العرب Arab

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • العرب Arab

    عرب

    Arab - Arabe

    العـرب

    أصل كلمة العرب
    جعل بعض الباحثين كلمة (عرب) مرتبطةً بالبدو الرُّحَل الذين اعتمدوا الجَمَل وسيلةً للتنقل، لكنَّ هذه الكلمة صارت تعني فيما بعدُ الأقوامَ التي تتكلَّم العربيَّة، واختلف علماء اللُّغة في تحديد تاريخ بروز تلك الكلمة ومعناها الذي تدلُّ عليه، فمنهم من يقول إنَّ ذلك يعود إلى أول من نطق بالعربيَّة، وهو يعرب بن قحطان المذكور في التوراة باسم يارح بن قحطان، وهو أبو اليمن كلهم، ومنه العرب العاربة، ونشأ إسماعيل بن إبراهيم مع العاربة، وتزوج فيهم، وتكلم بلسـانهم، غير أنه سكن الحجاز هو وأولاده، فسمّوا العرب المستعربة، وقيل إنَّ أولاد إسماعيل اسـتقرُّوا بعَرَبة، وهي من تهامة، فنسبوا إليها، ويُروي عن النَّبيِّr أنَّه قال: «خمسـة أنبياء من العرب، وهم: محمَّد وإسماعيل وشعيب وصالح وهود» وهذا يدلُّ على أن لسان العرب قديم.
    وتتبَّع المستشرقون أصل الكلمة وتاريخها، ورصدوا معناها في الكتابات القديمة، ووجدوا أن أقدم نص وردت فيه كلمة «عرب» نص آشوري يعود إلى أيام الملك «شلمنصر الثاني» ملك آشور، وتبين أنَّ هذه الكلمة تعني عند الآشوريين مشيخةً كانت تحكم في البادية المتاخمة للحدود الآشوريَّة، أما في الكتابات البابليَّة فقد وردت عبارة «ماتو أربي» ومعنى «ماتو» في البابلية: أرض، فيكون معنى العبارة «أرض العرب»، وتدلُّ لفظة عرب في العبرية على البداوة، فيكون معناها: البدو، أو الأعراب، أو سكان البادية، ولم ترد اسم علم في التوراة إلا في زمن «أرميا»، ففي سِفر أرميا: «وكل ملوك العرب» وجعلت الأسفار القديمة من التوراة كلمة «عربي» مرادفاً لكلمة «إسماعيلي» نسبة إلى النَّبيِّ إسماعيل بن إبراهيم. أما أول من ذكر العرب في آداب اليونان فهو «أسكيلوس 525 ـ 456ق.م» وذلك في حديثه عن ضابطٍ عربيٍّ في جيش «إحشويرش»، ثم تلاه «هيرودتس 484 ـ 425ق.م» وقصد من كلمة «أربي» شبه الجزيرة العربيَّة كلَّها، وأدخل فيها جزءاً من الأراضي المصرية التي تقع شرقيَّ وادي النيل، وأبرز من أفاض في تاريخ العرب من اليونان المؤرخون «استرابون» و«بلينيوس» و«بطلميوس».
    بلاد العرب
    تشير كتب التاريخ والآثار المكتشفة إلى أنَّ العرب سكنوا اليمن وبلاد الحجاز وتهامة ونجداً ثم انتشروا في الشام وبلاد الرافدين ومصر وسائر إفريقيا، وتدلُّ على ذلك الآثار، كالنقوش الحِمْيَريَّة بالخطِّ المسند، والنقوش الآراميَّة بالخط النبطي، وهذه النُّقوش وُجِدَتْ في اليمـن وفي شماليّ جزيرة العرب حيث سكن الأنباط، وهذا ما دلت عليه أيضا آثار بابل وآشور ومصر وفينيقيا، فوُجِدَت في بابل نقوشٌ بالخط المسماريِّ تدلُّ على العمالقة العرب البائدة، ودلت النُّقوش التي وُجِِدَتْ في آشور وبابل على قيام دولة حمورابي العربيَّة.
    أما جغرافيَّة بلاد العرب ومساحتُها على النَّحو الذي كانت عليه قبل الإسلام فلم تُحدَّد على نحو دقيق، ولكن بات من المعروف أنَّ القسم الأكبر من تلك البلاد التي هي شبه جزيرة العرب كان يحيط بها البحر الأحمر من الغرب، وبحر عُمان والخليج العربي من الشرق، والمحيط الهندي من الجنوب، وتتصل من أقصى غربها وشرقها بإفريقيا وآسيا، أما حدُّها الشمالي فهو غير واضح، يمتدُّ تقريباً من الخط المار بساحل البحر المتوسط في بلاد الشَّام، وينتهي بخليج العرب.
    وتضمُّ بلاد العرب أقساماً كبرى في ثلاث مناطق هي: شـبه الجزيرة العربيَّة، وشـمالي إفريقيا، والهلال الخصيب الذي يشمل (العراق، والأردن، ولبنان، وسورية، وفلسطين).
    أقسام العرب قديماً
    يرى بعض المؤرخين أنَّ العرب على ثلاثة أقســام، بائـدة وعاربـة ومسـتعربة. القسم الأول: العرب البائدة، وهم العرب الأُوَل الذين ضاع معظم أخبارهم لتقادم عهدهم، وجماع العرب البائدة في عُرف أكثر أهل الأخبار هم: عاد وثمود وطَسْم وجَديس وأُميم وجاسـم وعُبيل وعبدُ ضَخْم وجُرْهُم الأولى والعمالقة وحَضورا. أمَّا عاد وثمود فهم من حَفَدَة «إرَم بن سام»، ويقدِّم الأخباريُّون عاداً على غيرها، وعاد وثمود مضرب المثل في القدم عند العرب في أخبارهم وأشعارهم، وجاء اسم «عاد» في القرآن الكريم مقدَّماً على اسم ثمود إلا في موضعين، ولهذا جرت العرب على ذكر ثمود بعد عاد على التَّرتيب. وبعد عاد وثمود تأتي طَسم وجَديس[ر] ولا ذِكْرَ لطَسْم وجَديس في القرآن، وجعلت بعض الأخبار «العمالقة» في طبقة العرب البائدة، ونسبوهم إلى «عِمليق» بن لاوذ بن سام، ولم تذكر التوراة أصلهم ونسبهم، وعِمليق جدُّ العمالقة وشقيقُ طَسْم، والعماليق عرب صرحاء من أقدم العرب زماناً، ولسانهم عربي، وقال بعضهم إنَّ عِمليق هو أوَّل من تكلَّم العربيَّة حين ظعن بقومه من بابل، وكانت منازلهم من حدود مصر فطُور سَيناء إلى فلسطين، وترك العبرانيون ذكرهم في جملة قبائل العرب، وهذا يرجع إلى أن التوراة لم تطلق لفظ عرب إلا على البدو أو أعراب البادية.
    ومن العرب البائدة جُرْهُم الأولى، وهؤلاء غير جُرْهُم القحطانيَّة التي يقال لها جُرْهُم الثانية، وجُرْهُم الأولى على عهد عاد وثمود والعمالقة، وكانت تقيم في مكَّةَ، وقد أبادها القحطانيون، أما جُرْهُم الثانية فيرجع نسبها إلى جُرْهُم بن قحطان بن هُود، وهم أصهار إسماعيل، وكان جُرْهُم بن قحطان أخا يَعْرُبَ.
    ومن البائدة «أُميم» وهم في طبقة طَسْم وجَديس، قيل إنَّهم من نسل لاوذ بن عِمليق، نزلوا برمل «عالج» بين اليمامة والشِّحْر، وانهالت عليهم الرِّمال فأهلكتهم، وتندر أخبارهم.
    ومنهم «حضورا» وكانوا يقيمون بالرَّس وقيل بحَضْرَموت، وكانوا يعبدون الأوثان، وبُعِثَ إليهم «شُعيب» فكذَّبوه فأُهْلِكُوا.
    فهؤلاء هم مادَّة العرب البائدة، وهم أقدم الطَّبقات في نظر أهل الأخبار، وهذه العرب البائدة دَرَسَتْ، وأمَّا العرب الباقون، فهم من عدنانَ وقحطانَ.
    والقسم الثاني: العرب العاربة، وهم عربُ اليمن من وَلَدِ قحطان جدِّ العرب اليمانية، ويُرْجِع بعض المؤرِّخين العرب اللِّسان العربيَّ إلى يَعْرُبَ بن قحطان، وقيل: إنه أوَّل من نطق بالعربيَّة، وجاءت الاكتشافات الحديثة في مدينة العريش المصريَّة التي عُثر فيها على عددٍ كبيرٍ من الوثائق التاريخيَّة التي يرجع عمرها إلى أكثر من سبعة آلاف سنة بلغة عربية فصحى لتؤكِّدَ أنَّ لسان العرب يعود إلى زمن لا يعلمه إلا الله تعالى.
    أما القسم الثالث: فهم العرب المستعربة، وهؤلاء ولد إسـماعيل بن إبراهيم، وقيل لهم: المستعربة لأن إسماعيل لم تكن لغته عربيَّةً، ثم دخل في العربيَّة، فلذلك سمِّي ولده العرب المستعربة، وهم أصهار جُرْهُم بن قحطان.
    وأجمع المؤرخون على أنَّ العرب من حيث النسـب فصيلتان: العدنانيَّة الذين يرجعون بأنسابهم إلى إسماعيل بن إبراهيم الخليل، وأوَّل مقامهم في الحجاز، والقحطانيَّة الذين ينتسبون إلى يعرب بن قحطان، وأوَّل سكناهم في اليمن، ثم تشعَّبَتْ في الأرض فصائل العدنانيين والقحطانيين وأفخاذهم وعشائرهم.
    ممالك العرب قبل الإسلام
    امتدَّ مُلْكُ العرب العاربة إلى الشَّام ومصر، وروى المؤرخون أنَّ العرب أسَّسوا في العراق دولةً عظيمةً هي دولة حمورابي، وهو اسمُ أكبر ملوكها ومؤسِّسُ أقدم شريعة في العالم، وهو من أهل القرن الثامن عشر قبل الميلاد، وملكَ بعضُ بني عاد والعمالقةُ العراقَ، وأصلُ العمالقة أنَّهم أهل شماليِّ الحجاز ممَّا يلي جزيرة سَيناء، وقد فتحوا مصرَ في عهد الفراعنة، وأسَّسوا فيها أسرة ملكيةً، وجاؤوا من بَرْزَخ السُّويس أو البحر الأحمر، وحكموا إلى سنة (1703) قبل الميلاد، وتمكَّن المصريون من انتزاع المُلك منهم، فتفرقوا في جزيرة العرب وأقاموا دولاً في الحجاز واليمن.
    ومن الممالك العربيَّة المعروفة مملكة عاد، وعاد من القبائل الآراميَّة ولذلك سمِّيت عادٌ إرَمَ العرب[ر]، ومن ممالك العرب مملكة ثمود[ر]، ومملكة طَسْم وجَديس[ر]. وكان من ممالك العرب دولة الأنباط التي قامت على مشارف الشَّام في الجنوب الشرقيِّ من فلسطين ممتدَّةً إلى رأس خليج العَقَبَةِ، ويحدُّها من الجنوب بادية الحجاز، ومن الشَّمال فلسطين ومن الشَّرق بادية الشَّام، كانت عاصمتها (بطرا) أو (البَتْراء) أو(الحِجْر)، وتحيط بها الصُّخور وهي عند ملتقى طرق القوافل بين تَدْمُرَ وغزَّةَ، وكان العرب يسمُّونها (الرَّقيم)، وكان للأنباط نظامٌ سياسيٌّ ونظامٌ اقتصاديٌّ، والأسماء الغالبةُ على ملوكهم ثلاثةٌ: الحارثُ وعبادةُ ومالكٌ، وأوَّل من مَلَكَهُم الحارثُ الأوَّل سنة (169) قبل الميلاد، وكانوا يتكلمون العربيَّة ويكتبون بالآراميَّة. ومن ممالك العرب العاربة تَدْمُرُ الواقعة على طَرَفِ بادية الشَّام، وحاول الرُّومان احتلالَها مرَّات، ولم ينجحوا بذلك إلا بالخديعة، وأشهر ملوك تَدْمُرَ أُذَيْنَةُ، وكان سَابور مَلِكُ الفُرس احتلَّ أجزاء من سورية، فاستعادها منه أُذَيْنَةُ فأصبحت سورية له، واتَّخذ لقبَ ملك الملوك، ومن ملكاتها العربيَّات زَنُوبِيا وهي زوجُ أُذَيْنَةَ[ر].
    ومن الممالك العظيمة ما كان في اليمن، وكانت تقسم إلى محافدَ، وكل مَحْفدٍ إلى قصور، وكل قصر إلى حصون، ويُعرف صاحب المَحْفدُ بوضع (ذو) أمام اسمه فيقال ذو غَمدان، وربُّما اجتمعَتْ المَحافِد على مَلِكٍ واحدٍ يقال له (قَيْل) وكان الأقيال يقتتلون لبسط نفوذهم. ومن حضارات اليمن الدَّولة المَعينيَّة، وبلغ عدد من عُثر على أسمائهم من ملوكها ستة وعشرين ملكاً، ومنها دولة سبأ، ويمتد عصر سبأ بين 950ـ 115ق.م، وعرف من ملوكها من أَثَرِ النُّقوش الحجريَّة نحو ثلاثين ملكاً، ومن الدول العظيمة في اليمن دولة حِميَر، وهي فرع من سبأ، وحِمْيَر عند العرب وَلَدُ سبأ، وكان الحميريون يقيمون في رَيْدان قبل توليهم حكم إخوانهم من سبأ، فصار مَلِكُهم يُدعى ملكَ سبأ وذي رَيْدَان، وكانت الدَّولة قويَّة حاربت الأحباش والعَجَمَ وغَزَت بلادهم، وكان آخرَ ملوكها ذو نُواس سنة 525 للميلاد، وورد اسمه في النقوش يوسف يسأر يثأر، ولقب نفسه ملك الشعوب.
    أطماع الأمم الأخرى في بلاد العرب قبل الإسلام
    أقدم الأمم التي غزت بلاد العرب المصريون في عهد أَحْمسَ الذي أخرج العمالقة من مصرَ، ولما تولَّى تُحُوْتُمس الثَّالث (1468ـ 1436ق.م) قطع برزخ السويس واكتسح أعالي بلاد العرب وسورية وفلسطين وما بين النهرين، ولما صار الملك إلى رَعْمِسِيسَ الثالث نحو 1200 قبل الميلاد أرسل جيشه للبحث عن المعادن الثمينة في سيناء، وفعل مثل ذلك رَمْسِيسُ الثاني.
    وممَّن غزا بلاد العرب الآشوريون في عهد ملكهم تَغْلات فَلاسر في القرن التاسع قبل الميلاد، وغزاها سَاراجُون الثاني الآشوري سنة 721 ـ 705 ق.م وأوغل فيها، وفعل ذلك حفيده سَنْحَارِيْبُ حتى بلغ غربيَّ بلاد العرب وشماليّها، ووصل مَلِكُ الآشوريين أَشُورُ أَخْدِينَ إلى اليمامة والبحرين، أما مَلِكُهُم آشور بانيبال فوصل إلى دمشقَ، وسار الملك الكلداني نَبُوْخَذُ نَصَّر أو بُخْتَ نَصََّر إلى مَعَدٍّ فلقي جموعَ العرب وقاتلهم، وسار إلى الحجاز فجمع عدنانُ العربَ في ذات عِرْقٍ فاقتتلوا، فانهزم عدنان إلى حصون هناك، فتبعه بُخْت نَصَّر، وكمنَ الجيشان واقتتلا حتى اشتد القتال ثم انفضّ الجمعان.
    ومن الأطماع البارزة في البلاد العربيَّة قبل الإسلام الأطماع الفارسيَّة، فبعد أن انتقلت مملكة كلدان إليهم أغار الفرس على العرب وفرضوا عليهم الجزية، وأعملوا القتل في الخارجين على سلطانهم، واستدعت الأطماع الفارسيَّةُ أطماع اليونان، ولما تغلب الإسكندر الأكبر على العالم همَّ بغزو بلاد العرب جميعها فمات قبل ذلك، واحتلَّ الرومان بلاد الشام، وغزا الأحباش اليمن في آخر عهد التَّبابعة، وكان ذلك للأحباش بمساعدة الرومان، ومكثوا فيها إلى سنة 374 ميلادية، ثم استردَّها الحِمْيَريُّون إلى سنة 525 ميلادية، وأعاد الأحباش غزوها فملكوها ثانيةً، وفي هذا العهد حدث ما كان من أبرهة حين غزا مكَّةَ يريد هدم الكعبة، فعاد خائباً، ثم استنجد أحد ملوك حِمْيَر، وهو سيف بن ذي يَزَن بالفُرس فأنجدوه، فقهر الأحباش بمعونتهم، فوقعت اليمن تحت سيطرة الفرس إلى أن ظهر الإسلام.
    عرب الجاهلية أو ما قبل الإسلام
    عرب الجاهلية قسمان: عدنانيُّون وقحطانيُّون، والفرق بينهما يتعلَّق بالنِّظامين الاجتماعيِّ والدِّيني، وباللُّغة. فمن حيث الوضعُ الاجتماعيُّ كان العرب العدنانيون في جمهورهم السائد أهل بداوة يربون الماشية، ويعتمدون على الترحال بحثاً عن الكلأ والماء، ولم تكن لهم إلا مدن قليلة، ولكن لهم قرى شهدت ضروباً من الاستقرار، ومن مدنهم مكَّة والطائف واليمامة وغيرها. أما القحطانيُّون فهم في سوادهم أهل حواضر وممالك، ومن الناحية الدينيَّة كانت آلهة القحطانيين تقرب من آلهة البابليين، فمنها عشتار وإيل وبعل وغيرها، وآلهة العدنانيين لها أسماء خاصَّة بها لا تشترك مع سواها، فمنها: اللات والعزَّى ومُناة وهُبَل، وبعضُها مذكورٌ في القرآن الكريم. ومن الناحية اللغويَّة يتكلم الفريقان العربيَّة غير أنه ثمَّة خلاف في الإعراب والضمائر والاشتقاق والتصريف.
    وكانت الحالة الاجتماعية للعرب في الجزيرة العربيَّة قبل الإسلام تابعةً لحالتهم الاقتصادية، إذ كان شظف العيش وندرة الماء يدفعهم إلى الاقتتال، بعد أن شهدت بعض نواحيها حضارات عظيمة صارت مضرب المثل في القرآن الكريم، كمملكتي عاد وثمود.
    أما عرب اليمن فمن الثابت أنهم أسَّسوا حضارات عظيمة كانت لها مكانتها العلمية والسياسية والاقتصادية، وقد نالت دولة سبأ ودولة المعينيين والدولة الحميرية من بسطة العيش وفخامة الحياة المدنيَّة حدّاً جعل اليونان والرُّومان يسمونها بلاد العرب السعيدة، واليمن السعيد، وبلغت معارفهم الهندسيَّة شأواً عظيماً، وكان من آثارهم في ذلك سد مأرب، ووجد الباحثون آثار مدرسة لتعليم الأطفال، وكانت لهم نقود خاصَّة نقشوا عليها صور ملوكهم ومدنهم، ولهم عناية بالبخور، ومعرفة بالأدوية، وبعض الصناعات كالأنسجة والأسلحة والسفن، واستخرجوا الذهب والفضة والأحجار الكريمة.
    العرب بعد الإسلام
    بعث الله نبيّه محمداًr فحاربه قومه، وأخرجوه من مكَّةَ، فهاجر إلى يثرب فسمِّيَت المدينة المنورة لقدومه عليها، وكان الأوس والخزرج نواة الأنصار الذين شكلوا مع المهاجرين من مكة قوام الدعوة الإسلامية في يثرب، وأقام الرُّسولr أول دولة إسلاميَّة لها نظامها السياسيُّ والاقتصاديُّ والاجتماعيُّ المتماسك، وقامت هذه الدولة على الشُّورى في الحكم، إذ كان يستشير أصحابَه في أمور الدَّولة من حربٍ وصُلْحٍ وفداءٍ للأسرى وغير ذلك، واتَّخذت الدَّولة العدلَ والمساواة أساساً للمُلْك، وأتى ذلك كلُّه مدعَّماً بالنُّصوص الشَّرعيَّة من القرآن الكريم والحديث الشريف، فكان تطور هذه الدولة وارتقاؤها سريعين، ومكَّن الرَّسول الرَّوابطَ الاجتماعية وأقامها على أساس المؤاخاة بين الأنصار والمهاجرين، وأوقف ما كان بين الأوس والخزرج من حروبٍ وعداواتٍ، وترك لليهود حرية العقيدة، واشترط عليهم ألاَّ يحالفوا أعداء المسلمين، ووقعت بين المسلمين والمشركين حروب انتهت بفتح مكة، ثم اتسعت الدولة حتى تحررت بلاد العرب جميعها من سيطرة الفرس والروم، وبلغت هذه الدولة في ثمانية قرون ما لم تبلغه حضارتا الرومان واليونان والفرس، وحكم العرب مناطق شاسعة من العالم المعروف آنذاك، وملأت حضارتهم الأرض بالعلماء والمفكرين الذين صنفوا في مختلف العلوم، وترجموا كتب الفرس واليونان والرومان، فقامت حركة علمية منقطعة النظير، في حين كان علماء الأمم السَّابقة لا يجرؤون على المجاهرة بنظرياتهم في العلوم التطبيقية خشية معارضة علماء الدِّين، ولم يدع العرب علماً عُرف في ذلك الزمن إلا صنفوا فيه وأضافوا إليه، ونشأت تحت لواء الدولة العربيَّة الإسلامية أعظم حضارة علميَّة عرفها التاريخ القديم، أساسها تناغُم الحضارات وتبادلُ الثَّقافات بين الأمم، وليس صراعُ الحضارات وتنافرها، واحترمت الدَّولة العربيَّة عقائد غير المسلمين، وكفلت لرعاياها حرية العقيدة والعمل والفكر والتنقل والبيع والشــراء، وحرية اتخاذ اللباس الديني، وكان على الدولة حمايتهم وحماية مصالحهم داخل أراضيها، لقاء قليل من المال يسمَّى الجزية يدفعه القادر منهم، وأُعْفِيَ منه رجال الدين والغلمان والنِّساء والعَجَزَةُ وذوو العاهات الذين لا يقدرون على العمل. وعلى الرغم من المؤامرات التي كان يحيكها الفرس والروم البيزنطيون للدَّولة العربيَّة استمرت حضارة العرب قروناً طويلة حتى تناحر سلاطينها على المُلك، وأخذ الضعف يتسرَّب إلى أركانها في مختلف أصقاع الأرض، من غير أن يقدروا على التَّناصر لِمَا دبَّ فيهم من ضعف، واشتجر بينهم من خلاف، وهكذا آل أمر قيادة العالم إلى غير العرب.
    العرب في الوقت الحاضر
    العرب اليوم أمة واحدة تجمعُها دولٌ كثيرةٌ، وهذه الدُّول تفصلها حدودٌ مُخْتَلَقَةٌ هي صنيعة أعداء الأمس الذين ظلُّوا حَجَرَ عثرةٍ أمام النهضة العربيَّة والوحدة العربيَّة، وهي دول تقاسمها في مطلع القرن العشرين النفوذ البريطاني والفرنسي والبرتغالي والإيطالي، ثم خرج هؤلاء جميعاً من بلاد العرب بالثَّورات الوطنيَّة الشَّعبيَّة، غير أن البريطانيين والفرنسيين خلّفوا مشكلتين رئيستين لاتزالان من أسباب تخلُّفِ الأمَّة العربيَّة دون سائر الأمم، هما: اتفاقيَّةُ تقسيمٍ ووعدٌ مشؤومٌ، أمَّا الاتفاقيَّة فهي اتفاقيَّة وزيري خارجية بريطانيا وفرنسا «سايكس وبيكو» التي خلفت هذه الحدود الوهميَّة بين البلاد العربيَّة، وكانت عائقاً أمام وحدة الكلمة ووحدة الصف في مواقف كثيرة حاسمة، وكان من نتاجها الخلاف والتنافر بين كثير من الدول العربية وحرب الخليج الثانية بين العراق والكويت (1990) شاهد على ذلك، وأما الوعد المشؤوم فهو وعد وزير خارجية بريطانيا (بلفور 1917) لليهود بإنشاء وطن قومي لهم في فلسطين، وعلى الرَّغم من تغيُّر موازين القوى في العالم وسيطرة القطب الواحد (أمريكا) على العالم لا تزال آثار الماضي المتمثَّلة في المشكلتين السَّابقتين عائقاً أمام نهضة الأمة العربيَّة الواحدة، حتى إنَّ أعداء اليوم أشد تمسكاً ببقاء هاتين المشكلتين بزرع الفتنة والانقسام في جسد الأمة الواحد، وبالدعم غير المحدود لليهود في فلسطين، ولا يخفي أعداء اليوم نزعاتهم العنصرية المعادية للعرب، فيختلقون صراعَ الحضارات المزعوم بين حضارة عربيَّة إسلاميَّة غابرة لم يعرف التاريخ أرحمَ من قادتها الفاتحين بإقرار المنصفين من المستشرقين الغربيين، وبين حضارة تقوم على مدنيَّةٍ زائفةٍ، أساسُها التحلُّلُ من الأخلاق الفاضلة وتغيير حقائق التَّاريخ، واختلاق الصِّراعات في العالم، وكان آخر نتاج صراع الحضارات المختلق حرب الخليج الثالثة التي لاتزال رحاها تدور حتى اليوم (2005) على أرض العراق بدعوى الحريَّة والديموقراطيَّة، وهذه الدَّعوى لا تختلف عن ادعاء الوصاية والانتداب اللذين جاء بهما الاستعماران البريطاني والفرنسي في مطلع القرن العشرين.
    محمد شفيق البيطار
يعمل...
X