افشين (حيدر كاوس)
Al.Afsheen (Haydar bin Kawes-) - Al-Afchine (Haydar ben Kawes-)
الأفشين (حيدر بن كاوس)
(000 ـ 226هـ/ 000 ـ 841م)
الأفشين لقب أمراء أُشروسنة قبل إسلامها، وهي المنطقة الجبلية المحصورة بين سمرقند وخجندة، وتضم المجرى العلوي لنهر زرفشان. غزاها الفضل بن يحيى البرمكي سنة 178هـ/ 794م. ولم ينتشر الإسلام فيها إلا حين أسلم الأفشين (كاوس) بعد حملة ثانية قادها أحمد بن أبي خالد سنة 207هـ/ 822م إثر نزاعات داخلية نشبت فيها.
ويعد حيدر بن كاوس الذي خلف أباه آخر من حمل هذا اللقب، واشتهر به في كتب التاريخ. وقد جاء ذكر الأفشين أول مرة في عهد الخليفة المأمون، عندما وجهه المعتصم، أخو الخليفة وواليه الاسمي على مصر، إلى برقة لتوطيد الأمور فيها، ولقمع ثورة قام بها القبط والعرب في دلتا النيل سنة 216هـ/ 831م. كذلك كلفه المعتصم تأليف فرقة عسكرية من عرب الدلتا والصحراء الغربية عرفت باسم «المغاربة».
وعندما تولى المعتصم الخلافة (218- 227هـ/ 833- 841م) عَيَّنَ الأفشينَ قائداً للقوات التي بعث بها للقضاء على ثورة بابك الخرمي في أذربيجان، والتي أقضّت مضجع الخلافة زهاء عشرين عاماً. وقد لج الأفشين في طلب «بابك» أكثر من عامين (220- 222هـ/ 835- 837م) حتى نجح في القضاء عليه وعلى الخرّمية، وكافأه المعتصم على نجاحه بولاية السند، إضافة إلى أرمينية وأذربيجان، ومنحه تاجاً وسيفين مرصعين بالجوهر. كذلك كان للأفشين دور رئيس في حملة المعتصم المشهورة على عمورية (223هـ/ 838م). وكان المعتصم يثق به ثقة عمياء، حتى إنه دفع إليه ابن أخيه العباس بن المأمون مقيداً حين عرف، وهو في أرض الروم، تفاصيل مؤامرة يدبرها بعض قادته، وعلى رأسهم عُجيف بن عَنْْْبسة لقتل المعتصم والمناداة بالعباس خليفة للمسلمين. وقيل إن الأفشين أطعم العباس طعاماً أجاجاً في يوم شديد الحر ومنعه الماء حتى مات، فحمل إلى منبج ودفن فيها.
ولكن الأمور لم تستقم للأفشين على نحو ما كان يشتهي، فقد دفعه حقده على عبد الله بن طاهر أمير ما وراء النهر ونزاعه معه إلى مراسلة المازيار محمد بن قارن حاكم (اصبهبذ) طبرستان، وتشجيعه سراً على الثورة. وحين تحقق المعتصم مما كان من أمره بعد هزيمة المازيار ومما كان من إرساله الأموال إلى أشروسنة عندما كان يحارب في أرض الخرّمية، وما اتهم به من أمر منكجور (ممثل الأفشين في أذربيجان) الذي ثار بتحريض منه، تغيرت معاملة المعتصم له. وأحس الأفشين بتغير الخليفة فحار في أمره، وشرع يعدّ العدة للفرار إلى أرمينية ثم إلى بلاد الخزر وأشروسنة ليستميل قومه على المسلمين، إلا أنه أخفق في إنفاذ ما عزم عليه. فقرر أن يولم لبعض القادة الترك أمثال أشناس وإيتاخ ويدعو الخليفة إلى وليمته ويدس السم لهم في الطعام، فإن لم يحضر الخليفة الوليمة عمد إلى الهرب. ولكن أخبار المؤامرة بلغت مسامع المعتصم فبادر إلى استدعائه وحبسه في الجوسق (القصر) وكلف جماعة التحقيق معه ومحاكمته، ترأسها وزيره محمد بن عبد الملك الزيات. وكان من أعضائها أحمد بن أبي دُاود وإسحاق بن إبراهيم بن مصعب، وأُحضر قوم لمواجهة الأفشين بما اتهم به. وتأكد للجماعة أن الأفشين إنما كان قد أظهر الإسلام لغاية في نفسه وأنه ما يزال على دينه السابق، وأنه عاقب إماماً ومؤذناً لإقامتهما مسجداً بأشروسنة، وأنه يأكل المخنوقة زاعماً أنها أرطب لحماً من المذبوحة. كما تبين لهم أنه لم يُخْتَتَنْ وأن أهل بلده يخاطبونه بإله الآلهة. ووجد في قصره بالمطيرة بيت فيه تمثال إنسان من خشب عليه حلية وجوهر، وكان له متاع بالوزيرية فيه صنم آخر، ووجدوا بين كتبه مجموعة من كتب المجوس، فأعيد الأفشين بعد هذا التحقيق إلى السجن، وأمر المعتصم أن يبنى له حبس مرتفع سماه اللؤلؤة داخل الجوسق، وأن يمنع منه الطعام إلا القليل حتى مات في شهر شعبان سنة 226هـ. فأخرج وصلب على باب العامة في بغداد ليراه الناس ثم أحرق جسده وطرح رماده في دجلة، وفي ذلك يقول أبو تمام:
صَلّى لها حياً وكان وقودها | ميتاً ويدخلها مع الفجار |