جورجوني (جورجو دل كاستلفرانك)
Giorgione (Giorgio da Castelfranco-) - Giorgione (Giorgio da Castelfranco-)
جورجوني (جورجو دل كاستلفرانكو ـ)
(1477ـ1510)
جورجو دل كاستلفرانكو Giorgio del Castelfranco المعروف باسم جورجوني Giorgione، مصور إيطالي ولد في بلدة كاستلفرانكو بإقليم فينيتو في شمالي إيطالية وتوفي في البندقية. نشأ الفنان في مرسم جوفاني بلّيني [ر]، وكان له تأثير كبير على مجرى مدرسة البندقية في التصوير بعد أن مهد أمامها سبيل اللون والضوء.
اكتنف حياته القصيرة الغموض، ولم يحفظ لنا الزمن من إنتاجه الفني سوى القليل، إذ لم تتجاوز لوحاته الباقية العشر، لكنها كافية للتدليل على أهمية الفن الذي تركه هذا الفنان وعلى عظمته، ولاسيما في التعبير الرفيع عن الجمال والعلاقات الإنسانية. فقد ابتدع جورجوني اتجاهاً جديداً في التصوير، استمد موضوعاته من حياة الناس اليومية، فصور مجموعات من النساء والرجال بين أثاث مألوف، أو في حلقة حوار، أو في محفل للغناء والموسيقى، وبصيغة فنية واقعية تضج بالحياة والرقة والعذوبة، عبر توليفة لونية ساحرة، حببت الناس بها، ودفعتهم لاقتنائها.
اقتحم جورجوني حقبة الثورة على الشكل، بتعبيره عن الحركة المادية والحركة المعنوية، أي الوجدانية، وقد اكتشف سر الحركة في الضوء وتحولاته، فاستخدمه للإطاحة بتقاليد الشكل. وبهذا المعنى يمكن عد جورجوني سلف كارافاجو[ر] Caravaggio. فالضوء وجود غير ملموس، لا يفتأ في التغير والتحول، بينما الشكل ثابت وهما نقيضان.
والحقيقة أن مدرسة البندقية اتجهت مع جورجوني نحو مزيد من التطور حين آثرت اللون الذي يرضي الحواس على الشكل الذي يرضي العقل، كما آثرت إمكانات التصوير الفنية، على التسجيل الدقيق للعناصر الواقعية، وآثرت الموضوع المصور بالأسلوب التصويري الذي استعاض عن الحدود المحوّطة التي عهدناها في الأسلوب المساحي Linear بالألوان المتداخلة. وبهذا كانت مدرسة البندقية أول مدرسة تخلق فناً قائماً على الانطباعات التأثيرية أكثر مما يقوم على القواعد العلمية.
ومع جورجوني ومن تبعه صار فن التصوير قادراً على ترجمة نبضات الروح ونقلها إلى اللوحة، وهو ما أتاح للفنان نقل مشاعره الذاتية والتعبير عنها بجلاء ووضوح. ففي لوحته «الحكماء الثلاثة»، الموجودة في متحف الفنون بفيينة، اقتحم جورجوني عالم التلميحات والرمز والشاعرية والتعبير عن أسرار النفس الدفينة. وأراد بهذه اللوحة، تمثيل أساتذة الفلسفة في العصور الثلاثة: القديمة والوسطى والحديثة، ولعل أجمل أنماط العري لديه هي «فينوس درسدن» وهي لوحة لامرأة مستلقية فوق قماش، في منظر طبيعي تطل من أفقه البيوت، وتحتل هذه اللوحة الجميلة في التصوير الأوربي المكانة نفسها التي تحتلها « فينوس الكنيدية» في النحت الاتباعي، واستحوذت وضعيتها على الإعجاب والرضاء، حتى أخذ كبار مصوري النساء العاريات، على مدى أربعة قرون أمثال تتسيانو[ر] وروبنز[ر] وكوربيه[ر] ورينوار[ر] يشكلون موضوعاتهم الشبيهة على منوالها.
ومن أعماله لوحة «الحفل الموسيقي الخلوي» الموجودة في متحف اللوفر[ر] بباريس والتي جرد فيها عارياته من العذرية القوطية، فلم تعد الأجساد براعم منغلقة، بل غدت أجساداً ناضجة وبضة، اقتحم بها عالم «فينوس» الدنيوية. ومن لوحاته لوحة تحمل عنوان «العاصفة» موجودة في متحف الأكاديمية بالبندقية، وأخرى تحمل عنوان «اختبار فرعون لذكاء الطفل موسى» موجودة في متحف أوفنبري بفلورنسة.
إن لوحات جورجوني تخرج تماماً عن المضمون السردي التقليدي للموضوعات الدينية، والأساطير الاتباعية المألوفة، وقد اعترف المؤرخ فازاري بعد زيارته للبندقية بأنه عاجز عن فهم معاني لوحات جورجوني التي لا يجد لها تفسيراً، لكن من المؤكد أن هذا الفنان كان مصوراً شديد التفرد، وصاحب نزوات جعلت منه أول فنان ذاتي في اختيار موضوعاته، كما يعد أول المصورين العصريين، بعد أن قطع كل صلة بالتقاليد الإيقونوغرافية سواء الوثنية أو المسيحية، مبتكراً موضوعات من وحي خياله، وكان كل همه، أن يهيئ المشاهد من خلال تلاعب الألوان والأضواء، لخلق انفعال لا حاجة معه إلى شرح أو تفسير، ولا غرو أن يكون جورجوني مبتكر غنائية اللون والضوء التي غدت تاج النصر المكلّل لهامة مدينة البندقية!!
محمود شاهين
Giorgione (Giorgio da Castelfranco-) - Giorgione (Giorgio da Castelfranco-)
جورجوني (جورجو دل كاستلفرانكو ـ)
(1477ـ1510)
جورجو دل كاستلفرانكو Giorgio del Castelfranco المعروف باسم جورجوني Giorgione، مصور إيطالي ولد في بلدة كاستلفرانكو بإقليم فينيتو في شمالي إيطالية وتوفي في البندقية. نشأ الفنان في مرسم جوفاني بلّيني [ر]، وكان له تأثير كبير على مجرى مدرسة البندقية في التصوير بعد أن مهد أمامها سبيل اللون والضوء.
اكتنف حياته القصيرة الغموض، ولم يحفظ لنا الزمن من إنتاجه الفني سوى القليل، إذ لم تتجاوز لوحاته الباقية العشر، لكنها كافية للتدليل على أهمية الفن الذي تركه هذا الفنان وعلى عظمته، ولاسيما في التعبير الرفيع عن الجمال والعلاقات الإنسانية. فقد ابتدع جورجوني اتجاهاً جديداً في التصوير، استمد موضوعاته من حياة الناس اليومية، فصور مجموعات من النساء والرجال بين أثاث مألوف، أو في حلقة حوار، أو في محفل للغناء والموسيقى، وبصيغة فنية واقعية تضج بالحياة والرقة والعذوبة، عبر توليفة لونية ساحرة، حببت الناس بها، ودفعتهم لاقتنائها.
اقتحم جورجوني حقبة الثورة على الشكل، بتعبيره عن الحركة المادية والحركة المعنوية، أي الوجدانية، وقد اكتشف سر الحركة في الضوء وتحولاته، فاستخدمه للإطاحة بتقاليد الشكل. وبهذا المعنى يمكن عد جورجوني سلف كارافاجو[ر] Caravaggio. فالضوء وجود غير ملموس، لا يفتأ في التغير والتحول، بينما الشكل ثابت وهما نقيضان.
والحقيقة أن مدرسة البندقية اتجهت مع جورجوني نحو مزيد من التطور حين آثرت اللون الذي يرضي الحواس على الشكل الذي يرضي العقل، كما آثرت إمكانات التصوير الفنية، على التسجيل الدقيق للعناصر الواقعية، وآثرت الموضوع المصور بالأسلوب التصويري الذي استعاض عن الحدود المحوّطة التي عهدناها في الأسلوب المساحي Linear بالألوان المتداخلة. وبهذا كانت مدرسة البندقية أول مدرسة تخلق فناً قائماً على الانطباعات التأثيرية أكثر مما يقوم على القواعد العلمية.
ومن أعماله لوحة «الحفل الموسيقي الخلوي» الموجودة في متحف اللوفر[ر] بباريس والتي جرد فيها عارياته من العذرية القوطية، فلم تعد الأجساد براعم منغلقة، بل غدت أجساداً ناضجة وبضة، اقتحم بها عالم «فينوس» الدنيوية. ومن لوحاته لوحة تحمل عنوان «العاصفة» موجودة في متحف الأكاديمية بالبندقية، وأخرى تحمل عنوان «اختبار فرعون لذكاء الطفل موسى» موجودة في متحف أوفنبري بفلورنسة.
إن لوحات جورجوني تخرج تماماً عن المضمون السردي التقليدي للموضوعات الدينية، والأساطير الاتباعية المألوفة، وقد اعترف المؤرخ فازاري بعد زيارته للبندقية بأنه عاجز عن فهم معاني لوحات جورجوني التي لا يجد لها تفسيراً، لكن من المؤكد أن هذا الفنان كان مصوراً شديد التفرد، وصاحب نزوات جعلت منه أول فنان ذاتي في اختيار موضوعاته، كما يعد أول المصورين العصريين، بعد أن قطع كل صلة بالتقاليد الإيقونوغرافية سواء الوثنية أو المسيحية، مبتكراً موضوعات من وحي خياله، وكان كل همه، أن يهيئ المشاهد من خلال تلاعب الألوان والأضواء، لخلق انفعال لا حاجة معه إلى شرح أو تفسير، ولا غرو أن يكون جورجوني مبتكر غنائية اللون والضوء التي غدت تاج النصر المكلّل لهامة مدينة البندقية!!
محمود شاهين