عمران (محمد)
Umran (Mohammad-) - Umran (Mohammad-)
عمران (محمد ـ)
(1934ـ 1996م)
محمد بن بدر عمران شاعر من شعراء الحداثة في سورية ومدرِّس للغة العربية وصحفي، ولد في «الملاجة» من قرى محافظة طرطوس، وتعلّم في مدارس المحافظة، ثم تخرّج في قسم اللغة العربية بجامعة دمشق، فدرّس أولاًَ في ثانويات مختلفة في القطر، وكان في هذا الوقت ينشر بعض قصائده في الدوريات، ومنها مجلة «النقّاد» في الخمسينيات من القرن العشرين، ومجلة «الآداب» البيروتية، ثمَّ تسلَّم رئاسة تحرير مجلة «المعلم العربي» في وزارة التربية، لينتقل بعد ذلك إلى ملاك وزارة الإعلام، فتسلم رئاسة القسم الثقافي في صحيفة «الثورة» في دمشق في السبعينيات، ولما صدر «ملحق الثورة الثقافي» في النصف الثاني من السبعينيات كان عمران رئيساً لتحريره، وقد كان هذا الملحق ظاهرة ثقافية ملموسة في سورية، فاستقطب عدداً من أقطاب الأدب وأعلام النقد في الوطن العربي والعالم، وجرت على صفحاته حوارات حادّة ومناقشات جادّة، كما نشرت على صفحاته الأعمال الشعرية والمسرحية المهمة، كقصيدة «لا تصالح» لأمل دنقل، ومسرحية «الملك هو الملك» لسعد الله ونوس وسواهما، وكان لهذا الملحق بفضل رئيس التحرير وصلاته بالمجددين في مجالات الأدب والنقد والرسم نشاط بارز في تطور الأدب بأشكاله وأجناسه في سورية، ولما أُغلق الملحق تسلّم رئاسة تحرير مجلة «المعرفة» في وزارة الثقافة في الثمانينيات، فاتجهت هذه المجلة إلى الأدب بعامة، والشعر ونقده خاصة، في عصره، وانتقل بعدها إلى رئاسة تحرير مجلة «الموقف الأدبي» في اتحاد الكتاب العرب بدمشق.
صدر لمحمد عمران اثنتا عشرة مجموعة شعرية في حياته: «أغان على جدار جليدي» 1968، و«الجوع والضيف» 1969، و«الدخول في شِعب بوان» 1972، و«مرفأ الذاكرة الجديدة»1974، و«انا الذي رأيت» 1978، و«الملاجة» 1980، و«قصيدة الطين»1982، وقد صدرت هذه المجموعات السبع في جزأين تحت عنوان «ديوان محمد عمران» 1963ـ1983عن دار طلاس بدمشق 1989، وله «الأزرق والأحمر» 1984، و«محمد العربي» 1984، و«اسم الماء والهواء» 1986، و«نشيد البنفسج» 1992، وكتاب «المائدة» 1995، ثم صدر له بعد وفاته «مديح من أهوى» 1998، ولمحمد عمران ثلاثة كتب نثرية، وهي «أوراق الرماد»، و«كتاب الأشياء»، و«للحرب أيضاً وقت»، ثمّ قامت وزارة الثقافة في عام 2000 بإصدار أعماله الكاملة.
كان من شعراء قصيدة التفعيلة أولاً، ومن شعراء قصيدة النثر ثانياً، وله بعض القصائد من شعر الشطرين، كما له عدد غير قليل من المقالات والزوايا والخواطر التي كان يكتبها بحكم عمله رئيساً للتحرير، وهي في معظمها أدبية ومتصلة برؤيته للشعر، كما كتب مسرحيات واسكتشات عدة، وإن كان عمله النثري يأتي بعد عمله الشعري.
استطاع في مسيرته الشعرية الطويلة على صعيد التجريب المضموني والشكلي والأجناسي أن يتحوّل من الواقعية إلى الواقعية الرومانسية إلى التصوف والحداثة، ومن قصيدة التفعيلة إلى قصيدة النثر، وهو من شعراء التجريب، فقد بدأ شاعراً أقرب إلى مدرسة الواقعية الاشتراكية، ففي أعماله الأولى التزم البطل الإيجابي، وخاصة في قصائده الطويلة، من أمثال «شاهين» وسواها، ويلاحظ على هذه القصائد استفادة الشاعر من الحكايات المحلية والأغاني الشعبية التي دخلت لتكوين بنية القصيدة الحداثية عنده في الستينيات، وهو يؤكد البطل الإيجابي والمضمون الثوري وتقديس الشهادة، للملاءمة مع الفكر القومي الثوري في تلك المرحلة، ومن ذلك المشهد الأخير من قصيدة «شاهين»:
شاهينُ في الأعراس أغنية على شفة الصبايا
يشدو بها المزمارُ،
تشتبكُ الأيادي بالأيادي
وتغرِّدُ الأقدام،
يعبقُ في الدجى صوتُ الصبايا:
«يابو علي شاهينْ
يَلْبقناطر سِيغَاتي
دخيلْ الله ودخيلك
المرسْ قطَّع ديَّاتي»
وتموجُ بـ«اللاّ لا» حقولُ الضوءِ،
تشتعلُ الحكايا،
ليلاً من الوجعِ المجنَّح:
«كان ياماكان»،
يحمل جانحاهُ قرى بلادي.
وتحول عمران بعد حزيران/يونيو إلى الواقعية الرومانسية في مضموناته ورؤاه، وقد أثّرت الصدمة الحزيرانية في بنية قصيدته، فأصبح شكّاكاً وحزيناً ومهزوماً في داخله، فغدت واقعيته رومانسية بعد أن كانت اشتراكية، ومما أبقى على الواقعية في شعره إيمانه بأنّ الإنسان العربي المهزوم لم يشترك في صنع الهزيمة، وهذا ما يطالعه المرء في قصائده الطويلة «مراثي بني هلال» و«أنا الذي رأيت» و«بغداد»، وهذه المقولة عزفها من قبل نزار قباني في «هوامش على دفتر النكسة»، وأمل دنقل في «البكاء بين يدي زرقاء اليمامة» وسواهما.
وكان عمران يبحث في مرحلته الأخيرة عن منافذ لصنع الإنسان العربي الجديد، فسار في اتجاهين: البحث عن الروح العربية الصافية في التصوف، والبحث عن التقانات الشعرية المعاصرة لإيمانه بالحداثة أسلوباً في مواجهة الهزائم، فاستخدم في بنية قصيدته التكرار، والتوازي، والتماثل، والتوالد، واتجه إلى التراثين الإسلامي والمسيحي لبناء قصيدة حداثية جديدة مختلفة عما سبقها، فكانت «الملاجة» و« قصيدة الطين»، و«اسم الماء والهواء»، و«كتاب المائدة»، ونوّع على صعيد الشكل الإيقاعي بين قصيدة التفعيلة وقصيدة النثر، وكان الإيقاع ظاهراً وحاداً في أعماله الأولى، وهو يعتني فيها بالقافية لربط الأبيات بعضها ببعض، كقوله في قصيدة بعنوان «أشعار في عيد ميلادها»:
لماذا مركباتُ العمرِ تأخذنا، ولا ترجع!؟
كأنّ خيولها السوداءَ في قلبي
تخبُّ، أرى حوافرها
تمزّقُ أضلعي، وكأنني أسمعْ
صهيل جيادها المجنون
يأكل فرحةَ الدرب
فيا حوذيُّ، يا حوذيُّ، لا تُسْرِعْ!!
نوّع محمد عمران أيضاً في بنية القصيدة، فنظم القصيدة الطويلة في كتاب مستقل، ومنها «الدخول في شعب بوّان»، و«الملاجة»، و«قصيدة الطين»، و«محمد العربي»، كما نظم القصيدة الطويلة نسبياً ومنها «بغداد»، «أنا الذي رأيت»، و«نشيد البنفسج»، و«شاهين»، ونظم القصيدة السردية، والقصيدة الملحمية، والقصيدة الدرامية، ووظّف الحوار والصراع والفنون الجميلة في شعره، واستلهم التراث العربي في غير قصيدة من قصائده، كـ «مراثي بني هلال»، و«بغداد»، و«الملاجة»، وتحوّلت لغته في مرحلته الأخيرة إلى لغة للخطف والكشف الصوفيين، كما في قصيدته «شخص القصيدة» إذ استخدم الحروف والحركات رموزاً، وصارت صوره شبيهة بصور المتصوفة، في مثل عبارته «قبّة من نعيم الرؤى» و«وقت استوت ضمة الكاف» و«هذه هي الخمرة المطفاة/عتّقتها القصيدة في قبوها اللغويّ/القصيدة طافت كروم اللغاتْ/وانتقت عنب السرِّ/واعتصرت هذه الخمرة المشتهاة».
ومع ذلك كله ظلّت الواقعية السمة الأكثر تردداً في شاعرية محمد عمران، مع أنّه من أبرز شعراء التجريب في سورية في النصف الثاني من القرن العشرين.
خليل موسى
Umran (Mohammad-) - Umran (Mohammad-)
عمران (محمد ـ)
(1934ـ 1996م)
محمد بن بدر عمران شاعر من شعراء الحداثة في سورية ومدرِّس للغة العربية وصحفي، ولد في «الملاجة» من قرى محافظة طرطوس، وتعلّم في مدارس المحافظة، ثم تخرّج في قسم اللغة العربية بجامعة دمشق، فدرّس أولاًَ في ثانويات مختلفة في القطر، وكان في هذا الوقت ينشر بعض قصائده في الدوريات، ومنها مجلة «النقّاد» في الخمسينيات من القرن العشرين، ومجلة «الآداب» البيروتية، ثمَّ تسلَّم رئاسة تحرير مجلة «المعلم العربي» في وزارة التربية، لينتقل بعد ذلك إلى ملاك وزارة الإعلام، فتسلم رئاسة القسم الثقافي في صحيفة «الثورة» في دمشق في السبعينيات، ولما صدر «ملحق الثورة الثقافي» في النصف الثاني من السبعينيات كان عمران رئيساً لتحريره، وقد كان هذا الملحق ظاهرة ثقافية ملموسة في سورية، فاستقطب عدداً من أقطاب الأدب وأعلام النقد في الوطن العربي والعالم، وجرت على صفحاته حوارات حادّة ومناقشات جادّة، كما نشرت على صفحاته الأعمال الشعرية والمسرحية المهمة، كقصيدة «لا تصالح» لأمل دنقل، ومسرحية «الملك هو الملك» لسعد الله ونوس وسواهما، وكان لهذا الملحق بفضل رئيس التحرير وصلاته بالمجددين في مجالات الأدب والنقد والرسم نشاط بارز في تطور الأدب بأشكاله وأجناسه في سورية، ولما أُغلق الملحق تسلّم رئاسة تحرير مجلة «المعرفة» في وزارة الثقافة في الثمانينيات، فاتجهت هذه المجلة إلى الأدب بعامة، والشعر ونقده خاصة، في عصره، وانتقل بعدها إلى رئاسة تحرير مجلة «الموقف الأدبي» في اتحاد الكتاب العرب بدمشق.
صدر لمحمد عمران اثنتا عشرة مجموعة شعرية في حياته: «أغان على جدار جليدي» 1968، و«الجوع والضيف» 1969، و«الدخول في شِعب بوان» 1972، و«مرفأ الذاكرة الجديدة»1974، و«انا الذي رأيت» 1978، و«الملاجة» 1980، و«قصيدة الطين»1982، وقد صدرت هذه المجموعات السبع في جزأين تحت عنوان «ديوان محمد عمران» 1963ـ1983عن دار طلاس بدمشق 1989، وله «الأزرق والأحمر» 1984، و«محمد العربي» 1984، و«اسم الماء والهواء» 1986، و«نشيد البنفسج» 1992، وكتاب «المائدة» 1995، ثم صدر له بعد وفاته «مديح من أهوى» 1998، ولمحمد عمران ثلاثة كتب نثرية، وهي «أوراق الرماد»، و«كتاب الأشياء»، و«للحرب أيضاً وقت»، ثمّ قامت وزارة الثقافة في عام 2000 بإصدار أعماله الكاملة.
كان من شعراء قصيدة التفعيلة أولاً، ومن شعراء قصيدة النثر ثانياً، وله بعض القصائد من شعر الشطرين، كما له عدد غير قليل من المقالات والزوايا والخواطر التي كان يكتبها بحكم عمله رئيساً للتحرير، وهي في معظمها أدبية ومتصلة برؤيته للشعر، كما كتب مسرحيات واسكتشات عدة، وإن كان عمله النثري يأتي بعد عمله الشعري.
استطاع في مسيرته الشعرية الطويلة على صعيد التجريب المضموني والشكلي والأجناسي أن يتحوّل من الواقعية إلى الواقعية الرومانسية إلى التصوف والحداثة، ومن قصيدة التفعيلة إلى قصيدة النثر، وهو من شعراء التجريب، فقد بدأ شاعراً أقرب إلى مدرسة الواقعية الاشتراكية، ففي أعماله الأولى التزم البطل الإيجابي، وخاصة في قصائده الطويلة، من أمثال «شاهين» وسواها، ويلاحظ على هذه القصائد استفادة الشاعر من الحكايات المحلية والأغاني الشعبية التي دخلت لتكوين بنية القصيدة الحداثية عنده في الستينيات، وهو يؤكد البطل الإيجابي والمضمون الثوري وتقديس الشهادة، للملاءمة مع الفكر القومي الثوري في تلك المرحلة، ومن ذلك المشهد الأخير من قصيدة «شاهين»:
شاهينُ في الأعراس أغنية على شفة الصبايا
يشدو بها المزمارُ،
تشتبكُ الأيادي بالأيادي
وتغرِّدُ الأقدام،
يعبقُ في الدجى صوتُ الصبايا:
«يابو علي شاهينْ
يَلْبقناطر سِيغَاتي
دخيلْ الله ودخيلك
المرسْ قطَّع ديَّاتي»
وتموجُ بـ«اللاّ لا» حقولُ الضوءِ،
تشتعلُ الحكايا،
ليلاً من الوجعِ المجنَّح:
«كان ياماكان»،
يحمل جانحاهُ قرى بلادي.
وتحول عمران بعد حزيران/يونيو إلى الواقعية الرومانسية في مضموناته ورؤاه، وقد أثّرت الصدمة الحزيرانية في بنية قصيدته، فأصبح شكّاكاً وحزيناً ومهزوماً في داخله، فغدت واقعيته رومانسية بعد أن كانت اشتراكية، ومما أبقى على الواقعية في شعره إيمانه بأنّ الإنسان العربي المهزوم لم يشترك في صنع الهزيمة، وهذا ما يطالعه المرء في قصائده الطويلة «مراثي بني هلال» و«أنا الذي رأيت» و«بغداد»، وهذه المقولة عزفها من قبل نزار قباني في «هوامش على دفتر النكسة»، وأمل دنقل في «البكاء بين يدي زرقاء اليمامة» وسواهما.
وكان عمران يبحث في مرحلته الأخيرة عن منافذ لصنع الإنسان العربي الجديد، فسار في اتجاهين: البحث عن الروح العربية الصافية في التصوف، والبحث عن التقانات الشعرية المعاصرة لإيمانه بالحداثة أسلوباً في مواجهة الهزائم، فاستخدم في بنية قصيدته التكرار، والتوازي، والتماثل، والتوالد، واتجه إلى التراثين الإسلامي والمسيحي لبناء قصيدة حداثية جديدة مختلفة عما سبقها، فكانت «الملاجة» و« قصيدة الطين»، و«اسم الماء والهواء»، و«كتاب المائدة»، ونوّع على صعيد الشكل الإيقاعي بين قصيدة التفعيلة وقصيدة النثر، وكان الإيقاع ظاهراً وحاداً في أعماله الأولى، وهو يعتني فيها بالقافية لربط الأبيات بعضها ببعض، كقوله في قصيدة بعنوان «أشعار في عيد ميلادها»:
لماذا مركباتُ العمرِ تأخذنا، ولا ترجع!؟
كأنّ خيولها السوداءَ في قلبي
تخبُّ، أرى حوافرها
تمزّقُ أضلعي، وكأنني أسمعْ
صهيل جيادها المجنون
يأكل فرحةَ الدرب
فيا حوذيُّ، يا حوذيُّ، لا تُسْرِعْ!!
نوّع محمد عمران أيضاً في بنية القصيدة، فنظم القصيدة الطويلة في كتاب مستقل، ومنها «الدخول في شعب بوّان»، و«الملاجة»، و«قصيدة الطين»، و«محمد العربي»، كما نظم القصيدة الطويلة نسبياً ومنها «بغداد»، «أنا الذي رأيت»، و«نشيد البنفسج»، و«شاهين»، ونظم القصيدة السردية، والقصيدة الملحمية، والقصيدة الدرامية، ووظّف الحوار والصراع والفنون الجميلة في شعره، واستلهم التراث العربي في غير قصيدة من قصائده، كـ «مراثي بني هلال»، و«بغداد»، و«الملاجة»، وتحوّلت لغته في مرحلته الأخيرة إلى لغة للخطف والكشف الصوفيين، كما في قصيدته «شخص القصيدة» إذ استخدم الحروف والحركات رموزاً، وصارت صوره شبيهة بصور المتصوفة، في مثل عبارته «قبّة من نعيم الرؤى» و«وقت استوت ضمة الكاف» و«هذه هي الخمرة المطفاة/عتّقتها القصيدة في قبوها اللغويّ/القصيدة طافت كروم اللغاتْ/وانتقت عنب السرِّ/واعتصرت هذه الخمرة المشتهاة».
ومع ذلك كله ظلّت الواقعية السمة الأكثر تردداً في شاعرية محمد عمران، مع أنّه من أبرز شعراء التجريب في سورية في النصف الثاني من القرن العشرين.
خليل موسى