عندما نقول عن كائن حي (إنسان, حيوان, نبات..) معدل وراثيًا, فنحن نقصد بأنه بطريقة ما قد تم تغيير أو تعديل حمضه النووي.
وفي معظم الحالات, فإن الحمض النووري للكائن المعدل وراثيًا يتغير بحمض نووي من كائن آخر كالبكتيريا، فيروس, نبات أو حيوان..هذه الكائنات تسمى في بعض الأحيان الكائنات المعدلة جينياً.
مثلاً, يمكن أن ننقل الحمض النووي للعنكبوت الذي يساعده في غزل الحرير, إلى حيوان آخر مثل العنزة.
قد يبدو الأمر غريباً وصعبًا بعض الشيء, ولكن هذه الطريقة تم استخدامها من أجل إنتاج بروتين الحرير في حليب العنزة.
ليتم بعدها عزل البروتين عن الحليب, وذلك للحصول على حرير خفيف الوزن وقوي, حيث يمكن الإستفادة منه في نطاق واسع من الاستخدامات الصناعية والطبية.
الطعام المعدل وراثيًا:
نطاق الطعام المعدل وراثياً قد يفوق التصور.
وأخصائيو علم الوراثة قد نجحوا في الحصول على خنازير معدلة وراثيًا, تضيء في الظلام, ذلك بسبب إضافة جين التلألؤ البيولجي من القناديل إليها.
كذلك تم إنتاج طماطم مقاومة للصقيع ودرجات الحرارة المنخفضة (درجات التجمد), وذلك من خلال إضافة جين مضاد للتجمد (من السمك المفلطح الذي يعيش في المياه الباردة), إلى حمضها النووي.
وفي الآونة الأخيرة صدّقت هيئة الغذاء والدواء الأميركية FDA, على أنواع البطاطا والتفاح التي لا يتغير لونها حيث تمت هندسة التفاح وراثياً من خلال تخفيض مستويات الأنزيمات التي قد تتسبب في تغيير اللون.
بالعودة إلى المكتبة الوطنية للطب, فإن الغذاء المعدل جينيًا, لديه جينات دخيلة (جينات من حيوانات أو نباتات أخرى..), مضافة إلى شيفراتهم الوراثية.
ومن الفوائد المحتملة لذلك, إنتاج أطعمة ألذ تكون ذات قيمة غذائية أكبر ذات مقاومة للأمراض ولمواسم القحط.
إلا أن المكتبة الوطنية للطب أشارت إلى بعض المخاطر للطعام المعدل و منها أن التعديلات الوراثية يمكن أن تتسبب بالأذى بحيث أن الكائنات المعدلة وراثياً يمكن أن تتزاوج مع الكائنات غير المعدلة وراثياً, مما قد يؤدي إلى انقراض الصنف غير المعدل.
إلى الآن, فإن الاستخدام الأكثر لتقنية الغذاء المعدل جينيًا, نجدها في المحاصيل الزراعية.
إذ أن 90% على الأقل, من محاصيل فول الصويا, القطن, الكانولا والشمندر التي تباع في أميركا, معدلة وراثياً.
إن اعتماد الذرة المقاومة لمبيدات الأعشاب, والذي كان أقل في السنوات الماضية, تزايد اليوم ليبلغ نسبة 89% من مساحات محاصيل الذرة في أميركا، في عامَي 2014 و2015، بحسب وزارة الزراعة الأميركية.
واحدة من أكثر الطرق انتشاراً في جعل النباتات أكثر مقاومة للحشرات, هي من خلال جينات إنتاج المواد السامة الموجودة في بكتيريا Bacillus thuringiensis, وبحسب منظمة الصحة العالمية فإن المحاصيل المعدلة وراثياً بهذه الجينات، أظهرت مقاومة للحشرات، وهذا ما قلل من الحاجة إلى المبيدات الاصطناعية.
الغذاء المعدل وراثياً, هل هو آمن ؟
هناك رأيان في مسألة مدى أمان وصحة الطعام المعدل وراثياً، فانقسم العلماء إلى مؤيدين ومعارضين.
الناشطون ضد الطعام المعدل جينياً، والذين يسمونه Frankenfood، يعتبرونه سبباً في تضرر البيئة من جهة، وتضرر صحة الإنسان من جهة أخرى.
مركز سلامة الغذاء، من المؤسسات الرافضة للأطعمة المعدلة وراثيًا، وتعتبر الهندسة الوراثية للنباتات والحيوانات، واحدة من أكبر وأعقد التحديات للقرن الواحد والعشرين.
ماري فاندويل، المالكة الشريكة في The Better Health Store (سلسلة من 14 متجر صحي)، تقول بأن التأثير بعيد المدى للأطعمة المعدلة وراثياً، لا يزال غير معروف.
وتقول: “من خلال مطالعتنا، تبين لنا أن غالبية العلوم ليست واضحة ومتشابكة نوعًا ما. فالغذاء المعدل وراثيًا قد أثر في صناعة أطعمتنا، ولكن ما مدى ضرره، والذي قد يكون كبيراً، فذلك لا يزال مبهمًا وهذه مشكلة.”
وبحسب Institute for Responsible Technology، من الناشطين ضد الأطعمة المعدلة وراثياً، والذين يعتبرونها مرتبطة بعوراض التسمم والحساسية، والمسؤولة بشكل أو بآخر عنكل من المرض، العقم والموت للمواشي، وتلف كل الأعضاء تقريباً، للحيوانات التي تمت معاينتها في المختبر.
فبحسب Non-GMO Project، فإن الشعوب الأكثر تقدماً، تعتبر بأن الغذاء المعدل جينياً غير صحي.
وبرأيهم، ففي أكثر من 60 دولة، والتي منها أستراليا، اليابان وكل الدول في الاتحاد الأوروبي، توجد قيود صارمة وحظر تام لإنتاج وبيع الأطعمة المعدلة وراثياً.
مع ذلك، فإن الكثير من المؤسسات العلمية، تعتبر بأن الخوف من الأطعمة المعدلة وراثيًا هو شعور انفعالي أكثر منه واقعي.
في حين أن الجمعية الأميركية لتقدم العلوم (AAAS)، عام 2012، اعتبرت بأن العلم واضح تماماً.
وأن تحسين المحاصيل الزراعية بالتقنيات الجزئية للتكنولوجيا الحيوية، هو أمر آمن.
وبحسب الجمعية، فإن منظمة الصحة العالمية، الجمعية الطبية الأميركية، الأكاديمية الأميركية الوطنية للعلوم، الجمعية الملكية البريطانية وكل مؤسسة علمية جليلة، اختبرت بالبرهان، وصلت لنفس الاستنتاج:
استهلاك الطعام الذي يحتوي على مكونات مستمدة من المحاصيل المعدلة وراثيًا، ليست أكثر خطورة من استهلاك نفس الطعام بمكونات معدلة بتقنيات تحسين النباتات التقليدية.
فقد ذكر موقع Monsanto، أكبر شركة مصنعة للأطعمة المعدلة وراثيًا في العالم، أن هذه المحاصيل يمكن أن تحسن الإنتاجية للمزارعين، تقلل استهلاك الموارد الطبيعية والوقود الأحفوري، وتوفر لنا فوائد غذائية.
توصيف الأطعمة المعدلة وراثياً لا زال موضع نقاش
إذا كان هناك اختلاف في سلامة وتركيبة وصحة المحاصيل، التي اشتُقت منها المكونات، فإن إدارة الغذاء والدواء الأميركية كانت ستصدر قراراً بإضافة معلومات إلى أغلفة تعليب الأطعمة.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2015, أصدرت إدارة الغذاء والدواء في أميركا، قراراً يقضي في إضافة معلومات إلى أغلفة تعليب الأطعمة المشتقة من مصادر معدلة وراثياً، إذا كان هناك اختلاف جوهري، كالاختلاف في الخصائص الغذائية، بين المنتج المعدل وراثياً، والمنتج غير المعدل وراثيًا، كذلك صادقت الوكالة على السلمون المعدل وراثياً، والذي ينمو أسرع من السلمون العادي.
بالإضافة إلى القرار، أكدت الجمعية الطبية الأميركية، أن لا تفسير علمي لتصنيف خاص للأغذية المكونة من مصادرمعدلة وراثيًا، كما تبنت الجمعية الأميركية لتقدم العلوم موقفاً مماثلًا، وأقرت Monasto أنها تدعم هذه المواقف، كما تدعم موقف إدارة الغذاء والدواء الأميركية.
الكائنات المعدلة وراثيًا هي المنتجات الأكثر التي تم فحصها مخبريًا، واستخدامها خاضع للإشراف القانوني، بحسب GMO Answers، الموقع الممول من أعضاء مجلس معلومات التكنولوجيا الحيوية، من ضمنهم BASF، Bayer CropScience، Dow AgroSciences، DuPont، Monsanto و Syngenta.
فبالإضافة إلى ذلك، هناك العديد من العلماء المستقلين والمؤسسات المستقلة حول العالم، مثل الأكاديمية الأميركية الوطنية للعلوم، منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة، منظمة الصحة العالمية، الجمعية الطبية الأميركية، والجمعية الأميركية لتقدم العلوم، اطلعوا على آلاف الدراسات العلمية، واستنتجوا أن محاصيل الطعام المعدل وراثيًا، لا تحمل أية خطورة سواء للإنسان أو الحيوان أو البيئة، أكثر من الطعام العادي (غير المعدل وراثيًا).
أصبح الجدل حول تطوير وتسويق الأطعمة المعدلة وراثياً، قضية سياسية ساخنة في السنوات الأخيرة.
سياسات الأطعمة المعدلة وراثياً:
بالإضافة للجدال العلمي حول الأطعمة المعدلة وراثياً، أصبح هذا الموضوع أشبه بكرة القدم السياسية.
مايك بومبيو، عضو مجلس النواب الأميركي، الذي يرعى مشروع قانون من شأنه أن يعرقل القوانين المحلية التي تتطلب.
الأطعمة من أجل الكشف عن المكونات المعدلة وراثيًا، بحسب الواشنطن بوست.
الآن كل من ولاية فرمونت، كونيتكت وماين، قد سنّت قوانين الإلزامي لتصنيف الأطعمة المعدلة وراثياً.
وما لا يقل عن 15 ولاية أخرى، تدرس إمكانية إقرار قوانين مماثلة.
ولاية بعد ولاية، أنظمة التصنيف قد تشكل تحدياً حقيقياً للصناعات الغذائية، بحسب توماس سوليفن، ومحامي شركة مورغان لويس، الذي نشر مؤخراً تقريراً يدرس الارتفاع في نسبة المسائل العمل التمثيلي المتعلقة بتصنيف الأطعمة، من أجل تحفيز الحكومة والقوى الصناعية للإتجاه في هذا المسار
فيقول: “إذا كانت الصناعة ستخضع إلى درجات متفاوتة من التنظيم على التصنيف، سيجعل الامتثال إلى القوانين أمراً صعباً للغاية، ولهذا نحن ننادي بأولوية القانون الفدرالي.”
وفي عام 2012، الناخبون في كاليفورنيا سُئلوا إن كان على الغذاء المعدل وراثياً أن يُكتب عليه كذلك. تم التغلب على المبادرة.
ولكن كان هذا بعد الحملات الإعلانية التسويقية الضخمة الممولة بالملايين، من شركات صناعية مؤيدة للأطعمة المعدلة وراثياً، مثل Monsanto، General Mills، Pepsico، DuPont، Hershey، Cargill، Kellogg، Hormel، Kraft، Mars، Goya ، Ocean Spray، Nestle وغيرها، والتي أقنعت الناخبين بالتصويت ضد هذه الأنظمة.
المعارضون من مختلف الولايات المتحدة الأمريكية والدول لا زالوا يحرضون على ضرورة تصنيف الأطعمة المعدلة وراثياً، إن لم يكن حظراً تاماً على هذه الأغذية، ولكن القطاع الصناعي والعلم يصران على سلامتها، وعلى أن التصنيف غير ضروري، بل إنه قد يشوش المستهلك.
هناك شيء واحد مؤكد، وهو أن المعركة مع أو ضد الأطعمة المعدلة وراثيًا، أو الأطعمة التي تحتوي على مشتقات معدلة وراثياً، على الأرجح لن تنتهي قريباً.