عجاج (عبد الله روبه)
Al-Ajaj (Abdullah ibn Ruba-) - Al-Ajaj (Abdullah ibn Ruba-)
العَجَّــاج (عبد الله بن رؤبة ـ)
(…ـ 90هـ/… ـ 708م)
أبو الشَّعثاء، عبد الله بن رُؤْبَةَ بن لبيد بن أسـد بن صخر بن كنيف بن عميرة السَّعديُّ التَّميميُّ، يتصل نسبه بزيد بن مناة. شـاعرٌ أموي راجزٌ مشهور، كُنِّي بابنتُه، والعجَّاجُ لقبه، من العَجِّ، وهو رفع الصَّوت، والتصق به هذا اللقبُ لقوله:
حتَّى يَعَجَّ عِنْدَها مَنْ عَجْعَجَا
وُلِدَ في الجاهليَّة وقال الشِّعر فيها، أدرك الإسلامَ وأسلمَ، لقي أبا هريرة وسمع منه أحاديثَ، وعُمِّرَ إلى خلافة الوليد بن عبد الملك بن مروان، فُلِجَ وأُقْعِدَ آخرَ عُمُرِهِ.
هو أوَّلُ من أطالَ الرَّجزَ فجعله كالقصيد، وكان الرَّجلُ في الجاهليَّة يقول من الرَّجز البيتين أو الثَّلاثة في الحرب، وإذا خاصمَ أو شاتمَ أو فاخرَ، حتَّى جاء العجَّاجُ فرفعَ الرَّجزَ وشرَّفَهُ وفتح أبوابه. من وَلَدِهِ رُؤْبَةُ الرَّاجز المشهورُ، وكان رُؤْبَةُ عظيمَ الفخر بأبيه لعِلْمِهِ بمكانته عند أهل الأدب واللُّغة وعند الخلفاء، فمن ذلك قوله يفخر به:
قد يرفعُ العجَّاجُ بيتاً فادْعُني
باسْمٍ إذا الأنسابُ طالَتْ يَكْفِني
قال الأصمعيُّ: قيل لبعض رواة العرب: مَنْ أرجزُ النَّاس؟ قال: بنو عِجْل، ثم بنو سَعْد، ثم بنو عِجْل، ثم بنو سَعْد، يريد الأغلبَ العجلي ثمَّ العجَّاجَ ثمَّ أبا النَّجم العجلي ثم رُؤْبَةَ، وقيل ليُوْنُسَ بن حبيب: مَنْ أشعرُ النَّاس؟ قال: العجَّاجُ ورُؤْبَةُ، وقالت ربيعةُ: أوَّلُهُمُ الأغلبُ، ثمَّ أبو النَّجم ثمَّ العجَّاج، واحتجَّتْ بقول العجَّاج:
إنِّي أنا الأَغْلبُ حيّاً قد نُشِــرْ
وقالت العربُ: أرجزُ الرَّجزِ ثلاثُ أُرْجُوزاتٍ، ليس في الجاهليَّة والإسلام أمدحُ من أُرجوزة العجَّاج:
قَدْ جَبَرَ الدِّينَ الإلهُ فَجَبَرَ
ولا أرجوزةٌ في وصف رام وحَمِيْر أرجزُ من أُرجوزة رُؤْبَةَ:
وقاتمُ الأعماق خاوي المُخْترق
ولا أرجوزة في وصف الإبل ورَعْيِهـا ورُعاتِهـا أرجزُ من أُرجوزة أبي النَّجم:
الحمدُ لله الوَهُوبِ المُجْزِلِ
وقد فُضِّلتْ هذه الأراجيزُ لأنَّها جَمَعَتْ جودةً مع طُولٍ.
توسَّعَ العجَّاجُ في موضوعاتِِ الرَّجز، فتناول فيه أغراضَ القصيد كلَّها، وشبَّهَهُ بالشِّعر فجعلَ له مقدِّماتٍ، ووصف فيه الدِّيار، وأهلَها، وذكرَ ما فيها، وذكرَ الرُّسومَ، ونعتَ الإبلَ، وتغزَّلَ، ومدحَ، غيرَ أنَّه لم يَهْجُ، وكان إعراضُه عن الهجاء مَثارَ جَدَلٍ، فمن ذلك أن العجَّاجَ دخل على عبد الملك بن مروان، فقال: يا عجَّاجُ، بلغني أنَّك لا تَقْدِرُ على الهجـاء، فقال: يا أميرَ المؤمنين من قَدَرَ على تشييد الأبنيةِ أمكنَهُ إخرابُ الأَخْبيَة، قال: فما يمنعُكَ من ذلك؟ قال: إنَّ لنا عزّاً يمنعُنا من أنْ نُظْلَمَ، وإنّ لنا حلماً يمنعُنا من أنْ نَظْلِمَ، فعلام الهجاءُ؟! فقال: لَكلماتُكَ أشعرُ من شِعْرِكَ. وردَّ ابنُ قُتيبةَ قولَ العجَّاج، وأرجعَ تَرْكَ العجَّاج للهجاء إلى تقصيره فيه، فقال: «والشُّعراء أيضاً في الطَّبْع مختلفون: منهم مَنْ يَسْهُلُ عليه المديح ويَعْسُرُ عليه الهجاء. ومنهم مَنْ يتيسَّرُ له المراثي ويتعذَّر عليه الغزل… وليس هذا كما ذكرَ العجَّاجُ، ولا المَثَلُ الَّذي ضربه للهجاء والمديحِ بشكلٍ، لأنَّ المديحَ بناءٌ والهجاءَ بناءٌ، وليس كل بانٍ بضربٍ بانياً بغيره».
من أراجيزه الرَّائقـة أُرجوزته السابقة، وهي نحـو مئتي بيـتٍ موقوفةُ القوافي، ولو أُطْلِقَتْ قوافيها كانت منصوبةً كلَّها، فمنها قولُه في رسول اللهr يذكر نُصْرَةَ أصحابه له رضي الله عنهم:
وعُصبة النَّبيِّ إِذ خافوا الحَصَرْ
شَدُّوا له سُـلطانَهُ حتَّى اقتَسَـرْ
تَحتَ الَّتي اختارَ له اللهُ الشَّـجَر
فَما وَنى مُحَمَّـدٌ مُذ أَنْ غَفَــرْ
له الإلـهُ ما مضى وما غَبَــرْ
أَن أَظهَـرَ الدِّينَ به حتَّى ظَهَـرْ
للعجَّاج فضلٌ في حفظ كثير من لغة العرب من الضَّياع، ولاسيَّما الغريب من ألفاظها، وكان يَرِدُ في رجزه من غير إخلال برونق الشِّعر، وروى العجَّاجُ أنَّ الكُمَيْتَ والطِّرِمَّاحَ كانا يسألانه عن الغريب فيخبرُهما به، ثم يراه في شعرهما وقد وضعاه في غير مواضعه؛ فقيل له: ولم ذاك؟ قال: لأنَّهما قرويان يصِفانِ ما لم يَرَيَا فيضعانه في غيرِ موضعِه، وأنا بدويٌ أَصِفُ ما رأيتُ فأضعُه في مواضعِـه. كان اللُّغويون يقعدون إليـه ليأخذوا عنه كلامَ العرب، وهو ثقةٌ في الغريب، ولمَّا أنشد العجَّاجُ:
لاقَوا به الحَجَّاجَ والإِصحارا
به ابنَ أَجلى وافَقَ الإسفارا
قال الأصمعيُّ: لم أسمع بابن أجلى إلا في بيت العجَّاج.
كان فوقَ ذلك كلِّه ذا قريحةٍ متوقِّدة، ينسـابُ الشِّعر على لسانه، ويُروى أنَّه قال: لقد قلتُ أُرجوزتي الَّتي أوَّلها:
بكيْتَ والمُحتَــزَنُ البَكِيُّ
وإنَّما يأتي الصِّبَا الصَّبيُّ
أطَرَباً وأنتَ قِنَّسْـــرِيُّ
والدَّهْرُ بالإنسان دَوَّارِيُّ
وأنا بالرَّمل، في ليلةٍ واحدة، فانثالَتْ عَلَيَّ قوافيها انثيالاً.
نُشر ديوانه مرتين، الأولى بتحقيق عزة حسن، والثانية بتحقيق عبد الحفيظ السطلي.
علي أبو زيد
Al-Ajaj (Abdullah ibn Ruba-) - Al-Ajaj (Abdullah ibn Ruba-)
العَجَّــاج (عبد الله بن رؤبة ـ)
(…ـ 90هـ/… ـ 708م)
أبو الشَّعثاء، عبد الله بن رُؤْبَةَ بن لبيد بن أسـد بن صخر بن كنيف بن عميرة السَّعديُّ التَّميميُّ، يتصل نسبه بزيد بن مناة. شـاعرٌ أموي راجزٌ مشهور، كُنِّي بابنتُه، والعجَّاجُ لقبه، من العَجِّ، وهو رفع الصَّوت، والتصق به هذا اللقبُ لقوله:
حتَّى يَعَجَّ عِنْدَها مَنْ عَجْعَجَا
وُلِدَ في الجاهليَّة وقال الشِّعر فيها، أدرك الإسلامَ وأسلمَ، لقي أبا هريرة وسمع منه أحاديثَ، وعُمِّرَ إلى خلافة الوليد بن عبد الملك بن مروان، فُلِجَ وأُقْعِدَ آخرَ عُمُرِهِ.
هو أوَّلُ من أطالَ الرَّجزَ فجعله كالقصيد، وكان الرَّجلُ في الجاهليَّة يقول من الرَّجز البيتين أو الثَّلاثة في الحرب، وإذا خاصمَ أو شاتمَ أو فاخرَ، حتَّى جاء العجَّاجُ فرفعَ الرَّجزَ وشرَّفَهُ وفتح أبوابه. من وَلَدِهِ رُؤْبَةُ الرَّاجز المشهورُ، وكان رُؤْبَةُ عظيمَ الفخر بأبيه لعِلْمِهِ بمكانته عند أهل الأدب واللُّغة وعند الخلفاء، فمن ذلك قوله يفخر به:
قد يرفعُ العجَّاجُ بيتاً فادْعُني
باسْمٍ إذا الأنسابُ طالَتْ يَكْفِني
قال الأصمعيُّ: قيل لبعض رواة العرب: مَنْ أرجزُ النَّاس؟ قال: بنو عِجْل، ثم بنو سَعْد، ثم بنو عِجْل، ثم بنو سَعْد، يريد الأغلبَ العجلي ثمَّ العجَّاجَ ثمَّ أبا النَّجم العجلي ثم رُؤْبَةَ، وقيل ليُوْنُسَ بن حبيب: مَنْ أشعرُ النَّاس؟ قال: العجَّاجُ ورُؤْبَةُ، وقالت ربيعةُ: أوَّلُهُمُ الأغلبُ، ثمَّ أبو النَّجم ثمَّ العجَّاج، واحتجَّتْ بقول العجَّاج:
إنِّي أنا الأَغْلبُ حيّاً قد نُشِــرْ
وقالت العربُ: أرجزُ الرَّجزِ ثلاثُ أُرْجُوزاتٍ، ليس في الجاهليَّة والإسلام أمدحُ من أُرجوزة العجَّاج:
قَدْ جَبَرَ الدِّينَ الإلهُ فَجَبَرَ
ولا أرجوزةٌ في وصف رام وحَمِيْر أرجزُ من أُرجوزة رُؤْبَةَ:
وقاتمُ الأعماق خاوي المُخْترق
ولا أرجوزة في وصف الإبل ورَعْيِهـا ورُعاتِهـا أرجزُ من أُرجوزة أبي النَّجم:
الحمدُ لله الوَهُوبِ المُجْزِلِ
وقد فُضِّلتْ هذه الأراجيزُ لأنَّها جَمَعَتْ جودةً مع طُولٍ.
توسَّعَ العجَّاجُ في موضوعاتِِ الرَّجز، فتناول فيه أغراضَ القصيد كلَّها، وشبَّهَهُ بالشِّعر فجعلَ له مقدِّماتٍ، ووصف فيه الدِّيار، وأهلَها، وذكرَ ما فيها، وذكرَ الرُّسومَ، ونعتَ الإبلَ، وتغزَّلَ، ومدحَ، غيرَ أنَّه لم يَهْجُ، وكان إعراضُه عن الهجاء مَثارَ جَدَلٍ، فمن ذلك أن العجَّاجَ دخل على عبد الملك بن مروان، فقال: يا عجَّاجُ، بلغني أنَّك لا تَقْدِرُ على الهجـاء، فقال: يا أميرَ المؤمنين من قَدَرَ على تشييد الأبنيةِ أمكنَهُ إخرابُ الأَخْبيَة، قال: فما يمنعُكَ من ذلك؟ قال: إنَّ لنا عزّاً يمنعُنا من أنْ نُظْلَمَ، وإنّ لنا حلماً يمنعُنا من أنْ نَظْلِمَ، فعلام الهجاءُ؟! فقال: لَكلماتُكَ أشعرُ من شِعْرِكَ. وردَّ ابنُ قُتيبةَ قولَ العجَّاج، وأرجعَ تَرْكَ العجَّاج للهجاء إلى تقصيره فيه، فقال: «والشُّعراء أيضاً في الطَّبْع مختلفون: منهم مَنْ يَسْهُلُ عليه المديح ويَعْسُرُ عليه الهجاء. ومنهم مَنْ يتيسَّرُ له المراثي ويتعذَّر عليه الغزل… وليس هذا كما ذكرَ العجَّاجُ، ولا المَثَلُ الَّذي ضربه للهجاء والمديحِ بشكلٍ، لأنَّ المديحَ بناءٌ والهجاءَ بناءٌ، وليس كل بانٍ بضربٍ بانياً بغيره».
من أراجيزه الرَّائقـة أُرجوزته السابقة، وهي نحـو مئتي بيـتٍ موقوفةُ القوافي، ولو أُطْلِقَتْ قوافيها كانت منصوبةً كلَّها، فمنها قولُه في رسول اللهr يذكر نُصْرَةَ أصحابه له رضي الله عنهم:
وعُصبة النَّبيِّ إِذ خافوا الحَصَرْ
شَدُّوا له سُـلطانَهُ حتَّى اقتَسَـرْ
تَحتَ الَّتي اختارَ له اللهُ الشَّـجَر
فَما وَنى مُحَمَّـدٌ مُذ أَنْ غَفَــرْ
له الإلـهُ ما مضى وما غَبَــرْ
أَن أَظهَـرَ الدِّينَ به حتَّى ظَهَـرْ
للعجَّاج فضلٌ في حفظ كثير من لغة العرب من الضَّياع، ولاسيَّما الغريب من ألفاظها، وكان يَرِدُ في رجزه من غير إخلال برونق الشِّعر، وروى العجَّاجُ أنَّ الكُمَيْتَ والطِّرِمَّاحَ كانا يسألانه عن الغريب فيخبرُهما به، ثم يراه في شعرهما وقد وضعاه في غير مواضعه؛ فقيل له: ولم ذاك؟ قال: لأنَّهما قرويان يصِفانِ ما لم يَرَيَا فيضعانه في غيرِ موضعِه، وأنا بدويٌ أَصِفُ ما رأيتُ فأضعُه في مواضعِـه. كان اللُّغويون يقعدون إليـه ليأخذوا عنه كلامَ العرب، وهو ثقةٌ في الغريب، ولمَّا أنشد العجَّاجُ:
لاقَوا به الحَجَّاجَ والإِصحارا
به ابنَ أَجلى وافَقَ الإسفارا
قال الأصمعيُّ: لم أسمع بابن أجلى إلا في بيت العجَّاج.
كان فوقَ ذلك كلِّه ذا قريحةٍ متوقِّدة، ينسـابُ الشِّعر على لسانه، ويُروى أنَّه قال: لقد قلتُ أُرجوزتي الَّتي أوَّلها:
بكيْتَ والمُحتَــزَنُ البَكِيُّ
وإنَّما يأتي الصِّبَا الصَّبيُّ
أطَرَباً وأنتَ قِنَّسْـــرِيُّ
والدَّهْرُ بالإنسان دَوَّارِيُّ
وأنا بالرَّمل، في ليلةٍ واحدة، فانثالَتْ عَلَيَّ قوافيها انثيالاً.
نُشر ديوانه مرتين، الأولى بتحقيق عزة حسن، والثانية بتحقيق عبد الحفيظ السطلي.
علي أبو زيد