عقاب ثواب في تربيه
Punishment and reward in education - Punition et Récompense en éducation
العقاب والثواب في التربية
العقاب والثواب في التربية punishment and reward in education أسلوبان في التحكم بالسلوك عن طريق الألم واللذة، وقد يطلق عليهما أسماء أخرى مثل الترغيب والترهيب، والتعزيز الإيجابي والتعزيز السلبي والعقاب (الإيجابي والسلبي)، والجزاء والقصاص، والعصا والجزرة، وغير ذلك من الأساليب التي تتحكم بالسلوك بالقبول وبالرفض.
ويستخدم هذان الأسلوبان بعد قيام الفرد بسلوك ما، فإذا كان مُرضياً للمعلم أو المربي يتبعه بالثواب وإلا فالعقاب.
وهذا الربط والتناوب بين الأسلوبين شائع في معظم مظاهر الحياة بما فيها التربية الأسرية والتربية المدرسية، وأقل من ذلك في التربية غير المدرسية، أو العَرضية المستخدمة في تعليم الكبار، والتعلم من الحياة.
العقاب والثواب في تاريخ الإنسان:
استخدم الإنسان منذ القديم الثواب والعقاب في تدجين الحيوانات وتطويعها لتوفير غذائه وحاجاته الأخرى، واستخدم أساليب زاجرة لمنع الحيوانات الأليفة من القيام بأعمال لا تخدم أغراضه وحاجاته، كاستخدام العصا والسوط لتدريب الحيوان. كما سيطر الإنسان على سلوك غيره من الناس في عهود الرق والإقطاع، واستخدم في ذلك أسلوب العقاب القسري.
وفي عهود لاحقة خفف الإنسان من اللجوء إلى العقاب أو التهديد به، وزاد الاهتمام بالأساليب الجذابة في التحكم بالسلوك الإنساني والحيواني، وصار العقاب والثواب تقانة علمية في التحكم بالسلوك. واشتهر في هذا الميدان دوروف ومكارنكو Makarenko في الاتحاد السوڤييتي سابقاً، وسكنر[ر] Skinner في الولايات المتحدة الأمريكية الذي استخدم التعزيز وجداوله لهندسة السلوك وتقانته العلمية.
البعد النفسي للثواب والعقاب:
فسّر بعض علماء النفس الثواب والعقاب على الشكل الآتي:
يستخدم الثواب تعزيزاً للسلوك المرغوب فيه، والتعزيز نوعان: الإيجابي وهو يسهم في زيادة احتمال تكرار السلوك المرغوب بعد حدوثه أول مرة، وذلك بتقديم التشجيع والمكافأة بمقدار محدد وفوري. أما التعزيز السلبي فهو الذي يدل الإنسان على ما يجب عليه تجنبه وقلما يدله على ما يجب عليه عمله، أي إنه لا يكافئ السلوك المرغوب فيه، ولكنه يهدد بالعقوبة في حال المخالفة. وكذلك العقاب نوعان: الإيجابي وذلك عندما يقتنع الفرد المعاقب بخطئه ويتقبل عقوبته الفورية بقدر ذلك الخطأ. أما العقاب السلبي فهو يقع عندما لا يفهم الفرد لماذا يعاقب أو عندما يتأخر ذلك العقاب كثيراً أو يكون العقاب ليس بمقدار السلوك المعاقَب.
ويمكن تلخيص هذا التفسير كما في الجدول.
العلاقة بين التعزيز والعقاب ونتائجهما:
ويلاحظ من الجدول أن نتائج المعززين الإيجابي والسلبي دائماً إيجابية وتعلم ونمو، أما نتائج العقابين الإيجابي والسلبي فهي سلبية، وربما يكون للعقاب نتائج انفعالية تجعل الحيوان أو الإنسان يتجنب العمل حتى يتجنب العقاب أو يبقيه.
إن المكافآت أحسن أثراً من العقاب في تحسين التعلم، أما العقاب فهو يضعف التعلم بل يمحوه أحياناً. ولكن بعض أشكال العقاب قد تكون مفيدة في التعلم وخاصة عندما يقتنع المتعلم بها فالتوبيخ مثلاً قد تكون له آثار إيجابية في التعلم.
وهذا الشرح الرياضي يمكن إيضاحه بالمصطلحات الرياضية الأربعة الآتية:
1ـ التعزيز الإيجابي (+ ´ + = +)
2ـ التعزيز السلبي (- ´ - = +)
3ـ العقاب الإيجابي (+ ´ - = -)
4ـ العقاب السلبي (- ´ + = -)
ولكن هذه المصطلحات والاحتمالات لا تستخدم كثيراً لدى علماء النفس والمربين لأن الاحتمالات الأربعة تهوِّن الأمور الحياتية المعقدة، ولا تميز بين عملية التعزيز، والمثير المعزز، كما لاتبين الفرق بين التعزيز الفوري أو المباشر والتعزيز المؤجل، فقد يؤدي التعزيز إلى لذة فورية مباشرة، في الإدمانات على الكحول والتدخين والمخدرات، ولكن آثارها البعيدة أو المؤجلة قد تؤلم الشخص وأسرته ومجتمعه، وتؤدي إلى تدميره وتدمير أسرته، وعندها لا يصلح عمل المعلم أو المربي، ويحتاج المدمن إلى مؤسسات متخصصة في العلاج السلوكي والطبي والاجتماعي للتخلص من هذا الإدمان المدمر.
يطرح سكنر جداول التعزيز لضبط السلوك، ويربط التعزيز الإيجابي (الثواب) بالكرامة، ولذلك فإن إعطاء المعززات المستحقة للإنسان لا بد أن تكون مناسبة لعمله، ومن ثمّ لكرامته. كما يربط بين التعزيز السلبي والحرية أو (التحرر)، أو التخلص، لأن التحرر يعني التخلص من العوائق والصعوبات وإتاحة الفرصة للإنسان للخلاص من المصائب والآلام. ويستخلص سكنر أن الحرية المطلقة، يجب أن تتحول إلى حرية نسبية تتفق مع القيم والمصالح الاجتماعية.
ومازال الجدل قائماً حول ضرورة استخدام العقاب والثواب في التربية أو ترك استخدامهما، لأن الإنسان يجب أن يعمل الخير للخير بذاته، من دون انتظار منافعه أو مضاره، إذ (لا شكر على واجب). ومن الناحية الأخلاقية يجب أن يقوم الإنسان بأعمال الحق والخير والجمال؛ لأنها قيم راقية بذاتها لا ترتبط بالمنافع والملذات الخارجية.
أشكال تطبيق العقاب والثواب في التربية:
شرعت التربية، بعد انتشار علم التعلم، باستخدام تقانات ضبط السلوك بحيث تكون البيئة أكثر راحة وسعادة للمتعلمين، ولذلك زادت من الأساليب الجذابة، وقللت من الأساليب القهرية. فحسّنت المؤسسات التربوية من أساليب الثواب والعقاب، وأصدرت تعليمات في النظام الداخلي المركزي أو المدرسي. وفيها تضع المكافآت والعقوبات، في سلم متدرج بالشدة، ويختلف باختلاف الزمان والمكان والثقافة العامة في المجتمع وظروف البيئة، فقد يستخدم المعلم المكافآت بأشكال عدة منها المعنوية كالتشجيع الشفاهي أو الكتابي أو التكريم والتقدير الرمزي بالأوسمة وغيرها أو تربط المكافآت المعنوية بمكافآت وجوائز مادية وتقديرية من مال وهدايا، وقد يعلن اسم المتعلم المجيد في وسائل الإعلام كاللوحات المدرسية، أو المحلية من صحف وإذاعة وتلفزيون وشبكة إنترنت وفق الإمكانات المتوافرة.
يكثر استخدام الجوائز المادية في التعليم بالروضة، والمرحلة الأولى من التعليم الابتدائي والأساسي، وتتحوَّل إلى جوائز معنوية وشهادات تقدير رقمية، وشارات تكريم ورموز أخرى عدة تستخدم وفق الثقافة والبيئة المحلية وظروف المدرسة. وتتناقص الجوائز والمكافآت المادية والمعنوية مع الارتقاء في السلم التعليمي افتراضاً بأن الانتقال من نجاح إلى نجاح هو بحد ذاته متعة ولذة داخلية، ومن ثمّ تغذية راجعة[ر] إيجابية ينتقل فيها المتعلم المجيد من صعيد إلى صعيد أرقى، وهذا ما يشاهد لدى النابغين والمبدعين وكبار المتخصصين. ولكن إشاعة قيم الشهادة والتضحية قد يكون لها قوة عظيمة التكريم، لأن المضحي أو الشهيد ينال جزاءه ومكافآته بالآخرة، أو بعرض مآثره وصوره بالدنيا، ويذكر اسمه في وسائل الإعلام التي تحترم قيمة التضحية والشهادة، ويكرر تكريمه في المناسبات.
تنظم أشكال العقاب ضمن النظام الداخلي المركزي أو المدرسي، فقد تتدرج من التنبيه والتحذير الشفاهي إلى الكتابي، أو الحسم من علامات السلوك، وأحياناً من درجات الاختبارات الشفاهية أو الكتابية، وقد يتدرج إلى الفصل المؤقت أو الدائم من المدرسة، وهي أقصى العقوبات التي تحرم المتعلم من حقه في التعلم.
وقد يكون العقاب على شكل عمل إصلاحي، فالتوسيخ يعالج بالتنظيف، وكسر الزجاج يعالج بإصلاحه، والكتابة على المقعد أو الجدران يعالج بتنظيفها، أو يعالج بغرامات مادية للتعويض عن التخريب، وتحسين البيئة المدرسية، بأقل تدخل من السلطات العليا. ويستخدم العقاب في آخر الجهود المبذولة أو عند تفاقم الأمور، ولكن العقاب، قد يولّد سلوكاً انفعاليا،ً يقتل المبادرة عند الفرد أو سلوكاً عدوانياً يؤدي إلى الاستمرار في (دائرة الشرّ)، أي إن عدوان الفرد على الآخرين يسبب عنفاً وانتقاماً وثأراً، وإرهاباً لا ينتهي، لأن زيادة أحدهما يؤدي إلى زيادة الآخر.
ويحتاج المعلم الذي يضبط سلوك متعلميه بالحكمة والموعظة الحسنة، وبالأساليب اللطيفة إلى تعديل سلوك المتعلم نحو التعلم والنمو والرقي، أما المتعلم الذي يكره معلمه الظالم، فإنه يسيء إلى نفسه مرغماً، ويحاول الانتقام من المعلم بالذي يراه مناسباً وفق ظروفهما وقد ينقل هذا الكره إلى الرموز التي تقوم مقام المعلمين في المجتمع، كالشرطة ورجال الأمن، ولذلك تحرّم كثير من الدول استخدام العقاب البدني في البيت والمدرسة.
يفضل أن يتابع المعلم نتائج ممارسته للثواب والعقاب لدى كل متعلم فرد، إذ إن بعض التلاميذ قد يجد في عقاب المعلم له لذة ومتعة، لأنه صار «زعيماً» في جماعة الزملاء، أو امتلك حرية في التصرف، أو تصريفاً لطاقته ونشاطه الزائد، أو تأكيداً على أنه كان مظلوماً في عقاب المعلم، ولذلك فإن صفة العدالة ضرورية عند إعطاء الثواب أو العقاب، بحيث لا يكون الثواب رشوة أو دين عليه، أو العقاب ظلماً، وإذا أقنع المعلم تلميذه المعاقب بعدالة العقاب فقد يكون ذلك حافزاً للمتعلم على التفكير بخطئه، والاعتذار عنه، وقبول المعلم له، وهذا يعد ثواباً للمتعلم، وتأكيداً على العدالة في النظام، وطمأنينة من الأهل والمسؤولين المباشرين على التربية والتعليم.
وتحرّم الأنظمة الداخلية للتربية العقوبات الجسدية للمتعلمين، لأن ذلك يسيء إلى كرامتهم، ولكن المعلم قد يجد في استخدام العقوبات الجسدية تحكماً مؤقتاً بسلوك المتعلمين، إذ لايدوم طويلاً لأن المتعلمين المظلومين في العقوبات الجسدية، قد يلجؤون إلى الأهل الذين يلجؤون أنفسهم إلى الإدارة المدرسية أو التربوية أو ربما لسلطات أمنية إذا أدت العقوبة إلى عاهة في جسد المتعلم أو نفسيته، وهذا يؤدي إلى انتقال تطبيق العقوبة على المعلم الذي مارس العقوبات الجسدية خلافاً للنظام الداخلي. وفي الأدب ووسائل الإعلام كثير من الشواهد على بطلان الأساليب المنفرة في ضبط سلوك الإنسان الآخر، بل تهتم بجدوى الأساليب الجذابة، لأن نتائجه بعيدة المدى أفضل من نتائج الأساليب القهرية والقمعية والعقابية.
إرشادات لتطبيق العقاب والثواب في التربية:
يجب على المعلم أن ينظم بيئته المدرسية بحيث يعمل المتعلم ويرى نتيجة عمله فوراً، فالاهتمام بالعمل وعواقبه أو نتائجه هما أفضل خطوتين في التربية لكل من المتعلم والمعلم لأنهما تربطان بين العمل وتعزيزه بعد وقوعه، فإذا طلب من المتعلمين في درس الإملاء كتابة كلمات أو جمل مناسبة لمستواهم فيجب تقويمها فوراً، لأن صحة إجابة المتعلم الفورية تعزز وتدعم التعلم الصحيح، ويصدق هذا في جميع العصور وخاصة في عصر المعلومات، لأن معداتها الإلكترونية لا تقبل الخطأ في العمل بها، بل تتطلب الإتقان التام من دون أي خطأ.
ويراعي المربي الظروف الفردية عندما لا يطبق القوانين المدرسية الصارمة، فلا يمارس العقاب في بعض الظروف؛ لأن التربية فن وتقنية تمارس وفق قواعد مرنة يتغير تطبيقها وفق الظروف، والأهداف التربوية.
فخر الدين القلا
Punishment and reward in education - Punition et Récompense en éducation
العقاب والثواب في التربية
العقاب والثواب في التربية punishment and reward in education أسلوبان في التحكم بالسلوك عن طريق الألم واللذة، وقد يطلق عليهما أسماء أخرى مثل الترغيب والترهيب، والتعزيز الإيجابي والتعزيز السلبي والعقاب (الإيجابي والسلبي)، والجزاء والقصاص، والعصا والجزرة، وغير ذلك من الأساليب التي تتحكم بالسلوك بالقبول وبالرفض.
ويستخدم هذان الأسلوبان بعد قيام الفرد بسلوك ما، فإذا كان مُرضياً للمعلم أو المربي يتبعه بالثواب وإلا فالعقاب.
وهذا الربط والتناوب بين الأسلوبين شائع في معظم مظاهر الحياة بما فيها التربية الأسرية والتربية المدرسية، وأقل من ذلك في التربية غير المدرسية، أو العَرضية المستخدمة في تعليم الكبار، والتعلم من الحياة.
العقاب والثواب في تاريخ الإنسان:
استخدم الإنسان منذ القديم الثواب والعقاب في تدجين الحيوانات وتطويعها لتوفير غذائه وحاجاته الأخرى، واستخدم أساليب زاجرة لمنع الحيوانات الأليفة من القيام بأعمال لا تخدم أغراضه وحاجاته، كاستخدام العصا والسوط لتدريب الحيوان. كما سيطر الإنسان على سلوك غيره من الناس في عهود الرق والإقطاع، واستخدم في ذلك أسلوب العقاب القسري.
وفي عهود لاحقة خفف الإنسان من اللجوء إلى العقاب أو التهديد به، وزاد الاهتمام بالأساليب الجذابة في التحكم بالسلوك الإنساني والحيواني، وصار العقاب والثواب تقانة علمية في التحكم بالسلوك. واشتهر في هذا الميدان دوروف ومكارنكو Makarenko في الاتحاد السوڤييتي سابقاً، وسكنر[ر] Skinner في الولايات المتحدة الأمريكية الذي استخدم التعزيز وجداوله لهندسة السلوك وتقانته العلمية.
البعد النفسي للثواب والعقاب:
فسّر بعض علماء النفس الثواب والعقاب على الشكل الآتي:
يستخدم الثواب تعزيزاً للسلوك المرغوب فيه، والتعزيز نوعان: الإيجابي وهو يسهم في زيادة احتمال تكرار السلوك المرغوب بعد حدوثه أول مرة، وذلك بتقديم التشجيع والمكافأة بمقدار محدد وفوري. أما التعزيز السلبي فهو الذي يدل الإنسان على ما يجب عليه تجنبه وقلما يدله على ما يجب عليه عمله، أي إنه لا يكافئ السلوك المرغوب فيه، ولكنه يهدد بالعقوبة في حال المخالفة. وكذلك العقاب نوعان: الإيجابي وذلك عندما يقتنع الفرد المعاقب بخطئه ويتقبل عقوبته الفورية بقدر ذلك الخطأ. أما العقاب السلبي فهو يقع عندما لا يفهم الفرد لماذا يعاقب أو عندما يتأخر ذلك العقاب كثيراً أو يكون العقاب ليس بمقدار السلوك المعاقَب.
ويمكن تلخيص هذا التفسير كما في الجدول.
العلاقة بين التعزيز والعقاب ونتائجهما:
العملية | إعطاء + | سحب - | النتيجة القورية |
التعزيز | الإيجابي (+) | السلبي (-) | + |
العقاب | الإيجابي (+) | السلبي (-) | - |
الجدول |
إن المكافآت أحسن أثراً من العقاب في تحسين التعلم، أما العقاب فهو يضعف التعلم بل يمحوه أحياناً. ولكن بعض أشكال العقاب قد تكون مفيدة في التعلم وخاصة عندما يقتنع المتعلم بها فالتوبيخ مثلاً قد تكون له آثار إيجابية في التعلم.
وهذا الشرح الرياضي يمكن إيضاحه بالمصطلحات الرياضية الأربعة الآتية:
1ـ التعزيز الإيجابي (+ ´ + = +)
2ـ التعزيز السلبي (- ´ - = +)
3ـ العقاب الإيجابي (+ ´ - = -)
4ـ العقاب السلبي (- ´ + = -)
ولكن هذه المصطلحات والاحتمالات لا تستخدم كثيراً لدى علماء النفس والمربين لأن الاحتمالات الأربعة تهوِّن الأمور الحياتية المعقدة، ولا تميز بين عملية التعزيز، والمثير المعزز، كما لاتبين الفرق بين التعزيز الفوري أو المباشر والتعزيز المؤجل، فقد يؤدي التعزيز إلى لذة فورية مباشرة، في الإدمانات على الكحول والتدخين والمخدرات، ولكن آثارها البعيدة أو المؤجلة قد تؤلم الشخص وأسرته ومجتمعه، وتؤدي إلى تدميره وتدمير أسرته، وعندها لا يصلح عمل المعلم أو المربي، ويحتاج المدمن إلى مؤسسات متخصصة في العلاج السلوكي والطبي والاجتماعي للتخلص من هذا الإدمان المدمر.
يطرح سكنر جداول التعزيز لضبط السلوك، ويربط التعزيز الإيجابي (الثواب) بالكرامة، ولذلك فإن إعطاء المعززات المستحقة للإنسان لا بد أن تكون مناسبة لعمله، ومن ثمّ لكرامته. كما يربط بين التعزيز السلبي والحرية أو (التحرر)، أو التخلص، لأن التحرر يعني التخلص من العوائق والصعوبات وإتاحة الفرصة للإنسان للخلاص من المصائب والآلام. ويستخلص سكنر أن الحرية المطلقة، يجب أن تتحول إلى حرية نسبية تتفق مع القيم والمصالح الاجتماعية.
ومازال الجدل قائماً حول ضرورة استخدام العقاب والثواب في التربية أو ترك استخدامهما، لأن الإنسان يجب أن يعمل الخير للخير بذاته، من دون انتظار منافعه أو مضاره، إذ (لا شكر على واجب). ومن الناحية الأخلاقية يجب أن يقوم الإنسان بأعمال الحق والخير والجمال؛ لأنها قيم راقية بذاتها لا ترتبط بالمنافع والملذات الخارجية.
أشكال تطبيق العقاب والثواب في التربية:
شرعت التربية، بعد انتشار علم التعلم، باستخدام تقانات ضبط السلوك بحيث تكون البيئة أكثر راحة وسعادة للمتعلمين، ولذلك زادت من الأساليب الجذابة، وقللت من الأساليب القهرية. فحسّنت المؤسسات التربوية من أساليب الثواب والعقاب، وأصدرت تعليمات في النظام الداخلي المركزي أو المدرسي. وفيها تضع المكافآت والعقوبات، في سلم متدرج بالشدة، ويختلف باختلاف الزمان والمكان والثقافة العامة في المجتمع وظروف البيئة، فقد يستخدم المعلم المكافآت بأشكال عدة منها المعنوية كالتشجيع الشفاهي أو الكتابي أو التكريم والتقدير الرمزي بالأوسمة وغيرها أو تربط المكافآت المعنوية بمكافآت وجوائز مادية وتقديرية من مال وهدايا، وقد يعلن اسم المتعلم المجيد في وسائل الإعلام كاللوحات المدرسية، أو المحلية من صحف وإذاعة وتلفزيون وشبكة إنترنت وفق الإمكانات المتوافرة.
يكثر استخدام الجوائز المادية في التعليم بالروضة، والمرحلة الأولى من التعليم الابتدائي والأساسي، وتتحوَّل إلى جوائز معنوية وشهادات تقدير رقمية، وشارات تكريم ورموز أخرى عدة تستخدم وفق الثقافة والبيئة المحلية وظروف المدرسة. وتتناقص الجوائز والمكافآت المادية والمعنوية مع الارتقاء في السلم التعليمي افتراضاً بأن الانتقال من نجاح إلى نجاح هو بحد ذاته متعة ولذة داخلية، ومن ثمّ تغذية راجعة[ر] إيجابية ينتقل فيها المتعلم المجيد من صعيد إلى صعيد أرقى، وهذا ما يشاهد لدى النابغين والمبدعين وكبار المتخصصين. ولكن إشاعة قيم الشهادة والتضحية قد يكون لها قوة عظيمة التكريم، لأن المضحي أو الشهيد ينال جزاءه ومكافآته بالآخرة، أو بعرض مآثره وصوره بالدنيا، ويذكر اسمه في وسائل الإعلام التي تحترم قيمة التضحية والشهادة، ويكرر تكريمه في المناسبات.
تنظم أشكال العقاب ضمن النظام الداخلي المركزي أو المدرسي، فقد تتدرج من التنبيه والتحذير الشفاهي إلى الكتابي، أو الحسم من علامات السلوك، وأحياناً من درجات الاختبارات الشفاهية أو الكتابية، وقد يتدرج إلى الفصل المؤقت أو الدائم من المدرسة، وهي أقصى العقوبات التي تحرم المتعلم من حقه في التعلم.
وقد يكون العقاب على شكل عمل إصلاحي، فالتوسيخ يعالج بالتنظيف، وكسر الزجاج يعالج بإصلاحه، والكتابة على المقعد أو الجدران يعالج بتنظيفها، أو يعالج بغرامات مادية للتعويض عن التخريب، وتحسين البيئة المدرسية، بأقل تدخل من السلطات العليا. ويستخدم العقاب في آخر الجهود المبذولة أو عند تفاقم الأمور، ولكن العقاب، قد يولّد سلوكاً انفعاليا،ً يقتل المبادرة عند الفرد أو سلوكاً عدوانياً يؤدي إلى الاستمرار في (دائرة الشرّ)، أي إن عدوان الفرد على الآخرين يسبب عنفاً وانتقاماً وثأراً، وإرهاباً لا ينتهي، لأن زيادة أحدهما يؤدي إلى زيادة الآخر.
ويحتاج المعلم الذي يضبط سلوك متعلميه بالحكمة والموعظة الحسنة، وبالأساليب اللطيفة إلى تعديل سلوك المتعلم نحو التعلم والنمو والرقي، أما المتعلم الذي يكره معلمه الظالم، فإنه يسيء إلى نفسه مرغماً، ويحاول الانتقام من المعلم بالذي يراه مناسباً وفق ظروفهما وقد ينقل هذا الكره إلى الرموز التي تقوم مقام المعلمين في المجتمع، كالشرطة ورجال الأمن، ولذلك تحرّم كثير من الدول استخدام العقاب البدني في البيت والمدرسة.
يفضل أن يتابع المعلم نتائج ممارسته للثواب والعقاب لدى كل متعلم فرد، إذ إن بعض التلاميذ قد يجد في عقاب المعلم له لذة ومتعة، لأنه صار «زعيماً» في جماعة الزملاء، أو امتلك حرية في التصرف، أو تصريفاً لطاقته ونشاطه الزائد، أو تأكيداً على أنه كان مظلوماً في عقاب المعلم، ولذلك فإن صفة العدالة ضرورية عند إعطاء الثواب أو العقاب، بحيث لا يكون الثواب رشوة أو دين عليه، أو العقاب ظلماً، وإذا أقنع المعلم تلميذه المعاقب بعدالة العقاب فقد يكون ذلك حافزاً للمتعلم على التفكير بخطئه، والاعتذار عنه، وقبول المعلم له، وهذا يعد ثواباً للمتعلم، وتأكيداً على العدالة في النظام، وطمأنينة من الأهل والمسؤولين المباشرين على التربية والتعليم.
وتحرّم الأنظمة الداخلية للتربية العقوبات الجسدية للمتعلمين، لأن ذلك يسيء إلى كرامتهم، ولكن المعلم قد يجد في استخدام العقوبات الجسدية تحكماً مؤقتاً بسلوك المتعلمين، إذ لايدوم طويلاً لأن المتعلمين المظلومين في العقوبات الجسدية، قد يلجؤون إلى الأهل الذين يلجؤون أنفسهم إلى الإدارة المدرسية أو التربوية أو ربما لسلطات أمنية إذا أدت العقوبة إلى عاهة في جسد المتعلم أو نفسيته، وهذا يؤدي إلى انتقال تطبيق العقوبة على المعلم الذي مارس العقوبات الجسدية خلافاً للنظام الداخلي. وفي الأدب ووسائل الإعلام كثير من الشواهد على بطلان الأساليب المنفرة في ضبط سلوك الإنسان الآخر، بل تهتم بجدوى الأساليب الجذابة، لأن نتائجه بعيدة المدى أفضل من نتائج الأساليب القهرية والقمعية والعقابية.
إرشادات لتطبيق العقاب والثواب في التربية:
يجب على المعلم أن ينظم بيئته المدرسية بحيث يعمل المتعلم ويرى نتيجة عمله فوراً، فالاهتمام بالعمل وعواقبه أو نتائجه هما أفضل خطوتين في التربية لكل من المتعلم والمعلم لأنهما تربطان بين العمل وتعزيزه بعد وقوعه، فإذا طلب من المتعلمين في درس الإملاء كتابة كلمات أو جمل مناسبة لمستواهم فيجب تقويمها فوراً، لأن صحة إجابة المتعلم الفورية تعزز وتدعم التعلم الصحيح، ويصدق هذا في جميع العصور وخاصة في عصر المعلومات، لأن معداتها الإلكترونية لا تقبل الخطأ في العمل بها، بل تتطلب الإتقان التام من دون أي خطأ.
ويراعي المربي الظروف الفردية عندما لا يطبق القوانين المدرسية الصارمة، فلا يمارس العقاب في بعض الظروف؛ لأن التربية فن وتقنية تمارس وفق قواعد مرنة يتغير تطبيقها وفق الظروف، والأهداف التربوية.
فخر الدين القلا