عقبه نافع
Ukba ibn Nafi’ - Ukba ibn Nafi’
عقبة بن نافع
(1 ق.هـ ـ 65هـ/621 ـ 684م)
عقبة بن نافع بن عبد القيس القرشي الفِهْري من أكابر التابعين ومن القادة المتألقين، الذين صنعوا مجد الدولة الأموية، هذه الدولة الرائدة في تاريخ العرب والمسلمين. بدأ نجمه يظهر على مسرح الفتح العربي الإسلامي بالمغرب منذ أن كان في عمر الرابعة عشر (ويطلق المؤرخون العرب اسم المغرب على كل ما يقع غرب مصر)، حينما كلَّفه ابن خالته عمرو بن العاص بفتح عدد من الواحات الليبية مثل زويلة وفزان، وقد تم فتح هاتين الواحتين في الوقت، الذي أنجز فيه عمرو بن العاص فتح الساحل الليبي من بُرْقَةَ (بن غازي) في الشرق حتى صبراتة في الغرب. وحينما عاد عمرو بن العاص إلى مصر بسبب عدم موافقة الخليفة عمر بن الخطاب على متابعة الفتح بإفريقية (تونس اليوم) أو بما كان يسمى بالمغرب الأدنى، كُلِّفَ عقبة بن نافع بإدارة ما أُنْجِزَ فتحُه بليبيا. وحينما عينه معاوية بن أبي سفيان قائداً لعملية فتح المغرب سنة 50هـ/671م، كانت خبرته قد تراكمت في شؤون الحكم وفي معرفة طبيعة البلاد وأهلها، هذا إضافة إلى ثباته على مبدأ الصدق والوفاء لانتمائه العربي والديني.
مثَّل عقبة بن نافع بداية مرحلة مهمة في تاريخ الفتح العربي الإسلامي بالمغرب، هي مرحلة الفتح المنظَّم، التي اتسمت بميل الفاتحين إلى الاستقرار بالمغرب وعدم العودة إلى مصر، وقد تُوِّجَتْ هذه المرحلة بفتح جميع مناطق المغرب الكبير وتحريره من السيطرة الأجنبية، التي مثلها البيزنطيون في مراحلها الأخيرة.
تميَّز عقبة بن نافع من القادة السابقين، الذين جاؤوا فاتحين إلى المغرب في أنه كان يرى أن تحقيق الهدف في الفتح لن يحصل دون الاستقرار في كل المناطق المفتوحة، وهذا ما جعله يقرر فوراً قاعدة ثابتة، تكون محطاً لرحالهم. وقد تجسدت هذه القاعدة بمدينة القيروان، التي أنشأها في مكان مناسب لظروف الفاتحين في تلك الحقبة من الزمن، فقد اختارها لتكون بعيدة عن البحر، بما يمكنها من تحاشي الهجمات البيزنطية البحرية المباشرة، كما حرص أن تكون غير موغلة في الداخل، من أجل تحاشي هجمات المعارضين والمتربصين المغاربة، كذلك أرادها أن تكون قريبة من منطقة المراعي من أجل تربية المواشي والإبل. استتبع إنشاء القيروان نتائج على درجة كبيرة من الأهمية إذ لم يكد يتم تخطيطها سنة 55هـ/675 حتى ظهرت ولاية إفريقية، وبدأت أنظار العرب تتجه إليها، إذ أصبح لهم فيها عاصمة، أو مركز يتبعه الإقليم.
في سنة 55هـ قام والي مصر مَسْلَمَةُ بن مُخَلَّد الأنصاري بعزل عقبة بن نافع عن ولاية إفريقية، احتجاجاً على سياسته القاسية تجاه المغاربة، وعين بدلاً منه مولاه أبا المهاجر دينار، الذي تميزت معاملته بالمرونة واللطف والتسامح، مما أدى إلى دخول عدد كبير منهم في الإسلام، وكان في طليعتهم (كسيلة) زعيم قبيلة أَوْرَبَة، كذلك فقد ساعدته هذه المعاملة الطيبة على التحرُّك باتجاه الغرب لمتابعة أعمال الفتح، فوصلت جيوشه إلى مدينة تِلَمْسان بالمغرب الأوسط (الجزائر اليوم).
أعاد يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، الذي استلم الخلافة بعد أبيه، عقبة بن نافع إلى ولاية إفريقية، وحينما علم عقبة بذلك بادر من فوره إلى إنفاذ حملة عسكرية كبيرة إلى المغربين الأوسط والأقصى، فوصل إلى شاطئ المحيط الأطلسي، وقيل إنه دخل المحيط حتى بلغ الماء بطن فرسه، ورفع يده إلى السماء وقال: «يا رب لولا أن البحر منعني لمضيت إلى مسلك ذي القرنين مدافعاً عن دينك مقاتلاً من كفر بك».
وكانت هذه الحملة الكبيرة قد انطلقت من القيروان إلى مدينة باغاتة في بداية جبال الأوراس بالجزائر، ومنها انطلقت سريعاً حتى وصلت إلى تَاهِرْتَ، وهناك تمكن عقبة بجيشه من هزيمة الروم وجميع المتعاونين معهم، مما ساعده على التوجه إلى المغرب الأقصى (المملكة المغربية اليوم)، فوصل إلى طنجة ثم إلى منطقة السوس الجنوبية، حتى واحة سجلماسة، التي عاد منها مرة أخرى إلى شمال المغرب الأقصى، ومن هناك إلى المغرب الأوسط عبر ممر تازا، ومنه تابع طريق العودة إلى القيروان، وحينما وصل إلى موقع (طبنة)، التي تبعد عن القيروان نحواً من 300كم، ترك لجنوده حرية العودة إلى ديارهم بالقيروان، ولم يبق معه سوى بضعة آلاف قيل إنهم كانوا خمسة آلاف فقط، ومع ذلك فقد أراد بوساطتهم أن يفتح بعض المناطق، التي كانت فيها مجموعات رومية معادية. وفي هذه الفترة الحرجة هرب كسيلة زعيم قبيلة أوربة، الذي كان عقبة قد أساء معاملته، وسنحت له الفرصة للاتصال مع الروم بتهودة، التي كان عقبة قد قرر أن يفتحها، وفي الوقت نفسه جمع معظم أبناء قبيلته، واستطاع بحنكة وبراعة أن يباغت عقبة بتهودة. ورغم أن عقبة تأكد من عدم التكافؤ بين تلك القوات، التي استبقاها معه وبين قوات كسيلة، فإنه أصر على مواجهة الواقع بشجاعة وإقدام، وفضَّل ذلك على الهزيمة، فأمر جنوده بالنزول عن خيولهم وأمرهم بكسر أغماد سيوفهم تعبيراً عن الصمود حتى النهاية، وهكذا فقد قاتلوا حتى استشهدوا جميعاً وفي طليعتهم القائد عقبة بن نافع، فدفن بتهودة التي أصبحت منذ ذلك الحين تسمى (سيدي عقبة) إجلالاً وإكراماً وتعظيماً لشخصه ومقامه.
كانت حادثة استشهاد عقبة بن نافع من الحوادث الكارثية، التي حلت بساحة الفاتحين بالمغرب وهم في أوج حماسهم واتقاد شعلتهم؛ فقد أدت هذه الحادثة الكارثة إلى سيطرة كسيلة على العاصمة القيروان، التي عجز زهير بن قيس البلوي عن حمايتها من السقوط. وقد ترافق ذلك مع انتقال الخلافة الأموية من الأسرة السفيانية إلى الأسرة المروانية، وهذا ما ساعد كسيلة على إحكام سيطرته على القيروان فترة أربع سنوات متتالية.
حينما استقرت الأمور وانتقلت الخلافة إلى عبد الملك بن مروان، أمر بتكليف زهير بن قيس البلوي بالتصدي لكسيلة وتحرير القيروان من سيطرته. وفي سنة 69هـ/688م، التقى البلوي مع كسيلة في معركة أسفرت عن هزيمة كسيلة. لكن ما إن انتهت هذه المعركة المظفرة، حتى فوجئ الناس بهجوم بيزنطي على برقة، فتحرك البلوي على وجه السرعة إلى برقة، وخاض مع البيزنطيين معركة غير متكافئة، فانهزم مع أصحابه، وقيل إنه استشهد ومن معه من المقاتلين على شاكلة ما حدث لعقبة بن نافع.
علي أحمد
Ukba ibn Nafi’ - Ukba ibn Nafi’
عقبة بن نافع
(1 ق.هـ ـ 65هـ/621 ـ 684م)
عقبة بن نافع بن عبد القيس القرشي الفِهْري من أكابر التابعين ومن القادة المتألقين، الذين صنعوا مجد الدولة الأموية، هذه الدولة الرائدة في تاريخ العرب والمسلمين. بدأ نجمه يظهر على مسرح الفتح العربي الإسلامي بالمغرب منذ أن كان في عمر الرابعة عشر (ويطلق المؤرخون العرب اسم المغرب على كل ما يقع غرب مصر)، حينما كلَّفه ابن خالته عمرو بن العاص بفتح عدد من الواحات الليبية مثل زويلة وفزان، وقد تم فتح هاتين الواحتين في الوقت، الذي أنجز فيه عمرو بن العاص فتح الساحل الليبي من بُرْقَةَ (بن غازي) في الشرق حتى صبراتة في الغرب. وحينما عاد عمرو بن العاص إلى مصر بسبب عدم موافقة الخليفة عمر بن الخطاب على متابعة الفتح بإفريقية (تونس اليوم) أو بما كان يسمى بالمغرب الأدنى، كُلِّفَ عقبة بن نافع بإدارة ما أُنْجِزَ فتحُه بليبيا. وحينما عينه معاوية بن أبي سفيان قائداً لعملية فتح المغرب سنة 50هـ/671م، كانت خبرته قد تراكمت في شؤون الحكم وفي معرفة طبيعة البلاد وأهلها، هذا إضافة إلى ثباته على مبدأ الصدق والوفاء لانتمائه العربي والديني.
مثَّل عقبة بن نافع بداية مرحلة مهمة في تاريخ الفتح العربي الإسلامي بالمغرب، هي مرحلة الفتح المنظَّم، التي اتسمت بميل الفاتحين إلى الاستقرار بالمغرب وعدم العودة إلى مصر، وقد تُوِّجَتْ هذه المرحلة بفتح جميع مناطق المغرب الكبير وتحريره من السيطرة الأجنبية، التي مثلها البيزنطيون في مراحلها الأخيرة.
تميَّز عقبة بن نافع من القادة السابقين، الذين جاؤوا فاتحين إلى المغرب في أنه كان يرى أن تحقيق الهدف في الفتح لن يحصل دون الاستقرار في كل المناطق المفتوحة، وهذا ما جعله يقرر فوراً قاعدة ثابتة، تكون محطاً لرحالهم. وقد تجسدت هذه القاعدة بمدينة القيروان، التي أنشأها في مكان مناسب لظروف الفاتحين في تلك الحقبة من الزمن، فقد اختارها لتكون بعيدة عن البحر، بما يمكنها من تحاشي الهجمات البيزنطية البحرية المباشرة، كما حرص أن تكون غير موغلة في الداخل، من أجل تحاشي هجمات المعارضين والمتربصين المغاربة، كذلك أرادها أن تكون قريبة من منطقة المراعي من أجل تربية المواشي والإبل. استتبع إنشاء القيروان نتائج على درجة كبيرة من الأهمية إذ لم يكد يتم تخطيطها سنة 55هـ/675 حتى ظهرت ولاية إفريقية، وبدأت أنظار العرب تتجه إليها، إذ أصبح لهم فيها عاصمة، أو مركز يتبعه الإقليم.
في سنة 55هـ قام والي مصر مَسْلَمَةُ بن مُخَلَّد الأنصاري بعزل عقبة بن نافع عن ولاية إفريقية، احتجاجاً على سياسته القاسية تجاه المغاربة، وعين بدلاً منه مولاه أبا المهاجر دينار، الذي تميزت معاملته بالمرونة واللطف والتسامح، مما أدى إلى دخول عدد كبير منهم في الإسلام، وكان في طليعتهم (كسيلة) زعيم قبيلة أَوْرَبَة، كذلك فقد ساعدته هذه المعاملة الطيبة على التحرُّك باتجاه الغرب لمتابعة أعمال الفتح، فوصلت جيوشه إلى مدينة تِلَمْسان بالمغرب الأوسط (الجزائر اليوم).
أعاد يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، الذي استلم الخلافة بعد أبيه، عقبة بن نافع إلى ولاية إفريقية، وحينما علم عقبة بذلك بادر من فوره إلى إنفاذ حملة عسكرية كبيرة إلى المغربين الأوسط والأقصى، فوصل إلى شاطئ المحيط الأطلسي، وقيل إنه دخل المحيط حتى بلغ الماء بطن فرسه، ورفع يده إلى السماء وقال: «يا رب لولا أن البحر منعني لمضيت إلى مسلك ذي القرنين مدافعاً عن دينك مقاتلاً من كفر بك».
وكانت هذه الحملة الكبيرة قد انطلقت من القيروان إلى مدينة باغاتة في بداية جبال الأوراس بالجزائر، ومنها انطلقت سريعاً حتى وصلت إلى تَاهِرْتَ، وهناك تمكن عقبة بجيشه من هزيمة الروم وجميع المتعاونين معهم، مما ساعده على التوجه إلى المغرب الأقصى (المملكة المغربية اليوم)، فوصل إلى طنجة ثم إلى منطقة السوس الجنوبية، حتى واحة سجلماسة، التي عاد منها مرة أخرى إلى شمال المغرب الأقصى، ومن هناك إلى المغرب الأوسط عبر ممر تازا، ومنه تابع طريق العودة إلى القيروان، وحينما وصل إلى موقع (طبنة)، التي تبعد عن القيروان نحواً من 300كم، ترك لجنوده حرية العودة إلى ديارهم بالقيروان، ولم يبق معه سوى بضعة آلاف قيل إنهم كانوا خمسة آلاف فقط، ومع ذلك فقد أراد بوساطتهم أن يفتح بعض المناطق، التي كانت فيها مجموعات رومية معادية. وفي هذه الفترة الحرجة هرب كسيلة زعيم قبيلة أوربة، الذي كان عقبة قد أساء معاملته، وسنحت له الفرصة للاتصال مع الروم بتهودة، التي كان عقبة قد قرر أن يفتحها، وفي الوقت نفسه جمع معظم أبناء قبيلته، واستطاع بحنكة وبراعة أن يباغت عقبة بتهودة. ورغم أن عقبة تأكد من عدم التكافؤ بين تلك القوات، التي استبقاها معه وبين قوات كسيلة، فإنه أصر على مواجهة الواقع بشجاعة وإقدام، وفضَّل ذلك على الهزيمة، فأمر جنوده بالنزول عن خيولهم وأمرهم بكسر أغماد سيوفهم تعبيراً عن الصمود حتى النهاية، وهكذا فقد قاتلوا حتى استشهدوا جميعاً وفي طليعتهم القائد عقبة بن نافع، فدفن بتهودة التي أصبحت منذ ذلك الحين تسمى (سيدي عقبة) إجلالاً وإكراماً وتعظيماً لشخصه ومقامه.
كانت حادثة استشهاد عقبة بن نافع من الحوادث الكارثية، التي حلت بساحة الفاتحين بالمغرب وهم في أوج حماسهم واتقاد شعلتهم؛ فقد أدت هذه الحادثة الكارثة إلى سيطرة كسيلة على العاصمة القيروان، التي عجز زهير بن قيس البلوي عن حمايتها من السقوط. وقد ترافق ذلك مع انتقال الخلافة الأموية من الأسرة السفيانية إلى الأسرة المروانية، وهذا ما ساعد كسيلة على إحكام سيطرته على القيروان فترة أربع سنوات متتالية.
حينما استقرت الأمور وانتقلت الخلافة إلى عبد الملك بن مروان، أمر بتكليف زهير بن قيس البلوي بالتصدي لكسيلة وتحرير القيروان من سيطرته. وفي سنة 69هـ/688م، التقى البلوي مع كسيلة في معركة أسفرت عن هزيمة كسيلة. لكن ما إن انتهت هذه المعركة المظفرة، حتى فوجئ الناس بهجوم بيزنطي على برقة، فتحرك البلوي على وجه السرعة إلى برقة، وخاض مع البيزنطيين معركة غير متكافئة، فانهزم مع أصحابه، وقيل إنه استشهد ومن معه من المقاتلين على شاكلة ما حدث لعقبة بن نافع.
علي أحمد