افريقيه (ادب)
Africa - Afrique
الأدب الإفريقي
يشتمل الأدب الإفريقي على التراث الشفهي والآداب المكتوبة بلغات بعض الشعوب الإفريقية كالسواحلية والحوصة والبانتو والنيلو وغيرها من الشعوب التي تعيش في بعض أجزاء القارة السوداء، ولاسيما إلى الجنوب من الصحراء الكبرى.
ومع أنه لا يمكن الادعاء بوجود وحدة ثقافية أصيلة بين الشعوب الكثيرة التي تعيش في هذه القارة، إلا أنه لا يمكن أيضاً إنكار الملامح الحضارية المشتركة التي تعم شعوبها، وقد بدأت هذه الملامح تظهر بعد الحرب العالمية الثانية خاصة، إذ أخذت تبرز حالة من الوعي السياسي الذي يدل على الانتماء الحضاري للأفارقة، وذلك من خلال بعض الحركات أو التنظيمات الإفريقية مثل حركة عموم إفريقية.
ولعل من الضروري التنبيه على أهمية معالجة المظاهر الحضارية في القارة الإفريقية بعيداً عن الحضارة العربية في شمالي القارة حيث تسود الثقافة العربية الإسلامية، وهي حضارة ذات ملامح خاصة ومنفصلة عن الحضارة الإفريقية في مناطق أخرى.
الآداب الشفوية: كانت المشافهة وسيلة الاتصال الرئيسة في الحضارة الإفريقية القديمة، وكانت الأخبار والأساطير والأشعار تنتقل من قبيلة إلى أخرى، ومن جيل إلى جيل عن طريق الرواية الشفوية، وكان الراوية شخصاً متميزاً بمكانة مرموقة في قبيلته، لامتلاكه قدرة بلاغية خاصة، وتمتعه بقوة الذاكرة، وتبادل الأمثال والأشعار والحكايات بين روادها.
ويمكن القول إن مجمل ماوصل إلينا من هذه الآداب الشفوية يدور حول الخرافات والأساطير التي تشوبها المبالغة، ويختلط فيها الواقع بالخيال المجنح، إضافة إلى بعض الأشعار المروية بلغة البوهل والفوتا ـ جالون والمالينيكية Malinke والسوندياتية وأشعار مملكة رواندة المقدسة وأشعار اليوروبا والتراكاراس، كما أسهمت الفنون الاحتفالية (المسرحية) بدور مميز في هذه الآداب، وتضمنت نقداً اجتماعياً. وقد تراجعت هذه الآداب مع بداية التوسع المدني، ومارافقه من تحولات أدت إلى ظهور الآداب المكتوبة.
انتشر التراث الشفوي الإفريقي في العالم الجديد مع تجارة العبيد، ويشمل هذا التراث أنماطاً شعرية وقصصية غنية ومتنوعة لمعظم القبائل الإفريقية. وتعد الأساطير وقصص الخلق من أغناها وأكثرها تنوعاً وخيالاً، فشعب الكونغو مثلاً يعتقد بأن القوة الحقيقية في العالم هي الموت الموجود قبل الإله، أما شعب زامبية فيعتقد أن الإله يتراجع يائساً أمام قوة الإنسان ويؤمن شعب إيجو Igo في دلتا النيجر أن الآلهة الخالقة تسمح للإنسان باختيار مصيره قبل أن يولد، ولدى شعب بانغو في تنزانية رؤية خيالية خاصة عن الخلق، إذ يعتقدون أن العالم مخلوق خرج من بطون النمل، ويذهب الرعاة من شعب مالي إلى أن أصل الخليقة هو نقطة الحليب المقدسة. وأكثر قصص الخلق عند شعوب إفريقية تلك التي تتحدث عن خلق العالم في سبعة أيام، كما يعتقد شعب دوغون الذي يعيش في المنطقة التي تعرف اليوم باسم جمهورية مالي.
وتتفق معظم الأساطير الإفريقية على أن الإله قد وافق في البداية على منح الإنسان حياة أبدية، إلا أن رسالته قد حرفت بسبب التدليس والغباء، وثمة مئات من الأساطير حول هذه الرسالة المحرفة في إفريقية.
أما الشعر الإفريقي فتطغى عليه عبارات التمجيد والتبريك التي تشمل الآلهة والإنسان والحيوان والنبات والبقاع أيضاً، وأهم أناشيد التمجيد في إفريقية تلك التي تتناول زعماء القبائل وقادة الحروب. كأناشيد المديح التي تمجد زعيم الزولو العظيم شاكا Shaka.
وتميز قبائل اليوروبا أسماء التبريك (أوريكي) Oriki من أشعار الحكمة وأغاني الصيادين والرقى والتعاويذ، وربما كان شعر إيجو أكثر الأشعار الإفريقية إغراقاً في الصنعة، ولذلك فلا يستطيع نظمه سوى بعض الكهنة، وقد يتطلب إلقاء قصيدة ليلة بكاملها، ويترافق إلقاؤها مع قصص تاريخية وأسطورية يستعين بها الكاهن أو العراف على الحكم في قضية ما (أشعار أودو). وعلى العموم فكل جانب من جوانب الحياة في إفريقية يترافق مع الأناشيد والشعر: الرعي والحرب والكوارث والأفراح وغيرها.
وتنتشر القصص الشعبية في إفريقية إلى جانب الشعر والأساطير، وأشهرها وأكثرها انتشاراً قصص الحيوانات الماكرة، ومثالها عند شعوب البانتو في شرقي إفريقية وأوسطها وغربيها وفي غربي السودان هو الأرنب البري، وفي غربي إفريقية العنكبوت. وتتميز هذه الحيوانات عندهم عادة بالحيلة والدهاء تهزم بهما أعداء أكبر منها وأقوى على الرغم من كثرة أخطائها التي تمتع المستمعين وتضحكهم، فحين سرقت السلحفاة سلة الحكمة من الآلهة وحاولت الهرب بها، اعترضتها شجرة لم تستطع تخطيها، لأنها على غفلة من أمرها علقت السلة في عنقها بدلاً من أن تحملها على ظهرها، وحين عجزت عن انتزاعها من رقبتها تناثرت الحكمة في العالم منذ ذلك الحين. أما العنكبوت فيبدو في هذه القصص شخصية أسطورية، وخصماً عنيداً لإله السماء، يسرق قصصه ويخدعه، وهو بذلك يشبه إيشو إله يوروبا المخادع الذي يعترض الآلهة الآخرين ويعرقل أعمالهم ويعطل نواياهم. ويتفرع من قصص المكر هذه قصص الهروب التي يبحث فيها البطل عن مخرج من مهمة مستحيلة وضعته الظروف فيها.
ويعتمد فن الحديث عند الأفارقة على الأمثال اعتماداً واسعاً، فيقول شعب إيبو «إن الأمثال إدام الكلام، فهي زيت النخيل الذي تؤكل به الكلمات»، ولا يخلو جدل أو حديث عندهم من مثل يدل على علم المتحدث وخبرته، وغالباً مايكتفى بقول نصف المثل، ويترك النصف الآخر للسامع يكمله، وتعبر هذه الأمثال عن حكمة هذه الشعوب وتجاربها وأخلاقها وسعة خيالها، وقد استطاع أحد أفراد بعثة سويسرية تبشيرية وهو ج. كريستالر جمع أكثر من 3600 مثل بلغة التوي في غانة ونشرها في بال (بازل) سنة 1879م.
وللألغاز في إفريقية حضور دائم في الأسمار خاصة، وهي تأخذ عادة صيغة العرض والإفادة لا صيغة السؤال كقولهم «يهرب الناس منها عندما تكون حاملاً، ويعودون إليها بعد أن تضع» والجواب هو: المدفع، وغالباً مايصاغ اللغز بأسلوب مجازي يفصح عن قوة مخيلة صاحبه.
وقد أخذ معظم هذه الفنون الشعبية الموروثة يخبو منذ منتصف القرن العشرين، ولاسيما ما يتعلق منها بالطقوس الدينية، وأخذت صيغ التبريك والمديح في الشعر تتحول إلى رجال السياسة، وقد تأخذ صورة الرقى والتعاويذ في هجاء الخصوم، بيد أن النزعة القومية لدى الأفارقة ونزوعهم إلى التحرر من الاستعمار الغربي أديا إلى ازدياد اهتمامهم بتراثهم الحضاري، فلم يعد العمل على جمعه ودراسته محصوراً في دوائر التبشير وعلماء الأجناس واللغات الأجانب، وأضحت المجموعات التي دونها كتّاب أفارقة منذ ثلاثينات القرن العشرين أفضل مجموعات التراث الشعبي الإفريقي. وظهرت آثار هذا التراث في أعمال معظم الكتاب الأفارقة مثل آموس توتولا من شعب اليوروبا الذي كان في مطلع حياته حكواتياً.
الأدب الإفريقي المكتوب باللغات الإفريقية: يمكن حصر اللغات المحلية الإفريقية، على كثرتها، في عشر مجموعات أساسية تضم كل مجموعة منها عدداً كبيراً من اللغات أو اللهجات، وتعدّ المجموعة الكونغولية الكردفانية (نسبة إلى كردفان بالسودان) في مقدمة هذه المجموعات. وتنتشر مابين نهر السنغال وكينية، والمجموعة الماندية The Mande Group في مالي وأعالي خليج غينية. ومجموعة البمبرا (البمبارا): في النيجر، والسواحلية: في كينية وتنزانية وأوغندة وأجزاء من الكونغو، والحوصة في غربي إفريقية، والجعزية والأمهرية Amharic والتيغرية والتغرانية: في إثيوبية، والأمازيغية (البربرية) في المغرب العربي، إضافة إلى العربية التي تعد أوسع اللغات انتشاراً في إفريقية.
ومعظم اللغات الإفريقية غير مكتوبة، ولم يحاول المستعمر الأوربي تطويرها أو توحيدها، بل شجع استعمال اللهجات المحلية ليزيد القبائل فرقة، وحارب اللغة العربية خاصة، وسعى إلى فرض لغته وثقافته في المناطق المستعمرة، فسادت فيها الإنكليزية أو الفرنسية أو الإسبانية أو البرتغالية بحسب لغة المستعمر، فزاد ذلك في اضمحلال اللغات المحلية واندثارها.
على أن الدعوة إلى إحياء تلك اللغات واستعمالها قد ازدادت قوة بعد الاستقلال فعادت إلى الحياة بعض اللغات القديمة، وظهرت لغات جديدة كالأفريكانية التي انتشرت في جنوبي إفريقية بين السكان المحليين، وهي خليط من بعض لغات البانتو والزولو Zulu والإنكليزية والهولندية، بيد أن معظم هذه اللغات يكتب بحروف لاتينية.
اللغات الإثيوبية: تعد الجعزية أقدم لغة إفريقية مكتوبة، وتعود أصولها إلى العربية الحميرية والظفارية في اليمن، وتكتب من اليسار إلى اليمين بحروف خاصة، وهي لغة الكنيسة الإثيوبية، وتزاحمها الأمهرية القريبة منها، وهي اللغة الرسمية في إثيوبية، والتيغرية والتيغرانية المتفرعتان منها. وتعزى أقدم المأثورات المدونة باللغة الجعزية إلى القرن الثالث الميلادي، وترجم الكتاب المقدس إليها في القرن الخامس.
أما الأمهرية فثمة قصائد مروية بها وأغان تعود إلى القرن الرابع عشر، بيد أن أقدم النصوص المدونة بها تعود إلى القرن التاسع عشر [ر. إثيوبية].
السواحلية: وتعد من لغات البانتو، وهي لغة أهل السواحل والجزر الشرقية بين كينية وتنزانية في الجنوب، وللعربية أثر ظاهر فيها. إذ تكتب بحروفها، وتضم مفردات كثيرة منها، وتعود أقدم المدونات بها إلى أواخر القرن السابع عشر، وتشتمل هذه المدونات على بعض النصوص الدينية الإسلامية أو القصائد القصصية المستوحاة من التراث العربي أو الفارسي. ويحتل الشعر المحل الأول في التراث السواحلي، ومعظمه من الشعر الملحمي الذي يتألف من رباعيات، يضم كل سطر منها ثمانية مقاطع، وأشهر الملاحم السواحلية: «المحمديّة» (6280 رباعية) وهي أطول ملحمة مكتوبة بلغة إفريقية، وتحكي سيرة النبي محمدr، وملحمة «رأس الغول» (4384 رباعية) وتتحدث عن حملة بعث بها الخليفة علي بن أبي طالب إلى اليمن، وملحمة التمبوكان أو الهريكالي (1145 رباعية) وهي أقدم ملحمة سواحلية مدونة، ويعود