عقد اجتماعي
Social contract - Contrat social
العقد الاجتماعي
العقد الاجتماعي social contract هو مبحث أساسي في الفلسفة الاجتماعية والفلسفة السياسية والفلسفة الأخلاقية. وهو نظرية تفسر نشأة الاجتماع السياسي وبقاءه واستمراره، متخذة من العقد أو الميثاق أو الاتفاق الاجتماعي الذي يقره الناس طواعية فيما بينهم، أساساً للحقوق والواجبات التي تنظم شؤون الحياة المشتركة، وقاعدة للتوفيق بين الإرادة العامة للجماعة والإرادات الفردية أو الجزئية المنضوية تحتها، ووسيلة لإزالة التناقض بين ميول الانسان الفردية وواجباته الاجتماعية، وأداة تحول دون تصعيد التنافس على المصالح والمراتب إلى الحد الذي يجعل منه صراعاً تناحرياً يهدد الناس في حياتهم وحقوقهم وحرياتهم.
وقد تبنّت كثير من حركات الإصلاح الاجتماعي والسياسي، وخاصة في العصور الحديثة والمعاصرة، نظرية العقد الاجتماعي بوصفها عقيدة مناهضة لأنواع الحكم المطلق أو الاستبدادي.
عرفت فكرة العقد الاجتماعي عند بعض مفكري حضارات اليونان والرومان والعصر الوسيط، وقد وصلت أوج ازدهارها في القرن السابع عشر لدى مفكري عصر النهضة والتنوير في أوربا، وخاصة لدى الإنكليزيين: توماس هوبزHobbes وجون لوك Locke والفرنسي جان جاك روسو Rousseau، ثم تراجعت أهميتها ابتداءًً من القرن الثامن عشر، إثر نقد الفيلسوف الإنكليزي «ديفيد هيوم» لها. وقد شهدت فكرة العقد الاجتماعي تطوراً مستمراً، وأخذت إحدى صياغاتها الأولى صورة تقييد الحاكم بالقانون الإلهي، جاعلة طاعة الشعب للحاكم مشروطة بطاعته لله، ثم حلت مكانها فكرة تقييد الحاكم بالقانون الوضعي الذي تمليه الإرادة العامة (الدستور والقوانين). وتختلف أطراف العقد من نظرية إلى أخرى، فقد تكون أطرافه الله والشعب، أو الشعب والحاكم، أو الفرد مع أي فرد في المجتمع.
تذهب الصيغة الأكثر عمومية لنظرية العقد الاجتماعي، حسبما أقرها مفكرو التنوير، إلى القول: إن الناس المتعاقدين يتراضون فيما بينهم، فرادى أو مجتمعين، على ميثاق اجتماعي، صريح أو ضمني، علني أو صامت، يتعهدون فيه بالتنازل عن حقوقهم (كلها أو بعضها) لصالح هيئة اجتماعية عامة، ذات إرادة كلية، تملك سيادة تامة على الجميع، يعبر عنها مجموعة الأعراف والقواعد والقوانين التي تضعها أو تسنها بنفسها، والتي توزع الحقوق والواجبات على أعضائها.
ويرى مفكرو التنوير هؤلاء، أن العقد الاجتماعي هو ثمرة التفكر العقلاني، والرغبة في السلام، والتعاون على مواجهة الأخطار في الحال الطبيعية، وأنه ينقل الإنسان من الحال الطبيعية إلى الحال الاصطناعية؛ أي حال المجتمع المدني ذي الكيان السياسي، الذي تحلّ فيه الحقوق الاجتماعية محل الحقوق الطبيعية، وتحل «الملكية بالحق» التي تحظى باعتراف المجتمع وحمايته القانونية، محل الملكية «بوضع اليد» القائمة على الأمر الواقع، التي هي موضع نزاع وصراع.
لكن ثمة فروق جوهرية بين أصحاب نظرية العقد الاجتماعي، ففي حين يرى توماس هوبز أن العقد الاجتماعي يقضي بتنازل الأفراد عن حقوقهم المطلقة وحرياتهم وملكياتهم لصالح الحاكم ذي السيادة التامة والسلطة المطلقة الذي تجتمع فيه جميع السلطات (التشريعية والتنفيذية والقضائية)، والذي يحدد لرعاياه حقوقهم من خلال القوانين المعبرة عن إرادته السامية، يمضي جون لوك إلى القول: أنَّ العقد لايتضمن أي تنازل عن الحقوق الطبيعية، بل إنه مجرد اعتراف متبادل بها، اعتراف كل فرد لكل فرد، بما يضمن حفظ الحياة وتحقيق المساواة وحماية الحريات والممتلكات للجميع. ويرى أن الناس في العقد الاجتماعي يعهدون أمر حماية العقد ومقرراته إلى الدولة ذات السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية المنفصلة. أما الحاكم (أو الحكومة) صاحبة السلطة التنفيذية فهو مستخدم ينتدبه الشعب لأداء المهمة، ويحاسبه عند التقصير أو الإساءة.
وتتوافق رؤية جان جاك روسو في العقد مع رؤية جون لوك الآنف ذكرها بملامحها العامة، إذ يشير إلى أن التنازل عن الحقوق الطبيعية ليس حقيقياً بل وهمياً، وأنه مجرد تحويل للحق من الحال الطبيعية إلى الحال الاجتماعية، ثم يتحدث عن هيئة كلية، هي الشعب بكليته (وليس بجزء ممثل له) تمارس السيادة المطلقة من خلال القوانين والقواعد التي تعبر عن إرادته. وما الحكومة غير وكلاء يكلفهم الشعب تنفيذ أوامره وقوانينه.
وينظر روسو إلى المساواة الاجتماعية القائمة على وحدة الشروط والمعايير والحقوق والواجبات بوصفها شرطاً لحماية الميثاق وضماناً لاحترام الجميع له. ويعوّل روسو على دور الجمعيات الأهلية في كبح طغيان الحكام، أو أعضاء الحكومة الذين يسعون إلى تغليب إرادتهم الجزئية ومصالحهم الشخصية على الإرادة العامة والمصلحة العامة.
وللفيلسوف الألماني كَنت Kant وجهة نظر خاصة، حيث يرى أن العقد الاجتماعي أداة لاغنى عنها لتوحيد الناس في الوقت الذي تكون فيه حرية الفرد منافسة لحرية أي فرد آخر، والعقد عنده هو ميثاق ينظم بين الحاكم والمحكوم، يقران فيه الشروط التي يعتمدانها لبناء الحياة الصالحة في المجتمع المدني.
وتُرى اليوم نظرية العقد الاجتماعي في النظريات السياسية التي توصف بالليبرالية الدستورية أو الديمقراطية، كما تُرى في النظريات الأخلاقية التي تبني الأخلاق على المنفعة والتوجه العقلاني، ولاتخلو النظريات الاجتماعية التي تؤكد مفهوم التضامن من أساس تعاقدي.
هاني يونس عمران
Social contract - Contrat social
العقد الاجتماعي
العقد الاجتماعي social contract هو مبحث أساسي في الفلسفة الاجتماعية والفلسفة السياسية والفلسفة الأخلاقية. وهو نظرية تفسر نشأة الاجتماع السياسي وبقاءه واستمراره، متخذة من العقد أو الميثاق أو الاتفاق الاجتماعي الذي يقره الناس طواعية فيما بينهم، أساساً للحقوق والواجبات التي تنظم شؤون الحياة المشتركة، وقاعدة للتوفيق بين الإرادة العامة للجماعة والإرادات الفردية أو الجزئية المنضوية تحتها، ووسيلة لإزالة التناقض بين ميول الانسان الفردية وواجباته الاجتماعية، وأداة تحول دون تصعيد التنافس على المصالح والمراتب إلى الحد الذي يجعل منه صراعاً تناحرياً يهدد الناس في حياتهم وحقوقهم وحرياتهم.
وقد تبنّت كثير من حركات الإصلاح الاجتماعي والسياسي، وخاصة في العصور الحديثة والمعاصرة، نظرية العقد الاجتماعي بوصفها عقيدة مناهضة لأنواع الحكم المطلق أو الاستبدادي.
عرفت فكرة العقد الاجتماعي عند بعض مفكري حضارات اليونان والرومان والعصر الوسيط، وقد وصلت أوج ازدهارها في القرن السابع عشر لدى مفكري عصر النهضة والتنوير في أوربا، وخاصة لدى الإنكليزيين: توماس هوبزHobbes وجون لوك Locke والفرنسي جان جاك روسو Rousseau، ثم تراجعت أهميتها ابتداءًً من القرن الثامن عشر، إثر نقد الفيلسوف الإنكليزي «ديفيد هيوم» لها. وقد شهدت فكرة العقد الاجتماعي تطوراً مستمراً، وأخذت إحدى صياغاتها الأولى صورة تقييد الحاكم بالقانون الإلهي، جاعلة طاعة الشعب للحاكم مشروطة بطاعته لله، ثم حلت مكانها فكرة تقييد الحاكم بالقانون الوضعي الذي تمليه الإرادة العامة (الدستور والقوانين). وتختلف أطراف العقد من نظرية إلى أخرى، فقد تكون أطرافه الله والشعب، أو الشعب والحاكم، أو الفرد مع أي فرد في المجتمع.
تذهب الصيغة الأكثر عمومية لنظرية العقد الاجتماعي، حسبما أقرها مفكرو التنوير، إلى القول: إن الناس المتعاقدين يتراضون فيما بينهم، فرادى أو مجتمعين، على ميثاق اجتماعي، صريح أو ضمني، علني أو صامت، يتعهدون فيه بالتنازل عن حقوقهم (كلها أو بعضها) لصالح هيئة اجتماعية عامة، ذات إرادة كلية، تملك سيادة تامة على الجميع، يعبر عنها مجموعة الأعراف والقواعد والقوانين التي تضعها أو تسنها بنفسها، والتي توزع الحقوق والواجبات على أعضائها.
ويرى مفكرو التنوير هؤلاء، أن العقد الاجتماعي هو ثمرة التفكر العقلاني، والرغبة في السلام، والتعاون على مواجهة الأخطار في الحال الطبيعية، وأنه ينقل الإنسان من الحال الطبيعية إلى الحال الاصطناعية؛ أي حال المجتمع المدني ذي الكيان السياسي، الذي تحلّ فيه الحقوق الاجتماعية محل الحقوق الطبيعية، وتحل «الملكية بالحق» التي تحظى باعتراف المجتمع وحمايته القانونية، محل الملكية «بوضع اليد» القائمة على الأمر الواقع، التي هي موضع نزاع وصراع.
لكن ثمة فروق جوهرية بين أصحاب نظرية العقد الاجتماعي، ففي حين يرى توماس هوبز أن العقد الاجتماعي يقضي بتنازل الأفراد عن حقوقهم المطلقة وحرياتهم وملكياتهم لصالح الحاكم ذي السيادة التامة والسلطة المطلقة الذي تجتمع فيه جميع السلطات (التشريعية والتنفيذية والقضائية)، والذي يحدد لرعاياه حقوقهم من خلال القوانين المعبرة عن إرادته السامية، يمضي جون لوك إلى القول: أنَّ العقد لايتضمن أي تنازل عن الحقوق الطبيعية، بل إنه مجرد اعتراف متبادل بها، اعتراف كل فرد لكل فرد، بما يضمن حفظ الحياة وتحقيق المساواة وحماية الحريات والممتلكات للجميع. ويرى أن الناس في العقد الاجتماعي يعهدون أمر حماية العقد ومقرراته إلى الدولة ذات السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية المنفصلة. أما الحاكم (أو الحكومة) صاحبة السلطة التنفيذية فهو مستخدم ينتدبه الشعب لأداء المهمة، ويحاسبه عند التقصير أو الإساءة.
وتتوافق رؤية جان جاك روسو في العقد مع رؤية جون لوك الآنف ذكرها بملامحها العامة، إذ يشير إلى أن التنازل عن الحقوق الطبيعية ليس حقيقياً بل وهمياً، وأنه مجرد تحويل للحق من الحال الطبيعية إلى الحال الاجتماعية، ثم يتحدث عن هيئة كلية، هي الشعب بكليته (وليس بجزء ممثل له) تمارس السيادة المطلقة من خلال القوانين والقواعد التي تعبر عن إرادته. وما الحكومة غير وكلاء يكلفهم الشعب تنفيذ أوامره وقوانينه.
وينظر روسو إلى المساواة الاجتماعية القائمة على وحدة الشروط والمعايير والحقوق والواجبات بوصفها شرطاً لحماية الميثاق وضماناً لاحترام الجميع له. ويعوّل روسو على دور الجمعيات الأهلية في كبح طغيان الحكام، أو أعضاء الحكومة الذين يسعون إلى تغليب إرادتهم الجزئية ومصالحهم الشخصية على الإرادة العامة والمصلحة العامة.
وللفيلسوف الألماني كَنت Kant وجهة نظر خاصة، حيث يرى أن العقد الاجتماعي أداة لاغنى عنها لتوحيد الناس في الوقت الذي تكون فيه حرية الفرد منافسة لحرية أي فرد آخر، والعقد عنده هو ميثاق ينظم بين الحاكم والمحكوم، يقران فيه الشروط التي يعتمدانها لبناء الحياة الصالحة في المجتمع المدني.
وتُرى اليوم نظرية العقد الاجتماعي في النظريات السياسية التي توصف بالليبرالية الدستورية أو الديمقراطية، كما تُرى في النظريات الأخلاقية التي تبني الأخلاق على المنفعة والتوجه العقلاني، ولاتخلو النظريات الاجتماعية التي تؤكد مفهوم التضامن من أساس تعاقدي.
هاني يونس عمران