عنايه مشدده
Intensive care - Soins intensifs
العناية المشددة
لم يعد ممكناً لطبيب، في مجال عناية المرضى الحرجين، أن يقدم العناية الناجعة بمفرده، فالمريض الذي ألمَّ به مرض هدد حياته، كما في حالات القصور التنفسي الحاد أو القصور القلبي أو السبات العميق أو ما شابه ذلك، يحتاج لمعالج يتحكم بتنفسه وبمقدار ما يتناوله من سوائل وأغذية، ويراقبه دوماً حتى يشفى. يتطلب مثل هذا الواجب الطبي إلى ما يسمى اليوم جهاز العناية المشددة أو العناية المركزة intensive care. ويعد مختبراً فيزيولوجياً بشرياً تتوافر فيه كل الوسائل لتحقيق الأهداف العلاجية كاملة.
ترجع فكرة «العناية المشددة» إلى الزمن الذي تطورت فيها علوم الفيزيولوجية البشرية مما أدى إلى فهم حقيقي لفيزيولوجية الجسم البشري، ومعرفة أوضح لظاهرة الموت ومراحله. فأدى فهم وظيفة الأكسجة إلى القول إن ظاهرة الحياة ما هي إلا عملية كيميائية مؤكسدة كما قال الكيميائي الفرنسي أنطوان لوران لافوازييه (1743ـ 1794): «ما التنفس إلا عملية احتراق، بطيء جداً في الحقيقة، لكنه مثل احتراق الفحم تماماً». كان التركيز على إنشاق أكسجين الهواء والدعم التنفسي أمراً مألوفاًً في الإنعاش لدى الناس عامة حتى في التاريخ الطبي العربي الإسلامي؛ فقد وردت قصة إنعاش صالح بن بهلة لابن عم الخليفة الرشيد بنفخه هواءً في فم المريض ومنخريه بمنفاخ. وقد ذكر مثل ذلك أيضاً في تعليمات جمعية إنعاش الغرقى عام 1769 والجمعية الملكية الإنسانية عام 1776 في أوربا.
وعندما دخلت المرخيات العضلية relaxantsالمستعملة في الممارسة الطبية في التخدير أصبحت وسائل التحكم بالتنفس من أساسيات علم التخدير. وأسهمت هذه الوسائل عام 1952 بإنقاذ المرضى، فحينما أصاب وباء شلل الأطفال عدداً من سكان كوبنهاغن، ترك الكثير منهم مشلولي التنفس، مما استدعى التحكم بتنفسهم بالطرق الصنعية اليدوية. وقام طلبة الطب بتهوية المرضى، بعد تنبيب الرغامى، بإجراء ضغط بقبضات أيديهم على أكياس مقواة لا تنخمص مملوءة بالأكسجين والهواء ذات صمام زفيري يسمح لهواء الزفير بالمرور للجو الخارجي. ودامت تهوية الناجين من الهجمة المرضية بوساطة «الرئات الحديدية»، وهي صناديق تحيط بصدر المريض وبطنه بإحكام، بإحداث ضغط سالب مما يساعد على مرور الهواء من الجو إلى الرئتين، ثم يقطع ذلك الضغط الأمر الذي يسمح للهواء الخروج من الرئتين إلى الجو مرة أخرى، وبذا تستكمل حركة الشهيق والزفير المفقودتين.
وفي ستينيات القرن الماضي، حدث تطور مهم آخر حينما انتبه الأطباء إلى أن هناك نسبة ممن يصابون بالجلطة القلبية blood clot يمكن إنقاذهم من الموت إذا ما لوحظ اضطراب نظمrhythm قلوبهم وعولج من فوره مما استدعى إنشاء وحدات العناية المشددة القلبية، وفيها يوضع هؤلاء المرضى تحت المراقبة الدائمة مدة تمتد من 24 ساعة إلى 72 بعد الإصابة بالجلطة لرصد اضطرابات النظم المميتة ومعالجتها مباشرة. وكان لنجاعة هذه الوحدات أن امتد استعمالها إلى صنوف مختلف الاختصاصات التي تزيد على عشرين اختصاصاً.
وصف وحدة العناية المشددة
تتميز الوحدة بتركيز الجهود في مكان واحد من المستشفى، وفيه تجري العناية بالمرضى المتوقع شفاؤهم وتتطلب حالاتهم المرضية تقانات خاصة مثل التهوية الصناعية أو مراقبة الجهاز الدوراني، مما يستدعي وجود مهارات متخصصة قد تمتد وراء ذلك للقيام بعلاج عن طريق الصدمةshock الدورانية، أو تصفية الدم من الشوائب بجهاز الكلية الاصطناعية artificial kidney. وقد رصد في الماضي أن استعمال وحدات الرعاية المشددة يقلل من احتمال حدوث وفاة المرضى الحرجين إلى نحو 60%.
وتتصف وحدات الرعاية المشددة بالصفات الرئيسية الآتية:
ـ مساحة المكان المخصص والأجهزة والأفراد المساندين.
ـ بقاء مستوى العناية نفسه على مدار ساعات النهار والليل. ودوام عمل أجهزة رصد الجهاز الدوراني، والجهاز التنفسي، والجهاز البولي وطرحه، والجهاز العصبي المركزي ومراقبة حال كل منها.
لايمكن توافر هذه التجهيزات في قاعات المستشفى كلها لتكلفتها، ولكن يُنقل إلى الوحدات المخصصة لذلك المرضى المرجو شفاؤهم من الحال الطارئة التي تهدد حياتهم. ومن صنوف المرضى الذين ينتفعون بالعلاج في هذه الوحدات هم:
ـ مرضى الجلطة القلبية الحادة الذين تتطلب حالهم مراقبة مؤشرات الجهاز الدوراني ورصدها.
ـ كل مريض يحتاج إلى التهوية الاصطناعية، ودعم وظائف جهازه الدوراني بالأدوية والسوائل الوريدية، وكل مريض يحتاج إلى التحكم بجهازه البولي وطرحه.
ـ كل مريض مصاب بآفة استقلابية كمرضى السكري الذين لم تحكم السيطرة على نسبة سكر دمهم، أو الذين أخضعوا لعمليات جراحية كبيرة على الجهاز الهضمي أو البطن عامة.
ـ المرضى الذين أصيبوا في حادث أدى إلى أذية خطيرة مثل الأذيات الدماغية والأذيات الصدرية وما شابهها.
ـ ضحايا الكوارث الكبيرة ممن أصيبوا بأذيات متعددة.
مساحة وحدة العناية المشددة وبنيتها
تختلف المتطلبات من اختصاص إلى آخر ويراعى دوماً ترابط بين الحلم والواقع المادي العملي، وأصبح من المعلوم أن كل سرير في وحدة العناية المشددة يحتاج إلى 40 متراً مربعاً، عشرون منها للسرير في الوحدة وعشرون متراً للخدمات المرافقة، وذلك في الوحدات المفتوحة بعضها على بعض، أما في غرفة السرير الواحد فتلزم مساحة 30 متراً مربعاً. تحتاج مثل هذه الأماكن إلى ضوء طبيعي أبيض أو ضوء وردي أبيض. كما تتطلب تبريداً وتدفئة مركزيين، وقد يدعو الأمر وجود وسائل تسلية كالموسيقى والتلفزيون والقراءات التي تناسب احتياج المريض.
التجهيز
تزود وحدة العناية المشددة بالغازات الطبية المركزية مثل الأكسجين والنيتروز المخلوط بالأكسجين، والشفط المركزي. كما تزود بعدد كاف من رفوف مخصصة لأجهزة الرصد وحوامل لمضخات تسريب المحاليل الوريدية والأدوية ومخارج كهرباء تكفي لتشغيل الأجهزة الكهربائية، وتخصيص أماكن لتنظيف الأيدي قبل المساس بالمريض وبعده لتخفيف نقل الأخماج.
المرقاب
تزود وحدة العناية المشددة بمرقاب يرصد معظم الوظائف الحيوية والقياسات المشتقة منها. وكان المعيار الأساس رصد تخطيط نشاط كهربائية القلب E.C.G، وسمة النبض واختلال نظمه ومبلغ تسارعه أو قياس الضغط الشرياني والنتاج القلبي في الدقيقة والضغط الوريدي الوسطي المركزي. ويشتق منها المؤشرات القلبية الأخرى.
التهوية الصنعية
يخصص لكل سرير منفسة خاصة به لاستعمالها على مريض واحد طوال الوقت اللازم لشفائه من دون انقطاع. وتزود وحدات العناية المشددة عادة بمنفسات قادرة على توليد كل أنواع التهوية لتلائم حالات الفشل التي تنتاب الجهاز التنفسي في أثناء المرض الحاد كلها.
اليد العاملة
تعتمد وحدة العناية المشددة على مجموعة تمريضية ومجموعة طبية ومجموعة مساندة.
ويغطى العمل يومياً مستشار يدبر أمر سير العلاج، ويتفقد المرضى في الصباح والمساء، وبرئيسات تمريض وأطباء يعملون في نوبتين أو ثلاث يومياً، وتعمل ممرضة متخصصة لكل مريض على ثلاث نوبات يومياً. وتحتاج الوحدات الحديثة إلى وجود مخبري ومعالج تنفسي على مدار اليوم، كما تحتاج إلى معالج طبيعي ومجموعة من الكتاب والمراسلين وناقلي المرضى والخدم.
التدبير الطبي والمالي
لايمكن إخضاع حياة المريض للكلفة المادية، فاستعادة حياة مريض من مرض مميت في حد ذاته جائزة لاتقدر بثمن. ومن جهة أخرى فتكلفة العناية المشددة بتزايد دائم نظراً لاحتياجها للأدوات المكلفة والمعقدة، ولاستخدام مواد نبوذةdisposables لمنع نقل الأخماج أو الإقلال منها. يضاف إلى تلك الكلفة المادية تكلفة الرواتب والأجور لمجموعة أفراد من ذوي الخبرة والتدريب. إن هذه العوامل كلها تسهم في رفع كلفة السرير في وحدة العناية المشددة، ولذلك تجري مراقبة العلاجات والطرق الباضعة لاحتواء تلك الكلفة حتى لا تتضخم إلى حدود غير معقولة، فيراجع الاستشاري التشخيص والقراءات والعلاجات ويسمح بما هو ضروري على مدار اليوم. ويساعد على مكوث المريض في الوحدة المدة المطلوبة فقط وتقليل فرص المضاعفات من الأخماج أو من مداخلات العلاج.
القضايا المهنية المتعلقة بالإسعاف والعناية المشددة
ـ نقل الخمج: حينما يصاب المريض بمرض مميت تصبح بعض آليات المناعة معطوبة مما يجعله أكثر عرضة لحدوث التهابات إضافية من جراثيم تصله من العاملين الذين يعتنون به أو من زواره. لذلك يجب اتخاذ أقصى درجات الحماية والنظافة والطهارة في أثناء المعالجة، وأن يرصد طراز الإصابة بالجراثيم المعدية لتعالج فوراً بالصادات المناسبة ولمدد تمنع نشوء أجيال جديدة مقاومة من تلك الجراثيم لا تؤثر فيها الصادات المتداولة فتزيد من إمراضية العليل ومدة مكوثه تحت العلاج.
ـ الموت الدماغي: برغم تطور وسائل الإنعاش الحديث فإن بعض المرضى لايمكن استرجاعهم بصورة كاملة. فبعد نجاح المسعفين في استعادة وظائف قلوبهم، يكتشف عند إدخالهم إلى وحدة العناية المشددة أن وظيفة أدمغتهم فقدت كلياً. فيدوم خفقان قلوبهم؛ لأن الأطباء يدعمون الجهاز الدوراني ويستعيضون عن التنفس المفقود بالتهوية الصنعية. تصبح تكلفة علاج مثل هؤلاء المرضى عالية جداً مالياً وعاطفياً. فالمريض ميت حسب اللوائح الطبية والتشريعية الحديثة الواصفه للموت، وتكون الصورة مختلفة لذويه فهم يرون جسم مريضهم على السرير مرتبط بالمنفسة، وآلات الرصد تظهر نبضات القلب ومخطط كهربائية القلب والمؤشرات الأخرى مما يؤدي إلى نشوء آمال كاذبة وتوقعات وهمية. وتحل هذه القضية بسرعة بفحص الجذع والقشرة الدماغيين، يجريه استشاريان، وبيان غياب وظيفة الدماغ والتنفس التلقائي.
حالات كف الإنعاش
لا يجرى الإسعاف القلبي، رحمة بالمريض، في حالات المرض النهائي أو الأمراض المزمنة التي عجز الطب عن شفائها. ولكن يجب أن يخضع الطبيب إلى أولويات كرامة البشر والجسد الآدمي، ففي أغلب المستشفيات لجنة تنظر في جدوى العلاج للحالات الميؤوس من شفائها بحسب رغبات المريض وأسرته بطريقة موضوعية لدعم أو رفض قرار كف الإنعاش.
حالات السبات
تبقى أحجية أخرى، في طب العناية المشددة، وهي من عقابيل الأذيات الدماغية، وبعض الأمراض الخطيرة، وذلك حينما تزول أكثر وظائف الدماغ ويكون المريض معتمداً على المنفسة أو يكون تلقائي التنفس. ويتابع هؤلاء المرضى الحياة بهذه الصورة فلا هم أموات ولا هم أحياء يعون الواقع. ويكون اتخاذ القرار بشأنهم عسيراً، خاصة فيما يتعلق بإعادة جهود الإسعاف في حال توقف قلوبهم من جديد. ويكون صعباً على الأسرة اتخاذ قرارات حول تلك الأمور ويتدخل القضاء في تحديد مصير مثل هؤلاء المرضى.
لايمكن التنبؤ بما ستؤول إليه إمكانات العناية المشددة في المستقبل على ضوء التعامل مع الجينات (المورثات) وتطور الاحتفاظ بالجسم البشري لمدد طويلة في التبريد الشديد، فأحلام البشرية تتحقق من خلال الابتكار والاختراع.
فهل يأت يوم يبدل الأطباء الأجهزة البدنية العاطلة بأخرى جديدة تم استنساخها، وهل يمكن اكتشاف دواء لداء يستعصي علاجه اليوم، وتبريد الجسم واستعادته حينما يكتشف العلاج الناجع؟ الإجابة عن تلك التساؤلات تقبع في قلب المستقبل.
محمد سعيد التكروري
Intensive care - Soins intensifs
العناية المشددة
لم يعد ممكناً لطبيب، في مجال عناية المرضى الحرجين، أن يقدم العناية الناجعة بمفرده، فالمريض الذي ألمَّ به مرض هدد حياته، كما في حالات القصور التنفسي الحاد أو القصور القلبي أو السبات العميق أو ما شابه ذلك، يحتاج لمعالج يتحكم بتنفسه وبمقدار ما يتناوله من سوائل وأغذية، ويراقبه دوماً حتى يشفى. يتطلب مثل هذا الواجب الطبي إلى ما يسمى اليوم جهاز العناية المشددة أو العناية المركزة intensive care. ويعد مختبراً فيزيولوجياً بشرياً تتوافر فيه كل الوسائل لتحقيق الأهداف العلاجية كاملة.
ترجع فكرة «العناية المشددة» إلى الزمن الذي تطورت فيها علوم الفيزيولوجية البشرية مما أدى إلى فهم حقيقي لفيزيولوجية الجسم البشري، ومعرفة أوضح لظاهرة الموت ومراحله. فأدى فهم وظيفة الأكسجة إلى القول إن ظاهرة الحياة ما هي إلا عملية كيميائية مؤكسدة كما قال الكيميائي الفرنسي أنطوان لوران لافوازييه (1743ـ 1794): «ما التنفس إلا عملية احتراق، بطيء جداً في الحقيقة، لكنه مثل احتراق الفحم تماماً». كان التركيز على إنشاق أكسجين الهواء والدعم التنفسي أمراً مألوفاًً في الإنعاش لدى الناس عامة حتى في التاريخ الطبي العربي الإسلامي؛ فقد وردت قصة إنعاش صالح بن بهلة لابن عم الخليفة الرشيد بنفخه هواءً في فم المريض ومنخريه بمنفاخ. وقد ذكر مثل ذلك أيضاً في تعليمات جمعية إنعاش الغرقى عام 1769 والجمعية الملكية الإنسانية عام 1776 في أوربا.
وعندما دخلت المرخيات العضلية relaxantsالمستعملة في الممارسة الطبية في التخدير أصبحت وسائل التحكم بالتنفس من أساسيات علم التخدير. وأسهمت هذه الوسائل عام 1952 بإنقاذ المرضى، فحينما أصاب وباء شلل الأطفال عدداً من سكان كوبنهاغن، ترك الكثير منهم مشلولي التنفس، مما استدعى التحكم بتنفسهم بالطرق الصنعية اليدوية. وقام طلبة الطب بتهوية المرضى، بعد تنبيب الرغامى، بإجراء ضغط بقبضات أيديهم على أكياس مقواة لا تنخمص مملوءة بالأكسجين والهواء ذات صمام زفيري يسمح لهواء الزفير بالمرور للجو الخارجي. ودامت تهوية الناجين من الهجمة المرضية بوساطة «الرئات الحديدية»، وهي صناديق تحيط بصدر المريض وبطنه بإحكام، بإحداث ضغط سالب مما يساعد على مرور الهواء من الجو إلى الرئتين، ثم يقطع ذلك الضغط الأمر الذي يسمح للهواء الخروج من الرئتين إلى الجو مرة أخرى، وبذا تستكمل حركة الشهيق والزفير المفقودتين.
وفي ستينيات القرن الماضي، حدث تطور مهم آخر حينما انتبه الأطباء إلى أن هناك نسبة ممن يصابون بالجلطة القلبية blood clot يمكن إنقاذهم من الموت إذا ما لوحظ اضطراب نظمrhythm قلوبهم وعولج من فوره مما استدعى إنشاء وحدات العناية المشددة القلبية، وفيها يوضع هؤلاء المرضى تحت المراقبة الدائمة مدة تمتد من 24 ساعة إلى 72 بعد الإصابة بالجلطة لرصد اضطرابات النظم المميتة ومعالجتها مباشرة. وكان لنجاعة هذه الوحدات أن امتد استعمالها إلى صنوف مختلف الاختصاصات التي تزيد على عشرين اختصاصاً.
وصف وحدة العناية المشددة
تتميز الوحدة بتركيز الجهود في مكان واحد من المستشفى، وفيه تجري العناية بالمرضى المتوقع شفاؤهم وتتطلب حالاتهم المرضية تقانات خاصة مثل التهوية الصناعية أو مراقبة الجهاز الدوراني، مما يستدعي وجود مهارات متخصصة قد تمتد وراء ذلك للقيام بعلاج عن طريق الصدمةshock الدورانية، أو تصفية الدم من الشوائب بجهاز الكلية الاصطناعية artificial kidney. وقد رصد في الماضي أن استعمال وحدات الرعاية المشددة يقلل من احتمال حدوث وفاة المرضى الحرجين إلى نحو 60%.
وتتصف وحدات الرعاية المشددة بالصفات الرئيسية الآتية:
ـ مساحة المكان المخصص والأجهزة والأفراد المساندين.
ـ بقاء مستوى العناية نفسه على مدار ساعات النهار والليل. ودوام عمل أجهزة رصد الجهاز الدوراني، والجهاز التنفسي، والجهاز البولي وطرحه، والجهاز العصبي المركزي ومراقبة حال كل منها.
لايمكن توافر هذه التجهيزات في قاعات المستشفى كلها لتكلفتها، ولكن يُنقل إلى الوحدات المخصصة لذلك المرضى المرجو شفاؤهم من الحال الطارئة التي تهدد حياتهم. ومن صنوف المرضى الذين ينتفعون بالعلاج في هذه الوحدات هم:
ـ مرضى الجلطة القلبية الحادة الذين تتطلب حالهم مراقبة مؤشرات الجهاز الدوراني ورصدها.
ـ كل مريض يحتاج إلى التهوية الاصطناعية، ودعم وظائف جهازه الدوراني بالأدوية والسوائل الوريدية، وكل مريض يحتاج إلى التحكم بجهازه البولي وطرحه.
ـ كل مريض مصاب بآفة استقلابية كمرضى السكري الذين لم تحكم السيطرة على نسبة سكر دمهم، أو الذين أخضعوا لعمليات جراحية كبيرة على الجهاز الهضمي أو البطن عامة.
ـ المرضى الذين أصيبوا في حادث أدى إلى أذية خطيرة مثل الأذيات الدماغية والأذيات الصدرية وما شابهها.
ـ ضحايا الكوارث الكبيرة ممن أصيبوا بأذيات متعددة.
مساحة وحدة العناية المشددة وبنيتها
تختلف المتطلبات من اختصاص إلى آخر ويراعى دوماً ترابط بين الحلم والواقع المادي العملي، وأصبح من المعلوم أن كل سرير في وحدة العناية المشددة يحتاج إلى 40 متراً مربعاً، عشرون منها للسرير في الوحدة وعشرون متراً للخدمات المرافقة، وذلك في الوحدات المفتوحة بعضها على بعض، أما في غرفة السرير الواحد فتلزم مساحة 30 متراً مربعاً. تحتاج مثل هذه الأماكن إلى ضوء طبيعي أبيض أو ضوء وردي أبيض. كما تتطلب تبريداً وتدفئة مركزيين، وقد يدعو الأمر وجود وسائل تسلية كالموسيقى والتلفزيون والقراءات التي تناسب احتياج المريض.
التجهيز
تزود وحدة العناية المشددة بالغازات الطبية المركزية مثل الأكسجين والنيتروز المخلوط بالأكسجين، والشفط المركزي. كما تزود بعدد كاف من رفوف مخصصة لأجهزة الرصد وحوامل لمضخات تسريب المحاليل الوريدية والأدوية ومخارج كهرباء تكفي لتشغيل الأجهزة الكهربائية، وتخصيص أماكن لتنظيف الأيدي قبل المساس بالمريض وبعده لتخفيف نقل الأخماج.
المرقاب
تزود وحدة العناية المشددة بمرقاب يرصد معظم الوظائف الحيوية والقياسات المشتقة منها. وكان المعيار الأساس رصد تخطيط نشاط كهربائية القلب E.C.G، وسمة النبض واختلال نظمه ومبلغ تسارعه أو قياس الضغط الشرياني والنتاج القلبي في الدقيقة والضغط الوريدي الوسطي المركزي. ويشتق منها المؤشرات القلبية الأخرى.
التهوية الصنعية
يخصص لكل سرير منفسة خاصة به لاستعمالها على مريض واحد طوال الوقت اللازم لشفائه من دون انقطاع. وتزود وحدات العناية المشددة عادة بمنفسات قادرة على توليد كل أنواع التهوية لتلائم حالات الفشل التي تنتاب الجهاز التنفسي في أثناء المرض الحاد كلها.
اليد العاملة
تعتمد وحدة العناية المشددة على مجموعة تمريضية ومجموعة طبية ومجموعة مساندة.
ويغطى العمل يومياً مستشار يدبر أمر سير العلاج، ويتفقد المرضى في الصباح والمساء، وبرئيسات تمريض وأطباء يعملون في نوبتين أو ثلاث يومياً، وتعمل ممرضة متخصصة لكل مريض على ثلاث نوبات يومياً. وتحتاج الوحدات الحديثة إلى وجود مخبري ومعالج تنفسي على مدار اليوم، كما تحتاج إلى معالج طبيعي ومجموعة من الكتاب والمراسلين وناقلي المرضى والخدم.
التدبير الطبي والمالي
لايمكن إخضاع حياة المريض للكلفة المادية، فاستعادة حياة مريض من مرض مميت في حد ذاته جائزة لاتقدر بثمن. ومن جهة أخرى فتكلفة العناية المشددة بتزايد دائم نظراً لاحتياجها للأدوات المكلفة والمعقدة، ولاستخدام مواد نبوذةdisposables لمنع نقل الأخماج أو الإقلال منها. يضاف إلى تلك الكلفة المادية تكلفة الرواتب والأجور لمجموعة أفراد من ذوي الخبرة والتدريب. إن هذه العوامل كلها تسهم في رفع كلفة السرير في وحدة العناية المشددة، ولذلك تجري مراقبة العلاجات والطرق الباضعة لاحتواء تلك الكلفة حتى لا تتضخم إلى حدود غير معقولة، فيراجع الاستشاري التشخيص والقراءات والعلاجات ويسمح بما هو ضروري على مدار اليوم. ويساعد على مكوث المريض في الوحدة المدة المطلوبة فقط وتقليل فرص المضاعفات من الأخماج أو من مداخلات العلاج.
القضايا المهنية المتعلقة بالإسعاف والعناية المشددة
ـ نقل الخمج: حينما يصاب المريض بمرض مميت تصبح بعض آليات المناعة معطوبة مما يجعله أكثر عرضة لحدوث التهابات إضافية من جراثيم تصله من العاملين الذين يعتنون به أو من زواره. لذلك يجب اتخاذ أقصى درجات الحماية والنظافة والطهارة في أثناء المعالجة، وأن يرصد طراز الإصابة بالجراثيم المعدية لتعالج فوراً بالصادات المناسبة ولمدد تمنع نشوء أجيال جديدة مقاومة من تلك الجراثيم لا تؤثر فيها الصادات المتداولة فتزيد من إمراضية العليل ومدة مكوثه تحت العلاج.
ـ الموت الدماغي: برغم تطور وسائل الإنعاش الحديث فإن بعض المرضى لايمكن استرجاعهم بصورة كاملة. فبعد نجاح المسعفين في استعادة وظائف قلوبهم، يكتشف عند إدخالهم إلى وحدة العناية المشددة أن وظيفة أدمغتهم فقدت كلياً. فيدوم خفقان قلوبهم؛ لأن الأطباء يدعمون الجهاز الدوراني ويستعيضون عن التنفس المفقود بالتهوية الصنعية. تصبح تكلفة علاج مثل هؤلاء المرضى عالية جداً مالياً وعاطفياً. فالمريض ميت حسب اللوائح الطبية والتشريعية الحديثة الواصفه للموت، وتكون الصورة مختلفة لذويه فهم يرون جسم مريضهم على السرير مرتبط بالمنفسة، وآلات الرصد تظهر نبضات القلب ومخطط كهربائية القلب والمؤشرات الأخرى مما يؤدي إلى نشوء آمال كاذبة وتوقعات وهمية. وتحل هذه القضية بسرعة بفحص الجذع والقشرة الدماغيين، يجريه استشاريان، وبيان غياب وظيفة الدماغ والتنفس التلقائي.
حالات كف الإنعاش
لا يجرى الإسعاف القلبي، رحمة بالمريض، في حالات المرض النهائي أو الأمراض المزمنة التي عجز الطب عن شفائها. ولكن يجب أن يخضع الطبيب إلى أولويات كرامة البشر والجسد الآدمي، ففي أغلب المستشفيات لجنة تنظر في جدوى العلاج للحالات الميؤوس من شفائها بحسب رغبات المريض وأسرته بطريقة موضوعية لدعم أو رفض قرار كف الإنعاش.
حالات السبات
تبقى أحجية أخرى، في طب العناية المشددة، وهي من عقابيل الأذيات الدماغية، وبعض الأمراض الخطيرة، وذلك حينما تزول أكثر وظائف الدماغ ويكون المريض معتمداً على المنفسة أو يكون تلقائي التنفس. ويتابع هؤلاء المرضى الحياة بهذه الصورة فلا هم أموات ولا هم أحياء يعون الواقع. ويكون اتخاذ القرار بشأنهم عسيراً، خاصة فيما يتعلق بإعادة جهود الإسعاف في حال توقف قلوبهم من جديد. ويكون صعباً على الأسرة اتخاذ قرارات حول تلك الأمور ويتدخل القضاء في تحديد مصير مثل هؤلاء المرضى.
لايمكن التنبؤ بما ستؤول إليه إمكانات العناية المشددة في المستقبل على ضوء التعامل مع الجينات (المورثات) وتطور الاحتفاظ بالجسم البشري لمدد طويلة في التبريد الشديد، فأحلام البشرية تتحقق من خلال الابتكار والاختراع.
فهل يأت يوم يبدل الأطباء الأجهزة البدنية العاطلة بأخرى جديدة تم استنساخها، وهل يمكن اكتشاف دواء لداء يستعصي علاجه اليوم، وتبريد الجسم واستعادته حينما يكتشف العلاج الناجع؟ الإجابة عن تلك التساؤلات تقبع في قلب المستقبل.
محمد سعيد التكروري