عقيليون (امراء موصل)
Princes of Mosul - Princes de Mossoul
العُقيليون (أمراء الموصل)
(380 ـ 489هـ/990 ـ 1095م)
بنو عُقيل قبيلة كبيرة، تنسب إلى عُقيل بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، من قيس عيلان بن مضر.
كانت مساكنهم قبل الإسلام في البحرين، مع كثير من قبائل العرب، منهم بنو تغلب وبنو سُلَيم، فاجتمع بنو تغلب وبنو عقيل على بني سُليم حتى أخرجوهم من البحرين، فدخلوا مصر، حيث استقر بعضهم هناك، بينما سار الآخرون إلى شمالي أفريقيا والأندلس.
ثم اختلف بنو عقيل وبني تغلب، وتحاربوا، مما أدى إلى طرد بني عقيل من البحرين، فساروا إلى الجزيرة، وأصبحوا رعايا لبني حمدان (حكام الموصل)، يؤدون لهم الأتاوى، وينفرون معهم في الحروب. كما استقر بعض العقيليين في منطقة حوران والبثنية، وقد تزعمهم ظالم بن موهوب العقيلي زمن الفاطميين.
وفي العراق قطن بنو المُنْتَفِق أو المنتفك (وهم فرع من عقيل) حول مدينة البصرة. بينما استوطن بنو خفاجة صحراء العراق، وبنو عبادة سكنوا المنطقة الواقعة بين الكوفة وواسط والبصرة. وكلهم من عقيل.
ولمّا ضعفت دولة بني حمدان في الموصل، في عهد أميرها أبي تغلب الحمداني[ر]، تعرضت الموصل إلى ضغط البويهيين. وتمكن البويهيون من الاستيلاء على الموصل وما يحيط بها من أعمال، مما أدى إلى هروب أبي تغلب إلى دمشق وذلك سنة 367هـ/977م. وفي الشام استجار أبو تغلب ببني عقيل المقيمين هناك ضد أمير الرملة ابن الجرّاح الطائي (الذي استعان بالخلفاء الفاطميين) وفي المعركة التي دارت بين الطرفين، حلّت الهزيمة ببني عقيل، وقُتلَ أبو تغلب وذلك سنة 369هـ/979م.
أما الموصل، فقد ظلت بيد البويهيين، وقد ضعف أمرها كثيراً، حتى طمعت فيها القوى المحيطة بها، وخاصة الأكراد والعقيليون. إذ أراد باذ الكردي انتزاع الموصل من إبراهيم والحسين، ابني ناصر الدولة الحمداني، اللذين حكماها معاً للبويهيين، فاستنجد هذان الأخوان بأمير بني عقيل؛ محمد بن المسيب فوافق على مساعدتهما، وأثمر التعاون عن قتل باذ الكردي سنة 380هـ/990م، وبعد المعركة لمس أبو محمد بن المسيب ضعف الحمدانيين، فقام بأسر أبي طاهر إبراهيم الحمداني، مع أولاده وقواده، ومن ثم قتله وسار إلى الموصل وملكها.
وقد أفاد العقيليون في بسط سيطرتهم على الموصل من العوامل الآتية:
ـ ضعف السلطة المركزية في بغداد منذ أوائل القرن الرابع الهجري، لتحكّم البويهيين بالخلافة العباسية، فأخذت القبائل العربية في الشام والجزيرة تعمل على استعادة نفوذها.
ـ سوء العلاقات بين البويهيين والحمدانيين (ولاة الموصل) التي أسفرت عن استيلاء البويهيين على الموصل من حكامها الحمدانيين.
ـ نجاح العقيليين في استغلال الظروف المحيطة بهم آنذاك؛ إذ تعاونوا مع الحمدانيين على التخلص من الأكراد الطامعين بالموصل، وبعد ذلك قاموا بالتخلص من الحمدانيين وحلوا محلهم.
ـ محاولة العقيليين الاستفادة من ظروف الخلافتين العباسية والفاطمية؛ إذ ترددوا في الولاء بين الخلافتين، على تشيعهم، من أجل المحافظة على كيانهم واستقلالهم.
من أهم حكامهم:
محمد بن المسيب (380 ـ 382هـ/990ـ 992م)، يعد المؤسس الأول لإمارة بني عقيل في الموصل، حكمها مدة عامين، ثم عزله البويهيون وباشروا حكم الموصل بأنفسهم، إلا أنهم فقدوها سنة 386هـ /996 حين تمكن المقلَّد بن المسيب أخوه من الاستيلاء عليها، وإقامة الدولة العقيلية فيها، وقد وسّع إمارته فشملت الأنبار وسقي الفرات والجزيرة الفراتية إضافة إلى الموصل، وكان له إسهام عظيمٌ في النزاعات بين الخلافتين العباسية والفاطمية على بلاد الشام والحرمين الشريفين والجزيرة الفراتية.
اغتيل المقلّد سنة 391هـ/1000م فخلفه ابنه قُرواش بن المقلد (391 ـ 444هـ/1000ـ1052) فحكم مدة خمسين عاماً، وامتد نفوذه كثيراً ولقبه الخليفة القادر بالله أبو العباس (381 ـ 422هـ) بمعتمد الدولة.
كان قُرواش بن المقلد من أعظم شخصيات عصره البدوية، فقد كان أديباً شاعراً نهَّاباً وهَّاباً على دين الأعراب وجاهليتهم، واستطاع أن يقيم علاقات شبه متوازنة بين الخلافتين العباسية والفاطمية. وفي أيام قرواش تعرضت الموصل لأول غارة غُزِّيّة.
خلف قرواشاً قريش بن بدران، واجتمعت عقيل على انتخابه أميراً جديداً (444 ـ 452هـ/1052 ـ 1061م) وفي عهده قامت حركة البساسيرى[ر]، ولما توفي خلَََفَه ابنه مسلم ابن قريش (453 ـ 478هـ/1061ـ 1085م)، الذي يعدّ أعظم شخصيات الأسرة العقيلية؛ إذ امتد سلطانه من بغداد إلى شمالي سورية وحلب، ولما تحالف مع السلاجقة تمكّن من الاستيلاء على حرَّان والرها. وزوجه السلطان السلجوقي ألب أرسلان أخته صفية. ولكن مسلماً لمّا رغب في السيطرة على دمشق تحالف مع الفاطميين رغبة منه في الحصول على دعمهم، فما كان من السلاجقة إلاّ أن هاجموا الموصل فتوجه مسلم غرباً لمهاجمة الزعيم السلجوقي في آسيا الصغرى سليمان بن قُتلمش، فهزم مسلم قرب أنطاكية وقتل.
كان مقتل مسلم بداية النهاية للدولة العقيلية، حيث حكم بعده ثلاثة أمراء ثم زالت دولتهم على يد السلاجقة سنة 489هـ.
بقيت فروع عديدة محلية من الحكام العقيليين في مدن شمالي العراق وديار مضر بما في ذلك تكريت وهِيت وعكبرة وعانة والحديثة وقلعة جعبر. وقد استمر الفرع الحاكم من أحفاد بدران بن مقلد في قلعة جعبر والرقة حتى سنة 564هـ/1169م عندما أنهى الزنكيون حكمهم.
تدل الآثار الباقية من عهدهم على أن العقيليين اهتموا بالعمران كثيراً، ومن أهم آثارهم:
منارة عانة، وآثار المشهد شمال عانة، وآثار الخليلية جنوبي عانة، ومشهد الإمام محمد الدري أو «أمام دور» بين سامراء وتكريت، ولاتزال قبته تزار إلى اليوم، وقد كُتب في داخلها اسم الأمير مسلم بن قريش.
ومن عمائرهم: سور الموصل الذي بناه مسلم، وما زالت آثاره باقية وإلى جانبه بقايا قصور بني عقيل. كما اهتم الأمراء العقيلييون بالشعر والشعراء كثيراً، ونظموا الشعر.
وفاء جوني
Princes of Mosul - Princes de Mossoul
العُقيليون (أمراء الموصل)
(380 ـ 489هـ/990 ـ 1095م)
بنو عُقيل قبيلة كبيرة، تنسب إلى عُقيل بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، من قيس عيلان بن مضر.
كانت مساكنهم قبل الإسلام في البحرين، مع كثير من قبائل العرب، منهم بنو تغلب وبنو سُلَيم، فاجتمع بنو تغلب وبنو عقيل على بني سُليم حتى أخرجوهم من البحرين، فدخلوا مصر، حيث استقر بعضهم هناك، بينما سار الآخرون إلى شمالي أفريقيا والأندلس.
ثم اختلف بنو عقيل وبني تغلب، وتحاربوا، مما أدى إلى طرد بني عقيل من البحرين، فساروا إلى الجزيرة، وأصبحوا رعايا لبني حمدان (حكام الموصل)، يؤدون لهم الأتاوى، وينفرون معهم في الحروب. كما استقر بعض العقيليين في منطقة حوران والبثنية، وقد تزعمهم ظالم بن موهوب العقيلي زمن الفاطميين.
وفي العراق قطن بنو المُنْتَفِق أو المنتفك (وهم فرع من عقيل) حول مدينة البصرة. بينما استوطن بنو خفاجة صحراء العراق، وبنو عبادة سكنوا المنطقة الواقعة بين الكوفة وواسط والبصرة. وكلهم من عقيل.
ولمّا ضعفت دولة بني حمدان في الموصل، في عهد أميرها أبي تغلب الحمداني[ر]، تعرضت الموصل إلى ضغط البويهيين. وتمكن البويهيون من الاستيلاء على الموصل وما يحيط بها من أعمال، مما أدى إلى هروب أبي تغلب إلى دمشق وذلك سنة 367هـ/977م. وفي الشام استجار أبو تغلب ببني عقيل المقيمين هناك ضد أمير الرملة ابن الجرّاح الطائي (الذي استعان بالخلفاء الفاطميين) وفي المعركة التي دارت بين الطرفين، حلّت الهزيمة ببني عقيل، وقُتلَ أبو تغلب وذلك سنة 369هـ/979م.
أما الموصل، فقد ظلت بيد البويهيين، وقد ضعف أمرها كثيراً، حتى طمعت فيها القوى المحيطة بها، وخاصة الأكراد والعقيليون. إذ أراد باذ الكردي انتزاع الموصل من إبراهيم والحسين، ابني ناصر الدولة الحمداني، اللذين حكماها معاً للبويهيين، فاستنجد هذان الأخوان بأمير بني عقيل؛ محمد بن المسيب فوافق على مساعدتهما، وأثمر التعاون عن قتل باذ الكردي سنة 380هـ/990م، وبعد المعركة لمس أبو محمد بن المسيب ضعف الحمدانيين، فقام بأسر أبي طاهر إبراهيم الحمداني، مع أولاده وقواده، ومن ثم قتله وسار إلى الموصل وملكها.
وقد أفاد العقيليون في بسط سيطرتهم على الموصل من العوامل الآتية:
ـ ضعف السلطة المركزية في بغداد منذ أوائل القرن الرابع الهجري، لتحكّم البويهيين بالخلافة العباسية، فأخذت القبائل العربية في الشام والجزيرة تعمل على استعادة نفوذها.
ـ سوء العلاقات بين البويهيين والحمدانيين (ولاة الموصل) التي أسفرت عن استيلاء البويهيين على الموصل من حكامها الحمدانيين.
ـ نجاح العقيليين في استغلال الظروف المحيطة بهم آنذاك؛ إذ تعاونوا مع الحمدانيين على التخلص من الأكراد الطامعين بالموصل، وبعد ذلك قاموا بالتخلص من الحمدانيين وحلوا محلهم.
ـ محاولة العقيليين الاستفادة من ظروف الخلافتين العباسية والفاطمية؛ إذ ترددوا في الولاء بين الخلافتين، على تشيعهم، من أجل المحافظة على كيانهم واستقلالهم.
من أهم حكامهم:
محمد بن المسيب (380 ـ 382هـ/990ـ 992م)، يعد المؤسس الأول لإمارة بني عقيل في الموصل، حكمها مدة عامين، ثم عزله البويهيون وباشروا حكم الموصل بأنفسهم، إلا أنهم فقدوها سنة 386هـ /996 حين تمكن المقلَّد بن المسيب أخوه من الاستيلاء عليها، وإقامة الدولة العقيلية فيها، وقد وسّع إمارته فشملت الأنبار وسقي الفرات والجزيرة الفراتية إضافة إلى الموصل، وكان له إسهام عظيمٌ في النزاعات بين الخلافتين العباسية والفاطمية على بلاد الشام والحرمين الشريفين والجزيرة الفراتية.
اغتيل المقلّد سنة 391هـ/1000م فخلفه ابنه قُرواش بن المقلد (391 ـ 444هـ/1000ـ1052) فحكم مدة خمسين عاماً، وامتد نفوذه كثيراً ولقبه الخليفة القادر بالله أبو العباس (381 ـ 422هـ) بمعتمد الدولة.
كان قُرواش بن المقلد من أعظم شخصيات عصره البدوية، فقد كان أديباً شاعراً نهَّاباً وهَّاباً على دين الأعراب وجاهليتهم، واستطاع أن يقيم علاقات شبه متوازنة بين الخلافتين العباسية والفاطمية. وفي أيام قرواش تعرضت الموصل لأول غارة غُزِّيّة.
خلف قرواشاً قريش بن بدران، واجتمعت عقيل على انتخابه أميراً جديداً (444 ـ 452هـ/1052 ـ 1061م) وفي عهده قامت حركة البساسيرى[ر]، ولما توفي خلَََفَه ابنه مسلم ابن قريش (453 ـ 478هـ/1061ـ 1085م)، الذي يعدّ أعظم شخصيات الأسرة العقيلية؛ إذ امتد سلطانه من بغداد إلى شمالي سورية وحلب، ولما تحالف مع السلاجقة تمكّن من الاستيلاء على حرَّان والرها. وزوجه السلطان السلجوقي ألب أرسلان أخته صفية. ولكن مسلماً لمّا رغب في السيطرة على دمشق تحالف مع الفاطميين رغبة منه في الحصول على دعمهم، فما كان من السلاجقة إلاّ أن هاجموا الموصل فتوجه مسلم غرباً لمهاجمة الزعيم السلجوقي في آسيا الصغرى سليمان بن قُتلمش، فهزم مسلم قرب أنطاكية وقتل.
كان مقتل مسلم بداية النهاية للدولة العقيلية، حيث حكم بعده ثلاثة أمراء ثم زالت دولتهم على يد السلاجقة سنة 489هـ.
بقيت فروع عديدة محلية من الحكام العقيليين في مدن شمالي العراق وديار مضر بما في ذلك تكريت وهِيت وعكبرة وعانة والحديثة وقلعة جعبر. وقد استمر الفرع الحاكم من أحفاد بدران بن مقلد في قلعة جعبر والرقة حتى سنة 564هـ/1169م عندما أنهى الزنكيون حكمهم.
تدل الآثار الباقية من عهدهم على أن العقيليين اهتموا بالعمران كثيراً، ومن أهم آثارهم:
منارة عانة، وآثار المشهد شمال عانة، وآثار الخليلية جنوبي عانة، ومشهد الإمام محمد الدري أو «أمام دور» بين سامراء وتكريت، ولاتزال قبته تزار إلى اليوم، وقد كُتب في داخلها اسم الأمير مسلم بن قريش.
ومن عمائرهم: سور الموصل الذي بناه مسلم، وما زالت آثاره باقية وإلى جانبه بقايا قصور بني عقيل. كما اهتم الأمراء العقيلييون بالشعر والشعراء كثيراً، ونظموا الشعر.
وفاء جوني