الواقعية الجديدة
يقتبس كراكاور غالباً من أفلام الواقعية الجديدة الإيطالية ليصور نظرياته في الواقع إن الواقعية الجديدة هي أسلوب في صناعة الأفلام وحركة سينمائية محددة بدأت في إيطاليا خلال الأشهر الأخيرة من الحرب العالمية الثانية باعتبارها حركة إيطالية خاصة فإن الواقعية الجديدة انتهت في منتصف الخمسينات، ولكن باعتبارها أسلوباً فإنها انتشرت في أقطار كثيرة أخرى. في الهند مثلاً أغلب أفلام ساتياجيت راي هي بأسلوب الواقعية الجديدة وفي أمريكا تأثر أيليا كازان بها. ابتداءً من منتصف الخمسينات أصبحت الواقعية الجديدة الأسلوب المهيمن في إنكلترا واستمرت قرابة عقد من الزمن، الأفلام الأولى لتوني رتشاردسون وكاريل رايش ولندسي أندرسون كلها تعكس الجانبين من التحيز السياسي والأسلوبي لهذه الحركة.
ربما كان الفلم الواقعي الجديد النموذج هـو فلم (مدينة مفتوحة) لروبرتوروسوليني الذي شرع الأسلوب والحركة معاً. شارك جزئياً في النص سيزار زافاتيني وهو واحد من أكفأ كتاب السينما في تاريخ السينما. كان لفلم (مدينة مفتوحة) تأثير الانفجار في عالم الفلم (۱۰ - ١٢) بتناول الفلم التعاون بين الكاثوليكيين والشيوعيين في مقاتلة الاحتلال النازي في روما. من المعلوم إن روسوليني صور بعض الأقدام خلال احتلال النازيين وانسحابهم الفعلي من المدينة. كان الفلم من الناحية التقنية بدائياً بعض الشيء. بما أنه كان من الصعب الحصول على نوعية جيدة من الفلم الخام فقد عمد روسوليني إلى استخدام أفلام إخبارية رديئة ولكن رغم الأخطاء التقنية - وربما بسببها ـ فإن الصور المليئة بالحبيبات عبرت عن إحساس بالروح الصحافية المباشرة والأضيلة. العديد من المخرجين في الواقعية الجديدة بدأ عمله صحفياً وقد كان روسولينين نفسه سينمائياً تسجيليا. الفلم بأكمله يكاد أن يكون مصوراً في مواقع حقيقية وهنالك العديد من اللقطات الخارجية لم يستخدم فيها أية إنارة إضافية. كان الممثلون جميعاً باستثناء الأدوار الرئيسية من غير المحترفين. بناء الفلم يعتمد على مجموعة أحداث - سلسلة من المقاطع ترينا ردود أفعال مواطني روما تجاه الاحتلال الألماني رفض روسوليني أن يسبغ على شخصياته الهالة ولم يركز على الأبطال بل على الناس العاديين في لحظات بطولية. إن قيام روسوليني بعمل مزيج غريب من الماركسية والكاثوليكية يستند إلى تعاطفه الإنساني مع كل ضحايا الحروب بضمنهم أولئك الذين يخونون أفضل غرائزهم الفلم مشبع بإحساس بالنزاهة لا ينضب. صرح روسوليني بعد عرض الفلم إن الأشياء هي على هذه الشاكلة، أصبحت العبارة شعاراً لحركة الواقعية الجديدة.
خلال السنوات القليلة التالية ظهرت سلسلة مدهشة من الأفلام منها أفلام روسوليني (بايزان) و(المانيا السنة صفر) و (صباغ الأحذية) و(امبرتودي) و (سارق) (الدراجات لفيتوريو ديسيكا وكلها نصوص زافاتيني، و(لاتيراتريما) لفسكونتي. الأعمال الأولى لفلليني وأنطونونيوني رغم أنها لا تعتبر جزءاً من حركة الواقعية الجديدة إلا أنها مدينة كثيراً لها بعض المخرجين تأثر بالإنسانية الكاثوليكية لروسوليني أبرزهم ديسيكا وفلليني (۱۰-۱۳) تأثر آخرون وخاصة فسكونتي وانطونيوني بالدلالات الماركسية لفلم (مدينة مفتوحة) أكثر من تأثرهم بالجوانب الأخرى. امتد تأثير الواقعية الجديدة متأخراً حتى الستينات ويمكن ملاحظة ذلك في أفلام أرمانو أولمي الرائعة (البريد) ويعرف بعنوان آخر صوت الطبول وفلمه (المخطوبون).
رغم أن هنالك اختلافات كبيرة بين هؤلاء المخرجين وحتى بين أعمالهم القديمة والحديثة إلا أن جماليات الواقعية الجديدة وفرت نقطة تجمع وانطلاق لأكثر السينمائيين الإيطاليين الموهوبين في تلك الفترة كانت أفلامهم تميل إلى عدم التأكيد على الحبكات وتفضيل الأبنية المفتوحة النهاية لكي توحي بشريحة من الحياة لا أن تقدم لوضوح ودقة بدايات ووسط ونهايات. كما تميزت هذه الأفلام بنمط جديد من النزاهة أصبح الناس يصورون بصراحة أكبر. اقتسمت الأقلام مواضيع كالحرب والمقاومة وما بعد الحرب والفقر والبطالة والدعارة والسوق السوداء .
تجنبت الأفلام الانفعالية والمثالية المزيفة كما إن المشاكل المعقدة لم تكن تحل بمعجزة وبحلول سهلة في البكرة الأخيرة الشخصيات والأحداث كانت عادية. أغلب الشخصيات يأتي من الطبقات العاملة والمسحوقة - شغيلة، صيادين، فلاحين وعمال معامل المواضيع الثانوية كانت تشتمل على الشعور بالوحدة والعزلة والاهمال - على المستويين الشخصي والحكومي. كان هنالك تأكيد قوي على البيئة الاجتماعية والسياسية التي كانت إما جامدة لا تستجيب أو معادية تماماً لحاجات الناس أغلب هذه الأفلام كان يستخدم مواقع أصيلة وخارجية عادة والإنارة الموجودة وممثلين غير محترفين حتى في الأدوار الرئيسية. وسيراً على طريقة روسوليني فإن هؤلاء السينمائيين أضعفوا تأكيد المونتاج وأعمال آلة التصوير المتفننة مفضلين عليها اللقطات الطويلة ودورات طويلة لآلة التصوير والأشكال المفتوحة. حاول أغلبهم انجاز أسلوب ولا أسلوبين التأكيد على مادة المضمون وليس التقنيات (١٠ - ١٤ ) .
أصبح زافاتيني الناطق غير الرسمي للحركة رغم إن اتجاهاته الماركسية القوية وعداءه الشديد لكل أنواع الصنعة الفنية لم تكن تتفق دائما مع معتقدات زملائه إلا أن اهتمامه المتعاطف بكفاح الكادحين وحماسه المعادي للفاشية كان مشتركاً مع كل هؤلاء الرجال عرف زافاتني أكثر من أي شخص الفرد العادي والعمل اليومي بأنهما الشغل الرئيسي للسينما. كان يؤمن بتجنب الأعمال الضخمة والشخصيات الخارقة مهما كلف الأمر. كان زافاتيني يتنبأ بطرق السينما الحقيقية حين تنبأ بأن فلمه النموذجي سوف يتألف من ٩٠ دقيقة متتالية من الحياة الحقيقية لشخص. إذا فإن زفاتيني مثل المبشرين بالسينما المباشرة كان يعتقد بأنه يجب ألا يكون هنالك عوائق بين الواقع والمشاهد. الواقعية الجديدة نموذجياً يجب أن تكون نوعاً من الفلم التسجيلي المعمق فبدلاً من إعادة تمثيل الواقع على الفلم الواقعي الجديد أن يقدم الواقع مباشرة .
كان زفاتيني يشك بأبنية الحبكات التقليدية وأهملها باعتبارها وصفات ميتة . وقد أصر على التفوق الدرامي للأشياء كما هي فعلاً ولنسيج الحياة كما يمر بتجربته الناس العاديين. يجب على المخرجين أن يهتموا بالتنقيب في الواقع، بدلاً من الحبكات يجب أن يؤكدوا الوقائع وكل «أصداء واهتزازات»
الحقائق. طبقاً لما يقوله زفاتيني ليست صناعة الفلم ابتكار الأقاصيص» ولكن البحث بلا هوادة للكشف عن دلالات حقائق اجتماعية محددة. لذلك فإن بإمكان فلم كامل أن يبنى حول حقيقة إن زوجين عاملين يريدان أن يجدا شقة. في الفلم الأمريكي المعتاد هذه الحقيقة قد تشكل مشهداً صغيراً في فلم أكثر من دقيقتين أو ثلاث إلا أن الواقعية الجديدة تستكشف دلالات هذه الحقيقة. لماذا يريدان الشقة؟ أين كانا قبل ذلك؟ لماذا لا يبقيان حيث كانا؟ كم تكلف الشقة؟ من أين سيأتيان بالمال؟ كيف سيكون رد فعل لا يدوم عائلتهم؟ وهكذا ..
كانت الواقعية الجديد تتنبأ بما قاله كراكاور إذ كانت تؤمن بأن هدف السينما هو الاحتفال بيوميات» الأحداث كان الواقعيون الجدد يريدون إظهار تفاصيل معينة كانت موجودة أبداً هناك ولكنها لم تلاحظ قبلا وبلغة كراكاور فإنهم كانوا يريدون انتشال الواقع الفيزيائي». أكثر من أي شيء آخر كان هؤلاء المخرجون يصرون على الكرامة الداخلية للروح الإنسانية التي تتجلى حتى في أبسط المواقف. هذه الأفلام بسيطة عموماً إلى درجة إنها قد تبدو مكررة إذا ما شرحت لفظياً. ربما كان أعظمها (سارقا الدراجات) للمخرج ديسيكا وهو يعالج محاولات رجل فقير استعادة دراجته المسروقة التي يحتاجها لكي يحافظ على عمله يزداد بحث الرجل ضراوة وهو يجتاز المدينة طولاً وعرضاً ابنه الذي يعبده. بعد سلسلة من المحاولات المثبطة يستطيع الاثنان أن يعثرا على أحد اللصين إلا إن البطل بطل الفلم ينهزم ويذل أمام ابنه. بعد أن يدرك بأنه سيفقد عمله وعيشه بدون الدراجة يتسلل هذا الرجل اليائس ويحاول سرقة دراجة بعد أن يبعد ولده. لكن الولد يراقب عن بعد ليشاهد أباه يحث الدراجة على السير ومن خلفه جمهور يريد اللحاق به. يقبض عليه ويهان ثانية أمام الجمع الذي يضم ابنه الذي لا يصدق ما يرى يدرك الطفل فجأة بأن أباه ليس تلك الشخصية البطولية الخارقة التي كان يعتقدها وإنما هو رجل عادي استسلم في حالة ضعف إلى هذا الإغراء المهين كغالبية أفلام الواقعية الجديدة لا يقدم الفلم حلاً واضحاً. المشهد الختامي يرينا الولد يمشي بجانب أبيه كلاهما مختنق بالعار وهما يبكيان
بصمت. تمتد يد الولد بشكل نكاد لا نلاحظه بحثاً عن يد والده ويعودان إلى البيت - راحتهما الوحيدة في تعاطفهما.
إن سارق الدراجات إنجاز غير عادي. الممثلان الرئيسيان في الفلم من الهواة الذين لم يظهروا أبداً في السينما من قبل. لم يكن الحوار اللهجة الأدبية المعروفة في توسكانيا وإنما اللغة الدارجة للطبقة العاملة التي تشبه حديثاً عند ناصية شارع أسلوب الفلم غير ظاهر التقنيات ومباشر ليست هنالك لقطات لا تنسى ومع ذلك فإن المباشرة والبساطة في الصور هي التي تعطينا ذلك الوقع القوي. باختصار يجسد الفلم أرفع مثل عن الحركة الواقعية الجديدة أي الإخلاص المتفاني للحياة اليومية وإنسانية متعاطفة عظمة وصمود الروح الإنسانية .
يقتبس كراكاور غالباً من أفلام الواقعية الجديدة الإيطالية ليصور نظرياته في الواقع إن الواقعية الجديدة هي أسلوب في صناعة الأفلام وحركة سينمائية محددة بدأت في إيطاليا خلال الأشهر الأخيرة من الحرب العالمية الثانية باعتبارها حركة إيطالية خاصة فإن الواقعية الجديدة انتهت في منتصف الخمسينات، ولكن باعتبارها أسلوباً فإنها انتشرت في أقطار كثيرة أخرى. في الهند مثلاً أغلب أفلام ساتياجيت راي هي بأسلوب الواقعية الجديدة وفي أمريكا تأثر أيليا كازان بها. ابتداءً من منتصف الخمسينات أصبحت الواقعية الجديدة الأسلوب المهيمن في إنكلترا واستمرت قرابة عقد من الزمن، الأفلام الأولى لتوني رتشاردسون وكاريل رايش ولندسي أندرسون كلها تعكس الجانبين من التحيز السياسي والأسلوبي لهذه الحركة.
ربما كان الفلم الواقعي الجديد النموذج هـو فلم (مدينة مفتوحة) لروبرتوروسوليني الذي شرع الأسلوب والحركة معاً. شارك جزئياً في النص سيزار زافاتيني وهو واحد من أكفأ كتاب السينما في تاريخ السينما. كان لفلم (مدينة مفتوحة) تأثير الانفجار في عالم الفلم (۱۰ - ١٢) بتناول الفلم التعاون بين الكاثوليكيين والشيوعيين في مقاتلة الاحتلال النازي في روما. من المعلوم إن روسوليني صور بعض الأقدام خلال احتلال النازيين وانسحابهم الفعلي من المدينة. كان الفلم من الناحية التقنية بدائياً بعض الشيء. بما أنه كان من الصعب الحصول على نوعية جيدة من الفلم الخام فقد عمد روسوليني إلى استخدام أفلام إخبارية رديئة ولكن رغم الأخطاء التقنية - وربما بسببها ـ فإن الصور المليئة بالحبيبات عبرت عن إحساس بالروح الصحافية المباشرة والأضيلة. العديد من المخرجين في الواقعية الجديدة بدأ عمله صحفياً وقد كان روسولينين نفسه سينمائياً تسجيليا. الفلم بأكمله يكاد أن يكون مصوراً في مواقع حقيقية وهنالك العديد من اللقطات الخارجية لم يستخدم فيها أية إنارة إضافية. كان الممثلون جميعاً باستثناء الأدوار الرئيسية من غير المحترفين. بناء الفلم يعتمد على مجموعة أحداث - سلسلة من المقاطع ترينا ردود أفعال مواطني روما تجاه الاحتلال الألماني رفض روسوليني أن يسبغ على شخصياته الهالة ولم يركز على الأبطال بل على الناس العاديين في لحظات بطولية. إن قيام روسوليني بعمل مزيج غريب من الماركسية والكاثوليكية يستند إلى تعاطفه الإنساني مع كل ضحايا الحروب بضمنهم أولئك الذين يخونون أفضل غرائزهم الفلم مشبع بإحساس بالنزاهة لا ينضب. صرح روسوليني بعد عرض الفلم إن الأشياء هي على هذه الشاكلة، أصبحت العبارة شعاراً لحركة الواقعية الجديدة.
خلال السنوات القليلة التالية ظهرت سلسلة مدهشة من الأفلام منها أفلام روسوليني (بايزان) و(المانيا السنة صفر) و (صباغ الأحذية) و(امبرتودي) و (سارق) (الدراجات لفيتوريو ديسيكا وكلها نصوص زافاتيني، و(لاتيراتريما) لفسكونتي. الأعمال الأولى لفلليني وأنطونونيوني رغم أنها لا تعتبر جزءاً من حركة الواقعية الجديدة إلا أنها مدينة كثيراً لها بعض المخرجين تأثر بالإنسانية الكاثوليكية لروسوليني أبرزهم ديسيكا وفلليني (۱۰-۱۳) تأثر آخرون وخاصة فسكونتي وانطونيوني بالدلالات الماركسية لفلم (مدينة مفتوحة) أكثر من تأثرهم بالجوانب الأخرى. امتد تأثير الواقعية الجديدة متأخراً حتى الستينات ويمكن ملاحظة ذلك في أفلام أرمانو أولمي الرائعة (البريد) ويعرف بعنوان آخر صوت الطبول وفلمه (المخطوبون).
رغم أن هنالك اختلافات كبيرة بين هؤلاء المخرجين وحتى بين أعمالهم القديمة والحديثة إلا أن جماليات الواقعية الجديدة وفرت نقطة تجمع وانطلاق لأكثر السينمائيين الإيطاليين الموهوبين في تلك الفترة كانت أفلامهم تميل إلى عدم التأكيد على الحبكات وتفضيل الأبنية المفتوحة النهاية لكي توحي بشريحة من الحياة لا أن تقدم لوضوح ودقة بدايات ووسط ونهايات. كما تميزت هذه الأفلام بنمط جديد من النزاهة أصبح الناس يصورون بصراحة أكبر. اقتسمت الأقلام مواضيع كالحرب والمقاومة وما بعد الحرب والفقر والبطالة والدعارة والسوق السوداء .
تجنبت الأفلام الانفعالية والمثالية المزيفة كما إن المشاكل المعقدة لم تكن تحل بمعجزة وبحلول سهلة في البكرة الأخيرة الشخصيات والأحداث كانت عادية. أغلب الشخصيات يأتي من الطبقات العاملة والمسحوقة - شغيلة، صيادين، فلاحين وعمال معامل المواضيع الثانوية كانت تشتمل على الشعور بالوحدة والعزلة والاهمال - على المستويين الشخصي والحكومي. كان هنالك تأكيد قوي على البيئة الاجتماعية والسياسية التي كانت إما جامدة لا تستجيب أو معادية تماماً لحاجات الناس أغلب هذه الأفلام كان يستخدم مواقع أصيلة وخارجية عادة والإنارة الموجودة وممثلين غير محترفين حتى في الأدوار الرئيسية. وسيراً على طريقة روسوليني فإن هؤلاء السينمائيين أضعفوا تأكيد المونتاج وأعمال آلة التصوير المتفننة مفضلين عليها اللقطات الطويلة ودورات طويلة لآلة التصوير والأشكال المفتوحة. حاول أغلبهم انجاز أسلوب ولا أسلوبين التأكيد على مادة المضمون وليس التقنيات (١٠ - ١٤ ) .
أصبح زافاتيني الناطق غير الرسمي للحركة رغم إن اتجاهاته الماركسية القوية وعداءه الشديد لكل أنواع الصنعة الفنية لم تكن تتفق دائما مع معتقدات زملائه إلا أن اهتمامه المتعاطف بكفاح الكادحين وحماسه المعادي للفاشية كان مشتركاً مع كل هؤلاء الرجال عرف زافاتني أكثر من أي شخص الفرد العادي والعمل اليومي بأنهما الشغل الرئيسي للسينما. كان يؤمن بتجنب الأعمال الضخمة والشخصيات الخارقة مهما كلف الأمر. كان زافاتيني يتنبأ بطرق السينما الحقيقية حين تنبأ بأن فلمه النموذجي سوف يتألف من ٩٠ دقيقة متتالية من الحياة الحقيقية لشخص. إذا فإن زفاتيني مثل المبشرين بالسينما المباشرة كان يعتقد بأنه يجب ألا يكون هنالك عوائق بين الواقع والمشاهد. الواقعية الجديدة نموذجياً يجب أن تكون نوعاً من الفلم التسجيلي المعمق فبدلاً من إعادة تمثيل الواقع على الفلم الواقعي الجديد أن يقدم الواقع مباشرة .
كان زفاتيني يشك بأبنية الحبكات التقليدية وأهملها باعتبارها وصفات ميتة . وقد أصر على التفوق الدرامي للأشياء كما هي فعلاً ولنسيج الحياة كما يمر بتجربته الناس العاديين. يجب على المخرجين أن يهتموا بالتنقيب في الواقع، بدلاً من الحبكات يجب أن يؤكدوا الوقائع وكل «أصداء واهتزازات»
الحقائق. طبقاً لما يقوله زفاتيني ليست صناعة الفلم ابتكار الأقاصيص» ولكن البحث بلا هوادة للكشف عن دلالات حقائق اجتماعية محددة. لذلك فإن بإمكان فلم كامل أن يبنى حول حقيقة إن زوجين عاملين يريدان أن يجدا شقة. في الفلم الأمريكي المعتاد هذه الحقيقة قد تشكل مشهداً صغيراً في فلم أكثر من دقيقتين أو ثلاث إلا أن الواقعية الجديدة تستكشف دلالات هذه الحقيقة. لماذا يريدان الشقة؟ أين كانا قبل ذلك؟ لماذا لا يبقيان حيث كانا؟ كم تكلف الشقة؟ من أين سيأتيان بالمال؟ كيف سيكون رد فعل لا يدوم عائلتهم؟ وهكذا ..
كانت الواقعية الجديد تتنبأ بما قاله كراكاور إذ كانت تؤمن بأن هدف السينما هو الاحتفال بيوميات» الأحداث كان الواقعيون الجدد يريدون إظهار تفاصيل معينة كانت موجودة أبداً هناك ولكنها لم تلاحظ قبلا وبلغة كراكاور فإنهم كانوا يريدون انتشال الواقع الفيزيائي». أكثر من أي شيء آخر كان هؤلاء المخرجون يصرون على الكرامة الداخلية للروح الإنسانية التي تتجلى حتى في أبسط المواقف. هذه الأفلام بسيطة عموماً إلى درجة إنها قد تبدو مكررة إذا ما شرحت لفظياً. ربما كان أعظمها (سارقا الدراجات) للمخرج ديسيكا وهو يعالج محاولات رجل فقير استعادة دراجته المسروقة التي يحتاجها لكي يحافظ على عمله يزداد بحث الرجل ضراوة وهو يجتاز المدينة طولاً وعرضاً ابنه الذي يعبده. بعد سلسلة من المحاولات المثبطة يستطيع الاثنان أن يعثرا على أحد اللصين إلا إن البطل بطل الفلم ينهزم ويذل أمام ابنه. بعد أن يدرك بأنه سيفقد عمله وعيشه بدون الدراجة يتسلل هذا الرجل اليائس ويحاول سرقة دراجة بعد أن يبعد ولده. لكن الولد يراقب عن بعد ليشاهد أباه يحث الدراجة على السير ومن خلفه جمهور يريد اللحاق به. يقبض عليه ويهان ثانية أمام الجمع الذي يضم ابنه الذي لا يصدق ما يرى يدرك الطفل فجأة بأن أباه ليس تلك الشخصية البطولية الخارقة التي كان يعتقدها وإنما هو رجل عادي استسلم في حالة ضعف إلى هذا الإغراء المهين كغالبية أفلام الواقعية الجديدة لا يقدم الفلم حلاً واضحاً. المشهد الختامي يرينا الولد يمشي بجانب أبيه كلاهما مختنق بالعار وهما يبكيان
بصمت. تمتد يد الولد بشكل نكاد لا نلاحظه بحثاً عن يد والده ويعودان إلى البيت - راحتهما الوحيدة في تعاطفهما.
إن سارق الدراجات إنجاز غير عادي. الممثلان الرئيسيان في الفلم من الهواة الذين لم يظهروا أبداً في السينما من قبل. لم يكن الحوار اللهجة الأدبية المعروفة في توسكانيا وإنما اللغة الدارجة للطبقة العاملة التي تشبه حديثاً عند ناصية شارع أسلوب الفلم غير ظاهر التقنيات ومباشر ليست هنالك لقطات لا تنسى ومع ذلك فإن المباشرة والبساطة في الصور هي التي تعطينا ذلك الوقع القوي. باختصار يجسد الفلم أرفع مثل عن الحركة الواقعية الجديدة أي الإخلاص المتفاني للحياة اليومية وإنسانية متعاطفة عظمة وصمود الروح الإنسانية .
تعليق