معلومات أكثر خارج الإطار (٦ - ۱۲) وكما في أفلامه الأخرى يدخل المخرج في الفلم عدداً لقطات الإستدارة السريعة للإيحاء بسعة التضاريس. إن بطولة نانوك يعبر عنها صورياً في لقطات ترينا جسمه في أعلى الصورة مسيطراً على العناصر الأخرى ضمن الإطار في المشاهد التي تؤكد على تعرضه للخطر كما في مشهد العاصفة الثلجية تسرع زحافة نانوك معرضة للخطر الإطار السفلى وتكاد تنزلق أحياناً خارجاً إلى ظلمات النسيان التي تحتها. أينما يكون ذلك ممكناً يحاول فلاهرتي المحافظة على وحدة المكان والزمان باستخدام دورات التصوير الطويلة ومستوعباً كل المتغيرات المهمة ضمن لقطة واحدة. عندما يقوم نانوك باصطياد كلب الماء مثلاً يحافظ فلاهـرتي على الصياد والفريسة في إطار واحد مجسداً ليس المسافة المحددة بينهما وحدها وإنما التوقع إذ إن خطوة خاطئة واحدة من نانوك قد تشتت القطيع بعيداً.
عدد من المشاهد يرفض فلاهرتي الكشف عن الكثير بسرعة في أحد المشاهد مثلاً يضرب نانوك برمحه شيئاً داخل حفرة في الجليد. وبعد صراع شديد يسحب الصياد المنهك فقمة خلال الثقب. هذا النوع من التوقع الأولي لم يكن لعبة لفلاهرتي إذ إنه كان يعتقد بأن الفن - مثل الحقيقة - لا يسلم بأسراره بدون كفاح النتيجة أجبر الجمهور على «العمل» ليساهم بإيجابية في تفسير المشهد (٦ - ١٣ . كان مثل أغلب الواقعيين لا يثق بشكل غريزي في الواقع الفني الذي يعوزه الغموض والذي يرى بوضوح سهل .
رغم أن نانوك نال مدحاً عالمياً إلا أن عدداً من المعلقين انتقدوا عدم دقته وتشويهاته. على سبيل المثال لاحظ عدد من المراقبين في مشهد صيد الفقمة المشهور المخلوق الأعرج الذي سحب في النهاية من الثقب في الأرض الجليدية وقد كان من الواضح أنه ميت ومع ذلك فقد كان يقاتل بجنون قبل عدة دقائق. سخر نقاد آخرون من حجم البيت الثلجي أوضح فلاهرتي أن ان البيت الثلجي التقليدي أصغر وأظلم من لآلة التصوير الضخمة بالعمل بصورة صحيحة ولغرض إظهار حياة عائلة نانوك من داخل البيت الثلجي كان عليه بناء بيت خاص قطره خمسة وعشرون قدماً يسمح مع وجود ثقب في السقف يسمح بدخول الضوء عليك أن تكذب في بعض الأحيان أوضح فلاهرتي غالباً ما يضطر المرء لتشويه الشيء حتى يحصل على روحه الحقيقية تبدو هذه الانتقادات في ضوء الإنجاز الكلي الخارق لفلم نانوك ظالمة في أفلام فلاهرتي التالية أصبحت تشويهاته أقل وأقل عذراً.
أعظم أفلام فلاهرتي ربما كان رجل من آران إلا أنه من باب السخرية أقل أفلامه توثيقاً بالمعنى التسجيلي للمصطلح. الفلم استكشاف للحياة الشاقة الجزر آرن التي تمتد قرب الساحل الغربي لإيرلندا. الفلم الآخر الوحيد لفلاهرتي الذي يحتوي على وصفة نانوك الناجحة هو رجل من آران . الملحمة البطولية لشعب شجاع يقاتل معركة أبدية ضد البحر، كما في نانوك ركز فلاهرتي على عائلة واحدة كرمز للشعب كله .
جزر آران قاحلة مثل منطقة نانوك القطبية القليل جداً من القوت يستطيع اعتصاره السكان الأقوياء بالنظر لحاجتهم حتى للتربة فإن على سكان الجزر أن يوجدوا تراباً مركباً بواسطة مزج الصخور المسحوقة مع أعشاب البحر ثم يزرعون في هذا التراب البطاطا وهي المحصول الذي يقتاتون به الزوج واسمه الملك النمر نراه منهمكا في مهمته التي تقصم الظهر في كسر الصخور بينما تقوم زوجته ماكي بإهالة الأعشاب من على مرتفع صخري عال ابنهم الصغير ما يكلين هو الآخر عامل مكافح ويساعد أبويه في العديد من المهام الشاقة .
الحدث الرئيسي في الفلم يتناول الصيد بالرمح كوسجاً ضخما يبلغ طوله سبعة وعشرين قدماً أكبر سمكة تم العثور عليها في الأطلنطي كما يخبرنا أحد العناوين. يذهب الملك النمر مع رجال آخرين لمطاردة الكوسج في کوراخ وهو زورق خفيف يتكون من إطار مضلع تفرش فوقه قطعة قماش مزفتة. ويتم اصطياد الكوسج بالرمح بنجاح إلا أن قوته من الشدة بحيث تجبر الرجال على البقاء في البحر لمدة يومين يجرهم فوق سطح المياه هذا المخلوق الجريح .
عندما يذهب الرجال للبحر تبدأ ماكي ومايكلين وبعض من سكان الجزيرة التحضيرات لكي يستخلصوا زيت كبد الكوسج بالغليان. يصنعون قدراً أسوداً ضخماً على حافة المرتفع الصخري الذي يرتفع ٣٠٠ قدماً. عندما يتم جلب الكوسج في النهاية يقطع السكان كبده ويضعون قطعاً كبيرة منه في القدر. وحين تدير ماكي الخليط الدهني تضيء ملامحها الجميلة ابتسامة الانتصار إذ سيكون لديهم الآن الكثير من الزيت المصابيحهم .
ينتهي الفلم كما أنتهى نانوك بعاصفة هوجاء. الملك النمر ورفاقه يقعون في البحر مع كوراخهم الضعيف فريسة للأمواج العملاقة التي تتقاذفهم كما لو كانوا غصن شجرة. هنالك معركة ملحمية بين البحر والإنسان. تنتظر ماكي ومايكلين وينظران باستسلام من على الحافة الصخرية العالية وقد تصاغر جسماهما الأسودان أمام السماء والبحر الشاسعين حيث
يرتفع البحر بمائه إلى ارتفاع ٤٥٠ قدماً فوق حافة الجرف الصخري. وبمعجزة يتمكن المجذفون المهرة من توجيه كوراخهم إلى الساحل إلا أن الزورق بينسحق بين الأمواج والصخور الناتئة بعد لحظات من قيام الرجال بالقفز إلى ينتهي الفلم بمنظر العائلة وهي تنظر إلى الخلف برهبة، إلى العاصفة التي لا تهدأ لعدوهم القديم - البحر .
لا جدال إن فلم فلاهرتي يبعث في نفس المشاهد خبرة جمالية غامرة. الفلم شهادة نبيلة على صمود الإنسان بوجه الصعاب الشامخة. إلا أن الفلم ليس حقيقة كاملة وليس خيالاً تاماً ولهذا السبب أثار زوبعة من الجدال عند ظهوره عام ١٩٣٤ : لأن الفلم قدم على أنه تقرير حقيقي عن الحياة في جزر آران فإن الفلم هوجم بسبب عدم نزاهة مشاهده. ما لم يعرضه الفلم أثار صخباً أكبر (٦- ١٤) كل مشهد عدا حادثة الصخر والأعشاب في الفلم غير موثوق حتى أن العائلة هي من خلق فلاهرتي إذ إن ماكي والملك النمر وما يكلي لا يكاد يعرف أحدهم الآخر فلقد تم اختيارهم لمظهرهم الأنيق . صيد الكوسج بأكمله حادث خيالي . الكوسج في المقام الأول ليس من النوع القاتل للإنسان كما يشير إلى ذلك فلاهرتي، وإنما هو مخلوق لطيف يقتات على موجودات البحر. أضف إلى ذلك أن سكان جزر آران ظلوا يستخدمون النفط الأبيض لإضاءة مصابيحهم لأكثر من خمسين عاماً والرجال على تلك الجزيرة لم يعرفوا حتى كيف يصطادون الكواسج مثلهم النساء اللواتي قمن بغلي كبد الكوسج في القدر الكبير، فقد كان على «الصيادين» أن يتعلموا كيف يؤدون فعالياتهم.
إن ذلك لا ينفي بالتأكيد الشجاعة الخارقة لسكان الجزيرة. إن شجاعتهم من بعض الوجوه كانت أعظم مما عرضه فلاهرتي. على سبيل المثال سكان الجزيرة كيف يعوم على ما في هذا الأمر من غرابة . عندما طلب إليهم فلاهرتي الذهاب إلى البحر الهائج لكي يستطيع تصويرهم في مشهد العاصفة فإنهم في الواقع كانوا يتجشمون مخاطر أكبر مما بين لنا الفلم لو أن زورقهم اصطدم بصخرة واحدة لغرق جميع الرجال خلال ثوان. لقد غامر هؤلاء الرجال مرات ومرات ضد صالحهم الخاص لأنهم أرادوا أولاً أن يرضوا فلاهرتي الحياة الحقيقية في جزر آران كانت أقل رومانسية بكثير عما صوره فلاهرتي. لقد كانت الجزر في الواقع بائسة. عندما صنع الفلم كانت أوروبا وأمريكا غارقتين في واحدة من أبشع حالات الهبوط الاقتصادي في التاريخ ذلك ليس هنالك إشارة في أي جزء من الفلم إلى هذا الجزيرة ذاتها كانت تعج بالصراعات الطبقية. كانت العائلات . الفقيرة تهجر يومياً تقريباً من منازلها بواسطة رجال الشرطة الذين كانوا ينفذون أوامر أصحاب الأراضي الذين كانوا يسكنون بعيداً على البر الإنكليزي.
كان هنالك أيضاً صراع ديني عميق في الجزيرة يعود في أصوله إلى سنين كثيرة. في الواقع كان البطل في الفلم بروتستانتياً ولقد رفض الكاثوليكيون لفترة من الزمن التعاون مع فلاهرتي خوفاً من أن يقوم الملك النمر برش الماء المسحور على أطفالهم ليحولهم إلى بروتستانتيين . ومع ذلك ليس هنالك أي ذكر للصراع الديني في رجل من آران .
لقد استغل جهل وتطير سكان الجزيرة في كل خطوة. عندما استؤجرت ماكي لتمثل في الفلم مثلاً كان أطفالها ضعافاً كالمغازل من الجوع وسوء التغذية . ذلك فإنه بعد ثلاثة أشهر من مغادرة بعثة التصوير لآران اقنعها قسيس من البر الانكليزي بأن تعطيه كل ما ربحته من الفلم. لقد رفض سكان الجزيرة المعوزون لبعض الوقت التعاون مع فلاهرتي (الذي كان محافظاً من الناحية (السياسية لأنهم سمعوا بأنه كان «اشتراكياً» رغم يكن يعرف ماذا تعني هذه الكلمة .
لقد كان النقاد الماركسيون بصورة خاصة قساة في ذمهم لفلم فلاهرتي إلا أن المرء لم يكن بحاجة إلى أن يكون ماركسياً لكي يدرك بأن رجلاً من آران لم يكن كثير المساعدة في القيام بإصلاح الأحوال الاجتماعية في الجزيرة. الفقر الطاحن والجهل والفاقة والاستغلال القاسي كل ذلك كان العدو الحقيقي لشعب آران وكانت هذه الحقائق الوثائقية التي أهملها فلاهرتي في حين تابع سعاليه الرومانسية ووحوش البحر» في إنكلترا حيث كانت الحركة التسجيلية ماركسية بعض الشيء في أيديولوجيتها، إنهم فلاهرتي بالتنازلات البرجوازية تجاه سكان الجزيرة حيث جعل من جهلهم ومحافظتهم أمراً عاطفياً .
إن أتباع كريرسون كانوا سيتناولون الموضوع بطريقة مختلفة تماماً ولكانوا وجهوا أسئلة مختلفة تماماً مثل : من المسؤول عن هذه الأحوال؟ ومن المستفيد منها؟ ولماذا لم يعمل أحد على تحسينها؟ كان فلم فلاهرتي بالنسبة للإنكليز الذين اعترفوا بأنه مذهل من الناحية الصورية ليس غير مسؤول شخصياً وحسب بل في نهاية الأمر غير مسؤول فنياً أيضاً. إذا إنه كان يستند إلى انفعالات رومانسية خطرة لا إلى الحقائق. ربما سيظل فلم رجل من آران يحتل صنفه الخاص في تاريخ الفلم التسجيلي إذا لم يكن لشيء فلجمال صوره الخارق. ومن السخرية أن الفلم كان يبدو في وقته غير متسلسل زمنياً على الأقل من الناحية الاجتماعية. اليوم يبز رجل من آران كل فلم غير خيالي تقريباً صنع في نفس الفترة بالذات لكونه لا يرتبط بزمن أضف إلى ذلك أنه منذ فترة ما بعد الحرب توسع فن الفلم التسجيلي كثيراً وأن أغلب الفنانين التسجيليين يقرون بأن هنالك عدداً من الموضوعات ليست سياسية أو حتى اجتماعية ذلك فإنها تستحق المعالجة.
رغم أن الكثير من التسجيليين الذين أتوا فيما بعد اعترفوا بفضل فلاهرتي إلا أن تأثيره لم يكن قوياً حتى نهاية الخمسينات والستينات عندما أصبحت سينما الحقيقة المدرسة المسيطرة في الحركة التسجيلية خلال الثلاثينات وهي سني الحرب وحتى منتصف الخمسينات على أية حال كانت أكثر الأفلام التسجيلية متأثرة بالدرجة الأولى بالتقنيات والنظريات التي كانت قد تطورت في الإتحاد السوفياتي وإنكلترا خلال العشرينات والثلاثينات .
عدد من المشاهد يرفض فلاهرتي الكشف عن الكثير بسرعة في أحد المشاهد مثلاً يضرب نانوك برمحه شيئاً داخل حفرة في الجليد. وبعد صراع شديد يسحب الصياد المنهك فقمة خلال الثقب. هذا النوع من التوقع الأولي لم يكن لعبة لفلاهرتي إذ إنه كان يعتقد بأن الفن - مثل الحقيقة - لا يسلم بأسراره بدون كفاح النتيجة أجبر الجمهور على «العمل» ليساهم بإيجابية في تفسير المشهد (٦ - ١٣ . كان مثل أغلب الواقعيين لا يثق بشكل غريزي في الواقع الفني الذي يعوزه الغموض والذي يرى بوضوح سهل .
رغم أن نانوك نال مدحاً عالمياً إلا أن عدداً من المعلقين انتقدوا عدم دقته وتشويهاته. على سبيل المثال لاحظ عدد من المراقبين في مشهد صيد الفقمة المشهور المخلوق الأعرج الذي سحب في النهاية من الثقب في الأرض الجليدية وقد كان من الواضح أنه ميت ومع ذلك فقد كان يقاتل بجنون قبل عدة دقائق. سخر نقاد آخرون من حجم البيت الثلجي أوضح فلاهرتي أن ان البيت الثلجي التقليدي أصغر وأظلم من لآلة التصوير الضخمة بالعمل بصورة صحيحة ولغرض إظهار حياة عائلة نانوك من داخل البيت الثلجي كان عليه بناء بيت خاص قطره خمسة وعشرون قدماً يسمح مع وجود ثقب في السقف يسمح بدخول الضوء عليك أن تكذب في بعض الأحيان أوضح فلاهرتي غالباً ما يضطر المرء لتشويه الشيء حتى يحصل على روحه الحقيقية تبدو هذه الانتقادات في ضوء الإنجاز الكلي الخارق لفلم نانوك ظالمة في أفلام فلاهرتي التالية أصبحت تشويهاته أقل وأقل عذراً.
أعظم أفلام فلاهرتي ربما كان رجل من آران إلا أنه من باب السخرية أقل أفلامه توثيقاً بالمعنى التسجيلي للمصطلح. الفلم استكشاف للحياة الشاقة الجزر آرن التي تمتد قرب الساحل الغربي لإيرلندا. الفلم الآخر الوحيد لفلاهرتي الذي يحتوي على وصفة نانوك الناجحة هو رجل من آران . الملحمة البطولية لشعب شجاع يقاتل معركة أبدية ضد البحر، كما في نانوك ركز فلاهرتي على عائلة واحدة كرمز للشعب كله .
جزر آران قاحلة مثل منطقة نانوك القطبية القليل جداً من القوت يستطيع اعتصاره السكان الأقوياء بالنظر لحاجتهم حتى للتربة فإن على سكان الجزر أن يوجدوا تراباً مركباً بواسطة مزج الصخور المسحوقة مع أعشاب البحر ثم يزرعون في هذا التراب البطاطا وهي المحصول الذي يقتاتون به الزوج واسمه الملك النمر نراه منهمكا في مهمته التي تقصم الظهر في كسر الصخور بينما تقوم زوجته ماكي بإهالة الأعشاب من على مرتفع صخري عال ابنهم الصغير ما يكلين هو الآخر عامل مكافح ويساعد أبويه في العديد من المهام الشاقة .
الحدث الرئيسي في الفلم يتناول الصيد بالرمح كوسجاً ضخما يبلغ طوله سبعة وعشرين قدماً أكبر سمكة تم العثور عليها في الأطلنطي كما يخبرنا أحد العناوين. يذهب الملك النمر مع رجال آخرين لمطاردة الكوسج في کوراخ وهو زورق خفيف يتكون من إطار مضلع تفرش فوقه قطعة قماش مزفتة. ويتم اصطياد الكوسج بالرمح بنجاح إلا أن قوته من الشدة بحيث تجبر الرجال على البقاء في البحر لمدة يومين يجرهم فوق سطح المياه هذا المخلوق الجريح .
عندما يذهب الرجال للبحر تبدأ ماكي ومايكلين وبعض من سكان الجزيرة التحضيرات لكي يستخلصوا زيت كبد الكوسج بالغليان. يصنعون قدراً أسوداً ضخماً على حافة المرتفع الصخري الذي يرتفع ٣٠٠ قدماً. عندما يتم جلب الكوسج في النهاية يقطع السكان كبده ويضعون قطعاً كبيرة منه في القدر. وحين تدير ماكي الخليط الدهني تضيء ملامحها الجميلة ابتسامة الانتصار إذ سيكون لديهم الآن الكثير من الزيت المصابيحهم .
ينتهي الفلم كما أنتهى نانوك بعاصفة هوجاء. الملك النمر ورفاقه يقعون في البحر مع كوراخهم الضعيف فريسة للأمواج العملاقة التي تتقاذفهم كما لو كانوا غصن شجرة. هنالك معركة ملحمية بين البحر والإنسان. تنتظر ماكي ومايكلين وينظران باستسلام من على الحافة الصخرية العالية وقد تصاغر جسماهما الأسودان أمام السماء والبحر الشاسعين حيث
يرتفع البحر بمائه إلى ارتفاع ٤٥٠ قدماً فوق حافة الجرف الصخري. وبمعجزة يتمكن المجذفون المهرة من توجيه كوراخهم إلى الساحل إلا أن الزورق بينسحق بين الأمواج والصخور الناتئة بعد لحظات من قيام الرجال بالقفز إلى ينتهي الفلم بمنظر العائلة وهي تنظر إلى الخلف برهبة، إلى العاصفة التي لا تهدأ لعدوهم القديم - البحر .
لا جدال إن فلم فلاهرتي يبعث في نفس المشاهد خبرة جمالية غامرة. الفلم شهادة نبيلة على صمود الإنسان بوجه الصعاب الشامخة. إلا أن الفلم ليس حقيقة كاملة وليس خيالاً تاماً ولهذا السبب أثار زوبعة من الجدال عند ظهوره عام ١٩٣٤ : لأن الفلم قدم على أنه تقرير حقيقي عن الحياة في جزر آران فإن الفلم هوجم بسبب عدم نزاهة مشاهده. ما لم يعرضه الفلم أثار صخباً أكبر (٦- ١٤) كل مشهد عدا حادثة الصخر والأعشاب في الفلم غير موثوق حتى أن العائلة هي من خلق فلاهرتي إذ إن ماكي والملك النمر وما يكلي لا يكاد يعرف أحدهم الآخر فلقد تم اختيارهم لمظهرهم الأنيق . صيد الكوسج بأكمله حادث خيالي . الكوسج في المقام الأول ليس من النوع القاتل للإنسان كما يشير إلى ذلك فلاهرتي، وإنما هو مخلوق لطيف يقتات على موجودات البحر. أضف إلى ذلك أن سكان جزر آران ظلوا يستخدمون النفط الأبيض لإضاءة مصابيحهم لأكثر من خمسين عاماً والرجال على تلك الجزيرة لم يعرفوا حتى كيف يصطادون الكواسج مثلهم النساء اللواتي قمن بغلي كبد الكوسج في القدر الكبير، فقد كان على «الصيادين» أن يتعلموا كيف يؤدون فعالياتهم.
إن ذلك لا ينفي بالتأكيد الشجاعة الخارقة لسكان الجزيرة. إن شجاعتهم من بعض الوجوه كانت أعظم مما عرضه فلاهرتي. على سبيل المثال سكان الجزيرة كيف يعوم على ما في هذا الأمر من غرابة . عندما طلب إليهم فلاهرتي الذهاب إلى البحر الهائج لكي يستطيع تصويرهم في مشهد العاصفة فإنهم في الواقع كانوا يتجشمون مخاطر أكبر مما بين لنا الفلم لو أن زورقهم اصطدم بصخرة واحدة لغرق جميع الرجال خلال ثوان. لقد غامر هؤلاء الرجال مرات ومرات ضد صالحهم الخاص لأنهم أرادوا أولاً أن يرضوا فلاهرتي الحياة الحقيقية في جزر آران كانت أقل رومانسية بكثير عما صوره فلاهرتي. لقد كانت الجزر في الواقع بائسة. عندما صنع الفلم كانت أوروبا وأمريكا غارقتين في واحدة من أبشع حالات الهبوط الاقتصادي في التاريخ ذلك ليس هنالك إشارة في أي جزء من الفلم إلى هذا الجزيرة ذاتها كانت تعج بالصراعات الطبقية. كانت العائلات . الفقيرة تهجر يومياً تقريباً من منازلها بواسطة رجال الشرطة الذين كانوا ينفذون أوامر أصحاب الأراضي الذين كانوا يسكنون بعيداً على البر الإنكليزي.
كان هنالك أيضاً صراع ديني عميق في الجزيرة يعود في أصوله إلى سنين كثيرة. في الواقع كان البطل في الفلم بروتستانتياً ولقد رفض الكاثوليكيون لفترة من الزمن التعاون مع فلاهرتي خوفاً من أن يقوم الملك النمر برش الماء المسحور على أطفالهم ليحولهم إلى بروتستانتيين . ومع ذلك ليس هنالك أي ذكر للصراع الديني في رجل من آران .
لقد استغل جهل وتطير سكان الجزيرة في كل خطوة. عندما استؤجرت ماكي لتمثل في الفلم مثلاً كان أطفالها ضعافاً كالمغازل من الجوع وسوء التغذية . ذلك فإنه بعد ثلاثة أشهر من مغادرة بعثة التصوير لآران اقنعها قسيس من البر الانكليزي بأن تعطيه كل ما ربحته من الفلم. لقد رفض سكان الجزيرة المعوزون لبعض الوقت التعاون مع فلاهرتي (الذي كان محافظاً من الناحية (السياسية لأنهم سمعوا بأنه كان «اشتراكياً» رغم يكن يعرف ماذا تعني هذه الكلمة .
لقد كان النقاد الماركسيون بصورة خاصة قساة في ذمهم لفلم فلاهرتي إلا أن المرء لم يكن بحاجة إلى أن يكون ماركسياً لكي يدرك بأن رجلاً من آران لم يكن كثير المساعدة في القيام بإصلاح الأحوال الاجتماعية في الجزيرة. الفقر الطاحن والجهل والفاقة والاستغلال القاسي كل ذلك كان العدو الحقيقي لشعب آران وكانت هذه الحقائق الوثائقية التي أهملها فلاهرتي في حين تابع سعاليه الرومانسية ووحوش البحر» في إنكلترا حيث كانت الحركة التسجيلية ماركسية بعض الشيء في أيديولوجيتها، إنهم فلاهرتي بالتنازلات البرجوازية تجاه سكان الجزيرة حيث جعل من جهلهم ومحافظتهم أمراً عاطفياً .
إن أتباع كريرسون كانوا سيتناولون الموضوع بطريقة مختلفة تماماً ولكانوا وجهوا أسئلة مختلفة تماماً مثل : من المسؤول عن هذه الأحوال؟ ومن المستفيد منها؟ ولماذا لم يعمل أحد على تحسينها؟ كان فلم فلاهرتي بالنسبة للإنكليز الذين اعترفوا بأنه مذهل من الناحية الصورية ليس غير مسؤول شخصياً وحسب بل في نهاية الأمر غير مسؤول فنياً أيضاً. إذا إنه كان يستند إلى انفعالات رومانسية خطرة لا إلى الحقائق. ربما سيظل فلم رجل من آران يحتل صنفه الخاص في تاريخ الفلم التسجيلي إذا لم يكن لشيء فلجمال صوره الخارق. ومن السخرية أن الفلم كان يبدو في وقته غير متسلسل زمنياً على الأقل من الناحية الاجتماعية. اليوم يبز رجل من آران كل فلم غير خيالي تقريباً صنع في نفس الفترة بالذات لكونه لا يرتبط بزمن أضف إلى ذلك أنه منذ فترة ما بعد الحرب توسع فن الفلم التسجيلي كثيراً وأن أغلب الفنانين التسجيليين يقرون بأن هنالك عدداً من الموضوعات ليست سياسية أو حتى اجتماعية ذلك فإنها تستحق المعالجة.
رغم أن الكثير من التسجيليين الذين أتوا فيما بعد اعترفوا بفضل فلاهرتي إلا أن تأثيره لم يكن قوياً حتى نهاية الخمسينات والستينات عندما أصبحت سينما الحقيقة المدرسة المسيطرة في الحركة التسجيلية خلال الثلاثينات وهي سني الحرب وحتى منتصف الخمسينات على أية حال كانت أكثر الأفلام التسجيلية متأثرة بالدرجة الأولى بالتقنيات والنظريات التي كانت قد تطورت في الإتحاد السوفياتي وإنكلترا خلال العشرينات والثلاثينات .
تعليق