الإعلام والعلم
يدرس العلم الظاهرات وتطورها، ويسعى إلى التعميم، أي إلى قانون موضوعي يفسر هذه الظاهرات. أما الإعلام فيتناول الأحداث والظاهرات والتطورات كما هي عليه فعلاً، ويعنى بالمهمات العملية المحددة في ضوء الواقع الراهن وحاجات الإعلام. وبهذا المعنى يكون الإعلام تاريخاً للوضع الراهن. ثم إن الإعلام يرصد الممارسة الاجتماعية التي تقوم على أساس القوانين الموضوعية التي اكتشفها العلم، كما أن الكتابة الإعلامية التي تؤلف الأساس فيه تعتمد مناهج التفكير التي اكتشفها العلم. يضاف إلى ذلك أن المادة الإعلامية تؤلف مادة أولية مهمة للعلم. ومن هذه الزوايا المتعددة والمتعاونة تُرى الصلة الوثيقة بين الإعلام والعلم.
الإعلام والأدب والفن
يرتبط الإعلام ارتباطاً وثيقاً بصورتين من صور النشاط الفكري الإنساني: الصورة العلمية النظرية، والصورة الفنية. ويعد الأدب والفن صورتين من صور الفهم الجمالي عند الفرد، ولكل منهما أهداف جمالية، ويسعى كل منهما إلى إبداع نموذج، أو صورة نموذجية للشخصية، ويركز على أن الفرد حالة نموذجية بذاتها، لذلك فإن الأنواع الأدبية والفنية تستخدم الصورة أسلوباً للتعبير عن الواقع وانعكاسه، في حين يهتم الإعلام بدراسة دور الفرد في المجتمع، ومن ثم فإن من الممكن النظر إلى الإعلام على أنه وجه من وجوه المعرفة لانعكاس الواقع في جميع مظاهره. وهذا ما يفسر كون جميع عناصر الكتابة الأدبية والفنية التي يستخدمها الإعلام، لا تخدم أهدافاً جمالية، بل تخدم المعرفة بالدرجة الأولى وتصوير الفرد في الإعلام ليس له هدف جمالي بحت، بل يقوم مقام الواقعة. فالإعلام يرى في الفرد واقعةً لمعالجة قضية ما. وهو يدرس الظاهرات والتطورات والوقائع والشخصية الإنسانية (المتفردة) من وجهة نظر معرفية. فليست مهمة الإعلام إيجاد لوحة للواقع عن طريق منظومة من الصور، بل إن مهمته كتابة التاريخ المعاصر ومواكبة حركة الحياة وعملية التطور. ومما تقدم يمكن القول: إن الإعلام فن قائم بذاته، يسعى إلى المعرفة الموضوعية للعالم، وإنه، من ثمّ، ليس خليطاً من العلم والفن بل إن له مكانه الخاص.
لغة الإعلام وأسلوبه
يتصف الإعلام بأنه يقدم مادة تتعلق بالأحداث والظاهرات والتطورات الجارية، وأنه، بسبب طبيعته، يغلب عليه أنه يقدم هذه المادة بسرعة تفرضها مواعيد النشر والبث وغير ذلك، وأنه يقدم هذه المادة لجمهور مشغول، ومتعجل، ومتعب، وله مستوى معين من الثقافة، ودرجة معينة من الاهتمام، وأنه يقرأ هذه المادة أو يشاهدها، أو يستمع إليها في أحوال مختلفة ولأهداف متنوعة، وبدرجات متفاوتة من التركيز. إن مجمل هذه الخصائص يفرض على الإعلام استخدام لغة وأسلوب يتميزان بقدر كبير من الشروط العملية، كالوضوح والسهولة والإيجاز والقابلية السريعة للفهم والاستيعاب، والبنية البسيطة البعيدة عن أي غموض، الخالية من أي تعقيد أو إبهام أو لبس، وقريبة من الحياة اليومية، ومن القارئ أو المستمع أو المشاهد.
أثر الإعلام
العملية الإعلامية عملية متعمدة وغائية، وكأنها تقول: «نحن نتصل لنؤثر، ونؤثر بهدف». ويتوقف أثر الإعلام على عوامل متعددة أهمها: انتقاء المادة المناسبة، ومعالجتها بطريقة مناسبة، ونقلها وتقديمها بأسلوب مناسب، إلى جمهور مناسب. وتؤكد البحوث الإعلامية المعاصرة أن تأثير الإعلام «عملية» معقدة ومستمرة وتراكمية. وأن هذا التأثير لا يتوقف على خصائص الرسالة الإعلامية وحسب، بل كذلك على الأحوال التي يتم فيها إنتاج الرسالة وإيصالها، وعلى شخصية المستقبل، وعلى الأوضاع العامة في المجتمع. ومن الثابت أنه نادراً ما تعمل وسائل الإعلام وحيدة في عملية التأثير، بل تعمل ضمن مجموعة من القوى الوسيطة الخارجة عن عملية الإعلام. وتفيد هذه البحوث أن أثر الإعلام يشمل المجالات التالية: التنشيط (حض المتلقي على التفكير والتصرّف) والتدعيم (دعم قناعات وأفكار موجودة في ذهن المتلقي) والتحويل (العمل على تغيير بعض القناعات الموجودة في ذهن المتلقي أو تعديلها). ومع أن التركيز ينصب على تأثير مضمون وسائل الإعلام فإن ثمة من يرى أن المجتمع يتأثر بوسائل الإعلام ذاتها، أكثر مما يتأثر بمضمونها، وأن المطبعة أهم من أي شيء ومن كل شيء نشرته، وأن التلفزيون أهم من أي شيء أو من كل شيء تقدمه الشاشة، وينتهي إلى مقولة أن «الوسيلة هي الرسالة».
تكامل وسائل الإعلام
تؤكد البحوث الإعلامية المعاصرة أن العلاقة بين وسائل الإعلام المختلفة هي «علاقة تكامل لا تنافس». ومن الثابت أن وسيلة الإعلام القديمة لا تموت بظهور الوسيلة الجديدة، بل تكيف نفسها كي تستطيع أن تتعايش معها. فقد سيطرت الصحافة المقروءة عدة قرون، ومع ذلك لم تقض على الإعلام الوجاهي الشخصي. وحين ظهرت الإذاعة، لم يعد بين خصائص الصحافة السرعة في تقديم الأخبار، وأصبح في مقدمة مهماتها تفسير الأحداث وتوضيحها وشرحها. وعندما ظهر التلفزيون، قلّلت الصحافة من مواد التسلية والترفيه، وأكثرت من المواد التي تعطي خلفية للأحداث. ومن المحقق علمياً أن الاستماع إلى الإذاعة لا يتناقض مع قراءة الصحف، بل هو مكمل لها، كما أن التلفزيون ساعد الصحف، لأنه جعل الناس أقرب إلى الأحداث، ومكّن الصحافة من توسيع تغطيتها الإخبارية.
إن لكل وسيلة إعلامية مقدرة إقناعية مختلفة عما لغيرها. فالاتصال الوجاهي أكثر مقدرة على الإقناع من الصحيفة، والإذاعة أكثر سرعة وفاعلية ومقدرة على الاستهواء من الصحيفة، والصحيفة أكثر مقدرة على تفسير الأحداث وتحليلها من الإذاعة والتلفزيون، ولكن التلفزيون أكثر انتشاراً، وأكثر مقدرة على إعطاء الشعور بالمشاركة.
تؤكد البحوث أن ثمة تداخلاً بين مختلف الوسائل الإعلامية وأثرها وجمهورها، وأن هذه الوسائل لا تعمل منعزلة، بل تعمل على نحو متكامل. هذا ما يفسر حقيقة تعايش مختلف وسائل الإعلام (الفردية والجماهيرية، القديمة والحديثة، البصرية والسمعية، والسمعية ـ البصرية)، واستخدامها في المجتمع المعاصر.
ملكية وسائل الإعلام
تختلف ملكية وسائل الإعلام وتتنوع من مجتمع إلى آخر، ومن وسيلة إعلامية إلى أخرى. وتوجد في بعض الدول أشكال الملكية الثلاثة: الخاصة والتعاونية والعامة. ويحتدم الجدل حول سلبيات كل شكل منها وإيجابياته. فثمة من يرى أن الملكية الخاصة استطاعت أن تستفيد من المبادأة الفردية ومن المنافسة، وأن تحقق تطور الوسيلة الإعلامية وحيويتها، وأن توفر حيزاً واسعاً من الحرية، ومن دفع الأحداث لتحتل مكانتها في اهتمامات الفرد. ولكنها، في المقابل، حوّلت الوسيلة الإعلامية إلى سلعة، وخضعت لهيمنة رأس المال ولسيطرة الإعلان. ثم هناك من يقول إن الملكية التعاونية استطاعت إخراج الوسائل الإعلامية جزئياً من مأزقها التاريخي، ولكنها بقيت محدودة. وثمة من يرى أن الملكية العامة لوسائل الإعلام هي البديل الحقيقي للملكية الخاصة الذي يستطيع أن يحقق الطابع الوطني للإعلام ولاسيما في الدول النامية، وأن يحقق التطور المادي والتقني لهذه الوسائل، ويحررها من سيطرة الاحتكارات ورؤوس الأموال والإعلانات، ويجعلها تخدم المصالح الحقيقية للوطن والمواطن. ولكنها، في المقابل، أدت إلى نوع من الرسمية والجمود والنظرة الواحدية، والبيروقراطية، حتى انعكس الأمر سلبياً على فعالية هذه الوسائل، وعلى مقدرتها في التأثير في المستقبل.
البعد الدولي للإعلام
أبرز التطور التقني العاصف في مجال الإعلام مسألة البعد الدولي للإعلام وبات واضحاً ومؤكداً أن صورة الاتصال المعاصر هي انعكاس لواقع توزيع القوى على الساحة الدولية ولحقائق الوضع العالمي الجديد. كان الشعار المرفوع هو «التدفق الحر» للأنباء والمعلومات والآراء. ولكن الواقع الراهن يؤكد ظهور عقبات ضخمة أمام هذا التدفق الحر، أبرزها: الرقابة، وتكاليف الإنتاج الباهظة، وتزايد الطابع التجاري للتبادل الإعلامي، وتقويم مضمون الاتصال بوصفه سلعة يتم تسويقها وبيعها كأي سلعة أخرى، وإساءة استخدام سلطة الدولة، والممارسات الاحتكارية. هذه العوائق جعلت «التدفق الحر» يخدم مصالح الأقوى، الذي يملك موارد أكبر، وجعلت التدفق يستخدم أداة اقتصادية وثقافية وأيديولوجية للسيطرة على من لم تتوافر لديهم تلك الوسائل بالقدر نفسه. وهكذا برزت التبعية الإعلامية، وتحول «التدفق الحر» إلى تدفق باتجاه واحد ـ يتم على الصعيد الدولي من الدول الصناعية الغنية، إلى الدول الصناعية الأخرى الأقل تطوراً، كما يتم باتجاه الدول النامية، ويفرض عليها نوعاً من الهيمنة والغزو السياسي والأيديولوجي والثقافي والأخلاقي، الأمر الذي دفع بالدول النامية إلى السعي لتحقيق ما أصبح يعرف باسم «النظام الإعلامي الدولي الجديد»، الذي يهدف إلى تصحيح هذا الخلل.
أديب خضور