عطارد حاجب تميمي
Utarid ibn Hajib al-Tamimi - Utarid ibn Hajib al-Tamimi
عطارد بن حاجب التميميّ
(…ـ نحو 20هـ/… ـ 640م)
أبو عكرمة عطارد بن حاجب بن زرارة ابن عدس، من بني حنظلة ثم من تميم، من سراة بني تميم، كان يغشى الملوك ويصيب منهم، أبوه حاجب صاحب القوس الشهيرة، وذلك أنّه رأى ما حلّ بقومه من قحط وعناء، فارتحل بهم إلى أن بلغ كسرى، فشكا إليه حالهم، وطلب منه أن يأذن لهم بارتياد حدّ بلاده، فقال كسرى: إنّكم معشرَ العرب غُدُر، فإن أذنت لكم أفسدتم البلاد وأهلكتم العباد. فقال حاجب: إنّي ضامنٌ للملك أن لا يفعل أحد ذلك. قال: فمن لي بأن تفي أنت؟ قال: أرهنك قوسي. فلمّا جاء بها ضحك مَنْ حوله، وقالوا: لهذه العصا يفي! فقال الملك: ما كان ليسلّمها لشيءٍ أبداً، اقبضوها منه. وأذن لهم بدخول الريف، وبعد موت حاجب عاد قومه إلى بلادهم، وارتحل عطارد إلى كسرى يطلب قوس أبيه، فقال له: ما أنت الذي رهنتها!. قال: أجل. قال: فما فعل؟ قال: هلك وهو أبي، وقد وفى له قومه، ووفى هو للملك. فردّها عليه وكساه حُلّة، فصار ذلك فخراً ومنقبةً لحاجب وعشيرته.
اختير عطارد خطيبَ وفد تميم عند النبيّr، وكان الوفد زهاء ثمانين رجلاً، منهم الأقرع بن حابس والزِّبرقان بن بدر وقيس بن عاصم وعمرو بن الأهتم وعيينة بن حصن، فوقفوا وراء الحجرات، ونادوا بأصوات مرتفعة: اخرج إلينا يا محمّد، فقد جئنا لنفاخرك، فخرج إليهم النبيّr، وحاجج الأقرع بن حابس. فقام عطارد خطيباً، فقال: الحمد لله الذي له الفضل علينا، وهو أهله الذي جعلنا ملوكاً، وجعلنا أعزّ أهل المشرق، وآتانا أموالاً عظاماً نفعل فيها المعروف، ليس في الناس مثلنا، ألسنا برؤوس الناس وذوي فضلهم، فمن فاخرنا فليعدد مثل ما عددنا، ولو شئنا لأكثرنا، ولكنّا نستحي من الإكثار فيما خوّلنا الله وأعطانا، أقول هذا فأتوا بقولٍ أفضلَ من قولنا أو أمرٍ أبينَ من أمرنا. ثمّ جلس.
فقام ثابت بن قيس بن شماس الأنصاري خطيب الرسولr فقال: الحمد لله الذي السموات والأرض خلقُهُ، قضى فيهنّ أمره، ووسّع كرسيّه وعلمه، ولم يقضِ شيئاً إلاّ من فضله وقدرته، فكان من قدرته أن اصطفى من خلقه لنا رسولاً؛ أكرمهم حسباً وأصدقهم حديثاً وأحسنهم رأياً، فأنزل عليه كتاباً، وائتمنه على خلقه، وكان خيرة الله من العالمين، ثمّ دعا رسول الله من العرب، واستجاب له نحن معشر الأنصار، فنحن أنصار الله ووزراء رسوله، نقاتل الناس حتّى يؤمنوا ويقولوا: لا إله إلاّ الله، فمن آمن بالله ورسوله منع منّا ماله ودمه، ومن كفر بالله ورسوله جاهدناه في الله، وكان جهاده علينا يسيراً، أقول قولي هذا وأستغفر الله للمؤمنين والمؤمنات.
ثمّ قام الزِّبرقان بن بدر وأنشد قصيدة مطلعها:
نحن الملوك فلا حيّ يقاربنا
منّا الملوك وفينا يؤخذ الربعُ
فأرسل رسول الله إلى حسّان بن ثابت، فجاء وأمره أن يجيبه، فقال حسّان عينيّته الشهيرة:
إنّ الذوائبَ من فهرٍ وإخوتهم
قد بيّنوا سنّةً للناسِ تُتّبعُ
فقام عطارد فقال:
أتيناك كيما يعلم الناسُ فضلنا
إذا اجتمعوا وقت احتضار المواسمِ
هل المجدُ إلاّ السؤدد العود والندى
وجاه الملوك واحتمال العظائمِ
فقال الأقرع بن حابس: والله إنّ هذا الرجل لمؤثر له، والله لشاعره أشعر من شاعرنا، ولخطيبه أخطب، ولأصواتهم أرفع من أصواتنا، أعطني يا محمّد. فأعطاه، فقال زدني فزاده، فقال: اللهمّ إنّه سيّد العرب. فنزل فيهم قوله تعالى: )إنّ الذينَ يُنادونَكَ مِنْ وَراءِ الحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُون((الحجرات:4) ثمّ إنّ القوم أسلموا وأقاموا عند النبيّr يتعلّمون القرآن ويتفقّهون في الدين.
ثمّ إنّهم آذنوا بالرحيل، فأعطاهم النبيّ وكساهم، واستعمل عطارد بن حاجب على صدقات قومه، ثمّ ارتدّ بعد وفاة النبيّ، وتبع سجاح إلا أنه أعرض عنها، وعاد إلى الإسلام، ومما قاله فيها:
أضحتْ نبيّتُنا أنثى نطيفُ بها
وأصبحتْ أنبياءُ الناسِ ذكرانا
فلعنةُ الله،ِ ربِّ النّاسِ كلّهم،
على سجاحِ ومَنْ بالكفرِ أغوانا
وفيه يقول الفرزدق:
ومنّا خطيبٌ لا يعابُ وحاملٌ
أغرّ إذا التفّتْ عليه المجامعُ
يعني بالحامل: عبد الله بن حكيم، الذي حمل الحمالات يوم المربد.
عبد الكريم الحشاش
Utarid ibn Hajib al-Tamimi - Utarid ibn Hajib al-Tamimi
عطارد بن حاجب التميميّ
(…ـ نحو 20هـ/… ـ 640م)
أبو عكرمة عطارد بن حاجب بن زرارة ابن عدس، من بني حنظلة ثم من تميم، من سراة بني تميم، كان يغشى الملوك ويصيب منهم، أبوه حاجب صاحب القوس الشهيرة، وذلك أنّه رأى ما حلّ بقومه من قحط وعناء، فارتحل بهم إلى أن بلغ كسرى، فشكا إليه حالهم، وطلب منه أن يأذن لهم بارتياد حدّ بلاده، فقال كسرى: إنّكم معشرَ العرب غُدُر، فإن أذنت لكم أفسدتم البلاد وأهلكتم العباد. فقال حاجب: إنّي ضامنٌ للملك أن لا يفعل أحد ذلك. قال: فمن لي بأن تفي أنت؟ قال: أرهنك قوسي. فلمّا جاء بها ضحك مَنْ حوله، وقالوا: لهذه العصا يفي! فقال الملك: ما كان ليسلّمها لشيءٍ أبداً، اقبضوها منه. وأذن لهم بدخول الريف، وبعد موت حاجب عاد قومه إلى بلادهم، وارتحل عطارد إلى كسرى يطلب قوس أبيه، فقال له: ما أنت الذي رهنتها!. قال: أجل. قال: فما فعل؟ قال: هلك وهو أبي، وقد وفى له قومه، ووفى هو للملك. فردّها عليه وكساه حُلّة، فصار ذلك فخراً ومنقبةً لحاجب وعشيرته.
اختير عطارد خطيبَ وفد تميم عند النبيّr، وكان الوفد زهاء ثمانين رجلاً، منهم الأقرع بن حابس والزِّبرقان بن بدر وقيس بن عاصم وعمرو بن الأهتم وعيينة بن حصن، فوقفوا وراء الحجرات، ونادوا بأصوات مرتفعة: اخرج إلينا يا محمّد، فقد جئنا لنفاخرك، فخرج إليهم النبيّr، وحاجج الأقرع بن حابس. فقام عطارد خطيباً، فقال: الحمد لله الذي له الفضل علينا، وهو أهله الذي جعلنا ملوكاً، وجعلنا أعزّ أهل المشرق، وآتانا أموالاً عظاماً نفعل فيها المعروف، ليس في الناس مثلنا، ألسنا برؤوس الناس وذوي فضلهم، فمن فاخرنا فليعدد مثل ما عددنا، ولو شئنا لأكثرنا، ولكنّا نستحي من الإكثار فيما خوّلنا الله وأعطانا، أقول هذا فأتوا بقولٍ أفضلَ من قولنا أو أمرٍ أبينَ من أمرنا. ثمّ جلس.
فقام ثابت بن قيس بن شماس الأنصاري خطيب الرسولr فقال: الحمد لله الذي السموات والأرض خلقُهُ، قضى فيهنّ أمره، ووسّع كرسيّه وعلمه، ولم يقضِ شيئاً إلاّ من فضله وقدرته، فكان من قدرته أن اصطفى من خلقه لنا رسولاً؛ أكرمهم حسباً وأصدقهم حديثاً وأحسنهم رأياً، فأنزل عليه كتاباً، وائتمنه على خلقه، وكان خيرة الله من العالمين، ثمّ دعا رسول الله من العرب، واستجاب له نحن معشر الأنصار، فنحن أنصار الله ووزراء رسوله، نقاتل الناس حتّى يؤمنوا ويقولوا: لا إله إلاّ الله، فمن آمن بالله ورسوله منع منّا ماله ودمه، ومن كفر بالله ورسوله جاهدناه في الله، وكان جهاده علينا يسيراً، أقول قولي هذا وأستغفر الله للمؤمنين والمؤمنات.
ثمّ قام الزِّبرقان بن بدر وأنشد قصيدة مطلعها:
نحن الملوك فلا حيّ يقاربنا
منّا الملوك وفينا يؤخذ الربعُ
فأرسل رسول الله إلى حسّان بن ثابت، فجاء وأمره أن يجيبه، فقال حسّان عينيّته الشهيرة:
إنّ الذوائبَ من فهرٍ وإخوتهم
قد بيّنوا سنّةً للناسِ تُتّبعُ
فقام عطارد فقال:
أتيناك كيما يعلم الناسُ فضلنا
إذا اجتمعوا وقت احتضار المواسمِ
هل المجدُ إلاّ السؤدد العود والندى
وجاه الملوك واحتمال العظائمِ
فقال الأقرع بن حابس: والله إنّ هذا الرجل لمؤثر له، والله لشاعره أشعر من شاعرنا، ولخطيبه أخطب، ولأصواتهم أرفع من أصواتنا، أعطني يا محمّد. فأعطاه، فقال زدني فزاده، فقال: اللهمّ إنّه سيّد العرب. فنزل فيهم قوله تعالى: )إنّ الذينَ يُنادونَكَ مِنْ وَراءِ الحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُون((الحجرات:4) ثمّ إنّ القوم أسلموا وأقاموا عند النبيّr يتعلّمون القرآن ويتفقّهون في الدين.
ثمّ إنّهم آذنوا بالرحيل، فأعطاهم النبيّ وكساهم، واستعمل عطارد بن حاجب على صدقات قومه، ثمّ ارتدّ بعد وفاة النبيّ، وتبع سجاح إلا أنه أعرض عنها، وعاد إلى الإسلام، ومما قاله فيها:
أضحتْ نبيّتُنا أنثى نطيفُ بها
وأصبحتْ أنبياءُ الناسِ ذكرانا
فلعنةُ الله،ِ ربِّ النّاسِ كلّهم،
على سجاحِ ومَنْ بالكفرِ أغوانا
وفيه يقول الفرزدق:
ومنّا خطيبٌ لا يعابُ وحاملٌ
أغرّ إذا التفّتْ عليه المجامعُ
يعني بالحامل: عبد الله بن حكيم، الذي حمل الحمالات يوم المربد.
عبد الكريم الحشاش