علم الرياضيات في الحضارة العربية الإسلامية

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • علم الرياضيات في الحضارة العربية الإسلامية

    علم رياضيات في حضاره عربيه اسلاميه

    Mathematics - Mathématiques


    علم الرياضيات في الحضارة العربية الإسلامية



    كانت الرياضيات في الشرق الأقصى قبل ظهور الإسلام تكاد تكون مقتصرة على الحساب، وعلى ما سمَّاه الخوارزمي ـ فيما بعد ـ بالجبر، الذي عدّه فرعاً مستقلاً من الرياضيات له خصوصيته، مثلما أن للهندسة خصوصيتها، وهكذا عاد هذا العلم البابلي إلى ضفاف دجلة والفرات، ولايُعْلَمُ أن أحداً قبل البابلين حلَّ مسائل جبرية، ولاسيما معادلات من الدرجة الثانية، فلهم فضل الأسبقية في ذلك. في حين أن الرياضيات عند اليونانيين كانت تشمل الحساب والحسابيات (نظرية الأعداد) والهندسة، وعندما بدأت الحضارة الإسلامية ازدهارها، ورثت الحضارتين، ومهَّد هذا الميراثُ لفجر الحضارة الحالية التي احتل الجبر في مطلعها مكانة واسعة، وكذلك المثلثات بعد أن فصلها المسلمون عن الفلك، وجرَّدوها من فكرة وتر القوس، وفيما يأتي توضيح لذلك في كل فرع على حدة.

    في الحساب والحسابيات

    كان المسلمون منذ أواخر القرن الثاني الهجري (وربما قبل ذلك) يعرفون الترقيم العشري الذي أخذوه من الكتابات الهندية، وربما من الكتابات البابلية التي ورثوا منها النظام الستيني، وبفضلهم سهل إجراء العمليات الأربع، ولاسيما الضرب والتقسيم، وبلغ هذا التطوير أوجه في القرن الرابع الهجري/العاشر الميلادي حين وضع أبو الحسن أحمد بن إبراهيم الملقب بالإقليدسي أسسَ الحساب بالأعداد والكسور العشرية، ثم أعاد جمشيد الكاشي المتوفى سنة 839هـ هذا الاكتشاف بعده بما يقرب من أربعة قرون، وقد بين الاثنان كيفية إجراء العمليات الأربع وإيجاد الجذر التربيعي بطريقة لاتختلف كثيراً في تنظيمها عما هو متبع اليوم، حتى إن الكاشي حسب النسبة π بـ 17 رقماً بعد الفاصلة، وهذا ما دفع الباحث في تاريخ الرياضيات رشدي راشد ومن هم من طرفه، مثل كريستيان هوزل Christian Houzel، لجَعْلِ المسلمين أول من أطلق صفة عدد على جميع الأعداد الطبيعية والقياسات الهندسية الكسرية وغير الكسرية، في حين كانت هذه الأعداد عند اليونانيين أطوالاً أو نسباً فحسب، ولاتُعطى صفة عدد إلا للأعداد الطبيعية. ومن المعروف أن الأعداد بمفهومها العام هذا أصبحت تسمى الأعداد الحقيقية. وهكذا يكون المسلمون قد مهدوا الطريق لدراسة هذه الأعداد.

    وفي مجال الحسابيات وجد المسلمون قوانين مجموع قوى الأعداد الطبيعية الأولى حتى القوة الرابعة، وعرفوا قانون ذي الحدَّين[ر] بطريقة استقرائية من مثلث أصبح يُسمى باسم أول وآخر واضعَين له، أي مثلث الكرجي ـ باسكال، مستندين في ذلك إلى مبدأ الاستقراء الرياضي[ر] الذي على أساسه يمكن كتابة مثلث الكرجي ـ باسكال تدريجياً.

    كما عرف المسلمون الأعداد التامة والناقصة والزائدة. فالعدد يكون تاماً إذا كان مساوياً لمجموع قواسمه، ما عدا العدد نفسه، ويكون ناقصاً إذا كان أقل منه، وزائداً إذا كان أكبر منه.

    أمثلة: العدد 6 تام، لأن 1+2+3=6 وكذلك العدد 28 تام لأن 28=1+2+4+7+14

    العدد 8 زائد، لأن 8 أكبر من 1+2+4

    والعد 12 ناقص لأن 12 أقل من 2+3+4+6

    ووجد ثابت بن قُرَّة (ت 288هـ) قانوناً يعطي صنفاً من الأعداد المتحابة، أي التي كل واحد منها يساوي مجموع قواسم الآخر عدا الآخر نفسه. بالفعل:

    إذا كانت (ب، ط، ر) أعداداً أولية فردية وكانت من الشكل

    ب = 3 (2ن) ـ 1، و ط = 3 (2ن ـ 1) ـ1 ، و ر= 9 (22ن ـ 1) ـ 1

    كان العددان2ن ر، 2ن ط ب متحابين

    مثال: إذا كانت ن =2 نجد أن ب =11 و ط =5 و ر =71 وهي كلها أعداد أولية؛ إذاً يجب أن يكون العددان:

    2ن ط ب =220 ، و 2ن ر =284 متحابين.

    بالفعل:

    قواسم 220هي 1 ،2 ، 4 ،5 ،10 ، 11 ،20 ، 22 ، 44 ، 55 ،110 ومجموعها 284

    وقواسم 284 هي 1 ، 2 ، 4، 71 ، 142 ومجموعها 220

    كما حل المسلمون معادلات ديوفانطينية، أي معادلات يطلب حلها بأعداد صحيحة. وقد اضطر بعضهم إلى اتباع الاستقراء الرياضي في إيجاد مجموعة الحلول كما هي الحال عند أبي كامل شجاع بن أسلم ( توفي نحو340هـ/951م)، في حين أن ديوفانطس كان يكتفي بحل واحد.

    الجبر

    يُعد محمد بن موسى الخوارزمي (ت 232 هـ) أول من أرسى دعائم هذا العلم، ووضع فيه كتاباً سماه «الجبر والمقابلة»، ومنه اشتق الاسم الأجنبي (algebre بالفرنسية، algebra بالإنكليزية …)، وهكذا أصبحت الرياضيات منذ ذلك الحين تشمل فرعين مميزين هما الجبر والهندسة، ولاتختلف فكرة المقابلة عن فكرة المعادلة المستعملة اليوم، فمن حيث المعنى اللغوي تتقارب الكلمتان، ومن حيث المعنى الرياضي هما بمعنى واحد. ولما لم تكن الأعداد السالبة معروفة فقد اضطر الخوارزمي إلى تصنيف المعادلات من الدرجة الثانية في ستة أصناف:

    ب س2+حـ س+ د =0 ، ب س2=حـ س ، ب س2= د

    ب س2+حـ س= د ، ب س2+ د = حـ س ، ب س2=حـ س + د


    الشكل (1)
    ثم حلها كلها بطريقة الإتمام إلى مربع كامل مستعيناً بالأشكال بدلاً من الرموز، فلحلّ المعادلة س2+ 8س =9، وهذه حالة من الست التي صنفها الخوارزمي، مثل س2 بمربع ضلعه س مجهول، ومثّل 8 س بمستطيلين منشأين على ضلعي المربع عرض كلٍّ منهما 4، كما في (الشكل 1) فحصل على شكل يمكن إتمامه إلى مربع كامل مساحته 9+4´4=25.

    ولكنه لم يجد إلا الجذر الموجب س = 1… ولم ينتبه أي من المسلمين إلى وجود جذور سالبة أحياناً سوى أبي كامل ابن أسلم المصري.

    أما معادلات الدرجة الأولى فكانت تُحلّ بطريقة الخطأين، ولكن المسلمين حلوا معادلات من الدرجة الثالثة والرابعة، وقد حلّوها إما باستخدام القطوع المخروطية وتقاطعها كما فعل عمر الخيام (القرن الرابع الهجري) وهذا ما مهَّد السبيل لظهور الهندسة التحليلية، أو بطريقة التقريب إلى أقرب فأقرب بطريقة تسمى حالياً طريقة روفيني ـ هورنر، وقد استعانوا أحياناً بطريقة تغيير المجهول، على أن شرف الدين الطوسي ابتدع طريقة تعدُّ فذةٍ بالنسبة إلى عصره، فقد وجد النهاية العظمى لدالة من الدرجة الثالثة بطريقة لاتختلف من حيث الجوهر عن الطريقة الحالية في تحليل الصغائر، مما سهَّل عليه البحث عن الجذور.

    ولم يتوقف الجبر على حل المعادلات، بل تعداه إلى إجراء عمليات حسابية على كثيرات حدود، كجمعها وطرحها وضربها، والأهم تقسيمها، كما عند الكرجي ثم السمؤل المغربي (ت570 هـ) الذي تابع عمله، وقد ورد في مقدمة المحققين لكتاب «الباهر» (صلاح الأحمد ورشدي راشد) قولهما: «ولكي نفهم هذا التطور لابد من أن نتذكر أن ابن الفتح وأبا كامل والكرجي والخيام قد أقروا كلهم بعد الخوارزمي أن وحدة العمل في الموضوع الجبري هي في عمومية العمليات لا في عمومية الكائنات الرياضية… أو في النتيجة رد المعادلة إلى شكلها القانوني الأبسط التي كان حلها هو الغاية النهائية» وهكذا أصبح الجبر علم المعادلات وظل هكذا حتى غالوا Evarest Galois ن(1811ـ 1832م).

    وهكذا كانت هذه الأعمال ذروة التقدم في الرياضيات في القرن الثالث عشر الميلادي، ومهَّدت لتوسع الجبر في عموميته، حتى أصبحت البنى الجبرية في النهاية أساس الرياضيات كلها تقريباً.

    المثلثات

    كانت الدراسات الفلكية الباعثَ الأول على ما عُرِفَ فيما بعد باسم المثلثات؛ فقد نبهت هذه الدراسات هيبارك في القرن الثاني ق.م، ثم بطلميوس في القرن الثاني بعد الميلاد، إلى أن القبة السماوية كرة مركزها الأرض؛ فتصوروا أن عليها دوائر عظمى، وهذه الدوائر لها إذن نصف قطر واحد، فجميع الأبعاد بين النجوم تنسب إلى نصف القطر هذا. والبعد بين نجمين يقارن مع بعد مثله بمعرفة قوس الدائرة العظمى المارة من النجمين، ومعرفة القوس تؤدي إلى معرفة وترها منسوباً إلى نصف القطر؛ فإذا كانت القوس 60 درجة؛ كان البعد بين النجمين يساوي نصف القطر، أي النسبة بين الوتر ونصف القطر هي 1، وهذه النسبة كافية لتحديد الزاوية وقوسها ووترها؛ فلم يكن لدى هبارك وبطلميوس مثلثات بالمعنى الصريح، أما في الهند فقد أخذوا نصف وتر القوس وسموه جيب نصف القوس أو نصف الزاوية المقابلة له في المركز، ففي المثال السابق ـ مثلاً ـ أخذوا نصف الوتر ونسبوه إلى نصف القطر، فكان جيب نصف القوس أي جيب 30 ْ هو1/2. هذا ما اتبعه المسلمون في البدء ويُذكر منهم البتاني (ت 317هـ)، ولكنهم تخلصوا شيئاً فشيئاً من فكرة الدائرة كلها، وهذا ما جعلهم البادئين حقاً في مجال المثلثات. فانتقلوا إلى نسب أخرى كان أولها الظل بعد الجيب، الذي عرفه البوزجاني (ت 387هـ)، وهكذا تعرف الغرب المثلثات الإسلامية، وبها تعرفوا المثلثات الهندية بعد أن ترجم كتاب البتاني في القرن الثاني عشر ميلادي.

    وقد وجد المسلمون معظم قوانين المثلثات التي يدرسها طلاب المرحلة الثانوية واستطاعوا استخدام المثلثات في حساب الارتفاعات التي لايمكن الوصول إلى قاعدتها (جبل مثلاً). وهذا مثال عما أورده القبيصي الهاشمي: «فأما معرفة ارتفاع شيء ما عن وجه الأرض إذا لم نصل إلى أسفله فهو معرفة أعمدة الجبال، إذا أردت ذلك فخذ ارتفاع رأس الجبل في أرض مستوية بقياس الإسطرلاب كما تأخذ ارتفاع كوكب. ثم تتأخر عن ذلك بمقدار ما، يتغير الارتفاع درجة ما. ثم خذ ارتفاعه في ذلك الموضع الثاني…» فيكون ارتفاع الجبل:





    الشكل (2)
    تحليل الصغائر


    الشكل (3)
    حين ألف البيروني جداول الجيب استعان بفكرة أساسية في تحليل الصغائر تقول إن تغير دالة على مجال صغير هو دالة خطية بالنسبة لتغير المتحول، هذا إضافة إلى قوانين جمع الأقواس وطرحها، وهذا ما ساعده على تكوين جداول الجيب منتقلاً من نصف درجة إلى نصف درجة، والفكرة ذاتها سَبَقَ استخدامُها في الهند، وقد سبق الحديث عن شرف الدين الطوسي الذي استفاد من حساب الصغائر في تعيين القيمة العظمى لدالة. ولكنَّ ثمّة عملاً بارزاً حققه ثابت بن قرة في القرن الثالث الهجري، وهو حساب مساحة قطعة من قطع مكافئ بتقسيم سهمها المحوري إلى أقسام غير متساوية متناسبة مع الأعداد الفردية

    1 ،3 ،5 ،7 ، ... ، 2 ر -1 ،...، 2ن -1

    فكانت هذه أول مرة في تاريخ الرياضيات يلجأ فيها إلى مثل هذا التقسيم؛ فأرخميدس كان قد لجأ إلى أسلوب هندسي في حساب مساحة قطعة من قطع مكافئ مستفيداً من مبدأ الاستنفاذ، أما طريقة ابن قُرَّة فيغلب عليها الطابع الحسابي أكثر من الهندسي، فالسهم قُسِمَ إذاً إلى أجزاءعددها:

    1 + 3 + 5 + ... + (2ر-1) + ... + (2ن-1) = ن2

    وأصبح طول الجزء = طول السهم

    ثم أنشأ على هذه الأجزاء مستطيلات، وحسب مساحة المستطيل العام المنشأ على الجزء (2ر ـ 1)، ثم حسب مجموع هذه المستطيلات وأنهى (ن) إلى اللانهاية وهكذا وجد ابن قُرَّة مساحة القطعة من القطع المكافئ؛ فسبق ابن قُرَّة كوشي Cauchy في تعريف التكامل قبل عشرة قرون، ولعلّ كوشي استوحى من ابن قرة تعريفه للتكامل، فعرّف التكامل المحدود بطريقة كأنها تعميم لما اتَّبعه ابن قرة.

    وائل أتاسي
يعمل...
X