دراسة علميَّة عصبيَّة تُحدد الجين الأساسي المسؤول عن تطور الدماغ البشري وتُبين أيضًا كيف يعمل
يملك البشر القِشرة المُخيَّة الأكبر بالمُقارنة مع الثدييات الأخرى، فقِشرة المُخ لدينا عبارة عن امتداد من الخلايا العصبيَّة التي تَنثني على نفسها عِدة مرَّات مُشكِّلةً ما يُعرف بالتلافيف كي تتمكن من التوضُّع داخل الجُمجمة، كما أنَّ هذه القِشرة هي المركز الأعلى المُنَظِّم لِكُل وظائف الجسم، وهي التي تُمكننا من مُعالجة كُلّ ما نراه ونسمعه ونُفكر به.
الامتداد الكبير للقِشرة المُخيَّة عِند البشر جعلهم بعيدين بالكثير من الأشياء عن رُتب الثدييات العُليا الأخرى، وكثيرًا ما احتار العلماء حول الآليات المسؤولة عن هذا التطور.
وقد نُشِرَ بحثٌ جديد من مُختبر (كوسيك لعلوم الأعصاب الخَلويَّة والجُزيئيَّة في جامعة سانتا باريرا في كاليفورنيا-Kosik Molecular and Cellular Neurobiology Lab at UC Santa Barbara) (UCSB) يُبين أنَّ العلماء حددوا حمض نووي ريبوزومي طويل السلسة مسؤولًا عن تنظيم التطور العصبي الذي أطلقوا عليه اختصارًا (lncND).
ويقول كبيرُ مُعدِّي الدِراسة (كينيث كوسيك- Kenneth S. Kosik) وهو بروفيسور في مركز البحوث العصبية في (UCSB) في قسم علوم التطور الجزيئيِّة والخَلويَّة «إنَّ ما أسميناه lncND يُمكن أن نجده فقط في فرع الثدييات العُليا الذي يؤدي إلى البشر، وهو عبارة عن سلسلة من النيوكليوتيدات التي لا تُشفِّر أيّ بروتين، وقد وجدنا أنَّ هذا الـ lncND يكون مُثارًا أثناء التطور ويخمد عند نُضج الخلية».
حدَّدت مُعدَّة الدراسة (نيها راني- Neha Rani) وهي باحثة ما بعد الدكتوراه في مخبر كوسيك مواقع مُختلفة على lncND، وهذه المواقع هي مواقع ارتباط مع نوع آخر من الـ RNA يُدعى بالرنا قصير السلسة microRNA أحدُها يُدعى microRNA-143.
وتقول راني: «لقد وجدنا أنَّ lncND يستطيع عزل الرنا قصير السلسلة، وعندما يفعل ذلك، سوف يُنظم التعبير عن بروتينات (النوتش- Notch)، وهي بروتينات تنظيميَّة هامة جدًا خلال تطور الخلايا العصبيَّة فهي المسؤولة عن تمايز الخلايا وتحديد مصيرها، كما أنَّـها مُهمةٌ وحاسمة في مسار التطور العصبي».
ويصف كوسيك الـ lncND بأنَّه المِنصة التي يرتبط بها الرنا قصير السلسلة كالإسفنج فيقول: «هذا يسمح لبروتينات نوتش بالقيام بما يتوجب عليها عمله خلال التطور، ثم ومع نضوج الدماغ تنخفض مستويات تراكيز الـ lncND في الخليَّة مما يجعل الرنا قصير السلسة يتحرر عن المِنصة ويرتبط ببروتينات النوتش ليُخفِّض من مستوياتها، حيث أنَّ تراكيز بروتينات النوتش يجب أن تكون عاليةً خلال تطور الدماغ لكن ليس عندما ينضج، وهنا يأتي دور الـ lncND في تأمين وسيلة مُنظمَّة ودقيقة لتغيير تراكيز هذه البروتينات بسرعة».
وقامت راني بتكرار زراعة الخلايا كي تحصل على نتائج أكثر تأكيدًا، فاستخدمت خلايا جذعيَّة تنمو لتُعطي خلايا عصبيَّة داخل ما يُدعى بالدماغ المُصغَّر، وضِمن هذه الكتلة من النسيج العصبي التي كانت بحجم حبة البازلاء نجحت راني بذلك.
فقد حددت مجموعة خلايا دَبقيَّة شُعاعيَّة (وهي خلايا في أحد مراحل التطور من خلايا جذعيَّة إلى خلايا عصبيَّة) إضافةً لأسلاف عصبيَّة أخرى مسؤولة عن صُنع lncND.
لكن الباحثين أرادوا رُؤية ذلك في نسيجٍ دماغي بشري حقيقي. لذلك طلبوا المُساعدة من زُملائهم في المدرسة الطبيَّة في جامعة سان فرانسيسكو العاملين على برنامج التطور وعلوم الخليَّة الجذعيَّة، وقاموا باستخدام التَهجين بالمواقع الحقيقية لذلك البروتين، وما وجدوه هو أنَّ lncND موجودٌ فعلًا في أسلاف الخلايا العصبيَّة وغير موجود في الخلايا العصبيَّة الناضجة.
ويقول كوسيك والذي هو أيضًا مدير مساعد في UCSB في معهد بحوث العلوم العصبيَّة «إنَّ ما اعتقدناه عن تَوضُّع ووظيفة lncND في النسيج العصبي كان صحيحًا، لكن بقيَ أمامنا شيءٌ واحدٌ يجب القيام به الآن، لأنَّ الناس سيبقون غير مُصدقين بأنَّــنا قُمنا بكل شيءٍ مُمكن للتأكد من أنَّ الـ lncND كان فعلًا يقوم بدوره الوظيفي الذي اكتشفناه.
فمن أجل ذلك قام الفريق بإدخال الـ lncND في دماغ جنين فأرة موجود في رحم أمه.
وما وجدوه كان مُؤكد، فقد سمح لهم البروتين الذي سَمُّوه بالأخضر المُشِع برؤية أنماط التطور المُبكر والدور الوظيفي الذي يقوم به lncND، حيث أنَّ هذا البروتين في الحالة الطبيعية غير موجود عند الفئران بل يوجد فقط في بعض الثدييات العُليا بما فيها الإنسان».
ويُتابع كوسيك «عندما حقــنَّا الـ lncND في جنين الفأر أثَّرنا فعلًا على التطور، فقد تحوَّل نمط التطور المُبكر عند الفأر قُدمًا باتجاه الخلايا الأسلاف على الرغم من أنَّ الفئران لا تقوم بتصنيعه إطلاقًا».
وحسب كوسيك فإنَّ هذا العمل لم يُحدد فقط الجين الأساسي المسؤول عن تطور الدماغ البشري بل قَـدَّمَ أيضًا فكرة حول مُكوِّنٍ هامٍ ساهم في توسيع العقل البشري.
وبحسب راني، فإنَّ الجانب الآخر المُثير للاهتمام في هذا العمل هو العلاقة التنظيميَّة الرائعة بين lncND وبروتينات النوتش.