.
أما سائر الأغراض بالإضافة إِلى ذلك فهي ثلاثة: الغزل الصوفي، والخمريات الصوفية، والوصف، ولاسيما وصف الطبيعة، كقوله:
كأن الأقاحي والشقيق تقابلاً
خدود جلاهنّ الصبا ومباسم
كأن بها للنرجس الغضّ أعيُناً
تنبّه منها البعض والبعض نائم
أمَّا النسيب والغزل الصوفي فيتضمن التحدث عن معالم النسيب العربية، ووصف نَجْدٍ وما حوله، والتحدث عن العرب والعروبة، ووصف النساء العربيات، والوقوف عند أوصاف الحب وأحوال المحب، وذلك كله في الرمز الصوفي.
وأمّا الخمريات فهي الغرض الثاني الذي اتخذه الشاعر سبيله، وقد تحدث عن قدم الخمرة، وذكر من خلالها عوالم الصور والأرواح، ووصف الأكوان التي أسكرت، والخمّار الذي سقاها، وكان في ذلك كله يصور نفسه في جدّها وخلاعتها، ويجد في حياة الخلاعة والمجون الجد كل الجد.
وأما وصف الطبيعة فيمثل الغرض الثالث، وله مظهران، أولهما: مقصور على وصف الطبيعة المحض. وثانيهما: مقصور على وصف الطبيعة المشوب بغيره من الأغراض الشعرية، وذلك كله ضمن الرمز الصوفي.
للشاعر ديوان مشهور، وهو مخطوط، منه عدة نسخ مخطوطة موزعة في مكتبات العالم، وقد ترجمه إِلى الفرنسية اسكندر المغربي بعنوان «ديوان الحب للشريف سليمان» سنة 1911. وله شرح «فصوص الحكم» لابن عربي، وشرح تائية ابن الفارض، وشرح» المواقف» للنفري، وشرح «منازل السائرين» للهروي، وشرح «عينية ابن سينا»، وشرح «أسماء الله الحسنى»،. والمقامات وفنّ العروض.
عمر موسى باشا