هل ثمة آفاق جديدة لحماية اللوحات التاريخية من التلف؟

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • هل ثمة آفاق جديدة لحماية اللوحات التاريخية من التلف؟

    هل ثمة آفاق جديدة لحماية اللوحات التاريخية من التلف؟
    سارة جقريف 17 أبريل 2023
    هنا/الآن
    "الفتاة ذات القرط اللؤلؤي" ونسخة منها باستخدام الذكاء الاصطناعي
    شارك هذا المقال
    حجم الخط



    ظل الحفاظ على اللوحات الفنية القديمة وحمايتها من التلف من المواضيع المثيرة لاهتمام الباحثين والعاملين في مجال الفنون، خاصة عندما يتعلق الأمر بالأعمال الفنية الخالدة لأبرز الرسامين العالميين على غرار لوحة "الموناليزا" لليوناردو دافنشي، ولوحة "دورية الليل" لرامبرانت، ولوحة "عازف الغيتار المسن" لبابلو بيكاسو وغيرها من اللوحات التاريخية المعروضة في مختلف المتاحف عبر العالم.

    لوحات فنية مهدّدة بالتلف

    إن البحث عن الطرق الفعالة للحفاظ على أشهر اللوحات الفنية للأجيال القادمة ناتج عن كون هذه الأخيرة معرضة للتلف سواء بفعل عامل الزمن أو الظروف البيئية المحيطة بها كالرطوبة والحرارة وغيرها أو أعمال التخريب المتعمدة التي تطالها أحيانًا. وهو ما يستوجب القيام بإجراءات فعلية من أجل حمايتها والحفاظ عليها من جهة وترميمها من جهة أخرى. وتعتبر هذه المهمة صعبة جدًا وأحيانًا شبه مستحيلة، وتتطلب بحثًا معمقًا نظرًا لخصوصية هذه اللوحات التي تتضمن الكثير من الأسرار وتثير العديد من الأسئلة حول التقنيات والمواد المستخدمة في رسمها وتجفيفها.

    إن الكشف عن جوانب من هذه الأسرار من شأنه أن يوفر معلومات أساسية حول تاريخ اللوحات وحالات حفظها من التآكل والتدهور. والتعرف على الأدوار الإيجابية أو السلبية التي تلعبها المواد والمكونات المستخدمة في استقرار الخصائص البصرية للوحات الفنية، وبالتالي إمكانية التخطيط لحمايتها مستقبلًا أو ترميمها في حالة تعرضها لتلف جزئي بفعل الزمن أو الاعتداءات الخارجية.

    وتعد محاولات الاعتداء على أشهر اللوحات الفنية من الأحداث البارزة التي تشغل أهل الفن، على غرار محاولة شاب الاعتداء على لوحة "الموناليزا" السنة الماضية في متحف "اللوفر" بباريس، رغم احتياطات عرضها خلف لوح من زجاج مضاد للرصاص، ومعززةً بحراسة إلكترونية مشددة. وسبقت هذه المحاولة سلسلة اعتداءات على اللوحة الأشهر في تاريخ الفن، أبرزها رش اللوحة "بحامض كبريتيك" في خمسينات القرن الماضي ما أثر في أطرافها.

    وذلك إلى جانب التلف الذي يطال اللوحات القديمة بفعل الزمن، كما هي الحال بالنسبة للوحة "دورية الليل" التي شهدت عملية ترميم طويلة ومعقدة في تموز/ يوليو 2019. وكانت هذه العملية أكبر مشروع بحث وحفظ تم تنفيذه على الإطلاق من أجل ترميم تحفة رامبرانت، حيث طرح فريق العمل ثلاثة أسئلة بحثية، أولها كيف رسم رامبرانت لوحة "دورية الليل"؟ وكان السؤال الثاني ما هي حالة اللوحة؟ أما السؤال الأخير فكان كيف يمكننا الحفاظ عليها على أفضل وجه للأجيال القادمة؟ وقد تمت معالجة هذه الأسئلة بأسلوب متعدد التخصصات بالتعاون الوثيق مع القائمين على الترميم ومؤرخي الفن والعلماء. وعادة ما تتميز عمليات الحفظ والترميم بالتعقيد بسبب نقص المعلومات أو انعدامها حول تقنيات ومواد رسمها.
    إثر الاعتداء على لوحة "الموناليزا" في متحف "اللوفر" بباريس
    الكشف عن مواد رسم وتجفيف أشهر اللوحات

    يبدو أن هناك فعلًا آفاقًا جديدة حول مستقبل اللوحات الفنية القديمة والمشهورة وطرق حمايتها من التلف، فتحها فريق دولي من الباحثين في مختبر الفيزياء الضوئية والكيمياء الجزيئية الفائقة بباريس الذين اشتغلوا على هذه المعادلة وتمكنوا لأول مرة في تاريخ الدراسات العلمية لأشهر اللوحات الفنية القديمة من الكشف عن مركبات كيميائية جديدة استخدمها الرسامون في لوحاتهم، وتحديد هيكلها البلوري، خاصة ما تعلق بلوحة "دورية الليل".

    ويعد رامبرانت فان رين (1606- 1669) أحد أكثر الرسامين الهولنديين إبداعًا في القرن السابع عشر. وتعد "دورية الليل" أو كما يطلق عليها بالإنكليزية Night Watch التي تم رسمها عام 1642، واحدة من أهم روائعه. وتوصف اللوحة المعروضة في متحف Rijksmuseum أمستردام بأنها أكبر عمل فني رسمه على الإطلاق، حيث أظهر الرسام براعته من خلال تحقيق تركيبة جريئة في تأثيرات الضوء والظل اللافتة للنظر وبحثه المستمر عن الحداثة في مواد وتقنيات الرسم.
    أثارت مؤخرًا لوحة "الفتاة ذات القرط اللؤلؤي" التي رسمها يوهانس فيرمير عام 1665، جدلًا واسعًا حول مستقبل اللوحات الفنية التاريخية بعد عرض نسخة منها تم تطويرها باستخدام الذكاء الاصطناعي، في متحف في لاهاي بهولندا
    إن كشف أسرار المواد التي استخدمها الفنانون في رسم وتجفيف لوحاتهم، سيسمح باتخاذ التدابير اللازمة لحماية اللوحات وكذلك سيسمح بترميمها في حالة تعرضت للتلف أو التخريب. وهو ما تناولته الدراسة التي نشرت في المجلة الألمانية Angewandte Chemie بتاريخ 2 كانون الثاني/ يناير 2023. توصل الفريق لاكتشاف وجود غير عادي لفورمات الرصاص في عدة مناطق من اللوحة، وهي المرة الأولى التي يتم فيها العثور على هذا المركب في اللوحات الزيتية التاريخية. بالاعتماد على تقنية حيود الأشعة السينية التي تستخدم لجمع البيانات حول البنية البلورية، التركيب الكيميائي، والخواص الفيزيائية للطبقات الرقيقة وطبقات الطلاء الزيتية في اللوحات. وهي التقنية التي أظهرت أنها فعالة للغاية في اكتشاف وتمييز مركبات الرصاص المختلفة في وقت واحد. ويوفر البحث أدلة جديدة فيما يتعلق بتفاعل مجففات الرصاص في مصفوفات الزيت في اللوحات التاريخية. وأظهر فحص اللوحة كيميائيًا باستخدام تقنيات تحليلية تكميلية مختلفة، لا سيما طرق التصوير الكيميائي التي تعمل بمقاييس أطوال متعددة، أن هذه الأخيرة تتشكل من مواد غير متجانسة إلى حد كبير، سواء على طول سطح اللوحة أو في العمق. ووفقًا لذلك، تم تحديد تكوين المواد وتوزيعها عبر الخرائط. ويساعد هذا في تقييم مكونات الطلاء الأصلية ومنتجات الحفظ والتحلل وتقنية الطلاء. ونجح الفريق في الحصول على هذه المعلومات الجديدة، عن طريق تحديد ورسم خرائط لمركبات الرصاص المختلفة وتوزيعها، حيث استخدم رامبرانت بكثرة أصباغ الرصاص في لوحته. ولعل الشكل الأكثر شيوعًا هو الرصاص الأبيض وهو صبغة مركبة تحتوي عادةً على كربونات الرصاص، بالإضافة إلى العثور على الرصاص الأحمر أو الألومينيوم وفي منتجات التحلل نجد كبريتات الرصاص، بينما في عوامل التجفيف نجد مركب أكسيد الرصاص الثنائي، وهو مركب كيميائي، ويكون على شكل بلورات حمراء أو صفراء وذلك حسب البنية البلورية. ويوصي البحث بشدة بتتبع فورمات الرصاص في أجزاء من اللوحات التاريخية، مع الحرص على استخدام أقل جرعة من الأشعة السينية قدر الإمكان، من أجل جمع معلومات أساسية حول تاريخ اللوحات الزيتية وحالات حفظها من التآكل والتدهور واستقرار خصائصها البصرية. وبالتالي ضمان تقديمها في أفضل صورة للأجيال القادمة في مختلف المعارض والمتاحف الموجودة عبر العالم.
    أظهررامبرانت براعته من خلال تحقيق تركيبة جريئة في تأثيرات الضوء والظل اللافتة للنظر في لوحته "دورية الليل"
    ترميم اللوحات القديمة أصبح ممكنًا

    إن الدراسات العلمية والكشف عن أسرار أشهر اللوحات الفنية سيسمح بتدعيم أساليب ترميمها مستقبلًا. وعلى سبيل المثال، فإن الجدل الذي أثارته حالة لوحة "الموناليزا" حول حقيقة رسم الحواجب من غيره، يمكن أن يمثل تحديًا علميًا في المستقبل ويفتح آفاقًا لترميمها في حال تم نفي الفرضية التي ذهب إليها بعض المحللين، الذين أرجعوا سبب عدم وجود حواجب في اللوحة إلى رغبة الرسام ليوناردو دافنشي في تجسيد موضة القرن الـسادس عشر، عندما كانت النساء آنذاك تقمن بنزع الحواجب، وتأكيد الفرضية التي طرحها المهندس الفرنسي باسكال كونت سنة 2007، الذي اكتشف آثارًا للرموش والحاجبين في لوحة "الموناليزا" باستخدام تقنية المسح بدقة 240 بيكسل، وفسّر اختفاءها بتلاشي الأصباغ التي وظفها دافنشي في رسم هذه التفاصيل بفعل مرور الزمن أو بفعل التنظيف بطريقة خاطئة.

    يذكر أن سنة 2012 شهدت عملية ترميم لنسخة من "الموناليزا" تحمل اسم "سيدة ليوناردو دافنشي"، المعروضة في متحف "ديل برادو" في مدريد، إذ اكتشف فريق العمل خلالها أن اللوحة التي اعتبرت لسنوات طويلة من أعمال دافنشي، ليست كذلك، ورجحوا أن يكون ليونارديتشي، أحد تلاميذه، من رسمها، في الأستوديو الخاص به في نفس فترة رسم "الموناليزا".

    ولعل لوحة "عازف الغيتار المسن" التي رسمها بابلو بيكاسو أوائل القرن العشرين، تعتبر من بين اللوحات التي أثارت الكثير من التساؤلات والبحث لاكتشاف أسرارها ومنه طريقة حفظها، لا سيما بعدما بدأ طلاء اللوحة الظاهرة في التلاشي واكتشاف فريق من الباحثين الذين فحصوا اللوحة عام 1988 باستخدام الأشعة تحت الحمراء، لوحة أخرى تحت اللوحة الأصلية. ورجح البعض أن بيكاسو رسم اللوحة عندما كان لا يملك الكثير من قطع القماش للرسم عليها.

    في المقابل أثارت مؤخرًا، لوحة "الفتاة ذات القرط اللؤلؤي" التي رسمها يوهانس فيرمير عام 1665، جدلًا واسعًا حول مستقبل اللوحات الفنية التاريخية بعد عرض نسخة منها تم تطويرها باستخدام الذكاء الاصطناعي، في متحف ماورتشهاوس في لاهاي بهولندا، الذي يضم أعمالًا كلاسيكية لفيرمير ورامبرانت، خاصة أن صاحب العمل تمكن من تجسيد لمعان ورمزية اللوحة الأصلية إلى حد بعيد. وتعد لوحة "الفتاة ذات القرط اللؤلؤي" من أشهر الأعمال الفنية في تاريخ الرسم، وواحدة من اللوحات التي يجب العمل على الحفاظ عليها في أفضل صورة للأجيال القادمة.

    وبين خطر التدهور والتآكل الذي يهدد أشهر اللوحات الفنية والاعتداءات التي يمكن أن تطالها، تبقى البحوث العلمية الجادة التي تسعى للكشف عن المزيد من أسرارها السبيل الوحيد لخلق آفاق جديدة للحفاظ عليها وحمايتها وترميم ما تلف منها وتدعيم المعارض والمتاحف بها.

    (الجزائر)
يعمل...
X