رحلة العمل السري
الفلم السري يمثل أكثر المراحل إنتاجاً وأكثرها تنوعاً في الأساليب وأكثرها إثارة للجدل في الحركة الطليعية برز مئات من صانعي الأفلام الشباب في طول الولايات المتحدة وعرضها ابتداءً من منتصف الخمسينات عندما كان صانعو الأفلام في الحركة السرية يرتبطون قليلا «بجيل الضربة» المزعوم، رغم إن التمركز الكبير كان لا يزال في مدينة سان فرانسيسكو ونيويورك. رغم النقد القاسي والاحتقار المستمر من قبل المؤسسة السينمائية واصل هؤلاء اللا منتمون العازمون صنعهم للأفلام. بعضهم صوت صارخ حاد وقسم ضاحك بشكل عنيف يفتقد الاحترام وقلة منهم عميق ومحرك للعواطف والكثير منهم عاجز وغير مفهوم. كان النقاد يهاجمون أو يدينون هذه الأفلام مباشرة كما لو كانت جميعها على شاكلة واحدة. في الواقع حتى يومنا المرء بعض قوالب متعبة منها . أنك إذا شاهدت فلما سرياً واحداً فقد شاهدتها جميعاً.
ربما كان السبب في أن هذه الأفلام تبدو متشابهة وغير متنوعة هو يتعلق بطريقة عرضها في الغالب يحاول العارض الحسن النية أن ساعتين أو أكثر من هذه الأفلام دون اعتبار لأوجه الشبه في الأسلوب أو الموضوع. وبما أن معظم هذه الأفلام موجز ومشبع الكثافة وممنتج بلا توقع بأسلوب القفز فإنها يمكن أن تبدأ بالاندماج في وعي المشاهد بعد فترة من الزمن البرنامج النموذجي لمثل هذه الأفلام يجب أن يتم اختياره بعناية مع ملاحظة خاصة للتباين والتنوع ربما كانت الطريقة المثلى لعرض الأفلام السرية هي في عرض واحد منها قبل الفلم الطويل وعرض الثاني بعد الفلم . على أية حال إن أمسية كاملة من الغذاء المكون من أي شيء تقريباً يحتمل أن ينجم عنها الإنهاك والضجر.
إن نقطة التحول بين عصر السينما الشعرية ومرحلة السينما السرية ليس من السهل حصرها طالما أن نفس صانعي الأفلام كانوا نشيطين في المرحلتين. لقد أشار عدد من المؤرخين والنقاد إلى فلم ستان براكاج (دیست فلم) على أنه نقطة تحول. صنع هذا الفلم عام ١٩٥٤ ووصف بأنه أول فلم من أفلام البيتنيك، إذ يعكس أخلاقيات جديدة تعتمد على العفوية والاهتمام بالشباب والتأكيد على العناصر الحسية البحثة مقابل الاهتمامات الأدبية والسايكولوجية للمرحلة السابقة من الموجة الطليعية موضوع الفلم هو حفلة مراهقين صاخبة تتحول إلى ذروة هستيرية وصنع فلم دسيست من الناحية التقنية الخطوط العامة لما تطور فيما بعد إلى جماليات جديدة في السينما الطليعية. جماليات تؤكد على «الخشونة وبدائية مقصودة في التقنيات. استخدم براكاج آلة التصوير المحمولة التي كانت تتموج وتهتز بلا استقرار في كل لقطة تقريباً. أسلوب المونتاج كان مجنوناً وبسرعة النار مع لقطات كبيرة مفاجئة تدفع إلى الجمهور. الإطار يبدو مرتبكاً وغير محترف وبعض الصور غير واضحة.
إن هذه السذاجة التقنية هي التي هيجت عداء النقاد في تلك الفترة. أدين هؤلاء السينمائيون الشباب لافتقارهم إلى الصقل وعدم رغبتهم للانضباط وتعلم قواعد صنعتهم في الواقع إن عدداً كبيراً . كان ولا يزال قاصراً وذاتياً ومملاً الإنارة فيها مسحة الأفلام العائلية والتقطيع يمكن أن يكون عشوائياً ومرتبكاً والصور غير واضحة والصوت رديء تماماً.
إلا أن البدائية في بعض الأحوال مقصودة. العديد من هؤلاء السينمائيين يمتعض من المسحة الغالية التي يقرنها بالبريق الفارغ لأكثر الأفلام التجارية - الأفلام التي يعتبرها وجميلة ولكنها ميتة. التقنيات البدائية في هذه الأفلام هي على الأقل جزئياً نوع من الاحتقار المضاد للمؤسسة الفنية وهي وسام للإخلاص والاستقلال. أضف إلى ذلك إن هؤلاء الفنانين مثل الفنانين التسجيليين لسينما الحقيقة يؤمنون بأن الفلم العفوي يكون بدائياً في بعض الأماكن لا محالة، إلا أن النزاهة والمباشرة في اللقطات يجب أن يكون لهما الأولوية على البريق التقني المجرد أغلب هؤلاء السينمائيين يريد تجنب وبعض الأحيان يريد تحرير نفسه مما يعتبره قتلاً تقنياً. كرهه للضبط» ليس بالضرورة حالة كسل كما يواصل العديد من النقاد تأكيده وإنما هو عدم الرغبة في التضحية بعفويته وحريته في التعبير عن الذات على مذبح الاحتراف المقدس.
إن عدداً من هؤلاء الفنانين فني كفوء وحتى موهوب. ماري مينكين مثلاً كانت فنية المؤثرات الخاصة للعديد من أفلام (Signal Corp)، وستان براكاج عمل كثيراً من الأفلام «المستقيمة» لمؤسسات تجارية متنوعة. وايد انشويلار أخرج أفلاماً لوكالة الاستعلامات الأمريكية الحكومية . يعترف عموماً بأن انشويلار هو واحد من أكثر الفنيين موهبة في الحركة السرية فهو حرفي واع ودقيق في أفلام مثل (ثاناتوبسيس) مثلاً نجد أن اللقطات منفذة باهتمام كبير وممنتجة بمهارة عظيمة ودقة (۹ - ۲۱).
في منتصف الخمسينات أسس جوناس ميكاس مجلة (الثقافة السينمائية) مخصصة بالدرجة الأولى للسينما الطليعية أصبح ميكاس الداعية الرئيسي لحركة السينما السرية أو «السينما الأمريكية الجديدة كما كان يفضل تسميتها بعد أوائل الستينات. لقد دافع ميكاس عن هؤلاء السينمائيين بلا كلل مبتكراً ندوات عامة ووسائل توزيع جديدة لكي ينشر هذه الأعمال بين جماهير أوسع عندما هوجمت هذه الأفلام بسبب اهتماماتها الذاتية وافتقارها للشكل أجاب ميكاس بحماس أصيل :
كلما ابتعد النقاد أصحاب الأذهان الصافية عما لديهم من شكل» و«مضمون و«فن» و«بناء» و«وضوح، و«أهمية» - فإن كل شيء سيكون بخير، دعهم يبقون بعيداً. إذ إن الروح الجديدة لا زالت برعما يمر باخطر مرحلة وأكثرها حساسية لقد أدين ميكاس فيها بعد حتى أكثر من السينمائيين أنفسهم بسبب تسامحه الخارق. لقد اتهم النقاد المقالات المنشورة في مجلة الثقافة السينمائية على أنها مجرد «تذوق» هستيري، وأنها ضحلة ومتكتلة وعرض ذاتي مثل الأفلام التي كتبت عنها . أما أيموس فوكل وباركر تايلر اللذان كانت مقاييسها النقدية أكثر شدة من ميكاس فقد بدأ يفقدان الكثير من حماسهما للسينما الطليعية. فلقد زعما بأن من بين مئات السينمائيين الذين يظهرون كل عام على ما يبدو كان الذين يستحقون الاهتمام الجاد لا يزيدون عن حفنة (بالطبع يمكن توجيه النقد نفسه للسينما التجارية) .
ترعرعت السينما السرية في الستينات وتسطحت من كثير من الوجوه. لم تعد معزولة وغريبة عن المجرى الحضاري العام وأصبح هؤلاء السينمائيون الآن جزءاً من طراز الحياة المتحرر مؤخراً والمتوجه للشباب والذي نما خلال هذا العقد. إن عصر التسامح الجنسي والفعالية السياسية وحضارة الروك والبوب ومشاهد العقاقير المخدرة اتفقت تماماً مع مواضيع السينما السرية. ربما كان الأهم من ذلك أن الوقت أصبح للشباب وللعفوية الطفولية وحتى للعودة إلى المنوعات الطفولية. كتب روبرت داوني إلى أصحاب دور العرض عن فلمه الكوع المدعوك قائلاً «لو كنت مكانكم لما تركت أحداً يتجاوز الأربعين في قاعة العرض ما لم يرافقه قاصر [ مراهق ] .
كانت الستينات عقداً الفعل ما تريد فعله وشكلاً متطرفاً للفردية وهذا يعني روحاً أمريكية بعمق اكتسبت كل الفنون إحساساً جديداً بالارتجال والسيولة والحرية. كان ينظر بريبة إلى «القواعد والأعراف وكانت تعتبر في بعض الأحيان نوعاً من الخلل العقلي. فن البوب الشعبي ومسرح العبث، الأحداث وسائط التعبير الممتزجة - كان ذلك الوعي الجديد الذي يمكن العثور عليه في كل مكان تقريباً. تأثر العديد من الفنانين بنظريات الإعلام لمارشال ماكلوهان وباكمينستر فولر والمؤلف الموسيقي جون كيج. زاد دور الصدفة والأمور العابرة وأصبحت شيئاً فشيئاً المهيمنة في الفنون .
في السينما أصبحت العناصر العابرة أو الطائرة منتشرة ليس في السينما التجارية حسب بل في الأفلام التسجيلية لسينما الحقيقة أيضاً. تأثر براكاج جداً بنظريات البناء الطارى التي استكشفها في الأصل كيج. في فلم عين الفراشة الثالثة للمخرج ستورم دیهیرش استخدم جهازان لعرض الأفلام في آن واحد حيث كانت الصدفة البحتة هي التي تقرر المتجاورات الصورية بين الشاشتين المتجاورتين في فلم فتيات جلزيا استخدم أندي وأرهول أيضاً التي عرض سينمائي لعرض صورتين غريبتين عن بعضهما تماماً. أخبر مشغل في أن يبدل بكرات الفلم كما يشاء. في الواقع كان فلم وارهول الطويل معداً للعرض على آلة عرض واحدة إلا إنه قرر بأن الفلم سوف يكون قصيراً إذا ما قسم بصورة عشوائية إلى قسمين وعرض في آن الماكنة بأنه حر واحد على شاشتين.
الفلم السري يمثل أكثر المراحل إنتاجاً وأكثرها تنوعاً في الأساليب وأكثرها إثارة للجدل في الحركة الطليعية برز مئات من صانعي الأفلام الشباب في طول الولايات المتحدة وعرضها ابتداءً من منتصف الخمسينات عندما كان صانعو الأفلام في الحركة السرية يرتبطون قليلا «بجيل الضربة» المزعوم، رغم إن التمركز الكبير كان لا يزال في مدينة سان فرانسيسكو ونيويورك. رغم النقد القاسي والاحتقار المستمر من قبل المؤسسة السينمائية واصل هؤلاء اللا منتمون العازمون صنعهم للأفلام. بعضهم صوت صارخ حاد وقسم ضاحك بشكل عنيف يفتقد الاحترام وقلة منهم عميق ومحرك للعواطف والكثير منهم عاجز وغير مفهوم. كان النقاد يهاجمون أو يدينون هذه الأفلام مباشرة كما لو كانت جميعها على شاكلة واحدة. في الواقع حتى يومنا المرء بعض قوالب متعبة منها . أنك إذا شاهدت فلما سرياً واحداً فقد شاهدتها جميعاً.
ربما كان السبب في أن هذه الأفلام تبدو متشابهة وغير متنوعة هو يتعلق بطريقة عرضها في الغالب يحاول العارض الحسن النية أن ساعتين أو أكثر من هذه الأفلام دون اعتبار لأوجه الشبه في الأسلوب أو الموضوع. وبما أن معظم هذه الأفلام موجز ومشبع الكثافة وممنتج بلا توقع بأسلوب القفز فإنها يمكن أن تبدأ بالاندماج في وعي المشاهد بعد فترة من الزمن البرنامج النموذجي لمثل هذه الأفلام يجب أن يتم اختياره بعناية مع ملاحظة خاصة للتباين والتنوع ربما كانت الطريقة المثلى لعرض الأفلام السرية هي في عرض واحد منها قبل الفلم الطويل وعرض الثاني بعد الفلم . على أية حال إن أمسية كاملة من الغذاء المكون من أي شيء تقريباً يحتمل أن ينجم عنها الإنهاك والضجر.
إن نقطة التحول بين عصر السينما الشعرية ومرحلة السينما السرية ليس من السهل حصرها طالما أن نفس صانعي الأفلام كانوا نشيطين في المرحلتين. لقد أشار عدد من المؤرخين والنقاد إلى فلم ستان براكاج (دیست فلم) على أنه نقطة تحول. صنع هذا الفلم عام ١٩٥٤ ووصف بأنه أول فلم من أفلام البيتنيك، إذ يعكس أخلاقيات جديدة تعتمد على العفوية والاهتمام بالشباب والتأكيد على العناصر الحسية البحثة مقابل الاهتمامات الأدبية والسايكولوجية للمرحلة السابقة من الموجة الطليعية موضوع الفلم هو حفلة مراهقين صاخبة تتحول إلى ذروة هستيرية وصنع فلم دسيست من الناحية التقنية الخطوط العامة لما تطور فيما بعد إلى جماليات جديدة في السينما الطليعية. جماليات تؤكد على «الخشونة وبدائية مقصودة في التقنيات. استخدم براكاج آلة التصوير المحمولة التي كانت تتموج وتهتز بلا استقرار في كل لقطة تقريباً. أسلوب المونتاج كان مجنوناً وبسرعة النار مع لقطات كبيرة مفاجئة تدفع إلى الجمهور. الإطار يبدو مرتبكاً وغير محترف وبعض الصور غير واضحة.
إن هذه السذاجة التقنية هي التي هيجت عداء النقاد في تلك الفترة. أدين هؤلاء السينمائيون الشباب لافتقارهم إلى الصقل وعدم رغبتهم للانضباط وتعلم قواعد صنعتهم في الواقع إن عدداً كبيراً . كان ولا يزال قاصراً وذاتياً ومملاً الإنارة فيها مسحة الأفلام العائلية والتقطيع يمكن أن يكون عشوائياً ومرتبكاً والصور غير واضحة والصوت رديء تماماً.
إلا أن البدائية في بعض الأحوال مقصودة. العديد من هؤلاء السينمائيين يمتعض من المسحة الغالية التي يقرنها بالبريق الفارغ لأكثر الأفلام التجارية - الأفلام التي يعتبرها وجميلة ولكنها ميتة. التقنيات البدائية في هذه الأفلام هي على الأقل جزئياً نوع من الاحتقار المضاد للمؤسسة الفنية وهي وسام للإخلاص والاستقلال. أضف إلى ذلك إن هؤلاء الفنانين مثل الفنانين التسجيليين لسينما الحقيقة يؤمنون بأن الفلم العفوي يكون بدائياً في بعض الأماكن لا محالة، إلا أن النزاهة والمباشرة في اللقطات يجب أن يكون لهما الأولوية على البريق التقني المجرد أغلب هؤلاء السينمائيين يريد تجنب وبعض الأحيان يريد تحرير نفسه مما يعتبره قتلاً تقنياً. كرهه للضبط» ليس بالضرورة حالة كسل كما يواصل العديد من النقاد تأكيده وإنما هو عدم الرغبة في التضحية بعفويته وحريته في التعبير عن الذات على مذبح الاحتراف المقدس.
إن عدداً من هؤلاء الفنانين فني كفوء وحتى موهوب. ماري مينكين مثلاً كانت فنية المؤثرات الخاصة للعديد من أفلام (Signal Corp)، وستان براكاج عمل كثيراً من الأفلام «المستقيمة» لمؤسسات تجارية متنوعة. وايد انشويلار أخرج أفلاماً لوكالة الاستعلامات الأمريكية الحكومية . يعترف عموماً بأن انشويلار هو واحد من أكثر الفنيين موهبة في الحركة السرية فهو حرفي واع ودقيق في أفلام مثل (ثاناتوبسيس) مثلاً نجد أن اللقطات منفذة باهتمام كبير وممنتجة بمهارة عظيمة ودقة (۹ - ۲۱).
في منتصف الخمسينات أسس جوناس ميكاس مجلة (الثقافة السينمائية) مخصصة بالدرجة الأولى للسينما الطليعية أصبح ميكاس الداعية الرئيسي لحركة السينما السرية أو «السينما الأمريكية الجديدة كما كان يفضل تسميتها بعد أوائل الستينات. لقد دافع ميكاس عن هؤلاء السينمائيين بلا كلل مبتكراً ندوات عامة ووسائل توزيع جديدة لكي ينشر هذه الأعمال بين جماهير أوسع عندما هوجمت هذه الأفلام بسبب اهتماماتها الذاتية وافتقارها للشكل أجاب ميكاس بحماس أصيل :
كلما ابتعد النقاد أصحاب الأذهان الصافية عما لديهم من شكل» و«مضمون و«فن» و«بناء» و«وضوح، و«أهمية» - فإن كل شيء سيكون بخير، دعهم يبقون بعيداً. إذ إن الروح الجديدة لا زالت برعما يمر باخطر مرحلة وأكثرها حساسية لقد أدين ميكاس فيها بعد حتى أكثر من السينمائيين أنفسهم بسبب تسامحه الخارق. لقد اتهم النقاد المقالات المنشورة في مجلة الثقافة السينمائية على أنها مجرد «تذوق» هستيري، وأنها ضحلة ومتكتلة وعرض ذاتي مثل الأفلام التي كتبت عنها . أما أيموس فوكل وباركر تايلر اللذان كانت مقاييسها النقدية أكثر شدة من ميكاس فقد بدأ يفقدان الكثير من حماسهما للسينما الطليعية. فلقد زعما بأن من بين مئات السينمائيين الذين يظهرون كل عام على ما يبدو كان الذين يستحقون الاهتمام الجاد لا يزيدون عن حفنة (بالطبع يمكن توجيه النقد نفسه للسينما التجارية) .
ترعرعت السينما السرية في الستينات وتسطحت من كثير من الوجوه. لم تعد معزولة وغريبة عن المجرى الحضاري العام وأصبح هؤلاء السينمائيون الآن جزءاً من طراز الحياة المتحرر مؤخراً والمتوجه للشباب والذي نما خلال هذا العقد. إن عصر التسامح الجنسي والفعالية السياسية وحضارة الروك والبوب ومشاهد العقاقير المخدرة اتفقت تماماً مع مواضيع السينما السرية. ربما كان الأهم من ذلك أن الوقت أصبح للشباب وللعفوية الطفولية وحتى للعودة إلى المنوعات الطفولية. كتب روبرت داوني إلى أصحاب دور العرض عن فلمه الكوع المدعوك قائلاً «لو كنت مكانكم لما تركت أحداً يتجاوز الأربعين في قاعة العرض ما لم يرافقه قاصر [ مراهق ] .
كانت الستينات عقداً الفعل ما تريد فعله وشكلاً متطرفاً للفردية وهذا يعني روحاً أمريكية بعمق اكتسبت كل الفنون إحساساً جديداً بالارتجال والسيولة والحرية. كان ينظر بريبة إلى «القواعد والأعراف وكانت تعتبر في بعض الأحيان نوعاً من الخلل العقلي. فن البوب الشعبي ومسرح العبث، الأحداث وسائط التعبير الممتزجة - كان ذلك الوعي الجديد الذي يمكن العثور عليه في كل مكان تقريباً. تأثر العديد من الفنانين بنظريات الإعلام لمارشال ماكلوهان وباكمينستر فولر والمؤلف الموسيقي جون كيج. زاد دور الصدفة والأمور العابرة وأصبحت شيئاً فشيئاً المهيمنة في الفنون .
في السينما أصبحت العناصر العابرة أو الطائرة منتشرة ليس في السينما التجارية حسب بل في الأفلام التسجيلية لسينما الحقيقة أيضاً. تأثر براكاج جداً بنظريات البناء الطارى التي استكشفها في الأصل كيج. في فلم عين الفراشة الثالثة للمخرج ستورم دیهیرش استخدم جهازان لعرض الأفلام في آن واحد حيث كانت الصدفة البحتة هي التي تقرر المتجاورات الصورية بين الشاشتين المتجاورتين في فلم فتيات جلزيا استخدم أندي وأرهول أيضاً التي عرض سينمائي لعرض صورتين غريبتين عن بعضهما تماماً. أخبر مشغل في أن يبدل بكرات الفلم كما يشاء. في الواقع كان فلم وارهول الطويل معداً للعرض على آلة عرض واحدة إلا إنه قرر بأن الفلم سوف يكون قصيراً إذا ما قسم بصورة عشوائية إلى قسمين وعرض في آن الماكنة بأنه حر واحد على شاشتين.
تعليق