عظم (اسعد باشا)
Al-Azm (As’ad Pasha-) - Al-Azm (As’ad Pasha-)
العظم (أسعد باشا ـ)
(1113 ـ 1171هـ/1701 ـ 1757م)
أسعد بن إسماعيل بن إبراهيم العظم، من كبار ولاة الدولة العثمانية، ولد بمعرة النُّعمان، وكان والده إسماعيل أول من دخل الشام من أسرة آل العظم، جاء من قونية لدمشق واستوطنها إلى أن توفي فيها تاركاً ثلاثة أولاد: سعد الدين، وأسعد، ومن سلالتهما آل العظم في دمشق وحماة، وإبراهيم وسلالته في معرَّة النعمان.
وكان أسعد أكثر ذكاء وألمعية من أخويه حتى صار وكيلاً لأبيه في حال غيبته، وكان إسماعيل باشا والد أسعد مكلَّفاً ببعض أمور الدولة العثمانية المالية، فاتُّهِمَ وابنه وأوقفا، ثم أُفرج عنهما بعد ظهور براءتهما.
وحينما أنعمت الدولة العثمانية على عمه سليمان باشا بمالكانة حماة وتوابعها؛ ذهب أسعد مع عمه سليمان باشا وأظهر نشاطاً عمرانياً، فعمّر كثيراً من الدور والخانات والحمامات، فأنعمت عليه الدولة لقاء ذلك برتبة «رومللي» وصار جرداوياً لأمير الحج علي باشا الوزير سنة 1153هـ، ثم نال باشوية صيدا، ولم يستطع الإقامة بها فاستقال، فنقل إلى حماة سنة 1154هـ، وعُيِّنَ في سنة 1156هـ والياً على دمشق واستلم إمارة الحج بعد وفاة عمه سليمان باشا، ودخل دمشق من مسجد الأقصاب بموكب عظيم من الانكشارية وأكابر دمشق وأعيانها، وبقي في دمشق خمس عشرة سنة، ثم عزل عنها، ثم عُيّن والياً على حلب، ثم صدر فرمان (مرسوم) للذهاب إلى مصر والياً، فتمسك به أهل حلب، وطلبوا ذلك من الدولة العثمانية فبقي بحلب إلى أوائل سنة 1171هـ، ثم عزل وعُيِّن والياً على «سيواس» فالتحق بها مكرهاً في أواخر ربيع الأول، وفي الثامن من شهر رجب من السنة المذكورة وصل الأمر من الباب العالي بالقبض على أسعد باشا ونفيه إلى جزيرة «كريت» فأخرج من «سيواس» إلى المنفى، فقتل في مدينة «أنقرة» ليلة الخامس من شهر شعبان داخل حمام.
كان أسعد باشا عبقرية شامية من الطراز الأول، أتقن اللغات الثلاث العربية والتركية والفارسية، وكان شجاعاً بطاشاً، حازماً، فاستتب الأمن في عهده، وقضى على الفوضى والتجاوزات التي كانت قبل ولايته، وقضى بعد ذلك على الزُّعَّار الباقين في المدينة، وساعده على ذلك مشايخ الحارات والأئمة تحت طائلة العقوبة.
وقد ازدهرت الشام في عهد أسعد باشا لنمو المبادلات التجارية بين التجار الفرنسيين في ساحل بلاد الشام الجنوبية والتجار الدمشقيين، ونشطت تجارة المنسوجات الدمشقية التي ازداد طلبها، كما أن توفير أسعد باشا سلامة الحجيج طوال عهده شجع الحجاج على الذهاب إلى الحجاز بأعداد كبيرة، وازداد عدد التجار المرافقين لقافلة الحج، فأفادت دمشق من ازدهار التجارة في أثناء التجهيز لموسم الحج.
وازدادت ثروة أسعد باشا على مرور الزمن، ويدل بناؤه خانه المشهور في البزورية في 1166هـ/1752ـ 1753م، على الحالة الاقتصادية النشطة في دمشق، وفي عام 1163هـ/1749ـ 1750م بدأ أسعد باشا بإنشاء قصره المشهور في البزورية وانتهى من بنائه في العام التالي، وقد كان آية في الروعة وفن العمارة، وأنفق أسعد باشا على بنائه كثيراً من المال والجهد، وجَنّدَ إمكانات فنية وموارد اقتصادية كبيرة لذلك.
ومن الآثار التي خلَّدت اسمه على الأيام وتشهد برقي الزخرفة والهندسة الشامية في القرن الثاني عشر القيساريةُ المعروفة بخان أسعد باشا في سوق البزورية التي قال عنها الشاعر الفرنسي لامارتين La Martine إنها من أجمل قيسارات الشرق، وأن قبابها ذكَّرته بقباب كنيسة القديس بطرس في روما.
رمم أسعد باشا كثيراً من الجوامع والمدارس والمزارات وأصلحها، وبنى خانات عدة في حماة والمعرة وخان شيخون، ونسب إليه بناء دار كبيرة في حماة.
ولم يكن قصر أسعد باشا بدمشق محضٍ بناءٍ عادي، إذ لم تشهد بلاد الشام في العهد العثماني قصراً لوالٍ حكمها بمثل هذه الفخامة. ويدل بناؤه على مقدار النفوذ الذي بلغه أسعد باشا وأسرته في الشام.
والجدير بالملاحظة أن الأبيات الشعرية الموجودة اليوم على جدران القصر وسقوفه لاتذكر اسم السلطان العثماني، وتكتفي بتمجيد أسعد باشا وذكر نعم الله عليه.
ويجد رواد القصر اليوم نقوشاً ماثلة على الجدران، منها:
حمداً لمن منح الإحسان والجودا
وشكره خلّـد النعماء تخليــدا
ووفق البطل الكرّار أسعد من
أولاده مولى الورى نصراً وتأييدا
ونجد أيضاً على بعض الجدران:
يا أسعد الحظ ويا من لـه
في ذروة المجد مقـام كـبير
ساعدك الرحمن رب السما
ودمت محروس الجناب الخطير
عمرت بالتقوى ديار الهنا
ومأمن اللاجِئ ومن يستجـير
إلى أن ذكر:
بيت أتى تاريخه للمنـى
شيده أسعد باشا الوزير
وعلى الرغم مما وصل إليه أسعد باشا العظم من مكانة تدل على عبقريته في الحكم والسياسة لأمور الشام في القرن الثاني عشر، أهمله المؤرخون، ولم يتوسعوا في منجزاته وسيرته، وكان جلّ اعتماد المؤرخين المعاصرين على ما أورده الحلاق البديري في يومياته الشامية.
أحمد سعيد هواش
Al-Azm (As’ad Pasha-) - Al-Azm (As’ad Pasha-)
العظم (أسعد باشا ـ)
(1113 ـ 1171هـ/1701 ـ 1757م)
أسعد بن إسماعيل بن إبراهيم العظم، من كبار ولاة الدولة العثمانية، ولد بمعرة النُّعمان، وكان والده إسماعيل أول من دخل الشام من أسرة آل العظم، جاء من قونية لدمشق واستوطنها إلى أن توفي فيها تاركاً ثلاثة أولاد: سعد الدين، وأسعد، ومن سلالتهما آل العظم في دمشق وحماة، وإبراهيم وسلالته في معرَّة النعمان.
وكان أسعد أكثر ذكاء وألمعية من أخويه حتى صار وكيلاً لأبيه في حال غيبته، وكان إسماعيل باشا والد أسعد مكلَّفاً ببعض أمور الدولة العثمانية المالية، فاتُّهِمَ وابنه وأوقفا، ثم أُفرج عنهما بعد ظهور براءتهما.
وحينما أنعمت الدولة العثمانية على عمه سليمان باشا بمالكانة حماة وتوابعها؛ ذهب أسعد مع عمه سليمان باشا وأظهر نشاطاً عمرانياً، فعمّر كثيراً من الدور والخانات والحمامات، فأنعمت عليه الدولة لقاء ذلك برتبة «رومللي» وصار جرداوياً لأمير الحج علي باشا الوزير سنة 1153هـ، ثم نال باشوية صيدا، ولم يستطع الإقامة بها فاستقال، فنقل إلى حماة سنة 1154هـ، وعُيِّنَ في سنة 1156هـ والياً على دمشق واستلم إمارة الحج بعد وفاة عمه سليمان باشا، ودخل دمشق من مسجد الأقصاب بموكب عظيم من الانكشارية وأكابر دمشق وأعيانها، وبقي في دمشق خمس عشرة سنة، ثم عزل عنها، ثم عُيّن والياً على حلب، ثم صدر فرمان (مرسوم) للذهاب إلى مصر والياً، فتمسك به أهل حلب، وطلبوا ذلك من الدولة العثمانية فبقي بحلب إلى أوائل سنة 1171هـ، ثم عزل وعُيِّن والياً على «سيواس» فالتحق بها مكرهاً في أواخر ربيع الأول، وفي الثامن من شهر رجب من السنة المذكورة وصل الأمر من الباب العالي بالقبض على أسعد باشا ونفيه إلى جزيرة «كريت» فأخرج من «سيواس» إلى المنفى، فقتل في مدينة «أنقرة» ليلة الخامس من شهر شعبان داخل حمام.
كان أسعد باشا عبقرية شامية من الطراز الأول، أتقن اللغات الثلاث العربية والتركية والفارسية، وكان شجاعاً بطاشاً، حازماً، فاستتب الأمن في عهده، وقضى على الفوضى والتجاوزات التي كانت قبل ولايته، وقضى بعد ذلك على الزُّعَّار الباقين في المدينة، وساعده على ذلك مشايخ الحارات والأئمة تحت طائلة العقوبة.
وقد ازدهرت الشام في عهد أسعد باشا لنمو المبادلات التجارية بين التجار الفرنسيين في ساحل بلاد الشام الجنوبية والتجار الدمشقيين، ونشطت تجارة المنسوجات الدمشقية التي ازداد طلبها، كما أن توفير أسعد باشا سلامة الحجيج طوال عهده شجع الحجاج على الذهاب إلى الحجاز بأعداد كبيرة، وازداد عدد التجار المرافقين لقافلة الحج، فأفادت دمشق من ازدهار التجارة في أثناء التجهيز لموسم الحج.
وازدادت ثروة أسعد باشا على مرور الزمن، ويدل بناؤه خانه المشهور في البزورية في 1166هـ/1752ـ 1753م، على الحالة الاقتصادية النشطة في دمشق، وفي عام 1163هـ/1749ـ 1750م بدأ أسعد باشا بإنشاء قصره المشهور في البزورية وانتهى من بنائه في العام التالي، وقد كان آية في الروعة وفن العمارة، وأنفق أسعد باشا على بنائه كثيراً من المال والجهد، وجَنّدَ إمكانات فنية وموارد اقتصادية كبيرة لذلك.
ومن الآثار التي خلَّدت اسمه على الأيام وتشهد برقي الزخرفة والهندسة الشامية في القرن الثاني عشر القيساريةُ المعروفة بخان أسعد باشا في سوق البزورية التي قال عنها الشاعر الفرنسي لامارتين La Martine إنها من أجمل قيسارات الشرق، وأن قبابها ذكَّرته بقباب كنيسة القديس بطرس في روما.
رمم أسعد باشا كثيراً من الجوامع والمدارس والمزارات وأصلحها، وبنى خانات عدة في حماة والمعرة وخان شيخون، ونسب إليه بناء دار كبيرة في حماة.
ولم يكن قصر أسعد باشا بدمشق محضٍ بناءٍ عادي، إذ لم تشهد بلاد الشام في العهد العثماني قصراً لوالٍ حكمها بمثل هذه الفخامة. ويدل بناؤه على مقدار النفوذ الذي بلغه أسعد باشا وأسرته في الشام.
والجدير بالملاحظة أن الأبيات الشعرية الموجودة اليوم على جدران القصر وسقوفه لاتذكر اسم السلطان العثماني، وتكتفي بتمجيد أسعد باشا وذكر نعم الله عليه.
ويجد رواد القصر اليوم نقوشاً ماثلة على الجدران، منها:
حمداً لمن منح الإحسان والجودا
وشكره خلّـد النعماء تخليــدا
ووفق البطل الكرّار أسعد من
أولاده مولى الورى نصراً وتأييدا
ونجد أيضاً على بعض الجدران:
يا أسعد الحظ ويا من لـه
في ذروة المجد مقـام كـبير
ساعدك الرحمن رب السما
ودمت محروس الجناب الخطير
عمرت بالتقوى ديار الهنا
ومأمن اللاجِئ ومن يستجـير
إلى أن ذكر:
بيت أتى تاريخه للمنـى
شيده أسعد باشا الوزير
وعلى الرغم مما وصل إليه أسعد باشا العظم من مكانة تدل على عبقريته في الحكم والسياسة لأمور الشام في القرن الثاني عشر، أهمله المؤرخون، ولم يتوسعوا في منجزاته وسيرته، وكان جلّ اعتماد المؤرخين المعاصرين على ما أورده الحلاق البديري في يومياته الشامية.
أحمد سعيد هواش