الجزيرة Al Jazirah إقليم في المشرق العربي يُعرف بالجزيرة الفراتية أو بلاد الرافدين

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الجزيرة Al Jazirah إقليم في المشرق العربي يُعرف بالجزيرة الفراتية أو بلاد الرافدين

    جزيره مابين نهرين

    Al Jazirah (Mesopotamia) - Al Jazirah (Mésopotamie)

    الجزيرة (ما بين النهرين)
    الجزيرة إقليم في المشرق العربي يُعرف بالجزيرة الفراتية أو بلاد الرافدين أو ما بين النهرين، ويسميه ياقوت بجزيرة أقور أيضاً، محصور بين نهري الفرات ودجلة، وبين جبال طوروس في الشمال الغربي وصدر الخليج العربي في الجنوب الشرقي، يمتد على مساحات من العراق وسورية وتركية، وهو ليس جزيرة بالمفهوم الجغرافي الصرف، لكن ضيق الشقة بين أعالي دجلة والفرات سمحت بالتجاوز قياساً على تسمية الجزيرة العربية. ويقول ياقوت: «سُميت الجزيرة لأنها بين دجلة والفرات، وهما يُقبلان من بلاد الروم وينحدران متسامتين حتى يلتقيا قرب البصرة ... وهي صحيحة الهواء جيدة الريع والنماء واسعة الخيرات»، فكل ما يقع بين النهرين عند العرب والتراثيين هو «جزيرة»، وكل ما يقع يمين نهر الفرات هو «شامية»، وكل ما يقع يسار دجلة هو «عجم». وتُعرف في المصادر الأجنبية بـ«بلاد الرافدين» أو «ما بين النهرين» Mesopotamia.
    والسمة الطاغية على تضاريس الجزيرة الهدوء وعدم تشويه الطبقات الرسوبية، إلا في الأنحاء الشمالية وفي محدبات جبل سنجار وعبد العزيز، وبالتالي فإن سطحها هو سهل واطئ منبسط يقع دون ارتفاع 100م فوق سطح البحر في الجنوب، وسهول وهضاب منخفضة ترتفع بين 100-300م في الشمال، وتحف بها مرتفعات تلتحم بجبال طوروس، ترقى لأعلى من 1000م فوق سطح البحر، لكنها تراوح بين بضعة أمتار و10م في أقصى الجنوب. وتكثر في الجزيرة أحواض واطئة مغلقة تضم أعداداً من السبخات والخَبْرات والمستنقعات، أكبرها حوض الثرثار، وأغناها بالمستنقعات منطقة الأهوار[ر]. أما مناخها فهو متوسطي فوق مداري ومداري، أمطارها شتوية (بنسبة 50 -60%)، تراوح كمياتها بين 800-1000مم في الشمال، و50 -400مم في الجنوب والوسط، وحرارتها عالية عامة ولاسيما في الجنوب، حيث يزيد المتوسط السنوي على 25 درجة مئوية، في حين يراوح بين 1-5 درجات في الشمال الذي يعرف الثلج والصقيع.
    الجزيرة غنية بالمياه السطحية والجوفية لكن اعتماد إعمارها واقتصادها هو على المياه السطحية لشبكتي دجلة والفرات وروافدهما القادمة من الجبال الشمالية والشرقية، وباستثناء نهري الخابور والبليخ، تنعدم الأنهار الرافدة للفرات ودجلة داخل أراضي الإقليم، وبالمقابل تزدحم أنحاء الجزيرة جنوب عرض مدينة بغداد بمئات القنوات والسواقي المشتقة من دجلة أو الفرات لري الحقول والبساتين.
    أمَّا نبات الجزيرة ففقير وهزيل تغلب عليه الأعشاب شبه الصحراوية المقاومة للجفاف والمحبة للملح، وبعض أصناف الشجيرات المتقهقرة في مرتفعات الشمال، كان لتدخل الإنسان والتوسع الزراعي دور في تراجعها على امتداد آلاف السنين. وتأسيساً على الأوضاع الجغرافية الطبيعية يُقسم الإقليم إلى خمس مناطق بيئية طبيعية هي من الشمال باتجاه الجنوب الشرقي: منطقة الجزيرة العليا كُوَر مرتفعات أورفة، وهضبة أعالي دجلة وماردين والجزيرة السورية العليا، ثم منطقة الجزيرة الدنيا، ومنطقة وادي الفرات، ومنطقة بادية الجزيرة، ثم منطقة الرافدين الواطئة، وتضم كُوَر منخفض الثرثار وسهل بغداد والسواد.
    يُقدر عدد سكان إقليم الجزيرة بنحو 25-28 مليون نسمة، قرابة 18.5 مليون منهم عراقيون، و6 ملايين أتراك، و3.1 مليون سوريون. يعيش أكثر من 70% منهم في المدن، مثل بغداد (4 ملايين نسمة)، والبصرة والموصل والرمادي والحلة والعمارة والكوت والبوكمال ودير الزور والرقة والحسكة والقامشلي وديار بكر وماردين وأورفة وغيرها من مدن يقع أغلبها وأهمها على ضفاف دجلة والفرات. أما الريفيون فتكثر قراهم وتجمعاتهم في البقاع الزراعية، تتكاثف في الجنوب وفي أودية الأنهار وعلى طول قنوات الري ومشاريعه، وتقل نسبياً في منطقة الجزيرة العليا، وتكاد تختفي في الجزيرة الدنيا وبادية الجزيرة باستثناء ازدحام القرى على جوانب دجلة والفرات في المنطقتين، ومعظم مساكن القرى مبنية بالطين ذات سقوف مستوية، وفقيرة إلى الكثير من الخدمات الأساسية، أما في الأهوار فمبنية بالقصب ونباتات المستنقعات. ويعد الإقليم من أقدم بقاع العالم إعماراً لغناه بمقومات السكنى والاستقرار، كما كان لموقعه الجغرافي دور فعال في تعدد أصول سكانه منذ القدم وإلى اليوم، إذ تتداخل عناصر العالم الجبلي من الأتراك والتركمان والأكراد، إضافة إلى أقليات أخرى، مع المجموعات العربية ذات الجذور القبلية القديمة والحديثة التي تؤلف غالبية سكان الإقليم، ولاسيما في مناطق الإقليم الواقعة جنوب الجزيرة العليا.
    ونسبت مناطق الجزيرة شمال بغداد إلى قبائل مثل، مضر وبكر وربيعة وتغلب من القبائل القديمة، أما القبائل الحديثة فأكثر من أن تُحصى هنا. ويختلف نمط حياة قبائل معدان وبني ركاب وبني سعيد وبني لام عن نمط غيرهم، لارتباط معيشتهم بمستنقعات الأهوار، ويدين معظم السكان بالإسلام بمذاهبه المختلفة، إضافة إلى اعتناق النصرانية من قبل السريان والكلدان والآشوريين وغيرهم، بمذاهبها الكثيرة، وأغلبهم في منطقة الجزيرة العليا، وفي الإقليم مجموعات مبعثرة في المنطقة ذاتها من اليزيديين. ولقد قُدر عدد المجموعات القبلية -العشائرية والإثنية والدينية- المذهبية في الإقليم بما يزيد على 100 مجموعة موزعة على دوله الثلاث، يختلط أكثرهم في المدن، ويعيشون شبه مستقلين في الريف.
    تعد الزراعة أقدم النشاطات الاقتصادية وأوسعها انتشاراً في جميع أنحاء الإقليم الذي تتوافر فيه مقوماتها، فهو موطن الثورة الزراعية، والحياة الريفية المستقرة على الفرات، ويؤمن القطاع الزراعي في الإقليم 40% من الدخل القومي لسورية و70ـ80% للعراق (من دون عائدات النفط للبلدين)، أما بالنسبة لتركية فإن مشروع (غاب G.A.P) المنفذ على أرض منطقة الجزيرة العليا، هو أضخم مشروع ري زراعي إنتاجي في شرق البحر المتوسط. والزراعة في الشمال بعلية ومروية، وفي الوسط والجنوب مروية لقلة الأمطار، لكن التوسع في مشاريع الري على النهرين وما بينهما، شمل اليوم معظم مناطق الإقليم، حيث فصل النمو طويل، وإمكانية زراعة أنواع كثيرة من المزروعات المدارية وشبه المدارية (مثل النخيل في الجنوب) حتى محاصيل الأنحاء المعتدلة وشبه الباردة (مثل الكستناء والتفاح) في الشمال متوافرة. وتدخل تربية الحيوانات وخاصة الضأن والبقر مهنة مرافقة للزراعة في وسط الإقليم، مع انتشار تربية الأبقار في الأودية والشمال.
    أما القطاع الصناعي فقد ازدهر بعد التحول إلى الآلة والطاقة في أغلب الصناعات الحديثة، وبعد الكشف عن النفط والغاز واستثمارهما في القرن العشرين في الجنوب العراقي والجزيرة السورية.
    وترافق ذلك بنمو شتى الجوانب الصناعية وتطورها في مجال الصناعات الاستخراجية والبتروكيمياوية، والغذائية والنسيجية والهندسية والاستهلاكية وغيرها، ساعد في تطورها ونمو الإقليم عامة تحسن شبكة طرق المواصلات البرية والسكك الحديدية والحركة التجارية الداخلية والخارجية للدول الداخلة في الإقليم، لكن كل ذلك تعرض لنكسة أدت إلى ركود النشاطات إثر تعرض العراق للغزو الأمريكي ـ البريطاني، وفرض الحصار عليه منذ عام 1991.
    لمحة تاريخية
    تاريخ الجزيرة قديم وغني حافل بالأحداث على امتداد آلاف السنين وعهود حضارات وامبراطوريات كثيرة، رسمت مسيرة التاريخ في المشرق العربي وما يحيط به. ففي عصور ما قبل التاريخ أقام إنسان العصور الحجرية الثلاثة مواطن له في وادي الفرات الأوسط، وفي الخابور، وفي أقدام الجبال المطلة كما في موقع شايندار وجواره، وفيه ظهرت أولى المساكن والقرى الثابتة والزراعة الأولى في وادي الفرات بين جرابلس ومسكنة، خاصة في المريبط وعرودة وحبوبة قبل نحو 9-10آلاف سنة. ولقد شهدت قرون التاريخ القديم للإقليم أحداثاً مهمة رافقت قيام أولى الحضارات الإنسانية التي خلفت آلاف التلال والمواقع الأثرية واللقى المادية المهمة، أقدمها وأولها الحضارة السومرية في جنوبي الإقليم، التي ابتدع حملتها أول كتابة معروفة هي الكتابة المسمارية، التي تبنتها الحضارات التالية لها مثل الحضارات البابلية والكلدانية والآشورية والحثية وغيرها. كذلك قدم الإقليم للبشرية شرائع حمورابي وإنجازات زراعية، كما قامت فيه حضارات وممالك جليلة في الشمال مثل آرام النهرين وميتاني وخلافهما من ممالك مدن ومقاطعات. ومن أشهر المدن الأثرية البائدة التي كانت حاضرات أو عواصم، مدن أور ولغش وأرّما وإيسن وكيش ونينوى وماري (تل الحريري) ودورا أوربوس (الصالحية) وترقا (العشارة) وتل براك وتل حلف وتل موزان وغيره، وتجدر الإشارة هنا إلى أن مياه الخليج العربي اليوم كانت تتوغل في البر الجنوبي للإقليم، وكان دجلة والفرات يصبان فيها منفصلين.
    وحركت ثروات الإقليم وتطوره الحضاري وغنى ممالكه المحلية أطماع القوى الدولية المجاورة فغزاها الفرس من الشرق واليونان والرومان من الغرب، ثم خضعت للساسانيين والبيزنطيين، وتحول الإقليم إلى ساحة صراع بين هاتين الامبراطوريتين، حتى تم فتح الإقليم على يد العرب المسلمين في القرن السابع الميلادي، بعد ذلك شهد الإقليم أحداث الصراع على الخلافة بعد مقتل عثمان بن عفان، وكذلك معركة صفين وقيام الدولة الأموية وحكم ولاتها للإقليم الذي كان موطن معارضة، ونشوب ثورات أُخمدت بالقوة.
    لكن إقليم الجزيرة وعاصمته بغداد صار أهم بقاع العالم قوة وحضارة في عهد ازدهار الدولة العباسية، التي نقلت مقر الخلافة إليها، حتى أواخر العهد العباسي الثاني الذي تفككت فيه أوصال الدولة، فنشأت دويلات مختلفة في أطرافها، شملت مناطق الجزيرة العليا والثغور الشمالية، وعصفت الصراعات بينها بالاستقرار والتطور حتى سقطت بغداد بيد المغول، وكذلك إقليم الجزيرة عام 1258م. وعلى الرغم من هزيمة المغول في معركة عين جالوت[ر]، وانسحابهم من معظم بلاد الشام، ظل الإقليم عرضة لغاراتهم، فخلا من السكان وتخربت المنشآت وباد الزرع والضرع، وانتشر فيه الفساد، ومنازعات القبائل الرحل. ولم يتغير الوضع كثيراً بعد احتلال العثمانيين له، حتى عام 1916، واحتلال فرنسة وبريطانية بلاد الشام والرافدين، حين طُبق تقسيم اتفاقية سايكس ـ بيكو للمنطقة وأُقيمت كيانات سياسية فيها، فكانت الحصيلة تقسيم إقليم الجزيرة بين دول ثلاث: العراق وسورية وتركية منذ عشرينات القرن العشرين، وتاريخ إقليم الجزيرة هو تاريخ الدول الثلاث منذ قيامها وإلى اليوم.
    عادل عبد السلام

يعمل...
X