عيني (بدر دين)
Al-Ayni (Bader ed Din-) - Al-Ayni (Bader ed Dine-)
العيني (بدر الدين ـ)
(762 ـ 855هـ/1361ـ 1451م)
بدر الدين أبو محمد محمود بن أحمد بن موسى بن أحمد بن الحسين ابن يوسف بن محمود الحلبي الأصل العَينتابي المولد والمنشأ، ثمَّ القاهري، المعروف بالبدر العيني.
ولد في عَيْنتاب (بين حلب وأنطاكية، وكانت تُعْرَفُ بدُلوك)، وبها نشأ وترعرع وبدأ الاشتغال بالعلوم، وتفقه على والده الذي كان قاضياً في عينتاب، وقرأ على عدد من شيوخ العلم في بلده، منهم ميكائيل بن حسين بن إسرائيل التركماني الحنفي نزيل عَيْنتاب، وناب عن والده في القضاء مدَّة، ارتحل بعد ذلك في البلاد لطلب العلوم، فدخل حلب سنة 783هـ، وأخذ عن أجلَّة شيوخها، ثم دمشق والقدس وغيرهما، وحضر عند أكابر العلماء، ثم عاد إلى بلده، وفي سنة 788هـ دخل الحجاز، وزار القدس، فلقي فيها علاء الدين علي بن أحمد بن محمد السيرامي، فاتَّصل به وصحِبَه إلى مصر، وسكن المدرسة البرقوقية الكبرى ملازماً له، وتلقى عن غيرِه من أعيان مصر وعلمائها، ومنهم الحافظ زين الدين عبد الرحيم العراقي، ومن مشايخه سراج الدين البلقيني، والحافظ نور الدين علي الهيثمي، وشرف الدين بن الكويك، والمحدث زين الدين تغري برمش بن يوسف التركماني المعروف بالفقيه، وقاضي القضاة النجم بن الكشك، والشيخ فتح الدين محمد بن أحمد العسقلاني المقرئ، وغيرهم ممن ذكرهم في معجمه وفي تواريخه عند تراجم مشايخه، اشتغل بعد ذلك بالتدريس، وتتلمذ على يديه عددٌ كبيرٌ جداً من طلاب العلم، لطول مدارسته العلم، ولأنه من المعمَّرين. داوم على إقراء الحديث في المؤيدية وحدها ما يقارب أربعين سنة، خلا ما له من الدروس في بقية مدارس القاهـرة. ولأنه لطيف العشرة متواضع، اشْتُهِرَ اسْمُهُ وبَعُد صيته، ومن أشهر تلامذته كمال الدين بن الهمام والحافظ ابن قطلوبغا والحافظ شمس الدين السخاوي والحافظ ابن زريق محدث الديار الشامية وقاضي القضاة عز الدين الكناني الحنبلي وأبو المحاسن ابن تَغْري بَرْدي المؤرِّخ المعروف، وغيرهم من كبار العلماء في عصره، قال ابن تغري برْدي عنه: «كان بارعاً في عدِّة علوم مفتياً، كثير الاطلاع، واسع الباع، في المعقول والمنقول، لا يستنقصه إِلا متغرِّض، قلَّ أنْ يذكر علم إلا وله فيه مشاركة جيدة، ومصنَّفاته كثيرة الفوائد، ولكلامه طلاوة، وكان جيد الخط، سريع الكتابة» تمكَّن في الحديث وعلومه، والفقه وأصوله، والتاريخ، وكان في العربية مقدَّماً، كثير الاستعمال لها، واسع الاطلاع بمذاهب سلف الأمة، وآراء الأئمة مشاهـيرها وشواذها، مشاركاً في مختلف الفنون، تشهد لذلك كتبه التي دبَّجها، وكان فيه بعض التعصُّب لمذهبه الحنفي، وله نظم كثير، وهو من قبِيْل شعر الفقهاء، فيه ما يُقْبَلُ وما لا يُقْبَلُ، وقد وصفه مترْجموه بالإمامة وسَعَة العلم والبراعة.
تولى البدر العيني حِسْبَةَ القاهرة مرات، أولها في سنة 801هـ، وولي في عهد الملك المؤيد شيخ نظر الأَحباس ـ وهو يوازي وزارة الأوقاف في هذا العصر ـ وولي تداريس ووظائف دينية عدَّة، منها تدريس الحديث بالمؤيدية. وتولَّى قضاء القضاة في سنة 829هـ قال السخاوي: «ولم يجتمع القضاء والحسبة ونظر الأحباس في أحدٍ قبله فيما أظن».
امتاز بكثرة التصنيف، وسعة العلم، وجودة البحث، وحسن التأليف، فلا يقاربه أحد من أهـل عصره في كثرة المصنفات، إلا أن يكون الحافظ ابن حَجَر، وقد تنوعت مؤلفاته، فترك كتباً في الحديث والفقه والتاريخ والعربية وغيرها، وهي تشهد له بالبراعة وغزارة العلم. ومن أجلِّ مُصنفاته «عمدة القاري في شرح الجامع الصحيح للبخاري» وهو من أوسع شروح صحيح الإمام البخاري، وأجمعها للفوائد، يلي كتاب «فتح الباري» لابن حجر في الأهمية، ينتهج منهجَ إتمام سياق الحديث؛ إذ اختصر البخاري، ثم يشرح الحديث من جميع مناحيه، فيذكر اختلاف رواة الكتاب إذا كان هناك اختلاف، ويوفي الكلام حقَّه في الرجال وضبط الأسماء والأنساب، ويبيّن اللغات والإعراب، ويتعرض لوجوه البلاغة، ويتوسع في طرائق استنباط الأحكام من الحديث، وهو لاينسى أن يذكر لطائف الإسناد من علو ونزول ومدني وشامي ونحوها، ويبسط في المسائل الخلافية تخريج الأحاديث المتعلقة بها على مذاهب فقهاء الأمصار بسطاً وافياً، ويقارن بين الأدلة، ويحاكم بينها، ويسرد تحت عنوان الأسئلة والأجوبة مواضع الأخذ والرد من فقه الحديث، وينتقي من شروح مَنْ تقدَّمَهُ مواطن العلم والفوائد، ولا يطيل بتخريج طرق الحديث عن كتب المستخرجات والأطراف المختصة بذلك إلا ما يحتاج إليه في شرح الكتاب، أو ما يفيد ترجيح لفظٍ على لفظٍ في الروايات، وقيل إنه كان يطلع على شرح ابن حجر «فتح الباري» جزءاً فجزءاً بوساطة أحد تلامذته، وينتقده في مواطن انتقاده، على توافقٍ بين الشرحين في النقول في بعض المواضع، حتى قيل إن العيني أخذ من ابن حجر بعض ذلك، وقد ابتدأ العيني في شرحه سنة 821هـ، وأتمه سنة 847هـ بعد فراغ ابن حجر من شرحه بخمس سنوات، وكلاهما شرح حافل، ومن كتبه «نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار» للإمام أبي جعفر الطحاوي في عشرة مجلدات، أوسع ما أُلِّف في أحاديث الأحكام، لايستغني عنه فريق من الفقهاء، و«مغاني الأخيار في رجال معاني الآثار» في مجلدين، رتَّبه على الطبقات من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين، وفي كتابه ما ليس في الكتب الستة من الرواة، و«البناية في شرح الهداية: هداية المهتدي شرح بداية المبتدي للمرغيناني» في الفقه الحنفي، شرحه في عشرة مجلدات، وتوسَّع فيه جداً في تخريج أحاديث الأحكام وبيان مذاهب علماء الأمصار، و«عقد الجمان في تاريخ الزمان» وهو تاريخ كبير، في خمسة وعشرين مجلداً، انتهى فيه إلى سنة 850هـ، و«شرح سنن أبي داود السجستاني» في مجلدين توسع فيهما في أحاديث الأحكام وتراجم رجالها، وهو من أمتع الشروح، ولم يتم، ومنها «المقاصد النحوية في شرح شواهد شروح الألفية» ويُعرف بالشواهد الكبرى، في مجلدين، و«فرائد القلائد» مختصر شرح شواهد الألفية، ويُعْرَفُ بالشواهد الصُّغرى، في مجلد.
ومن كتبه أيضاً: «كشف اللثام عن سيرة ابن هشام» ولم يتم، و«الدرر الزاهرة في شرح البحار الزاخرة» في المذاهب الأربعة، في مجلدين، «غرر الأفكار في شرح درر البحار للفتوى» في المذاهب الأربعة أيضاً، «رمز الحقائق في شرح كنز الدقائق» في فروع الفقه الحنفي، «العلم الهيب في شرح الكلم الطيب» لابن تيمية، «الحواشي على كل من: تفسير الكشاف، وتفسير أبي الليث السمرقندي، وتفسير البغوي»، «شرح لامية ابن الحاجب» في العروض، وجمع «مُعْجَم شيوخه» في مجلد، وغير ذلك.
بنى بدر الدين العيني في آخر حياته مدرسة إلى جانب الجامع الأزهر، انصرف فيها إلى التأليف والتدريس، ولازمها إلى أن توفي وهو ابن ثلاث وتسعين سنة، وصُلِي عليه بالجامع الأزهر، ودفن بمدرسته.
بديع السيد اللحام
Al-Ayni (Bader ed Din-) - Al-Ayni (Bader ed Dine-)
العيني (بدر الدين ـ)
(762 ـ 855هـ/1361ـ 1451م)
بدر الدين أبو محمد محمود بن أحمد بن موسى بن أحمد بن الحسين ابن يوسف بن محمود الحلبي الأصل العَينتابي المولد والمنشأ، ثمَّ القاهري، المعروف بالبدر العيني.
ولد في عَيْنتاب (بين حلب وأنطاكية، وكانت تُعْرَفُ بدُلوك)، وبها نشأ وترعرع وبدأ الاشتغال بالعلوم، وتفقه على والده الذي كان قاضياً في عينتاب، وقرأ على عدد من شيوخ العلم في بلده، منهم ميكائيل بن حسين بن إسرائيل التركماني الحنفي نزيل عَيْنتاب، وناب عن والده في القضاء مدَّة، ارتحل بعد ذلك في البلاد لطلب العلوم، فدخل حلب سنة 783هـ، وأخذ عن أجلَّة شيوخها، ثم دمشق والقدس وغيرهما، وحضر عند أكابر العلماء، ثم عاد إلى بلده، وفي سنة 788هـ دخل الحجاز، وزار القدس، فلقي فيها علاء الدين علي بن أحمد بن محمد السيرامي، فاتَّصل به وصحِبَه إلى مصر، وسكن المدرسة البرقوقية الكبرى ملازماً له، وتلقى عن غيرِه من أعيان مصر وعلمائها، ومنهم الحافظ زين الدين عبد الرحيم العراقي، ومن مشايخه سراج الدين البلقيني، والحافظ نور الدين علي الهيثمي، وشرف الدين بن الكويك، والمحدث زين الدين تغري برمش بن يوسف التركماني المعروف بالفقيه، وقاضي القضاة النجم بن الكشك، والشيخ فتح الدين محمد بن أحمد العسقلاني المقرئ، وغيرهم ممن ذكرهم في معجمه وفي تواريخه عند تراجم مشايخه، اشتغل بعد ذلك بالتدريس، وتتلمذ على يديه عددٌ كبيرٌ جداً من طلاب العلم، لطول مدارسته العلم، ولأنه من المعمَّرين. داوم على إقراء الحديث في المؤيدية وحدها ما يقارب أربعين سنة، خلا ما له من الدروس في بقية مدارس القاهـرة. ولأنه لطيف العشرة متواضع، اشْتُهِرَ اسْمُهُ وبَعُد صيته، ومن أشهر تلامذته كمال الدين بن الهمام والحافظ ابن قطلوبغا والحافظ شمس الدين السخاوي والحافظ ابن زريق محدث الديار الشامية وقاضي القضاة عز الدين الكناني الحنبلي وأبو المحاسن ابن تَغْري بَرْدي المؤرِّخ المعروف، وغيرهم من كبار العلماء في عصره، قال ابن تغري برْدي عنه: «كان بارعاً في عدِّة علوم مفتياً، كثير الاطلاع، واسع الباع، في المعقول والمنقول، لا يستنقصه إِلا متغرِّض، قلَّ أنْ يذكر علم إلا وله فيه مشاركة جيدة، ومصنَّفاته كثيرة الفوائد، ولكلامه طلاوة، وكان جيد الخط، سريع الكتابة» تمكَّن في الحديث وعلومه، والفقه وأصوله، والتاريخ، وكان في العربية مقدَّماً، كثير الاستعمال لها، واسع الاطلاع بمذاهب سلف الأمة، وآراء الأئمة مشاهـيرها وشواذها، مشاركاً في مختلف الفنون، تشهد لذلك كتبه التي دبَّجها، وكان فيه بعض التعصُّب لمذهبه الحنفي، وله نظم كثير، وهو من قبِيْل شعر الفقهاء، فيه ما يُقْبَلُ وما لا يُقْبَلُ، وقد وصفه مترْجموه بالإمامة وسَعَة العلم والبراعة.
تولى البدر العيني حِسْبَةَ القاهرة مرات، أولها في سنة 801هـ، وولي في عهد الملك المؤيد شيخ نظر الأَحباس ـ وهو يوازي وزارة الأوقاف في هذا العصر ـ وولي تداريس ووظائف دينية عدَّة، منها تدريس الحديث بالمؤيدية. وتولَّى قضاء القضاة في سنة 829هـ قال السخاوي: «ولم يجتمع القضاء والحسبة ونظر الأحباس في أحدٍ قبله فيما أظن».
امتاز بكثرة التصنيف، وسعة العلم، وجودة البحث، وحسن التأليف، فلا يقاربه أحد من أهـل عصره في كثرة المصنفات، إلا أن يكون الحافظ ابن حَجَر، وقد تنوعت مؤلفاته، فترك كتباً في الحديث والفقه والتاريخ والعربية وغيرها، وهي تشهد له بالبراعة وغزارة العلم. ومن أجلِّ مُصنفاته «عمدة القاري في شرح الجامع الصحيح للبخاري» وهو من أوسع شروح صحيح الإمام البخاري، وأجمعها للفوائد، يلي كتاب «فتح الباري» لابن حجر في الأهمية، ينتهج منهجَ إتمام سياق الحديث؛ إذ اختصر البخاري، ثم يشرح الحديث من جميع مناحيه، فيذكر اختلاف رواة الكتاب إذا كان هناك اختلاف، ويوفي الكلام حقَّه في الرجال وضبط الأسماء والأنساب، ويبيّن اللغات والإعراب، ويتعرض لوجوه البلاغة، ويتوسع في طرائق استنباط الأحكام من الحديث، وهو لاينسى أن يذكر لطائف الإسناد من علو ونزول ومدني وشامي ونحوها، ويبسط في المسائل الخلافية تخريج الأحاديث المتعلقة بها على مذاهب فقهاء الأمصار بسطاً وافياً، ويقارن بين الأدلة، ويحاكم بينها، ويسرد تحت عنوان الأسئلة والأجوبة مواضع الأخذ والرد من فقه الحديث، وينتقي من شروح مَنْ تقدَّمَهُ مواطن العلم والفوائد، ولا يطيل بتخريج طرق الحديث عن كتب المستخرجات والأطراف المختصة بذلك إلا ما يحتاج إليه في شرح الكتاب، أو ما يفيد ترجيح لفظٍ على لفظٍ في الروايات، وقيل إنه كان يطلع على شرح ابن حجر «فتح الباري» جزءاً فجزءاً بوساطة أحد تلامذته، وينتقده في مواطن انتقاده، على توافقٍ بين الشرحين في النقول في بعض المواضع، حتى قيل إن العيني أخذ من ابن حجر بعض ذلك، وقد ابتدأ العيني في شرحه سنة 821هـ، وأتمه سنة 847هـ بعد فراغ ابن حجر من شرحه بخمس سنوات، وكلاهما شرح حافل، ومن كتبه «نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار» للإمام أبي جعفر الطحاوي في عشرة مجلدات، أوسع ما أُلِّف في أحاديث الأحكام، لايستغني عنه فريق من الفقهاء، و«مغاني الأخيار في رجال معاني الآثار» في مجلدين، رتَّبه على الطبقات من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين، وفي كتابه ما ليس في الكتب الستة من الرواة، و«البناية في شرح الهداية: هداية المهتدي شرح بداية المبتدي للمرغيناني» في الفقه الحنفي، شرحه في عشرة مجلدات، وتوسَّع فيه جداً في تخريج أحاديث الأحكام وبيان مذاهب علماء الأمصار، و«عقد الجمان في تاريخ الزمان» وهو تاريخ كبير، في خمسة وعشرين مجلداً، انتهى فيه إلى سنة 850هـ، و«شرح سنن أبي داود السجستاني» في مجلدين توسع فيهما في أحاديث الأحكام وتراجم رجالها، وهو من أمتع الشروح، ولم يتم، ومنها «المقاصد النحوية في شرح شواهد شروح الألفية» ويُعرف بالشواهد الكبرى، في مجلدين، و«فرائد القلائد» مختصر شرح شواهد الألفية، ويُعْرَفُ بالشواهد الصُّغرى، في مجلد.
ومن كتبه أيضاً: «كشف اللثام عن سيرة ابن هشام» ولم يتم، و«الدرر الزاهرة في شرح البحار الزاخرة» في المذاهب الأربعة، في مجلدين، «غرر الأفكار في شرح درر البحار للفتوى» في المذاهب الأربعة أيضاً، «رمز الحقائق في شرح كنز الدقائق» في فروع الفقه الحنفي، «العلم الهيب في شرح الكلم الطيب» لابن تيمية، «الحواشي على كل من: تفسير الكشاف، وتفسير أبي الليث السمرقندي، وتفسير البغوي»، «شرح لامية ابن الحاجب» في العروض، وجمع «مُعْجَم شيوخه» في مجلد، وغير ذلك.
بنى بدر الدين العيني في آخر حياته مدرسة إلى جانب الجامع الأزهر، انصرف فيها إلى التأليف والتدريس، ولازمها إلى أن توفي وهو ابن ثلاث وتسعين سنة، وصُلِي عليه بالجامع الأزهر، ودفن بمدرسته.
بديع السيد اللحام