تمكن العلماء أخيرًا من فصلهما عن بعضهم البعض!
لا يمكنك معرفة بذلك بالنظر، ولكن قدح الماء على مكتبك يحتوي على نوعين مختلفين من جزيئات الماء التي تدور بطرقٍ مختلفةٍ ببراعة.
تَمكنت تَجربةٌ علميةٌ حديثةٌ من فصل النوعين، واكتشاف أن أحدهما أفضل بكثيرٍ في التفاعلات من الآخر، لا نتوقع أن يصبح هذا الماء (الأفضل) طفرةً في السوق، ولكن الطريقة الكامنة وراء هذا الاكتشاف هي نعمةٌ بحدِّ ذاتها للكيمياء الكمية.
أخذ الكيميائيون من جامعة بازل في سويسرا مزيجًا من جسيمات أول أكسيد الهيدروجين واستخدموا المجالات الكهروستاتيكية لفرزها وفقًا لسرعتها النووية الكلية.
الدوران هو الخاصية الكميّة التي تصف اتّجاه الزاوية الذي يمكن للجسيمات التحرك به، تُصنَّف أنواعٌ مختلفةٌ من الجسيمات وفقًا لقيمة هذه الخاصية.
في نسخةٍ واحدةٍ من جزيئات الماء يُشار إليها باسم (أورثو- إيزومر – Ortho-isomer)، يضيفُ الجمع بين الحركتين الدورانيتين للجسيمات التي تشكل النواة الذرية للجزيء قيمة 1 إلى المجموع.
ولكن هناك نوعٌ آخر يُسمى (بارا إيزومر – Para-isomer of water) يساوي مجموع محصلة دوران نواته النووية صفرًا، والذي يعني -وفقًا لبعض المبادئ الأساسية التي تحكم تحركات الذرات في الجزيئات- أن مثل هذه الجزيئات يجب أن تدور بشكلٍ مختلفٍ عن تلك الموجودة عند مثيلاتها.
بالنسبة للجزء الأكبر من العملية، هذه الدورات لا تتغير؛ بمعنى أن كل جزيءٍ (بارا إيزومر، أو أورثو إيزومر) يحتفظ بهويته.
والسؤال هنا، هل تُحدِث الاختلافات النظرية في الدوران أي اختلافٍ ملحوظٍ في كيفية تفاعل جزيئيّ الماء المختلفين مع المواد الأخرى؟
لمعرفة ذلك، عبَّأ الباحثون بلورةً فائقة البرودة مصنوعةً من أيونات الكالسيوم مع (أيونات الديازينيليوم – (N2H +، ثم أطلقوا تياراتٍ من جزيئات الأورثو إيزومر، والبارا إيزومر في قلب البلورة، إذ تفاعلت مع الديازيليليوم.
أعطى احتساب عدد أيوناتN2H + المتبقية في البلورة بعد فترةٍ معينةٍ الباحثين فكرةً جيدةً عن أي إيزومر تفاعل بشكلٍ أفضل من الآخر.
عند تسجيل النتائج، وجد الباحثون أن الطريقة التي التفّت وتحوّلت بها جزيئات البارا إيزومر تعمل عند التفاعل بنسبة 23٪ بشكلٍ أفضل من الأورثو إيزومر.
أكد تحليل الأرقام من خلال محاكاة الكمبيوتر الفارق بين نوعي الجزيئات، إذ تبين أن جزيئات الماء لا تتصرف جميعها بنفس الطريقة.
لا شك أنه سيكون هناك بعض الشركات الجاهزة للانقضاض على هذا الاكتشاف وتسويقه كزجاجات ماءٍ متفوقةٍ عن مثيلاتها، مضيفةً عملية احتيالٍ أخرى إلى صناعة المياه المعبأة.
بالنسبة لمعظمنا، الماء هو مجرد ماء، ومن المحتمل أن شرب كوبٍ من مياه بارا إيزومر لن يُحدث أي فرقٍ في صحتك.
ولكن بالنسبة للكيميائيين، فإن الماء هو مجرد شيءٍ غريب، ومعرفة المزيد عن تفاعله يمكن أن يُحدثً فرقًا كبيرًا في كيفية دراسة خصائصه.
قد يكون الماء مجرد هيدروجين وأكسجين، ولكن في ظل ظروفٍ مختلفة، فإنه يتصرف بعدة طرقٍ غير عادية، ما يشكّل حالاتٍ غريبةً من المادة التي بدأنا للتو في اكتشافها وفهمها.
بما أن الحياة تُعرَّف حاليًا بأنها كيمياء معقدة قابلة للذوبان في الماء، فإن معرفة كيفية تذويب المواد وتفاعلها مع جزيئات الماء أمرٌ مهمٌ لفهمنا المفصل للبيولوجيا وأصولها.
لنضع غرابة المياه جانبًا، نتائج التجربة أيضًا تُظهِر قدرتنا المتنامية لنمذجة واختبار التأثيرات الكمومية المختلفة على جزيئاتٍ كاملة.
يقول الباحث الكيميائي ستيفان ويليتش من جامعة بازل في سويسرا: «كلما تحكمنا بشكلٍ أفضل في حالة الجزيئات المساهمة في التفاعل الكيميائيّ، تمكّنا من تحسين وفهم الآليات والديناميكيات الأساسية للتفاعل».
في الآونة الأخيرة، حُطِّم الرقم القياسي للتفاعل الكيميائي الأكثر دقة في العالم، وهو التفاعل المختصر لذرةٍ واحدة من الصوديوم مع ذرةٍ واحدة من السيزيوم.
إن فهم الخصائص الكمية للجزيئات من أجل التحكم في تفاعلها على هذا المستوى الرفيع هو بالفعل مأثرةٌ للحدود الجديدة للكيمياء.