على مدى العقود الخمسة الماضيّة، أصبحت المعالجات الحاسوبيّة القياسيّة أسرع بشكل متزايد، غير أنّ حدود تلك التكنولوجيا أصبحت واضحة في السنوات الأخيرة، فمكونات رقاقة لا يمكن إلّا أن تكون صغيرة جدًا ومضغوطة بشكل محدد لا يمكن أن تنضغط أو تصغر أكثر منه وإلّا تتشابك أو تلتمس كهربائيًا
إذا كانت الشركات تريد مواصلة بناء أجهزة الكمبيوتر أسرع من أيّ وقت مضى، فإنها سوف تحتاج إلى تغيير شيء ما.
مفتاح الأمل لمستقبل الحوسبة ذات السرعة المتزايدة هو فيزياء الكم، فمن المتوقع أن تكون الحواسيب الكموميّة أسرع بكثير من أيّ شيء تم تطويره في عصر المعلومات حتى الآن، لكن الأبحاث الأخيرة -وهي أبحاث كاتب المقال سيباستيان ديفنر، أستاذ مساعد في الفيزياء جامعة ميريلاند، مقاطعة بالتيمور- كشفت أنّ الحواسيب الكموميّة لها حدود خاصة بها، واقترحت الأبحاث طرقًا لمعرفة تلك الحدود.
حدود الفهم
بالنسبة للفيزيائيين، نحن البشر نعيش فيما يسمى بـ«العالم الكلاسيكي»، معظم الناس يطلقون عليه «العالم» فقط ويفهمون الفيزياء بديهيًا، رمي الكرة عاليًا ثم عودتها إلى أسفل في شكل قوس يمكن التنبؤ به، على سبيل المثال.
حتى في الحالات الأكثر تعقيدًا، يمتلك البشر فهم بسيط لكيفية عمل الأشياء، معظم الناس يدركون إلى حد كبير أنّ السيارة تعمل عن طريق حرق البنزين في محرك الاحتراق الداخلي -أو استخراج الكهرباء المخزنة من بطارية- لإنتاج الطاقة التي يتم نقلها من خلال التروس والمحاور لتدوير الإطارات وتحريك السيارة إلى الأمام.
وبموجب قوانين الفيزياء الكلاسيكيّة، هناك حدود نظرية لهذه العمليات ولكنها بعيدة جدًا، على سبيل المثال، نحن نعلم أن السيارة لا يمكن أبدًا أن تتحرك أسرع من سرعة الضوء، وبغض النظر عن مقدار الوقود على كوكب الأرض، أو طول الطريق أو مدى قوة أساليب البناء، لا وجود لسيارة يمكن أن تقترب سرعتها حتى 10 في المئة من سرعة الضوء.
الناس لا تواجه حقًا الحدود المادية الفعلية للعالم، ولكنها موجودة، وبأبحاث مناسبة، يمكن للفيزيائيين التعرُّف عليها، على الرغم من ذلك، وحتى وقت قريب لم يكن للعلماء سوى فكرة غامضة نوعًا ما حول وجود حدود لفيزياء الكم أيضًا. ولكنهم لم يعرفوا كيفية تطبيقها في العالم الحقيقي.
نظرية الريبيّة لهايزنبرغ
عندما يلقي شخص ما الكرة، على سبيل المثال، فإنه من السهل تحديد مكان الكرة ومدى سرعتها عندما تتحرك.
ولكن، كما أظهر هايزنبرغ، هذا غير ممكن بالنسبة للذرات والجسيمات دون الذرية، إذْ يمكن للمراقب أن يحدد إما مكانها أو مدى سرعتها وهي تتحرك، ولكن ليس ممكنا أن يحدد الأثنين على وجه الدقة.
إنّه اكتشاف مزعج، منذ أوضح هايزنبرغ فكرته، كان ألبرت أينشتاين -من بين آخرين- متضايقًا منها.
من المهم أن ندرك أن سبب «عدم اليقين الكمومي» ليس لقلة معدات القياس أو الهندسة، بل بالأحرى كيفية عمل أدمغتنا، لقد تطورت عقولنا لتفهم كيفية عمل «العالم الكلاسيكي» في حين أنّ الآليات المادية الفعلية لـ«عالم الكم» هي ببساطة تتجاوز قدرتنا على الفهم الكامل.
دخول عالم الكم
إذا كان هناك شيء في عالم الكم يسافر من مكان إلى آخر، فإنه لا يمكن للباحثين قياس متى انطلق ولا متى سيصل بالضبط، فحدود الفيزياء تفرض تأخيرًا ضئيلًا لكشف ذلك، فبغض النظر عن مدى سرعة الحركة التي حدثت، فإنه لن يتم الكشف عنها إلا في وقت متأخر قليلًا.
أطوال الوقت هنا صغيرة بشكل لا يصدق -كوادريليون من الثانية أو مليون مليارمن الثانية- ولكنها تضيف ما يزيد على تريليونات من حسابات الكمبيوتر.
هذا التأخير يبطئ بشكل فعال السرعة المحتملة للحساب الكمي، وهو يفرض ما نسميه «حد السرعة الكمي».
على مدى السنوات القليلة الماضية، أظهرت الأبحاث كيفية تحديد هذا الحد الأقصى للسرعة الكمومية في ظروف مختلفة، مثل استخدام أنواع مختلفة من المواد في المجالات المغناطيسيّة والكهربائيّة المختلفة، لكل من هذه الحالات، هناك حد أقصى للسرعة الكمومية أعلى قليلًا أو أقلّ قليلًا.
المفاجأة الكبيرة للجميع هي أننا وجدنا عوامل غير متوقعة في بعض الأحيان يمكن أن تساعد في تسريع الأمور بطرق بديهية.
لفهم هذه الفكرة، تخيّل جسيمات تتحرك من خلال الماء، الجسيمات عندما تتحرك فإنها تحرك معها جزيئات الماء، وبعد انتقال الجسيمات، تتدفق جزيئات الماء بسرعة لتعود حيثما كانت، دون ترك أي أثر لمرور الجسيمات.
الآن تخيّل أنّ الجسيم نفسه ينتقل من خلال العسل، العسل لديه لزوجة أعلى من المياه -إنه أكثر سمكًا ويتدفق ببطء أكثر- وبالتالي فإن جزيئات العسل تستغرق وقتًا أطول للعودة مرة أخرى بعد تحرك الجسيمات.
ولكن في العالم الكمومي، فإن تدفق العسل العائد يمكن أن يبني ضغطًا يدفع الجسيم الكمومي إلى الأمام، هذا التسارع الزائد يمكن أن يجعل الحد الأقصى لسرعة الجسيمات الكمومية مختلفة عما قد يتوقعه المراقب.
تصميم الحواسيب الكمومية
كلما فهم الباحثون المزيد عن هذه حد السرعة الكمي، كلما أثر ذلك على كيفيّة التصميم الكمي لمعالجات الكمبيوتر، وكما اكتشف المهندسون كيفيّة تقليص حجم الترانزستورات وحزمهم معًا بشكل وثيق على شريحة كمبيوتر تقليديّة، فإنهم سيحتاجون إلى بعض الابتكارات الذكية لبناء أسرع أنظمة الكم والتي من الممكن أن تعمل بالقرب من الحد الأقصى للسرعة القصوى.
مازال هناك الكثير للباحثين لاستكشافه، فليس من الواضح ما إذا كانت حد السرعة الكمي عالي بدرجة غير قابلة للتحقيق، مثل السيارة التي سوف لن تقترب أبدا من سرعة الضوء.
نحن لا نفهم تمامًا كيف أنّ العناصر غير المتوقعة في البيئة -مثل العسل في المثال- يمكن أن تساعد على تسريع العمليات الكمومية، عندما يزيد انتشار التكنولوجيات القائمة على فيزياء الكم، سنحتاج لمعرفة المزيد عن حدود الفيزياء الكموميّة وكيفيّة هندسة النُظم التي ستستفيد مما نعرفه.