لماذا "تحزومة الدار"قسم الجدار قسمين، ثلثاه للبياض، وثلث لونٍ مختلف.عيسى الشيخ حسن .

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • لماذا "تحزومة الدار"قسم الجدار قسمين، ثلثاه للبياض، وثلث لونٍ مختلف.عيسى الشيخ حسن .

    اضغط على الصورة لعرض أكبر. 

الإسم:	Screenshot_٢٠٢٣٠٥١٩-٠٠٢٨٣٥_Facebook.jpg 
مشاهدات:	6 
الحجم:	82.5 كيلوبايت 
الهوية:	112996
    #مصباح_الخميس_41
    عيسى الشيخ حسن

    ? صور كثيرة وصلتني، عبر "بوست" الفزعة، أو في رسائل على الخاص، أو على حساباتي الأخرى، صور لبيوتنا الغارقة في طمأنينة الذكريات، ورائحة الطين، وبهاء البياض الفقير.
    .
    فُتِنت "على مكبر" بقصيدة النثر، تأخذني صورها الهاربة من قيود التفعيلات والقوافي إلى تخوم بعيدة، ولا أدري كيف تذكّرت "تحزومة البيت" في نصّ أخير كتبته عن البحر السوري الذي وقفنا فيه على تفعيلاتنا وبلماتنا؟ ألأنّي تذكرت زرقة البحر؟ أم زرقة عينيها؟ أم كليهما. ولكنّي الآن أتذكّر الآن الأعمال الكاملة لناظم حكمت.
    شتاء 1985 كنت ضيفًا عند "محمود المجيدل" في غويران، وكنّا طلاب صفّ خاص، والمجيدل حالة خاصّة، كتب النثر بصمت من دون أن ينجرّ إلى غواية النشر. كان على الأرض ديوان ناظم حكمت، ولا أدري كم الوقت الذي استغرقته في القراءة، مشهديات متوالية آسرة بسيطة.
    .
    سأعود إلى "تحزومة الدار" التي فتنتني، وهي تهبّ صورًا وحوادثَ ووجوهًا. ولم يكن تحوّل مادة الصباغة من "الغريان" إلى "الكلس" ثمّ إلى "الدهان المائي والزيتي" ليؤثّر في "تحزومة البيت"، لولا خيانتنا للطين والذهاب هرولةً إلى الحجر.
    حين تكمل "راعية البيت" تغرية البيت من الداخل، فإنّها تصنع "التحزومة" وهي القسم الأسفل من الجدار، يتراوح ذلك بين متر ومتر ونصف، فيظهر الجدار بلونين متناظرين، هما غالبًا الأبيض والأزرق، يمنحان الرائي بهجة وحبورًا.
    كانت أمّهاتنا يقضين يومًا أو يومين في جلب الغريان من التلاع القريبة، فثمة كهوف صغيرة، وحفر، يسهل أخذ ذاك التراب الأبيض منها. في السبعينات سرت موجة الكلس الأنصع بياضًا، ولكنّ الألم الذي كنّ يعانينه من احتراق أياديهنّ بتلك المادّة القلويّة، جعلهنّ يترحمن على أيّام الغريان.
    .
    في نيسان، وربّما في أيّار، تكون قطعان الغيم قد تركت مرعاها في سمائنا، وارتحلت إلى بلاد أخرى. وتكون جائزة الجدران التي صمدت كلّ الشتاء أمام الريح والمطر إذ لا "ركن بيتي حجر" و لا "سقف بيتي حديد"، ونظلّ بعض الوقت نشمّ رائحة الكلس النفّاذة على الجدران التي كانت بالأمس القريب ترشح، مثيرة قلقًا صغيرًا، فيما لو ذابت فجأة بين أضراس آذار، وآذار "مهبول" أحيانًا.
    .
    ولكن لماذا "تحزومة الدار" ولماذا هذا المشهد البصري الذي قسم الجدار قسمين، ثلثاه للبياض، والثلث الأسفل للونٍ مختلف؟
    كنت أعزو ذلك "أحيانًا" إلى أنّ ذلك لغاية نفعية بحتة، دونما قصد جمالي، كي يغطّي "شخبطات" الأطفال الصغار. في السبعينات كانت "آلة الحداثة" قد دارت في محافظاتنا "النامية"، وكثرت أقلام الرصاص في الدكاكين الصغيرة التي توزّع البضائع المدعومة بكوبونات مقصوصة من بطاقات تموينية. قلت لنفسي ربّما جاء من هذا الباب. ولكنّي ذهبت إلى مكانة البيت عند الإنسان؛ فلعلّ أهلنا أنسنوا بيتوهم وألبسوها ثوبًا بحلّتين، قميصًا وإزارًا، ولعلّه قميص وفستان إسكتلندي "الرجال يرتدون تنورات أيضًا".
    حين أدرّس طلابي التعبير، أقول لهم الموضوع مثلنا: رأس وجسد وقدمان. أتابع قراءة طلابي بالرسم، حين يطيل في المقدمة أرسم رأسًا كبيرة، وحين يدخل في الموضوع "على طول" أرسم له جسمًا من دون رأس. الكلام بشر، والحيطان بشر، حيّاها الجاهليون، وقبّلها المجنون، وألبستها أمهاتنا قمصانًا بيضاء وتنّورات ملوّنة، ومورّدة أحيانًا إذا وهب الله العائلة طفلًا رسّامًا. إنّ "التحزومة" تشير إلى المحزم الذي يحزم وسط الرجل، وكان أهلنا يفرّقون بين "المحلّل" و"المحزّم" المدلّل والنشيط، العفن، والشّْمگل. ولهذا حزّمت أمهاتنا بيوتهنّ، لكي تكون مثلهنّ.. أمهاتنا المحزّمات الكحيلات.
    .
    يدوّن صاحب التاج في مادة "ح ز م" أنّ المِحزم، والمِحزمة، والحِزام، والحزامة: ما يحزم به، وجمع المحزم على المحازم، والحزام على الحزَمّ، وهذا ما ألفيناه عند أهلنا إذ يقولون "اكرب محزمك" للمتراخين، وربّما سمعت أحدهم يغنّي حزينًا "شالن حزمّ الحطب.. لا يا زماني لالا".
    كنّا نتحزّم بالـ"ـجمدانة" في العمل، ونكرب المحزم، أيّام الرجاد، ومعاكمة الجوايل، وسقي القطن. ولم نكن معنيين بسياسات "شدّ الحزام" الاقتصادية، لأنّنا نعيش هذه الثقافة من عهد الآباء والأجداد، حتى بيوتنا تحزّمت، وبات فنانو الدهان، يرسمون خطًّا صغيرًا فوق "التحزومة".
    ولكنّي كنت أبحث عن المسوّغ الصرفي، لكلمة "التحزومة" فلعلّها واحدة الحزام، أو المحزم المصغّرة "أحزومة" وجرى فيها من الإبدال ما غيّر الهمزة إلى تاء. كان يجب الذهاب إلى "الصيارفة" الكبار مثل ابن عصفور والحملاوي صاحب شذا العرف، ولكنّي ذهبت إلى تكملة المعاجم للمستشرق دوزي، فلا شكّ أنّ التاج هو آخر المعاجم، ولكنّ معجم دوزي يشير إلى نشاط اللهجات الجديدة وقد تصرّفت بالعربية، وبخاصّة في الأندلس.
    يضيف دوزي إلى دلالات حزم السابقة: "حزام: رواق الوسط، وحزام المدينة سورها" وهنا بالضبط يمكن لشاويّ مثلي أن يصرخ "وجدتها" رغم أنّ الرواق مظلّة أو سقيفة أوّل البيت. فالمادّة تكتمل بتعريف: تحزمة: تجمع على تحازم، وهي الحزام، وقلت لنفسي لعلّ التحزومة "تصغير التحزمة" شأن أندلسي مغاربي وقد تذكّرت من البيوت التونسية والمغاربية والأندلسية، إذ يتجاور الأبيض والأزرق ، في تناسب مختلف شيئًا ما عن رداء جدراننا "ثلثان للأبيض، ثلث للّون الآخر". يشير دوزي نهاية المقتبس إلى ألكالا، فذهبت أبحث عنه، وسرّني تعريف صغير: ألكالا هو المستشرق الإسباني " بيدرو دو الكالا " بعضهم يسمّيه بيدرو القلعاوي، مؤلّف معجم "عربي/ إسباني" صدر عام 1499، بطلب من: رئيس أساقفة غرناطة، حتّى يتمكن المنصِّرون من تعلّم اللغة العربية لأجل تنصير المسلمين في مملكة غرناطة. وهي آخر ممالك الأندلس "سقطت عام 1492". وتضيف بعض المعلومات أنّ دوزي اعتمد عليه في التكملة.
    .
    ولكنّ الذي يعنيني هو أنّي وقعت على أثرٍ أظنّ أنّه سيروي فضولي، في تعرّف تلك المنطقة الغامضة، وكيف تطوّرت اللهجات قبل أن تسري في القوم "لوثة الإفرنج" و"مزالق الجرائد".
    .
    تضيء الأندلس حزنًا قديمًا، لم ينج منه أحد، البلاد التي طارت في الذكريات والنصوص، ثم ذبل كلّ شيء، حتى الفريق الأندلسي الذي نشجّعه كرمى لعيون ولّادة وابن زيدون ويحيى الغزال، تراه خذلنا بالأمس. طلّابي جاؤوني في الصباح، هجموا عليّ في المكتب، وذكّروني بهزيمة الأمس، فطردتهم، وقلت لنفسي، الأندلسيون الجدد في سهرة الأمس لم يكربوا محازمهم، كما كان أسلافنا "محلّلين" في نسخة ما بعد "جادك الغيث".
    .
    ظلّت أمّي "رحمها الله" تهتمّ بالكلس "بعد الغريان" تضعه في نصف برميل فارغ، وتتركه وقتًا كي يطفأ، وتطلب منّي أن أجلب لها "الزيرقون" للتحزومة. حين جاء الدهان، ظنّنا أن الأمر مريح، ولكنّ احتفائية آخر الربيع بالتحزومة انطفأت هي الأخرى.
    .
    في البيت الأخير للعائلة تعمّدت أن يكون على هيئة خيمة كبيرة مستطيلة، ولكنّه من طين، بيت شعر مخومس، وإن كان متّجهًا إلى الغرب، بيتٌ بسيط قليل التكلفة، برواق ملوّن. الآن فقط انتبهت إلى أنّ التحزومة رواق بيت الشعر القديم، فحين استبدل أجدادنا بيوت الطين ببيوت الشعر، أبقوا رواق الزرب، ورسموه على الجدران الجديدة، بطول قامة الزرب تقريبًا، وباتت "التحزومة" ذلك الزرب الرمزي، الذي يذكّرنا دائمًا أن "سقف بيتنا هو السماء، وركن بيتنا هو الرضا".
    .
    كان "الريال" يغادر الملعب، وكان محمود المجيدل يلوح في البال، التقيته مرّة أو مرّتين، في إحداهما كان جنديًّا، مغادرًا القامشلي بعد إجازة قصيرة، وكنت أيضًا أجمّع أفكاري حول حزم، وأقول: من أين سآتي بالصورة المناسبة بين صور أصدقائي، فوضعتها كلّها بين أيديكم.
    .
    اكربوا محازمكم
    صباح الخير
    اضغط على الصورة لعرض أكبر. 

الإسم:	FB_IMG_1684445349632.jpg 
مشاهدات:	5 
الحجم:	13.3 كيلوبايت 
الهوية:	112997 اضغط على الصورة لعرض أكبر. 

الإسم:	FB_IMG_1684445358949.jpg 
مشاهدات:	5 
الحجم:	11.3 كيلوبايت 
الهوية:	112998 اضغط على الصورة لعرض أكبر. 

الإسم:	FB_IMG_1684445366805.jpg 
مشاهدات:	5 
الحجم:	13.9 كيلوبايت 
الهوية:	112999 اضغط على الصورة لعرض أكبر. 

الإسم:	FB_IMG_1684445374948.jpg 
مشاهدات:	5 
الحجم:	9.9 كيلوبايت 
الهوية:	113000

  • #2

    لماذا "تحزومة الدار"قسم الجدار قسمين، ثلثاه للبياض، وثلث لونٍ مختلف.عيسى الشيخ حسن .

    اضغط على الصورة لعرض أكبر. 

الإسم:	FB_IMG_1684445382447.jpg 
مشاهدات:	5 
الحجم:	71.8 كيلوبايت 
الهوية:	113008 اضغط على الصورة لعرض أكبر. 

الإسم:	FB_IMG_1684445389291.jpg 
مشاهدات:	5 
الحجم:	23.8 كيلوبايت 
الهوية:	113009 اضغط على الصورة لعرض أكبر. 

الإسم:	FB_IMG_1684445396280.jpg 
مشاهدات:	5 
الحجم:	10.4 كيلوبايت 
الهوية:	113010 اضغط على الصورة لعرض أكبر. 

الإسم:	FB_IMG_1684445402246.jpg 
مشاهدات:	5 
الحجم:	18.4 كيلوبايت 
الهوية:	113011 اضغط على الصورة لعرض أكبر. 

الإسم:	FB_IMG_1684445408412.jpg 
مشاهدات:	5 
الحجم:	14.9 كيلوبايت 
الهوية:	113012

    تعليق


    • #3
      لماذا "تحزومة الدار"قسم الجدار قسمين، ثلثاه للبياض، وثلث لونٍ مختلف.عيسى الشيخ حسن .

      اضغط على الصورة لعرض أكبر. 

الإسم:	FB_IMG_1684445416980.jpg 
مشاهدات:	4 
الحجم:	13.1 كيلوبايت 
الهوية:	113014 اضغط على الصورة لعرض أكبر. 

الإسم:	FB_IMG_1684445422902.jpg 
مشاهدات:	5 
الحجم:	16.8 كيلوبايت 
الهوية:	113015
      اضغط على الصورة لعرض أكبر. 

الإسم:	FB_IMG_1684445429404.jpg 
مشاهدات:	5 
الحجم:	14.9 كيلوبايت 
الهوية:	113016
      اضغط على الصورة لعرض أكبر. 

الإسم:	FB_IMG_1684445436127.jpg 
مشاهدات:	5 
الحجم:	13.7 كيلوبايت 
الهوية:	113017

      تعليق

      يعمل...
      X