العراق (الموسيقى في-) Iraq

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • العراق (الموسيقى في-) Iraq

    عراق (موسيقي في)

    Iraq - Iraq

    العراق (الموسيقى في ـ)

    سقطت بغداد في أيدي المغول في منتصف القرن الثالث عشر، وكانت الموسيقى آنذاك في أوج ازدهارها، ولم تستطع الموسيقى التترية البدائية التأثير في الحياة الموسيقية العربية الشامخة، لكنها استطاعت التسلل عبر بعض مشاهير الموسيقيين العرب بهدف التقرب من المغول، وهذا التسلل الموسيقي شهدته الموسيقى البغدادية أيضاً، إبان رضوخ العراق لحكم التركمان، الذين تأثرت موسيقاهم البدائية بموسيقى بغداد، قبل أن تترك هذه تأثيراتها في موسيقى عصر الرشيد، وهذا الأثر وإن كان ضعيفاً، لكنه أثر في حياة الغناء العربي. وما يقال عن تأثيرات الموسيقى التترية والتركمانية يندرج إلى حد بعيد على الموسيقى التي جاء بها الصفويون إبان حكمهم لبغداد، إذ تأثرت موسيقاهم بالموسيقى العربية وأثرت فيها، كذلك كان الأمر في الموسيقى العثمانية التي كانت في بداياتها على شاكلة موسيقى التتر والتركمان والصفويين قبل أن تتطور وترتقي على حساب الموسيقى العربية العريقة في بغداد.
    إن تأثير موسيقى بغداد في موسيقى الشعوب التي احتلتها، وتأثرها بموسيقاهم أبدعا حالة موسيقية جديدة؛ إذ تبددت الموسيقى العربية النقية لتحل محلها موسيقى قوامها مزيج من موسيقى شعوب تلك المنطقة مكونة الحالة الموسيقية الجديدة التي صار يطلق عليها اسم الموسيقى الشرقية تجاوزاً، ومن مشاهير الموسيقيين الذين ظهروا في زمن الاحتلال المغولي صفي الدين الأرموي صاحب كتاب «الأدوار»، وفخر الدين الشهرياني، وزين الدين الموصلي وياقوت المستعصي. وظهر في العهد التركماني، عبد القادر المراغي الذي وضع بالفارسية كتاب «جامع الألحان» عن الموسيقى المغولية، وكان فن المقام من أهم الفنون التي عرفها العراق قبل نحو خمسة قرون، وقد تحدث عنه الفارابي وابن سينا والأرموي، وكان نوعاً من التأليف الموسيقي قبل أن يدخل عليه الشعر الفصيح كي يتجاوب مع الألحان الكلاسيكية التي وضعت في العصر العباسي، أما فن المقام الغنائي المحدث الذي استعاض عن الشعر الفصيح بالشعر العامي، فقد جاء به الملا جادو الزهيري، ولا يعرف على وجه التحديد أصل نشأة فن المقام العراقي الذي مازال يغنى في الهند وإيران وتركيا وعند بعض الشعوب في آسيا الوسطى. والمقام بوصفه مصطلحاً موسيقياً، هو بناء أو قالب في الموسيقى العربية لايعتمد في درجات أصواته على نظام خاص يحدد أبعاده أو مسافاته أو انتقالاته النغمية فحسب، وإنما يشير إلى الحالة العامة التي يضع السامع فيها، وهو أهم عنصر من العناصر التي قام عليها فن المقام. والمقام عملية فنية ارتجالية في الموسيقى العربية، تمارس على نطاق واسع في العراق والدول المجاورة له كإيران وتركيا، وآسيا الوسطى والهند.
    والمقامات على نوعين: ما كان شعراً فصيحاً، تستخدم فيه مقامات «الحسيني والحجاز والصبا والنوى والمنصوري». والثاني «الزهيري» أي ما كان شعراً عامياً، يستخدم في غنائه عشرة مقامات هي: ناري، وحديدي، مخالف، عربيون عرب، مدمى، حليلاوي، جبوري، قطر، شرقي أصفهان، شرقي دوكاه، وجلَّ هذه المقامات هي فروع من مقامات أساسية، مثال ذلك مقام البياتي الذي تنبثق عنه نغمات «الناري، والطاهر، والمحمودي، والسيكاه، والمخالف، والحليلاوي»، ويمر غناء المقام بأدوار ثلاثة هي: التحرير، الميانة أي الوسط، الختام. وهناك أيضاً المقامات الدينية وتؤدى في التكايا والمساجد، وفق القالب الفني الذي سبق ذكره، ولكن من دون آلات موسيقية مرافقة باستثناء بعض الآلات الإيقاعية الخالية من الصنوج كالدف الكبير والدف الصغير، ويؤدي هذا النوع من المقامات الدينية قراء متمرسون بفن المقام، وأهم الإيقاعات المتداولة فيها هي: الواحدة الطويلة مقياسها 4/4، والجورجينة ومقياسها 10/8، والنواسي ومقياسه 18/8، ويكرك ومقياسه 12/4. وتتمسك المدن الكبيرة في العراق مثل بغداد والموصل وكركوك وأربيل بإقامة الاحتفالات الدينية، وخاصة عند عودة الحجاج من مكة المكرمة. كذلك تقام في المنقبات النبوية الشريفة في ليالي رمضان المبارك وأيام عيدي الفطر والأضحى، أما في ذكرى استشهاد الأئمة والأولياء كاستشهاد الحسين وأصحابه رضي الله عنهم والمعروفة بأيام عاشوراء فتكثر فيها التراتيل ذات الطابع المأسوي، وأشهر من غنى المقام العراقي وقرأه في المنقبة النبوية الشريفة هو أحمد زيدان البياتي (1830ـ 1913) ويعد واحداً من المجددين في الغناء العراقي وخاصة المقامات التي رفع من شأنها بعد أن وضع لها التسليمات المناسبة. ومن مشاهير المغنين العراقيين، الشيخ الملا عثمان الموصلي (1853ـ 1923)، الذي اشتهر بدوره في غناء المقام العراقي وقراءة المنقبة النبوية، فقد بصره صغيراً، غير أن هذا لم يثنه بعد أن حفظ القرأن الكريم، عن أخذ هذا الفن من أربابه حتى بلغ به شأواً بعيداً. اتصل به «سيد درويش» وأخذ عنه فن الموشحات. سافر إلى تركيا إبان حكم السلطان عبد الحميد الثاني، فأقام في اصطنبول حيث عيَّنه السلطان مؤذناً ومقرئاً في جامع أيا صوفيا. وللشيخ ملا عثمان الموصلي تسجيلات نادرة على أسطوانات رافقه في عزف بعضها أشهر موسيقيي عصره التركي طمبوري جميل.
    وهناك المقرئ عبد الستار الطيار المولود عام 1923 في منطقة فضوة، فقد بصره هو الأخر بعد عام واحد من ولادته. في الثامنة من عمره سمع في مقهى الفضوة صوت كل من محمد القبانجي[ر]، ورشيد القندرجي وعباس كمبير الشيخلي، فتعرّف أسرار الأنغام والمقامات الرئيسة، وكان يفكر منذ أصبح من قرّاء الموالد، وهو احتفال ديني يسمى «المولد» ـ جمعه موالد ـ في أن يجد اسلوباً خاصاً في إقامة المنقبات التي ظلت حتى عام 1953 تتبع أسلوب الملا عثمان الموصلي، وقد حقق ما يصبو إليه عندما ألَّف مجموعة من القراء آمنوا مثله بضرورة التجديد، فوضع أسلوبين مهمين للموالد، الأول يعتمد المنقبة التي تقام في المناسبات الحزينة، والثاني المنقبة التي تقام في الأفراح، واستفاد من الأغاني المشهورة الدارجة، فوضع لها كلمات مناسبة تقدم وصلات تكميلية، واعتمد المقام هيكلاً أو بناءً هندسياً لأنغامها وتخريجاتها، وفتح بذلك أفاقاً جديدة أمام القراء والمغنين على حد سواء لم تكن معروفة قبله.
    أما الحاج عباس كمبير الشيخلي المولود عام 1883م في بغداد، فقد كان من طفولته شغوفاً بقراءة المقام، فشرع يسمع ويقلد ويسأل حتى تمكّن من أدواته النغمية والقواعدية، وأخذ يظهر في الحفلات والجالغيات، (الجالغي كلمة تركية أصلها جالغي طاقمي، أي جماعة الملاهي، وظلت هذه الكلمة مستعملة حتى اليوم في الفرقة التقليدية المؤلفة من عازفين اثنين على آلتي السنتور والجوزة وضابط إيقاع ومغنٍ) والشيخلي أفغاني الأصل، أخذ فن المقام عن خطّاب بن عمر، وأتم دراسته على يدي أحمد الزيدان البياتي، وهو ذو صوت رخيم، ولكن علمه بالمقام ضئيل على الرغم من أدائه الجيد في «التحرير» وضعيف في «الميانة». توفي الشيخلي عام 1967عن عمر يناهز السبعين عاماً. ويعد محمد القبانجي لدى العارفين بفن المقام من أشهر مغني المقام العراقي، إضافة إلى هاشم الرجب الباحث وقارئ المقامات القدير.
    ثمة فن آخر يختلف عن المقام هو «الأبوذية»، وهو فن من فنون الغناء الشعبي العراقي، ويقوم أساساً على الشعر العامي، وقد كثر استعماله عند الأعراب، ولاسيما عند أهل البادية قبل أن يغزو المدن والحواضر، والأبوذية كلمة مركبة من «أبو» أي ذو أو صاحب، ومن «ذيه» وهي تخفيف «أذية» ومعناهما «صاحب الأذية»، وسمي كذلك لأنه لا ينظم إلا إذا تأثرت العواطف بتأثيرات الطبيعة. وقد ظهر هذا اللون نظماً وغناء في مناطق الجنوب العراقي. وأول من ابتكره وغناه «حسين العبادي»، وتاريخ ابتكاره يعود إلى عصر الانحطاط؛ لأن تركيبه الشعري يماثل الطابع المألوف للشعر العربي في عصر الانحطاط، وهو العصر الذي غلبت فيه الصنعة على الطبيعة. والأبوذية مثل «العتابا»، وللجناس أثر بارز في تركيبها الشعري، فهي مؤلفة من أربع شطرات، الثلاثة الأولى منها تنتهي بكلمة واحدة، متحدة في اللفظة مختلفة في المعنى، أما الشطر الرابع، فينتهي بياء مشددة وهاء مهملة، كقول الشاعر:
    أهلن يا نسيم الروح يا الماس
    على اللي شبهوا خده الورد بالماس
    الورد يذبل يصاحب حين يلماس
    وذا مهما تقبله احتمر ميه
    لم يطرأ على الأبوذية مذ عرفت أي تطور، إذ ظلت محافظة على طابعها الأصلي، وهي في الموضوعات التي تطرقت إليها لا تختلف عن موضوعات سائر الأغاني الشعبية، فهي دينية وغزلية ووصفية وحماسية وفخرية.
    أما الموسيقى الآلية، فلم تصبح فناً مستقلاً عن الغناء إلا بعد تأسيس المعهد الموسيقي الرسمي عام 1932 التابع لوزارة المعارف، الذي غدا اسمه منذ عام 1940 «معهد الفنون الجميلة» ويدرِّس هذا المعهد طلابه الموسيقى الغربية والموسيقى الشرقية، وكان لأسلوب الشريف محيي الدين حيدر الذي ابتدع أسلوباً خاصاً في العزف بالعود، ظهور «مدرسة بغداد» في العزف على العود التي أعطت للوطن العربي، أمهر العازفين منهم جميل ومنير بشير، وسلمان شكر وغانم حداد، وجورج ميشيل، ويعد جميل بشير أكثر موهبة بين تلاميذ الشريف محيي الدين، لأنه غدا خليفة وواحداً من أعظم عازفي العود الماهرين في العالم.
    استطاع بعض أساتذة المعهد قبل اندلاع الحرب العراقية الإيرانية تأسيس الفرقة الكبيرة، وهي فرقة على غرار الفرق السمفونية، وكان وراء تأسيس هذه الفرقة الأساتذة منذر جميل الحافظ، وباسم حنا بطرس، وحسين قدوري ومنير بشير. قدمت هذه الفرقة أعمالاً موسيقية وحفلات ناجحة، غير أن الحروب التي خاضتها العراق، جعلت كثيراً من المؤسسات الثقافية تنكفئ، ومنها هذه الفرقة.
    صميم الشريف
يعمل...
X