النص
القليل من النصوص السينمائية المنشورة تستطيع توفير المتعة للقارىء رغم أنها نادراً ما تكون بالقدر الذي يوفره الفلم النهائي نفسه. نص فلم هتشكوك شمال في شمال غرب الذي كتبه أرنست ليمان مثل على ذلك. يمتلك ليمان موهبة الروائي الذي يقدم حالات داخلية عن طريق وصف أحداث خارجية ويمتلك تدفق الكاتب الدرامي في حوار واضح قليل. في الواقع إن نص شمال في شمال غرب مثل أغلب النصوص المنشورة يتألف في جوهره من مزيج من تقنيات الروائي والمؤلف المسرحي . أي أنه يقدم لنا في الجوهر خبرة أدبية لمادة الموضوع نصوص من هذا النوع قصد بها إعطاء القارىء وصفاً متماسكاً بشكل معقول و (عاماً) لما تقوم به وتقوله الشخصيات ويندر أن تحتوي على معلومات تقنية كتفتيت اللقطات وإطوالها والمحتوى التفصيلي للميزانسين إن نص ليمان إذا يقدم لنا (استمرارية) الأفعال لا استمرارية اللقطات التي يحتويها النص التنفيذي كما سنرى عند تفحصنا لجدول تفتيت اللقطات في النص الأدبي لليمان .
يدور فلم شمال في شمال غرب كالعديد من أفلام هتشكوك حول فكرة الشخصية الخاطئة رجل بريء يتهم ويجرم بسبب جريمة لم يقترفها. البطل روجر ثورنهيل مثله كاري كرانت مدير دعاية سطحي ولكنه ساحر يشتبه به مصادفة بأنه عميل حكومي باسم كابلان. يختطف كابلان من قبل عملاء العدو ويكاد يقتل ثم يورط بقتل دبلوماسي أمريكي . يهرب ثورنهيل يائساً إلى شيكاغو وهو مطارد من قبل عملاء العدو والشرطة، في شيكاغو يأمل أن يكتشف كابلان الحقيقي الذي يفترض أن يثبت براءة ثورنهيل. في شيكاغو يخبر بأن كابلان سيقابله منفرداً في موقع محدد. المقتطف التالي من نص ليمان يروي لنا ما سيجري :
لقطة من طائرة عمودية - خارجية - الشارع الخارجي رقم ٤١ - مساء .
نبدأ قرب باص (كريهاوند) نصور من الأعلى باتجاهه ثم نتابع . معه وهو يسرع في اتجاه شرقي بسرعة سبعين ميلاً في الساعة تنسحب آلة التصوير تدريجياً عن الباص وترتفع ولكنها لا تفقد المركبة أبداً، حيث تنسحب المركبة في البعد وإلى تحت وتصبح مثل لعبة على شريط لا نهاية له لشارع خارجي مهجور يمتد عبر أميال من البراري المنبسطة. يبطى الباص يقترب من تقاطع يؤدي إلى طريق صغير قذر لا يعرف من أين يأتي فيعبر الشارع الخارجي ويستمر إلى مكان ما يتوقف الباص، يخرج منه رجل إنه ثورنهيل، ولكنه بالنسبة لنا جسم ضئيل يسير الباص مبتعداً، ثم يتحرك خارج مدى الرؤية. والآن يقف ثورنهيل وحده إلى جانب الطريق - جسم ضئيل في وسط مكان لا نعرفه .
على الأرض - مع ثورنهيل - (مشهد رئيسي)
ينظر حوله ويدرس ما يحيط به تضاريس الأرض منبسطة وعديمة الأشجار حتى أكثر إنعزالاً من نقطة الإشراف التي بدت من الجو والتي يقف فيها. هنا وهناك نجد قطعاً. من محصول حقلي قصير يضيف بعض الخطوط لمعالم الأرض. شمس محرقة تضرب من أعلى صمت نام يخيم بثقله في الهواء ينظر ثورنهيل إلى ساعته إنها الثالثة وخمس وعشرون دقيقة .
في البعد نسمع همهمة ضعيفة لمحرك مركبة. ينظر ثورنهيل باتجاه الغرب. تزداد الهمهمة كلما اقتربت السيارة يخطو ثورنهيل إلى جانب الشارع تظهر سيارة صالون سوداء وهي تسير بسرعة عالية لبضع لحظات لسنا متأكدين بأنها لن تدخل مباشرة في ثورنهيل. ثم تمر من جواره تنسحب في البعد ثم تصبح همهمة ضعيفة ونقطة ضئيلة ثم الصمت ثانية ..
يخرج ثورنهيل منديلاً ليمسح وجهه، بدأ الآن يعرق قد يكون ذلك بسبب ا العصبي أو الشمس. همهمة ضعيفة أخرى تأتي من الشرق وتزداد بينما هو ينظر ليرى ذرة بعيدة أخرى تصبح سيارة سريعة، هذه السيارة بسقف قماش مغلق مرة أخرى القلق الغامض من الخطر غير المعروف وهو يقترب مرة أخرى. يقترب الخطر بسرعة عالية ومرة أخرى يمر - غيمة من الغبار - تنسحب سيارة في البعد - همهمة ضعيفة - ثم صمت.
يزم شفتيه ينظر إلى ساعته ثانية! يخطو إلى منتصف الشارع ينظر أولاً في اتجاه ثم في اتجاه آخر لا شيء يرى يرخي رباطه ويفتح ياقة قميصه وينظر إلى الشمس. خلفه في البعد تسمع همهمة مركبة أخرى تقترب يستدير ينظر إلى الغرب. هذه المركبة شاحنة ضخمة عابرة للقارة تزمجر وهي تقترب منه بسرعة كبيرة برد فعل سريع يبتعد وتختفي صوتها عن الشارع إلى جانبه الترابي في حين تقصف الشاحنة مبتعدة عنه المختفي يحل محله صوت جديد إنه صوت فرقعة سيارة قديمة رخيصة .
ينظر ثورنهيل باتجاه الصوت القادم، يرى السيارة تقترب من الشارع عند الطريق القذر المتقاطع. عندما تصل السيارة إلى الشارع الخارجي تتوقف خلف المقود امرأة متوسطة العمر معها رجل لا يمكن وصفه في حوالي الخمسين. يمكن بالتأكيد أن يكون مزارعاً يخرج من السيارة تعود السيارة مستديرة من حيث أنت ثورنهيل يراقب الرجل ويتخذ موقعاً مقابلاً له عبر الشارع. ينظر الرجل إلى ثورنهيل بلا اهتمام واضح، ثم ينظر بعيداً باتجاه الشرق كما لو كان ينتظر شيئاً ما ..
ٹورنهيل يبحلق في الرجل متعجباً فيما إذا كان هو جورج كابلان .
ينظر الرجل بتمحص عبر الشارع إلى ثورنهيل ووجهه خال من كل تعبير.
يمسح ثورنهيل وجهه بمنديله بدون أن يرفع عينيه عن الرجل عبر الشارع. صوت ضعيف لطيارة تقترب أخذ يتصاعد تدريجياً فوق المشهد . عند ازدياد شدة الصوت ينظر ثورنهيل إلى الأعلى وإلى يساره فيرى طيارة بمحركين تطير على ارتفاع منخفض قادمة من الشمال الغربي يراقبها باهتمام متزايد وهي تتجه إلى البقعة التي يقف فيها هو والرجل الغريب وجها لوجه عبر الشارع وفجأة تكون فوقهما على ارتفاع مائة قدم من الأرض ثم ترتفع مثل طير ضخم وثورنهيل يستدير مع خط سيرها ترتفع فوقهما وتستمر يمعن ثورنهيل النظر خلف الطائرة، وظهره إلى الشارع بعد أن ابتعدت الطائرة بضع مئات من الباردات عن الشارع تفقد ارتفاعها توازي الأرض على ارتفاع بضعة أقدام ثم تبدأ بالطيران مهتزة يميناً وشمالاً في خطوط موازية للشارع تاركة وراءها خطاً . من الغبار من تحت مؤخرتها وهي تمضي أي فلاح كان سيتعرف على العملية باعتبارها نثر للغلة.
ثورنهيل ينظر عبر الشارع فيرى أن الغريب ينظر إلى الطائرة باهتمام فاتر. تنهيا شفتا ثورنهيل بحزم يعبر الشارع ويتجه إلى الرجل.
ثور نهيل - يوم حار الرجل - رأيت أفظع منه .
ثورنهيل - هل أنت ... أو ... بالصدفة يفترض أن تقابل احداً هنا؟ الرجل لا يزال ينظر للطائرة انتظر الباص سيصل في أية دقيقة. ثورنهيل : أوه . الرجل (بفتور) : بعض نائري الغلال من الطيارين يصبح ثرياً إذا ما عاش بما فيه الكفاية .
ثورنهيل - إذاً فإن اسمك ليس كابلان . الرجل - ينظر) (إليه لا يمكن أن أقول إنه كذلك، فإنه ليس كذلك ينظر إلى أول الشارع حسناً - ها هي قادمة مضبوطة تماماً. ثورنهيل - ينظر شرقاً يرى باص الكريهاوند يقترب .
يتطلع الرجل إلى الطائرة ثانية ثم يقطب حاجبيه .
الرجل - غريب . ثورنهيل - ماذا؟
الرجل - إن الطائرة تنثر الغلة حيث لا يوجد محصول
ثورنهيل ينظر إلى الطائرة المولولة بشك متزايد بينما يخطو الرجل إلى الشارع ملوحاً للباص فيقف. يستدير ثورنهيل إلى الغريب كما لو أنه يريد أن يقول له شيئاً إلا أنه قد فات الأوان؛ لقد ركب الرجل الباص والأبواب تنغلق ويبتعد الباص. ثورنهيل وحده ثانية .
بعد ذلك مباشرة يسمع ماكنة الطائرة وقد اطلقت بسرعة أكبر ينظر بحدة فيرى الطائرة مبتعدة عن طريقها الموازي ومتجهة نحوه مباشرة. يقف هناك مفتوح العينين راسخاً في البقعة ذاتها. تمضي الطائرة صاخبة على ارتفاع بضعة أقدام من الأرض هنالك رجلان في مكان الجلوس يلبسان النظارات ولا تعرف ملامحهما إنهما يبدوان بصورة مخيفة. يصرخ إليهما إلا أن صوته يضيع في ضوضاء الطائرة خلال دقيقة ستكون فوقه وتقطع رأسه. يقع أرضاً بيأس ويضغط بجسمه منبطحاً بينما تمر الطائرة فوقه بصوت عظيم تكاد تمشط شعره بعجلتها الهابطة.
يقف ثورنهيل على عجل فيرى الطائرة تستدير وتعود. ينظر حوله بفزع يرى عمود هاتف فيهجم باتجاهه والطائرة تقترب منه ثانية. يختفي خلف العمود. تتجه الطائرة إليه مباشرة ثم تميل إلى اليمين في آخر لحظة. نسمع طلقات حادة لمسدس طلقتان تمتزجان مع صوت الماكنة وتصطدمان بعمود الكهرباء فوق رأس ثورنهيل مباشرة .
يرتد فعل ثورنهيل لهذا الخطر الداهم الجديد يرى الطائرة تميل وتستدير وتعود إليه. سيارة تقترب من الغرب. يهجم ثورنهيل إلى الشارع ويحاول إيقاف السيارة إلا أن السائق يتجاهله ويبتعد تاركاً ثورنهيل مكشوفاً ومعرضاً للخطر بينهما تنقض الطائرة عليه سلسلة الطلقات ونراها مزمجرة. يلقي بنفسه في حفرة ويتدحرج في حين تسمع من تضرب الأرض التي كان عليها قبل ثوان.
ينخفض على قدميه وينظر حوله فيرى حقل ذرة على بعد خمسين يارداً من الشارع يلمح الطائرة وهي تستدير فيقرر أن يهرع إلى غطاء الذرة العالي. نصور من طائرة عمودية على ارتفاع مائة قدم من الأرض فنرى ثورنهيل يركض نحو حقل الحنطة والطائرة تلاحقه.
التصوير من داخل حقل الذرة. نرى ثورنهيل يقدم مصطدماً بالأرض متدحرجاً إلى اليمين ثم ينبطح بلا حراك في حين نرى الطائرة تمر فوقه مع رشقة من الطلقات ويمزق الرصاص الذرة على مسافة امينة من ثورنهيل يرفع رأسه بحذر يشهق طلباً للهواء وهو يرى الطائرة تبتعد وتدور.
التصوير من الطائرة العمودية نرى الطائرة تستقيم وتبدأ بالتحليق فوق حقل الذرة الذي لا يكشف عن ثورنهيل تطوف فوق رؤوس سيقان الذرة، ولكنها لا تطلق النار الآن. بدلا من ذلك تقوم الطائرة بنفث غيوم كثيفة من الغبار السام الذي يترسب فوق الذرة.
في حقل الذرة - ثور هيل - لا يزال منبطحا ويبدأ بالشهق والاختناق بسبب الغبار السام الذي بدأ يحيط به تنهمر الدموع من عينيه إلا انه لا يجرؤ على الحركة وهو برى الطائرة قادمة فوق الحقل مرة أخرى عندما تمر الطائرة وتلامسه غيمة أخرى من الغبار يقفز على قدميه ويهرع خارج الحقل في العراء نصف أعمى وهو محتق الأنفاس. يرى إلى اليمين في أعلى الشارع شاحنة نفط ديزل ضخمة تقترب يركض نحو الشارع ليقف في طريقها . التصوير من طائرة عمودية - نرى ثورنهيل يهرع إلى الشارع تستعد الطائرة لهجمة أخرى عليه وشاحنة الديزل تقترب مسرعة . التصوير عبر الشارع - نرى ثورنهيل راكضاً ومتعثراً نحو تهبط خلفه بينما تقترب الشاحنة من اليسار يهرع إلى منتصف الشارع ويلوح بذراعيه بذعر. آلة التصوير والطائرة
ترعد شاحنة الديزل فوق الشارع باتجاه ثورنهيل ومزمارها ينفجر بانفعال. تسرع الطائرة بلا هوادة نحو ثورنهيل من الحقل وبجوار الشارع.
يقف ثورنهيل وحيداً عاجزاً في منتصف الشارع ملوحاً بذراعيه. تقترب الطائرة. تكاد الشاحنة تدهسه لا شيء يمكن أن يقوم به. لقد لحقت به الطائرة والشاحنة لن تتوقف. يجب أن تتوقف يلقي بنفسه على الرصيف أمام طريقها تماماً. هنالك صرخة توقف ودعك عجلات وزمجرة ماكنة الطائرة ثم صوت فرقعة عند وقوف الشاحنة على بعد بضع عقد من جسم ثورنهيل في اللحظة التي تجد الطائرة نفسها مرغمة وغير قادرة على الخلاص بسبب هذا التوقف المفاجىء فتصطدم بشاحنة النفط وينفجر النفط والطائرة ويتحولان إلى لسان عظيم من اللهب.
في اللحظات القليلة التالية كل شيء في فوضى ثورنهيل يتدحرج سليما من تحت عجلات شاحنة الديزل يخرج السائقان من مقاعدهما الأمامية ويستلقيان على الشارع. تتصاعد سحب الدخان من مكان جنازة الطائرة ومحرقة ركابها. نتعرف على الجسم المشتعل لاحد الرجلين في الطائرة إنه ليشت أحد مختطفي ثورنهيل الأصليين. هنالك سيارة (بيكاب) مكشوفة تقف فيها ثلاجة قديمة تقترب من ناحية الشرق، تقترب من جانب الطريق السائق المزارع يقفز ويسرع باتجاه الحطام .
المزارع - ماذا حدث؟ ماذا حدث؟
سائقا الشاحنة لا يجيبان .لذهولهما اللهب والدخان يبعدهما إلى الخلف. ثورنهيل، لا يلاحظه أحد، يتسلل إلى البيكاب الخالي تقترب سيارة أخرى من الغرب تتوقف ويسرع سائقها إلى الرجال الآخرين الجميع يبحلق مسمراً في الحطام. فجأة يسمعون فيذعر خلفهم صوت محرك البيكاب وهو يدور المزارع الذي يمتلك السيارة يستدير لمشاهدة سيارته تبتعد مع هذا الغريب.
القليل من النصوص السينمائية المنشورة تستطيع توفير المتعة للقارىء رغم أنها نادراً ما تكون بالقدر الذي يوفره الفلم النهائي نفسه. نص فلم هتشكوك شمال في شمال غرب الذي كتبه أرنست ليمان مثل على ذلك. يمتلك ليمان موهبة الروائي الذي يقدم حالات داخلية عن طريق وصف أحداث خارجية ويمتلك تدفق الكاتب الدرامي في حوار واضح قليل. في الواقع إن نص شمال في شمال غرب مثل أغلب النصوص المنشورة يتألف في جوهره من مزيج من تقنيات الروائي والمؤلف المسرحي . أي أنه يقدم لنا في الجوهر خبرة أدبية لمادة الموضوع نصوص من هذا النوع قصد بها إعطاء القارىء وصفاً متماسكاً بشكل معقول و (عاماً) لما تقوم به وتقوله الشخصيات ويندر أن تحتوي على معلومات تقنية كتفتيت اللقطات وإطوالها والمحتوى التفصيلي للميزانسين إن نص ليمان إذا يقدم لنا (استمرارية) الأفعال لا استمرارية اللقطات التي يحتويها النص التنفيذي كما سنرى عند تفحصنا لجدول تفتيت اللقطات في النص الأدبي لليمان .
يدور فلم شمال في شمال غرب كالعديد من أفلام هتشكوك حول فكرة الشخصية الخاطئة رجل بريء يتهم ويجرم بسبب جريمة لم يقترفها. البطل روجر ثورنهيل مثله كاري كرانت مدير دعاية سطحي ولكنه ساحر يشتبه به مصادفة بأنه عميل حكومي باسم كابلان. يختطف كابلان من قبل عملاء العدو ويكاد يقتل ثم يورط بقتل دبلوماسي أمريكي . يهرب ثورنهيل يائساً إلى شيكاغو وهو مطارد من قبل عملاء العدو والشرطة، في شيكاغو يأمل أن يكتشف كابلان الحقيقي الذي يفترض أن يثبت براءة ثورنهيل. في شيكاغو يخبر بأن كابلان سيقابله منفرداً في موقع محدد. المقتطف التالي من نص ليمان يروي لنا ما سيجري :
لقطة من طائرة عمودية - خارجية - الشارع الخارجي رقم ٤١ - مساء .
نبدأ قرب باص (كريهاوند) نصور من الأعلى باتجاهه ثم نتابع . معه وهو يسرع في اتجاه شرقي بسرعة سبعين ميلاً في الساعة تنسحب آلة التصوير تدريجياً عن الباص وترتفع ولكنها لا تفقد المركبة أبداً، حيث تنسحب المركبة في البعد وإلى تحت وتصبح مثل لعبة على شريط لا نهاية له لشارع خارجي مهجور يمتد عبر أميال من البراري المنبسطة. يبطى الباص يقترب من تقاطع يؤدي إلى طريق صغير قذر لا يعرف من أين يأتي فيعبر الشارع الخارجي ويستمر إلى مكان ما يتوقف الباص، يخرج منه رجل إنه ثورنهيل، ولكنه بالنسبة لنا جسم ضئيل يسير الباص مبتعداً، ثم يتحرك خارج مدى الرؤية. والآن يقف ثورنهيل وحده إلى جانب الطريق - جسم ضئيل في وسط مكان لا نعرفه .
على الأرض - مع ثورنهيل - (مشهد رئيسي)
ينظر حوله ويدرس ما يحيط به تضاريس الأرض منبسطة وعديمة الأشجار حتى أكثر إنعزالاً من نقطة الإشراف التي بدت من الجو والتي يقف فيها. هنا وهناك نجد قطعاً. من محصول حقلي قصير يضيف بعض الخطوط لمعالم الأرض. شمس محرقة تضرب من أعلى صمت نام يخيم بثقله في الهواء ينظر ثورنهيل إلى ساعته إنها الثالثة وخمس وعشرون دقيقة .
في البعد نسمع همهمة ضعيفة لمحرك مركبة. ينظر ثورنهيل باتجاه الغرب. تزداد الهمهمة كلما اقتربت السيارة يخطو ثورنهيل إلى جانب الشارع تظهر سيارة صالون سوداء وهي تسير بسرعة عالية لبضع لحظات لسنا متأكدين بأنها لن تدخل مباشرة في ثورنهيل. ثم تمر من جواره تنسحب في البعد ثم تصبح همهمة ضعيفة ونقطة ضئيلة ثم الصمت ثانية ..
يخرج ثورنهيل منديلاً ليمسح وجهه، بدأ الآن يعرق قد يكون ذلك بسبب ا العصبي أو الشمس. همهمة ضعيفة أخرى تأتي من الشرق وتزداد بينما هو ينظر ليرى ذرة بعيدة أخرى تصبح سيارة سريعة، هذه السيارة بسقف قماش مغلق مرة أخرى القلق الغامض من الخطر غير المعروف وهو يقترب مرة أخرى. يقترب الخطر بسرعة عالية ومرة أخرى يمر - غيمة من الغبار - تنسحب سيارة في البعد - همهمة ضعيفة - ثم صمت.
يزم شفتيه ينظر إلى ساعته ثانية! يخطو إلى منتصف الشارع ينظر أولاً في اتجاه ثم في اتجاه آخر لا شيء يرى يرخي رباطه ويفتح ياقة قميصه وينظر إلى الشمس. خلفه في البعد تسمع همهمة مركبة أخرى تقترب يستدير ينظر إلى الغرب. هذه المركبة شاحنة ضخمة عابرة للقارة تزمجر وهي تقترب منه بسرعة كبيرة برد فعل سريع يبتعد وتختفي صوتها عن الشارع إلى جانبه الترابي في حين تقصف الشاحنة مبتعدة عنه المختفي يحل محله صوت جديد إنه صوت فرقعة سيارة قديمة رخيصة .
ينظر ثورنهيل باتجاه الصوت القادم، يرى السيارة تقترب من الشارع عند الطريق القذر المتقاطع. عندما تصل السيارة إلى الشارع الخارجي تتوقف خلف المقود امرأة متوسطة العمر معها رجل لا يمكن وصفه في حوالي الخمسين. يمكن بالتأكيد أن يكون مزارعاً يخرج من السيارة تعود السيارة مستديرة من حيث أنت ثورنهيل يراقب الرجل ويتخذ موقعاً مقابلاً له عبر الشارع. ينظر الرجل إلى ثورنهيل بلا اهتمام واضح، ثم ينظر بعيداً باتجاه الشرق كما لو كان ينتظر شيئاً ما ..
ٹورنهيل يبحلق في الرجل متعجباً فيما إذا كان هو جورج كابلان .
ينظر الرجل بتمحص عبر الشارع إلى ثورنهيل ووجهه خال من كل تعبير.
يمسح ثورنهيل وجهه بمنديله بدون أن يرفع عينيه عن الرجل عبر الشارع. صوت ضعيف لطيارة تقترب أخذ يتصاعد تدريجياً فوق المشهد . عند ازدياد شدة الصوت ينظر ثورنهيل إلى الأعلى وإلى يساره فيرى طيارة بمحركين تطير على ارتفاع منخفض قادمة من الشمال الغربي يراقبها باهتمام متزايد وهي تتجه إلى البقعة التي يقف فيها هو والرجل الغريب وجها لوجه عبر الشارع وفجأة تكون فوقهما على ارتفاع مائة قدم من الأرض ثم ترتفع مثل طير ضخم وثورنهيل يستدير مع خط سيرها ترتفع فوقهما وتستمر يمعن ثورنهيل النظر خلف الطائرة، وظهره إلى الشارع بعد أن ابتعدت الطائرة بضع مئات من الباردات عن الشارع تفقد ارتفاعها توازي الأرض على ارتفاع بضعة أقدام ثم تبدأ بالطيران مهتزة يميناً وشمالاً في خطوط موازية للشارع تاركة وراءها خطاً . من الغبار من تحت مؤخرتها وهي تمضي أي فلاح كان سيتعرف على العملية باعتبارها نثر للغلة.
ثورنهيل ينظر عبر الشارع فيرى أن الغريب ينظر إلى الطائرة باهتمام فاتر. تنهيا شفتا ثورنهيل بحزم يعبر الشارع ويتجه إلى الرجل.
ثور نهيل - يوم حار الرجل - رأيت أفظع منه .
ثورنهيل - هل أنت ... أو ... بالصدفة يفترض أن تقابل احداً هنا؟ الرجل لا يزال ينظر للطائرة انتظر الباص سيصل في أية دقيقة. ثورنهيل : أوه . الرجل (بفتور) : بعض نائري الغلال من الطيارين يصبح ثرياً إذا ما عاش بما فيه الكفاية .
ثورنهيل - إذاً فإن اسمك ليس كابلان . الرجل - ينظر) (إليه لا يمكن أن أقول إنه كذلك، فإنه ليس كذلك ينظر إلى أول الشارع حسناً - ها هي قادمة مضبوطة تماماً. ثورنهيل - ينظر شرقاً يرى باص الكريهاوند يقترب .
يتطلع الرجل إلى الطائرة ثانية ثم يقطب حاجبيه .
الرجل - غريب . ثورنهيل - ماذا؟
الرجل - إن الطائرة تنثر الغلة حيث لا يوجد محصول
ثورنهيل ينظر إلى الطائرة المولولة بشك متزايد بينما يخطو الرجل إلى الشارع ملوحاً للباص فيقف. يستدير ثورنهيل إلى الغريب كما لو أنه يريد أن يقول له شيئاً إلا أنه قد فات الأوان؛ لقد ركب الرجل الباص والأبواب تنغلق ويبتعد الباص. ثورنهيل وحده ثانية .
بعد ذلك مباشرة يسمع ماكنة الطائرة وقد اطلقت بسرعة أكبر ينظر بحدة فيرى الطائرة مبتعدة عن طريقها الموازي ومتجهة نحوه مباشرة. يقف هناك مفتوح العينين راسخاً في البقعة ذاتها. تمضي الطائرة صاخبة على ارتفاع بضعة أقدام من الأرض هنالك رجلان في مكان الجلوس يلبسان النظارات ولا تعرف ملامحهما إنهما يبدوان بصورة مخيفة. يصرخ إليهما إلا أن صوته يضيع في ضوضاء الطائرة خلال دقيقة ستكون فوقه وتقطع رأسه. يقع أرضاً بيأس ويضغط بجسمه منبطحاً بينما تمر الطائرة فوقه بصوت عظيم تكاد تمشط شعره بعجلتها الهابطة.
يقف ثورنهيل على عجل فيرى الطائرة تستدير وتعود. ينظر حوله بفزع يرى عمود هاتف فيهجم باتجاهه والطائرة تقترب منه ثانية. يختفي خلف العمود. تتجه الطائرة إليه مباشرة ثم تميل إلى اليمين في آخر لحظة. نسمع طلقات حادة لمسدس طلقتان تمتزجان مع صوت الماكنة وتصطدمان بعمود الكهرباء فوق رأس ثورنهيل مباشرة .
يرتد فعل ثورنهيل لهذا الخطر الداهم الجديد يرى الطائرة تميل وتستدير وتعود إليه. سيارة تقترب من الغرب. يهجم ثورنهيل إلى الشارع ويحاول إيقاف السيارة إلا أن السائق يتجاهله ويبتعد تاركاً ثورنهيل مكشوفاً ومعرضاً للخطر بينهما تنقض الطائرة عليه سلسلة الطلقات ونراها مزمجرة. يلقي بنفسه في حفرة ويتدحرج في حين تسمع من تضرب الأرض التي كان عليها قبل ثوان.
ينخفض على قدميه وينظر حوله فيرى حقل ذرة على بعد خمسين يارداً من الشارع يلمح الطائرة وهي تستدير فيقرر أن يهرع إلى غطاء الذرة العالي. نصور من طائرة عمودية على ارتفاع مائة قدم من الأرض فنرى ثورنهيل يركض نحو حقل الحنطة والطائرة تلاحقه.
التصوير من داخل حقل الذرة. نرى ثورنهيل يقدم مصطدماً بالأرض متدحرجاً إلى اليمين ثم ينبطح بلا حراك في حين نرى الطائرة تمر فوقه مع رشقة من الطلقات ويمزق الرصاص الذرة على مسافة امينة من ثورنهيل يرفع رأسه بحذر يشهق طلباً للهواء وهو يرى الطائرة تبتعد وتدور.
التصوير من الطائرة العمودية نرى الطائرة تستقيم وتبدأ بالتحليق فوق حقل الذرة الذي لا يكشف عن ثورنهيل تطوف فوق رؤوس سيقان الذرة، ولكنها لا تطلق النار الآن. بدلا من ذلك تقوم الطائرة بنفث غيوم كثيفة من الغبار السام الذي يترسب فوق الذرة.
في حقل الذرة - ثور هيل - لا يزال منبطحا ويبدأ بالشهق والاختناق بسبب الغبار السام الذي بدأ يحيط به تنهمر الدموع من عينيه إلا انه لا يجرؤ على الحركة وهو برى الطائرة قادمة فوق الحقل مرة أخرى عندما تمر الطائرة وتلامسه غيمة أخرى من الغبار يقفز على قدميه ويهرع خارج الحقل في العراء نصف أعمى وهو محتق الأنفاس. يرى إلى اليمين في أعلى الشارع شاحنة نفط ديزل ضخمة تقترب يركض نحو الشارع ليقف في طريقها . التصوير من طائرة عمودية - نرى ثورنهيل يهرع إلى الشارع تستعد الطائرة لهجمة أخرى عليه وشاحنة الديزل تقترب مسرعة . التصوير عبر الشارع - نرى ثورنهيل راكضاً ومتعثراً نحو تهبط خلفه بينما تقترب الشاحنة من اليسار يهرع إلى منتصف الشارع ويلوح بذراعيه بذعر. آلة التصوير والطائرة
ترعد شاحنة الديزل فوق الشارع باتجاه ثورنهيل ومزمارها ينفجر بانفعال. تسرع الطائرة بلا هوادة نحو ثورنهيل من الحقل وبجوار الشارع.
يقف ثورنهيل وحيداً عاجزاً في منتصف الشارع ملوحاً بذراعيه. تقترب الطائرة. تكاد الشاحنة تدهسه لا شيء يمكن أن يقوم به. لقد لحقت به الطائرة والشاحنة لن تتوقف. يجب أن تتوقف يلقي بنفسه على الرصيف أمام طريقها تماماً. هنالك صرخة توقف ودعك عجلات وزمجرة ماكنة الطائرة ثم صوت فرقعة عند وقوف الشاحنة على بعد بضع عقد من جسم ثورنهيل في اللحظة التي تجد الطائرة نفسها مرغمة وغير قادرة على الخلاص بسبب هذا التوقف المفاجىء فتصطدم بشاحنة النفط وينفجر النفط والطائرة ويتحولان إلى لسان عظيم من اللهب.
في اللحظات القليلة التالية كل شيء في فوضى ثورنهيل يتدحرج سليما من تحت عجلات شاحنة الديزل يخرج السائقان من مقاعدهما الأمامية ويستلقيان على الشارع. تتصاعد سحب الدخان من مكان جنازة الطائرة ومحرقة ركابها. نتعرف على الجسم المشتعل لاحد الرجلين في الطائرة إنه ليشت أحد مختطفي ثورنهيل الأصليين. هنالك سيارة (بيكاب) مكشوفة تقف فيها ثلاجة قديمة تقترب من ناحية الشرق، تقترب من جانب الطريق السائق المزارع يقفز ويسرع باتجاه الحطام .
المزارع - ماذا حدث؟ ماذا حدث؟
سائقا الشاحنة لا يجيبان .لذهولهما اللهب والدخان يبعدهما إلى الخلف. ثورنهيل، لا يلاحظه أحد، يتسلل إلى البيكاب الخالي تقترب سيارة أخرى من الغرب تتوقف ويسرع سائقها إلى الرجال الآخرين الجميع يبحلق مسمراً في الحطام. فجأة يسمعون فيذعر خلفهم صوت محرك البيكاب وهو يدور المزارع الذي يمتلك السيارة يستدير لمشاهدة سيارته تبتعد مع هذا الغريب.
تعليق