البكتيريا الخارقة : كيف تنشأ

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • البكتيريا الخارقة : كيف تنشأ

    اضغط على الصورة لعرض أكبر. 

الإسم:	super-bug-384x253.jpg 
مشاهدات:	5 
الحجم:	27.2 كيلوبايت 
الهوية:	113238


    تخيل معي أن البشر كانوا ولعقود يتعاونون في نحت مخلوق فتاك منيع بوسعه القضاء على مئات الملايين من البشر. حدث هذا بالفعل وكان هذا المخلوق، والذي هو نتاج أعوام من الإهمال والإسراف في استخدام المضادات الحيوية بداعٍ و بدون داعٍ. والنتيجة انتشار سلالات بكتيرية لا يقوى الأطباء على مواجهتها إلا بعد استنفاذ معظم الأسهم في جعبتهم.

    سنوضح في هذا المقال كيفية عمل المضادات الحيوية، وميكانيكية ظهور البكتيريا الخارقة موضحين آثار ذلك على البشرية في المستقبل والبدائل التي يقدمها لنا العلم.
    كيف تعمل المضادات الحيوية؟


    لكي تعمل المضادات الحيوية بشكل فعال وآمن، على هذه المواد أن تكون قادرة على استهداف البكتيريا للقضاء عليها دونًا عن الخلايا الأخرى بالجسد، ويحدث هذا باستهداف عمليات مهمة للبكتيريا مثل تصنيعها لحمض الفوليك (Folic Acid) أو لجدارها الخلويّ المميز، أو باستهداف أجزاء مميزة من عمليات تشترك فيها الخلايا الجسدية والبكتيرية مثل تصنيع البروتينات أو نسخ الحمض النووي. فمثلًا تنتج معظم أنواع البكتيريا جدارًا خلويًا يتكون من جزيئات كبيرة تسمى ببتيدوجليكانات (peptidoglycans)، هذه الجزيئات تتكون بدورها من سكريات أمينية وسلاسل ببتيدية قصيرة. وعلى عكس الخلايا البكتيرية، فإن الخلايا الجسدية لا تصنع أو تحتاج هذه الببتيدوجليكانات. يتم توظيف هذه المعلومة في استخدام المضاد الحيوي الشهير البنسلين، إذ يمنع هذا المضاد الحيوي تكوين الببتيدوجليكانات بإعاقة أحد خطوات العملية (Transpeptidation)، والنتيجة هي بكتيريا ذات جدر خلوية هشة تنفجر قاتلةً البكتيريا، بينما لا تتأثر الخلايا البشرية التي لا تضم عمليات بيولوجية يمكن للبنسلين أن يعيقها وذلك لأنها لا تحتوي على الببتيدوجليكانات.





    يمكن استهداف البكتيريا أيضًا بطريقة أخرى مثل استهداف العمليات الأيضية للبكتيريا بواسطة مركبات السلفوناميد (Sulfonamides)، مثل السلفاميثوكسازول (Sulfamethoxazole) الذي يشبه في تركيبه حمض بارا أمينوبنزويك (Para-aminobenzoic acid) والذي يعد مركبًا حيويًا في عملية تصنيع حمض الفوليك. فيتامين حمض الفوليك مهم لكل الخلايا، ولكن على عكس الخلايا البشرية التي يمكنها أن تستقبل هذا الفيتامين من الخارج، فإن الجدر الخلوية في البكتيريا لا تسمح بمرور هذا الفيتامين، لذلك فإن إعاقة تصنيعه بالخلايا البكتيرية يعيق نموها.





    نوعٌ آخر من المضادات الحيوية التي تعيق نمو الخلايا البكتيرية هو التتراسيكلين (Tetracycline) الذي يتراكم في السيتوبلازم البكتيري ويرتبط بالريبوسومات (مصانع البروتين الخلوية)، فيوقف عملية تصنيع البروتين بالخلايا البكتيرية، بينما لا يستطيع التيتراسيكلين التراكم في الخلايا البشرية بالشكل الكافي الذي يمنع عملية تكوين البروتين. [1]


    كيف تكتسب الخلايا البكتيرية المناعة؟


    للأسف، لا تبقى الأمور كما نفضلها دائمًا، فالبكتيريا تبتكر طرقًا مختلفة لمحاربة المضادات الحيوية، مثل:

    1- قد تقوم البكتيريا بتغيير نفاذية جدرها الخلوية أو تقليل عدد القنوات التي تسمح بمرور المضادات الحيوية.





    2- قد تلجأ البكتيريا أيضًا لصناعة مضخات في جدرها تطرد المضاد الحيوي بمجرد دخوله وذلك باستعمال أدينوسين ثلاثي الفوسفات (ATP) كمصدر طاقة.

    3- قد تقوم أيضًا بتغيير التراكيب التي يرتبط بها المضاد الحيوي ليقوم بعمله في تعطيل نمو الخلية، وبالتالي لا يتعرف المضاد الحيوي على هذا التركيب الجديد.

    4- قد تدمر البكتيريا المضاد الحيوي بشكل مباشر بدلًا من منعه من القيام بعمله، وذلك عن طريق إنتاج إنزيمات تقوم بهذه المهمة مثل إنزيم بيتا لاكتاماز (beta-lactamases) الذي يدمر البنسلين.








    لا تختار البكتيريا الطفرات الجينية أو الإمكانات التي تسمح لها بالنجاة، ولكن هذه الجينات المناعية تنتقل إليها بعدة طرق:

    1- عن طريق البلازميدات (Plasmids)- وهي جزيئات حمض نووي ريبوزي منقوص الأكسجين (DNA) دائرية توجد خارج الكروموسوم- التي تستطيع ترميز مقاومة ضد أنواع كثيرة ومختلفة من المضادات الحيوية.





    2- عن طريق الترانسبوزونات (Transposon) وهي «جينات قافزة» تنتقل من حمض نووي بكتيري إلى حمض نووي أو بلازميد بكتيري آخر.

    3- عن طريق امتصاص بقايا الحمض النووي لبكتيريا ميتة تحمل الجين.

    4- عن طريق التحويل (Transformation) إذ تتحول سلالة بكتيرية إلى أخرى نتيجة تغير المادة الوراثية، ويتم التحويل مثلًا عن طريق اندماج الخليتين البكتيريتين ليتبادلا الجينوم.
    هل الانتخاب الطبيعي متورط؟


    ما أن يستقر الجين المناعي في الجينوم البكتيري حتى يرث جميع أحفاد هذه الخلية هذا الجين وبالتالي تكون منيعة لهذا المضاد الحيوي، والباقي ما هو إلا « بقاء للأصلح » على مستوى مجهري: فتنجو الخلايا البكتيرية الحاملة للجين المناعي للمضاد الحيوي ويزداد نسلها، بينما تعمل المضادات الحيوية على تلك الخلايا التي تخلو من الجين.


    هل نساهم بصناعة هذه الوحوش؟


    إن تجاهل المرضى لتعليمات الطبيب بإكمال العلاج بعد الشعور بالتحسن سبب أساسي لظهور بكتيريا منيعة للمضادات الحيوية، فقد يعجز الجهاز المناعي للمريض عن مكافحة ما تبقى من الخلايا البكتيرية مما يؤدي إلى انتشار السلالات المنيعة وانتقالها إلى أشخاص آخرين. نساهم أيضًا في هذه المشكلة بالإصرار على تناول المضادات الحيوية حتى عند الإصابة بالبرد أو الأنفلونزا، بينما لا تعمل المضادات الحيوية على الفيروسات من الأساس. بالإضافة إلى ذلك فإن المضاد الحيوي لا يفرق بين البكتيريا الجيدة والسيئة.

    يساهم الاهتمام الزائد بالنظافة أيضًا في المشكلة، فنحن نتعامل مع البكتيريا بشكل يومي، إذ تعج أمعائنا بالبكتيريا التي تساعدنا في هضم المواد التي لا نستطيع تكسيرها والتي قد تموت باستخدام المضادات الحيوية.





    للعلاج الذاتي أيضًا دور في ذلك: عليك باتباع إرشادات الطبيب الذي يصف مضادًا حيويًا معينًا لعدوى معينة، فليست كل المضادات الحيوية تعمل على كل الخلايا البكتيرية.





    الاستخدام المفرط للمضادات الحيوية لدى البشر والحيوانات هو محرك رئيسي أيضًا لمقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية. إذ تستخدم المضادات الحيوية بطريقة غير علاجية في مزارع الحيوانات المزدحمة لتساعد على نموها وحمايتها من الأمراض، فإن 80% من المضادات الحيوية المستخدمة في الولايات المتحدة تستخدم للحيوانات. ليس هذا فحسب، بل إن إدارة الغذاء والدواء (FDA) نفسها تسمح لمربي الحيوانات باستخدام 30 نوعًا مختلفًا من المضادات الحيوية، من بينها 18 نوعًا صرحت الإدارة نفسها بأنها قابلة لتكوين سلالات مناعية ضدها لدى البشر. [2]،[3]



    والنتيجة كارثة، آلاف من الضحايا لهذه الوحوش المنيعة لترسانتنا. ففي الولايات المتحدة فقط يموت 23 ألف شخص سنويًا بعدوى بكتيرية منيعة، وذلك طبقًا لتقرير تابع لمركز مكافحة الأمراض واتقائها (CDC) عام 2013. والإحصائيات مرعبة جدًا، إذ لم توافق إدارة الغذاء والدواء (FDA) منذ عام 1998 وحتى عام 2014 سوى على نوعين فقط من المضادات الحيوية، فمعظم المضادات الحيوية التي نستخدمها اليوم تم تطويرها قبل عام 1968، لذلك يعمل الباحثون على إيجاد طرق بديلة لمكافحة المد المناعي للبكتيريا. ولحسن الحظ فإن هذه المشكلة لا تتطلب حلًا واحدًا، بل إن الإبداع والابتكار في استخدام كافة الطرق المتاحة هو المفتاح لحل هذه الأزمة، وهذا ما سنناقشه في مقالنا القادم.
يعمل...
X