جزاير (مدينه)
Algiers - Alger
الجزائر (مدينة ـ)
مدينة الجزائر عاصمة الجمهورية الجزائرية ومركز ولاية الجزائر، فيها مقر الحكومة وتعد من أهم مدنها لما يتركز بها من نشاطات متنوعة، إدارية وتجارية وصناعية ومالية ومراكز ثقافية وإعلامية ومستشفيات، كما تعد أهم موانئ البلاد، وفيها مطار دولي يربطها بمختلف قارات العالم.
تقع على نقطة تقاطع خطي العرض 36 درجة و51 دقيقة شمالاً، والطول 2 درجة و56 دقيقة شرقاً، وهي النقطة المنصفة لخط الساحل الجزائري، الممتد على طول 1200كم تقريباً، أو المنصفة لشواطئ المغرب العربي الممتدة من طنجة[ر] إلى بنزرت[ر]. وهي ميناء يطل على خليج هلالي واسع، وازدادت أهميتها البحرية بعد فتح قناة السويس (1869)، وكانت قلعة لمراقبة الملاحة البحرية، خاصة في عهد القرصنة الأوربية في العصور الوسطى.
أما موقعها البري، فقد جعلها البوابة الرئيسية لإفريقية، وتستند في موضعها الجبلي المقابل للقبلة إلى جبل بوزريعة، الذي يقارب ارتفاعه 400م، وهو جبل شديد الانحدار في جهته الشمالية، ينتهي في جهته الشرقية بعدة نتوءات، تنحدر منه شعاب ومسيلات كثيرة في كل الاتجاهات، أما في جهته الجنوبية فيخف انحداره إلى أن يصل إلى السهل المتيجي الذي يعد بحق ظهير مدينة الجزائر، وهو سهل انهدامي في شكل حوض ملأته الرواسب القادمة من الجبال، له شكل طولي منبسط، تكسوه تربة خصبة، غنية بالمياه الجوفية، تُموِّن المدينة بالخضراوات والفواكه والألبان، والكرمة التي كانت تغطي ما يقرب من ثلثي مساحته الإجمالية.
النشأة والتاريخ
ترجع نشأة مدينة الجزائر، كما دلت عليها الحفريات والآثار القديمة، إلى عهد الفينيقيين في الألف الأول قبل الميلاد، الذين أسسوا مدينة إيكوسيم نحو القرن 6ق.م، التي قامت على آثارها مدينة الجزائر الحالية، على جزيرات اشتُق منها اسم مدينة الجزائر التي كانت تسمى حتى العهد الروماني إيكوسيم. عاثت القلاقل والاضطرابات في عهد الاستعمار الروماني بين الحاكم الروماني والعنصر الأمازيغي (البربري) الوطني، وأهمها ثورة قبائل جبال جرجرة بقيادة فيرميوس Firmus الذي احتل مدينة إيكوسيم، أي الجزائر، سنة 372م، التي أطلق عليها اسم جزائر بني مزغنة في العهد الإسلامي الأول، ثم الجزائر في العهد التركي، وهو الاسم الذي عمم فيما بعد على كامل التراب الجزائري.
حكمتها الدول الإسلامية التي حكمت بلدان المغرب العربي، مثل الدولة الفاطمية، التي أدخل في عهدها بلكين بن زيري بن مناد الصنهاجي نحو سنة 360هـ/971م بعض الإصلاحات على جزائر بني مزغنة، ودولة المرابطين التي بنى فيها يوسف بن تاشفين جامعها الكبير بحدود سنة 495هـ/1066م، ومنها الدولة الزيانية (633-957هـ/1236-1550م)، التي كانت عاصمتها تلمسان، وبسطت سلطتها حتى مدينة الجزائر. وفي أواخر القرن العاشر الهجري/السادس عشر الميلادي، ازداد تناحر الممالك الأمازيغية على السلطة في بلاد المغرب الأوسط، فضعفت دويلاتهم وزادت أطماع الإسبان، الذين أخذوا يستولون على أهم الثغور الساحلية لبلاد الجزائر، مما دفع بسكان مدينة الجزائر (الثعالبية) للاستنجاد بالأخوين بربروس، اللذين دخلاها سنة 922هـ/1516م، واتخذا منها مركزاً لمطاردة الإسبان، وبعد بضع سنوات من هذا التاريخ، كتب خير الدين بربروس على لسان سكان مدينة الجزائر، إلى السلطان العثماني سليم الأول، وأرسل له الهدايا، طالباً منه حماية الباب العالي للجزائر، فقبلها السلطان العثماني، وأرسل نحو 6000جندي تركي، ومنذ ذلك التاريخ صار الباب العالي هو الذي يعين حكامها من بايات وآغوات وبشوات ودايات، مقابل ضريبة سنوية يدفعونها، وأذن لهم في ضرب السكة باسمه. وقد قام الأتراك بتحصين مدينة الجزائر تحصيناً شديداً، ببناء الأسوار والأبراج المزودة بالمدافع لصد الحملات الأوربية التي توالت على المدينة، مدة تزيد على ثلاثة قرون، تعرضت فيها مدينة الجزائر والمدن الساحلية للمغرب العربي لكثير من المتاعب الصليبية وخاصة الغزوات الإسبانية، واحتل الإسبان مدينة الجزائر التي أقام فيها بيدرو نافارو الإسباني حصنه المعروف ببرج الفنار على إحدى جزرها سنة 1510م، وقد ظل هذا الحصن شوكة في جسم مدينة الجزائر، إلى أن هدمه خير الدين، بعد أن أباد حاميتها سنة 1529م. ومن أشهر الحملات حملة شارل الخامس ملك إسبانية سنة 948هـ/1541م، التي جهز فيها 65 بارجة حربية و451 سفينة شراعية وجنّد لها ما يقرب من 90 ألف جندي وبحار، وأخفقت إخفاقاً ذريعاً، وكانت آخرها الحملة الفرنسية التي انتهت باستيلاء الفرنسيين على مدينة الجزائر في 4 تموز من سنة 1830، وفيها قام الفرنسيون بنهب المدينة وتخريب الكثير من معالمها، وخاصة مساجدها وقصورها وأسوارها، وقامت في أثناء الاحتلال الفرنسي، في الجزائر عدة ثورات، قادها الأمير عبد القادر والمقراني، كما نظمت بها عدة حركات سياسية ضد الاستعمار الفرنسي أشهرها حركة حزب الشعب وجمعية العلماء وحزب البيان، وهي أحزاب اتخذت من مدينة الجزائر مركزاً لها.
وفي أثناء الحرب العالمية الثانية، اختارت دول الحلفاء مدينة الجزائر نقطة الانطلاق لمحاربة الألمان، فنزلوا بها يوم 7تشرين الثاني سنة 1942، وظلوا بها إلى أن حرروا فرنسة من الألمان، ثم اتخذها ثوار الجزائر مركزاً لاجتماعاتهم السرية، منها اجتماع تموز سنة 1954 الذي اجتمعت فيه المنظمة السرية (المعروفة بلجنة 22)، في حي المرادية بأعالي مدينة الجزائر، ثم أصبحت عاصمة التراب الجزائري المستقل منذ عام 1962.
السكان
عمرت مدينة الجزائر في أول نشأتها بعناصر فينيقية وعناصر محلية، وفي العهد الروماني هاجرت إليها عناصر لاتينية، ظلت السلطة بيدها حتى منتصف القرن السابع الميلادي، عندما دخل العرب المسلمون فاتحين للبلاد وناشرين للإسلام. ولعل أهم الهجرات العربية إلى مدينة الجزائر هي الهجرة التالية المتمثلة بهجرة القبائل الهلالية العربية إلى شمالي إفريقية في القرن العاشر الميلادي، ومنهم تنحدر قبيلة الثعالبة الذين سكنوا السهل المتيجي واستوطنوا المدينة حتى العهد التركي، والذي أخذت فيه أفواج المهاجرين الأندلسيين واليهود تتدفق على مدينة الجزائر، فصار سكانها خليطاً من الأمازيغ والعرب والأندلسيين والأتراك واليهود والعبيد والأسرى المسيحيين من البلاد الأوربية.
ذكرت الحملة الفرنسية سنة 1830، أن سكان مدينة الجزائر كانوا نحو 30 ألف نسمة، وقد أجبرت الحملة الفرنسية نحو نصف السكان المسلمين على مغادرة المدينة، وأخذ المحتلون يشجعون العناصر الأوربية من إسبان وإيطاليين وألمان على الهجرة إلى الجزائر، إلى أن أصبح عدد الأجانب الأوربيين بحسب إحصائية سنة 1954 يفوق عدد الأهالي. وفي أثناء الثورة التحريرية بسنة 1954، قامت فرنسة بمضايقة سكان الأرياف والبوادي، مما أجبر الكثير منهم على الهجرة نحو المدن، خاصة نحو مدينة الجزائر التي بلغ عدد سكانها سنة 1960 نحو 869 ألف نسمة. وبعد الاستقلال هاجر إلى المدينة ما يقرب من نصف مليون نسمة من سكان الجهات الشرقية (جيجل، سطيف، تيزي وزو). وظل هذا السيل من المهاجرين الريفيين يتزايد إلى أن صار عدد سكانها يقرب من المليون ونصف المليون نسمة سنة 1977، ثم ارتفع إلى أكثر من مليونين ونصف المليون نسمة عام 2000، وهي زيادة غير طبيعية أدت إلى مشكلات عدة، تجاوزت المخططات الإنمائية للمدينة، أهمها الاكتظاظ وأزمة السكن وانتشار أحياء البؤس، ثم البطالة وتزايد التلوث. وتعاني المدينة نقصاً في مياه الشرب، إذ تنتج مصالح المياه نحو 357ألف م3 من الماء يومياً، في حين تصل حاجة المدينة اليومية إلى 600 ألف م3، كما تعاني المدينة توسعاً عمرانياً على حساب الأراضي الزراعية في السهل المتيجي الخصب.
معالم المدينة
من أهم معالم مدينة الجزائر حي القصبة، الذي لا يزال يحمل تاريخها القديم من دور عتيقة ودروب ملتوية وبقايا الأسوار القديمة وقصور الدايات ورياس (رؤساء) البحر، من أهمها قصر الداي حسين الذي مازال شامخاً حتى اليوم، بما يحويه من غرف عدة وزخارف جميلة وأقواس فريدة في نوعها، يوجد هذا القصر في أعالي القصبة غير بعيد من برج بوليلى، الذي بُني في القرن السادس عشر الميلادي. وخارج حي القصبة توجد آثار للأبراج والحصون القديمة.
ومن المعالم التاريخية المساجد التي يفوق عددها حالياً المئة، وأقدم هذه المساجد هو الجامع الكبير الذي مازال شامخاً حتى اليوم، بناه يوسف بن تاشفين في أواسط القرن الحادي عشر للميلاد، على الطراز المغربي الأندلسي فوق مساحة تقرب من 1000م2، تشرف نوافذه على البحر، له أربعة أبواب، يقوم على 72 سارية، وله قبب وأروقة ونافورات ومئذنة مربعة الشكل على الطراز المغربي، وقيل إنها مستعارة من الأبراج الأربعة التي كانت قائمة في معبد دمشق، قبل أن يبنى على أنقاضها المسجد الأموي، ترتفع إلى علو 15م، تنتهي بقبة صغيرة فيها مزولة قديمة. ولعل من أهم الآثار الباقية في هذا المسجد هو المنبر القديم المصنوع من خشب الأرز الصلب المزخرف، يعود بحسب ما نُقش عليه إلى سنة 470هـ/1077م، وربما يعد من أقدم المنابر الإسلامية. وإلى جانب هذه المعالم الإسلامية القديمة، تظهر المباني الأوربية الحديثة العائدة إلى عهد الاحتلال الفرنسي، وفيها المتاحف مثل متحف الثورة التحريرية ومتحف الفنون الجميلة ومتحف باردو للآثار القديمة، إضافة إلى الساحات المنظمة مثل ساحة الأمير عبد القادر وساحة الشهداء وبور سعيد، والحدائق العامة مثل حديقة الحامة وحديقة الحيوانات بالأبيار.
عبد القادر حليمي
Algiers - Alger
الجزائر (مدينة ـ)
مدينة الجزائر عاصمة الجمهورية الجزائرية ومركز ولاية الجزائر، فيها مقر الحكومة وتعد من أهم مدنها لما يتركز بها من نشاطات متنوعة، إدارية وتجارية وصناعية ومالية ومراكز ثقافية وإعلامية ومستشفيات، كما تعد أهم موانئ البلاد، وفيها مطار دولي يربطها بمختلف قارات العالم.
أما موقعها البري، فقد جعلها البوابة الرئيسية لإفريقية، وتستند في موضعها الجبلي المقابل للقبلة إلى جبل بوزريعة، الذي يقارب ارتفاعه 400م، وهو جبل شديد الانحدار في جهته الشمالية، ينتهي في جهته الشرقية بعدة نتوءات، تنحدر منه شعاب ومسيلات كثيرة في كل الاتجاهات، أما في جهته الجنوبية فيخف انحداره إلى أن يصل إلى السهل المتيجي الذي يعد بحق ظهير مدينة الجزائر، وهو سهل انهدامي في شكل حوض ملأته الرواسب القادمة من الجبال، له شكل طولي منبسط، تكسوه تربة خصبة، غنية بالمياه الجوفية، تُموِّن المدينة بالخضراوات والفواكه والألبان، والكرمة التي كانت تغطي ما يقرب من ثلثي مساحته الإجمالية.
النشأة والتاريخ
ترجع نشأة مدينة الجزائر، كما دلت عليها الحفريات والآثار القديمة، إلى عهد الفينيقيين في الألف الأول قبل الميلاد، الذين أسسوا مدينة إيكوسيم نحو القرن 6ق.م، التي قامت على آثارها مدينة الجزائر الحالية، على جزيرات اشتُق منها اسم مدينة الجزائر التي كانت تسمى حتى العهد الروماني إيكوسيم. عاثت القلاقل والاضطرابات في عهد الاستعمار الروماني بين الحاكم الروماني والعنصر الأمازيغي (البربري) الوطني، وأهمها ثورة قبائل جبال جرجرة بقيادة فيرميوس Firmus الذي احتل مدينة إيكوسيم، أي الجزائر، سنة 372م، التي أطلق عليها اسم جزائر بني مزغنة في العهد الإسلامي الأول، ثم الجزائر في العهد التركي، وهو الاسم الذي عمم فيما بعد على كامل التراب الجزائري.
حكمتها الدول الإسلامية التي حكمت بلدان المغرب العربي، مثل الدولة الفاطمية، التي أدخل في عهدها بلكين بن زيري بن مناد الصنهاجي نحو سنة 360هـ/971م بعض الإصلاحات على جزائر بني مزغنة، ودولة المرابطين التي بنى فيها يوسف بن تاشفين جامعها الكبير بحدود سنة 495هـ/1066م، ومنها الدولة الزيانية (633-957هـ/1236-1550م)، التي كانت عاصمتها تلمسان، وبسطت سلطتها حتى مدينة الجزائر. وفي أواخر القرن العاشر الهجري/السادس عشر الميلادي، ازداد تناحر الممالك الأمازيغية على السلطة في بلاد المغرب الأوسط، فضعفت دويلاتهم وزادت أطماع الإسبان، الذين أخذوا يستولون على أهم الثغور الساحلية لبلاد الجزائر، مما دفع بسكان مدينة الجزائر (الثعالبية) للاستنجاد بالأخوين بربروس، اللذين دخلاها سنة 922هـ/1516م، واتخذا منها مركزاً لمطاردة الإسبان، وبعد بضع سنوات من هذا التاريخ، كتب خير الدين بربروس على لسان سكان مدينة الجزائر، إلى السلطان العثماني سليم الأول، وأرسل له الهدايا، طالباً منه حماية الباب العالي للجزائر، فقبلها السلطان العثماني، وأرسل نحو 6000جندي تركي، ومنذ ذلك التاريخ صار الباب العالي هو الذي يعين حكامها من بايات وآغوات وبشوات ودايات، مقابل ضريبة سنوية يدفعونها، وأذن لهم في ضرب السكة باسمه. وقد قام الأتراك بتحصين مدينة الجزائر تحصيناً شديداً، ببناء الأسوار والأبراج المزودة بالمدافع لصد الحملات الأوربية التي توالت على المدينة، مدة تزيد على ثلاثة قرون، تعرضت فيها مدينة الجزائر والمدن الساحلية للمغرب العربي لكثير من المتاعب الصليبية وخاصة الغزوات الإسبانية، واحتل الإسبان مدينة الجزائر التي أقام فيها بيدرو نافارو الإسباني حصنه المعروف ببرج الفنار على إحدى جزرها سنة 1510م، وقد ظل هذا الحصن شوكة في جسم مدينة الجزائر، إلى أن هدمه خير الدين، بعد أن أباد حاميتها سنة 1529م. ومن أشهر الحملات حملة شارل الخامس ملك إسبانية سنة 948هـ/1541م، التي جهز فيها 65 بارجة حربية و451 سفينة شراعية وجنّد لها ما يقرب من 90 ألف جندي وبحار، وأخفقت إخفاقاً ذريعاً، وكانت آخرها الحملة الفرنسية التي انتهت باستيلاء الفرنسيين على مدينة الجزائر في 4 تموز من سنة 1830، وفيها قام الفرنسيون بنهب المدينة وتخريب الكثير من معالمها، وخاصة مساجدها وقصورها وأسوارها، وقامت في أثناء الاحتلال الفرنسي، في الجزائر عدة ثورات، قادها الأمير عبد القادر والمقراني، كما نظمت بها عدة حركات سياسية ضد الاستعمار الفرنسي أشهرها حركة حزب الشعب وجمعية العلماء وحزب البيان، وهي أحزاب اتخذت من مدينة الجزائر مركزاً لها.
وفي أثناء الحرب العالمية الثانية، اختارت دول الحلفاء مدينة الجزائر نقطة الانطلاق لمحاربة الألمان، فنزلوا بها يوم 7تشرين الثاني سنة 1942، وظلوا بها إلى أن حرروا فرنسة من الألمان، ثم اتخذها ثوار الجزائر مركزاً لاجتماعاتهم السرية، منها اجتماع تموز سنة 1954 الذي اجتمعت فيه المنظمة السرية (المعروفة بلجنة 22)، في حي المرادية بأعالي مدينة الجزائر، ثم أصبحت عاصمة التراب الجزائري المستقل منذ عام 1962.
السكان
عمرت مدينة الجزائر في أول نشأتها بعناصر فينيقية وعناصر محلية، وفي العهد الروماني هاجرت إليها عناصر لاتينية، ظلت السلطة بيدها حتى منتصف القرن السابع الميلادي، عندما دخل العرب المسلمون فاتحين للبلاد وناشرين للإسلام. ولعل أهم الهجرات العربية إلى مدينة الجزائر هي الهجرة التالية المتمثلة بهجرة القبائل الهلالية العربية إلى شمالي إفريقية في القرن العاشر الميلادي، ومنهم تنحدر قبيلة الثعالبة الذين سكنوا السهل المتيجي واستوطنوا المدينة حتى العهد التركي، والذي أخذت فيه أفواج المهاجرين الأندلسيين واليهود تتدفق على مدينة الجزائر، فصار سكانها خليطاً من الأمازيغ والعرب والأندلسيين والأتراك واليهود والعبيد والأسرى المسيحيين من البلاد الأوربية.
ذكرت الحملة الفرنسية سنة 1830، أن سكان مدينة الجزائر كانوا نحو 30 ألف نسمة، وقد أجبرت الحملة الفرنسية نحو نصف السكان المسلمين على مغادرة المدينة، وأخذ المحتلون يشجعون العناصر الأوربية من إسبان وإيطاليين وألمان على الهجرة إلى الجزائر، إلى أن أصبح عدد الأجانب الأوربيين بحسب إحصائية سنة 1954 يفوق عدد الأهالي. وفي أثناء الثورة التحريرية بسنة 1954، قامت فرنسة بمضايقة سكان الأرياف والبوادي، مما أجبر الكثير منهم على الهجرة نحو المدن، خاصة نحو مدينة الجزائر التي بلغ عدد سكانها سنة 1960 نحو 869 ألف نسمة. وبعد الاستقلال هاجر إلى المدينة ما يقرب من نصف مليون نسمة من سكان الجهات الشرقية (جيجل، سطيف، تيزي وزو). وظل هذا السيل من المهاجرين الريفيين يتزايد إلى أن صار عدد سكانها يقرب من المليون ونصف المليون نسمة سنة 1977، ثم ارتفع إلى أكثر من مليونين ونصف المليون نسمة عام 2000، وهي زيادة غير طبيعية أدت إلى مشكلات عدة، تجاوزت المخططات الإنمائية للمدينة، أهمها الاكتظاظ وأزمة السكن وانتشار أحياء البؤس، ثم البطالة وتزايد التلوث. وتعاني المدينة نقصاً في مياه الشرب، إذ تنتج مصالح المياه نحو 357ألف م3 من الماء يومياً، في حين تصل حاجة المدينة اليومية إلى 600 ألف م3، كما تعاني المدينة توسعاً عمرانياً على حساب الأراضي الزراعية في السهل المتيجي الخصب.
معالم المدينة
من أهم معالم مدينة الجزائر حي القصبة، الذي لا يزال يحمل تاريخها القديم من دور عتيقة ودروب ملتوية وبقايا الأسوار القديمة وقصور الدايات ورياس (رؤساء) البحر، من أهمها قصر الداي حسين الذي مازال شامخاً حتى اليوم، بما يحويه من غرف عدة وزخارف جميلة وأقواس فريدة في نوعها، يوجد هذا القصر في أعالي القصبة غير بعيد من برج بوليلى، الذي بُني في القرن السادس عشر الميلادي. وخارج حي القصبة توجد آثار للأبراج والحصون القديمة.
ومن المعالم التاريخية المساجد التي يفوق عددها حالياً المئة، وأقدم هذه المساجد هو الجامع الكبير الذي مازال شامخاً حتى اليوم، بناه يوسف بن تاشفين في أواسط القرن الحادي عشر للميلاد، على الطراز المغربي الأندلسي فوق مساحة تقرب من 1000م2، تشرف نوافذه على البحر، له أربعة أبواب، يقوم على 72 سارية، وله قبب وأروقة ونافورات ومئذنة مربعة الشكل على الطراز المغربي، وقيل إنها مستعارة من الأبراج الأربعة التي كانت قائمة في معبد دمشق، قبل أن يبنى على أنقاضها المسجد الأموي، ترتفع إلى علو 15م، تنتهي بقبة صغيرة فيها مزولة قديمة. ولعل من أهم الآثار الباقية في هذا المسجد هو المنبر القديم المصنوع من خشب الأرز الصلب المزخرف، يعود بحسب ما نُقش عليه إلى سنة 470هـ/1077م، وربما يعد من أقدم المنابر الإسلامية. وإلى جانب هذه المعالم الإسلامية القديمة، تظهر المباني الأوربية الحديثة العائدة إلى عهد الاحتلال الفرنسي، وفيها المتاحف مثل متحف الثورة التحريرية ومتحف الفنون الجميلة ومتحف باردو للآثار القديمة، إضافة إلى الساحات المنظمة مثل ساحة الأمير عبد القادر وساحة الشهداء وبور سعيد، والحدائق العامة مثل حديقة الحامة وحديقة الحيوانات بالأبيار.
عبد القادر حليمي