العظم (رفيق-)

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • العظم (رفيق-)

    عظم (رفيق)

    Al-Azm (Rafiq-) - Al-Azm (Rafiq-)

    العظم (رفيق ـ)
    (1284 ـ 1343هـ/1867 ـ 1925م)

    رفيق بن محمود بن خليل العظم، بحاثة من رجال النهضة الفكرية في الأمة العربية، مجاهد ولد بدمشق لأسرة عريقة غنىً وجاهاً وعلماً، تقلد أفرادها المناصب العالية لدى الدولة العثمانية، ولازالت آثارهم العمرانية من قصور ودور ومدارس باقية تدل على ما كانت عليه الأسرة العظمية من ترف وثروة ومعرفة.
    وفي هذه الأسرة نشأ وترعرع رفيق العظم، فدفعه والده إلى علماء وشيوخ العصر ليأخذ عنهم اللغة العربية وآدابها، والتاريخ، فنشأ مقبلاً على كتب التاريخ والأدب ودواوين الشعر، واستطاع الفتى أن يغني سليقته، وأن يتمكن من الفصاحة والجزالة لما كان يتمتع به من موهبة وذكاء وفطرة سليمة وصفاء في الذهن وحب للتعلّم.
    وقد تهيأ للشاب رفيق العظم تعرف أئمة الفكر وأعلام الأدب بدمشق، مثل الأساتذة والشيوخ: سليم البخاري، وطاهر الجزائري، وتوفيق الأيوبي وغيرهم. فاجتمع إليهم وسمع منهم وأفاد من عقولهم الرزينة وتجاربهم الغنية؛ فاكتسب منهم حب البحث والاستقصاء في التاريخ والاجتماع والأدب، وما كان له من أثر في التفكير في الوطن والتنبيه لما يتعرض له من مخاطر ومحن، وضرورة اليقظة والدعوة للإصلاح، والواجب أن يتبنى ذلك رجال الفكر والإصلاح العرب، وأن تتضمن كتاباتهم مثل هذه الموضوعات، وأخذ على عاتقه أن يكون الرائد والقدوة لأصحاب الأقلام الحرّة، َفَسخّر قلمه السيال لهذه المهمة السامية، فكتب فصولاً رائعة في الوطنية والأدب، صاغها بأسلوب رشيق سبق بها زمانه، فلم يأبه للبديع والزخارف والمحسنات اللفظية، وإنما اتجه بها إلى المعنى الذي يَعْلَق بالفكر، فكانت ثورته مضاعفة في التفكير والتعبير.
    وأراد أن يتقرب من الأحرار العثمانيين فتعلم اللغة التركية، وتلقحت أفكاره الحرة العربية بالمبادئ الحرة التركية، فنفر من الظلم وكره الاستعمار والاستبداد، ورغب في التقرب من الجمعيات السياسية السرية، فعرف كثيراً من الأسرار المهمة عن طريقها، وتنبه لسياسة السلطان وحاشيته التي تسير بالشرق إلى هوى سحيقة، فأخذ ينتقد ويُصرح بجرأة مذهلة فاضحاً السياسة التركية الجائرة المستبدة، مما لفت إليه الأنظار، وجعل السلطات تُطوقُه بالمخبرين والجواسيس ليضيقوا عليه الخناق ويخففوا من ثورته العارمة، مما جعله يعزم على السفر إلى مصر، وكانت ملاذ الأحرار ومأوى المفكرين والثائرين، فوصل مصر سنة 1894م وهو في الثلاثين من عمره. وفي القاهرة تهيأ لرفيق العظم تعرف أعلام مصر، وأن يحضر مجالسهم العامرة بالعلم والأدب والسياسة، فاتصل بحلقة الشيخ محمد عبده، التي كانت تضم كبار الكتاب والمفكرين من أمثال قاسم أمين، وفتحي زغلول، وحسن عاصم، فتفاعل معهم وتأثر بأفكارهم وأفاد في مجالسهم، فكأنه تَخّرج في كلية عربية شهيرة، وتعرف الشيخ علي يوسف صاحب جريدة «المؤيد»، ونشر بعض أبحاثه فيها، واجتمع مع الزعيم الوطني المصري الكبير مصطفى كامل وصنوه محمد فريد، وهما من أقطاب السياسة آنذاك في مصر، فاستفاد منهما شيئاً كثيراً، ونضجت في ذهنه فكرة الإصلاح السياسي والاجتماعي والفكري القومي.
    فكّر رفيق العظم بضرورة تأسيس جمعيات سرية، فكّون مع زملائه «جمعية الشورى العثمانية» الحرّة وكانت تضم شخصيات مشهورة من العرب والأتراك والجركس والأرمن، وكانت تصدر صحيفة باسمها، وكان يُحرر رفيق العظم القسم العربي فيها، وكان نشاط هذه الجمعية يتمثل بطباعة المنشورات وتوزيع البيانات في البلاد العربية وغيرها، وتنبهت «جمعية الاتحاد والترقي» لنشاط هذه الجمعية وخطرها، فسعت إلى التقرب منها والتعاون فيما بينهما لمقاومة الظلم والاستبداد العثماني، ولكن أهداف الجمعيتين كانت متباينة؛ إذ كان جماعة الاتحاد يعتمدون على العنصرية الطورانية والقول بتفوقها على باقي القوميات، في حين كان جماعة الشورى يسعون وراء الحرية للشعوب كافة؛ لذا عمل رفيق العظم مع صديقه الشيخ «رشيد رضا» صاحب جريدة «المنار» لإنشاء جمعية عربية سرية، من أهدافها السعي إلى جمع شمل العرب والتأليف بين أمراء الجزيرة العربية لحفظ حقوق الأقطار العربية في الدولة العثمانية، والعمل لمستقبل زاهر يُعيد للعرب مجدهم الغابر في تاريخهم المجيد، وقد سارع رفيق العظم مع زملائه لتأسيس «حزب اللامركزية»، بعد ما رأى الضعف الذي وصلت إليه الدولة العثمانية، ووصول «الرجل المريض» إلى حافة الهاوية والفناء ولاسيما بعد انكسارها في حرب البلقان، واحتمال وقوع الدولة العثمانية في براثن الدول الغربية، وانعكاس خطر انهيار الدولة العثمانية على الأقطار العربية، لئلا يصيبها ما يصيب العاصمة، ولينجو كل قطر من الوقوع فريسة للدول الأوربية.
    كان رفيق العظم مثالاً في النشاط السياسي، فعمل في الأحزاب لخير بلاده وأمته العربية، وقدلازمه (الربو) ووهن جسمه، وعندما قامت الثورة العربية، وتسلمت الحكومة الفيصلية مقاليد الحكم بدمشق، عاد إلى بلاده زائراً، فلقي خير استقبال ولقي ترحيباً رسمياً وشعبياً لما له من أياد كريمة في النضال والكفاح في سبيل وطنه وأمته، وعرضت عليه بعض المناصب، فاعتذر لسوء حالته الصحية، وعاد إلى القاهرة واستقر في منزله بمصر الجديدة، حتى وافاه الأجل ودفن بأرض الكنانة، دون أن يعقب ذرية.
    كان رفيق العظم مجاهداً قدم لوطنه وأمته العربية خدمات جلّى كافح وناضل في سبيل نصرة القضية العربية في وجه التعنت والتعصب التركيين وذلك مع زملاء له ساروا على طريقه. ونجح في الجهاد الوطني والقومي، وكان له الباع الطويل في المجالين الفكري والإبداع الأدبي، فكان يكتب ويصنف في التاريخ والأدب والاجتماع والإصلاح والدين الإسلامي وأعلامه، وقد ساعده مقامه بالقاهرة على الكتابة في كبرى الجرائد والمجلات المصرية: «الأهرام» و«المقطم» و«المؤيد» و«المقتطف» و«الهلال» و«المنار»، فكانت مقالاته تلقى الاهتمام الزائد، والترحيب والقبول؛ لأنها كانت تُعنى بالتاريخ العربي المجيد، وترسم طرق إصلاح المجتمع، فتشخص الداء وتحدد له الدواء.
    من أشهر مصنفاته وأعظم آثاره الفكرية تاريخ «أشهر مشاهير الإسلام» الذي اشْتُهِرَ به في الأقطار العربية، وصدرَّ منه أربعة أجزاء طبعت مراراً ونفدت نسخها، وكتاب «السوانح الفكرية في المباحث العلمية» وهو كتاب اجتماعي أدبي ألفه في أربعة أقسام، القسم الأول: المدنية ودواعيها وأسباب تقدمها وتلاشيها، وفيه ثلاثة أبحاث، والقسم الثاني «التربية والأخلاق»، وفيه أربعة أبحاث، والقسم الثالث «الأدبيات» وفيه أيضاً أربعة أبحاث، والقسم الرابع «مباحث علمية مختلفة»، ويحوي خمسة أبحاث، وكان القسم الأخير، الخامس في موضوع «التفرنج» وقد أفاض في ذمه ووصف ضرره وشره.
    ومن آثاره أيضاً كتابه «الدروس الحكميّة للناشئة الإسلامية» و«البيان في أسباب التمدن والعمران» و«البيان في كيفية انتشار الأديان» وكتابه «الجامعة الإسلامية وأوربة» و«خطب رفيق العظم» و«تاريخ السياسة الإسلامية».
    قدَّر مجمع اللغة العربية بدمشق رفيق العظم وإصداراته القيمة الغنية، وأسلوبه الرائع، وخدماته الجليلة التي قدمها للغة العربية فانتخبه عضواً مراسلاً تقديراً وإكباراً له، ولكنه لم يتح له المشاركة بنشاط المجمع وأعماله، وأوصى بأن تقدم مكتبته الغنية وهي في نحو ألف مجلد هدية إلى مكتبة مجمع اللغة العربية بدمشق، وفعلاً قام شقيقه عثمان العظم بتنفيذ وصيته بعد مماته، فقام بنقل المكتبة من القاهرة إلى دمشق، ولابد من ذكر بأن المفكر رفيق العظم كان شاعراً ولكنه كان مقلاً، فرثى بعض أصدقائه من زعماء السياسة والفكر، وبكى صديقه محمد فريد، والشيخ طاهر الجزائري وغيرهما.
    أحمد سعيد هواش
يعمل...
X