عنتره (سيره)
antara (sirat-) - antara (sirat-)
سيرة عنترة
لقد صوّرت السيرة الشعبيّة عنترة ابن شداد وهو يولد لشدّاد بن قراد العبسيّ من أمة زنجيّة اسمها زبيبة، ولم يعترف شدّاد بهذه النسبة بادئ الأمر، ونشأ عنترة أسود اللون مع العبيد والإماء وقد فطن زهير بن جذيمة زعيم بني عبس لمخايل الفروسيّة التي ترتسم ملامحها على محيّاه، فقسمات وجهه الجادّة ونظراته الصارمة وعضلاته المفتولة وصدره العريض تنمّ على أنّه سيكون له شأن ستجلوه الأيّام، وسمّاه زهير: «حامي بني عبس وفارس كلّ من طلعت عليه الشمس» وكان عنترة يصرع أقرانه، ويسير في الليل غير آبه بما فيه من ويل، كان يقول: الليل يكفيك الجبان ونصف الشجاع. ويردد: الشجاعة صبر ساعة. وحين أغار بنو طيء على بني عبس، وقتلوا رجالاً وسبوا نساء كان عنترة معتزلاً بني عبس يرعى الإبل، فلحق به أبوه شدّاد قائلاً: ويك عنترة كرّ. فيجيب عنترة: العبد لا يحسن الكرّ إنمّا يحسن الحلب والصرّ. فيصرخ شدّاد: كرّ وأنت حرّ.
تروي السيرة المشاهد القتالية التي خاضها عنترة مع أقوام كثر من قيس ويمن، فحياته إمّا على صهوة جواده في طعان وقتال وإمّا جالس على وليمة يلتهم لحم الجزور، ويعاقر المعتقّة الصهباء ولم تترك السيرة فارساً نبغ اسمه أو علا شأنه، إلاّ وتجعل عنترة يبارزه ويجالده، إمّا يقتله أو يصرعه، ليشدّ أخوه شيبوب وثاقه، فيقتل مسحل بن طراق الكندي الذي أراد أن يتزوّج عبلة مستهيناً بشأن عنترة، ويقتل زهير بن جذيمة من بني عامر، ولقيط بن زرارة، ويحالف عامر بن الطفيل بعد مناوءة ومماحكة، ثمّ ما يلبث هذا الصريع أن يعقد صفقة صداقة مع عنترة، وترتقي هذه الصداقة إلى مرتبة التحالف، حدث هذا مع عروة بن الورد وعمرو بن معد يكرب وعمر بن ودّ العامري، ودريد بن الصمّة، ولم تترك السيرة فارساً أو شاعراً أو أميراً سواء عاصر عنترة أم لا إلاّ وله معه حكاية، كالنابغة الذبيانيّ الذي تآمر عليه أو الحطيئة الذي أراد الاستفادة منه، وكان شيبوب المنقذ لعنترة في اللحظات الحرجة، وسلاحه الذي لايخطئ القوسُ والنبل، وتصوّره السيرة خبيراً في المسالك والدروب صاحب مكر ودهاء، ويعدو كالظليم (ذكر النعام) وأحرز قصب السبق على داحس والغبراء، وتدور السيرة حول عبلة بنت مالك، ويعد مالك وابنه عمرو عنترة بأن يزوّجاه من عبلة التي هام بها عنترة أشد الهيام وأنشد فيها أجمل الأشعار، وناصب بنو زياد عنترة العداء لأجلها، وعلى رأسهم الربيع بن زياد وأخوه عمارة الذي خطبها من أبيها رغم الوعد الذي قطع لعنترة، وكلّما وقعت عبلة وأترابها في السبي وعجزت فرسان بني عبس عن إنقاذهنّ فزعوا إلى عنترة لتخليصهم من الورطة، وكثيراً ما تقوده المصادفة المحض في الظروف الحرجة لتخليص النساء من السبي والرجال من الأسر، وكلّما طالب عنترة عمّه بتنفيذ الوعد بتزويجه راغ عمّه كما يروغ الثعلب، وطلب منه التريّث، واشترط عليه المعاجز، وذات مرّة طلب مهراً لابنته ألف ناقة من النوق العصافير إبل المنذر ابن النعمان، فما كان من عنترة إلاّ أن يطلب من أخيه شيبوب مرافقته إلى الحيرة، وحاولا إجبار الرعاة والعبيد على سوق ألف ناقة من النوق العصافير إلاّ أنّ الحظ لم يحالف عنترة هذه المرّة، فيكبو حصانه وينبو حسامه عن الضرب ويتكاثر عليه القوم فيشدّون وثاقه، ويسقط في سجن المنذر بن النعمان ويتمكّن شيبوب من الهرب، ويتخلّص عنترة من السجن بصرعه لسبع كاسر، فأعجب المنذر من شجاعة عنترة، وأعطاه طلبه من النوق، ثم أرسله إلى كسرى أنوشروان، وعنده يبارز عنترة الفرسان ويصرع بهرام فارس الديلم أمام كسرى، ويقتل البطريق الذي أرسله قيصر الروم إلى كسرى، فيعطي كسرى عنترة هدايا قيصر ويحمّله بالذهب والفضّة ويضمّ هذه الهدايا الثمينة إلى النوق العصافير، كلّ هذه الغنائم والهدايا لم تقنع مالكاً كي يفي لعنترة بالوعد الذي قطعه على نفسه، ويشكو عنترة لشأس بن زهير قائلاً: أيّها الأمير، أنت تعلم أنّ أباها أطمعني فيها، ووعدني بها، وتعلم كم مرّة خلّصتها من السبي، وألقيت بنفسي في المخاطر بسببها، ولمّا طلب النوق العصافير، أتيته بها محمّلة بالجواهر والدنانير، زد على ذلك ما أتيته به من أنعام الملك الأكبر وتحف الملك قيصر، وما زلت أخاطر بنفسي لأجل هذه الجارية، وجراحي لم تزل دامية.
وتروي السيرة أنّ الأكاسرة والقياصرة هادنت عنترة بعد أن يئست من هزيمته، فطلبت ودّه ورغبت في مسالمته، وأخيراً أخذ يلمّ بعبلة ويبثّها أرقّ أشعاره، وينشد:
يا دار عبلة بالجواء تكلّمي
وعمي صباحاً دار عبلة واسلمي
وفي السيرة أشعار كثيرة قالها عنترة في الفخر والحماسة منها:
لا تسقني ماء الحياة بذلّةٍ
بل فاسقني بالعزّ كأس الحنظلِ
ماء الحياة بذلّـةٍ كجهنّم
وجهنّـم بالـعزّ أطيب منزلِ
ويصرخ:
أنا في الحرب العوانِ
غير مجهـول المكانِ
أينما نـادى المنادي
في دجى الـنقع يراني
وحسامي مـع قناتي
لفعـالي شـاهـدانِ
إنّني لـيثٌ عـبوسٌ
ليس لي في الخلق ثاني
وأخذ ينشد وهو يتمايل طرباً:
حصـاني كان دلاّل المـنايا
فخاض غمـارها وشرى وباعا
وسيفي كان في الهيجا طـبيباً
يداوي رأس من يشكو الصداعا
أنا العبدُ الـذي خبّـرتَ عنه
وقـد عايـنتني فـدعِ السماعا
ولو أرسلتُ رمحي مـع جبانٍ
لكـان بهيبتي يلـقى السباعا
ملأتُ الأرض خوفاً من حسامي
وخصـمي لم يجـد فيها اتساعا
صوّرت السيرة عنترة وهو يقصف بسيفه رقاباً عدّة بضربة واحدة، ويفلّق هامات الرجال، وينزع أحد الفرسان من فوق سرج حصانه ويضرب به آخر فيرديه قتيلاً، أو يقذف به في الجو لتختطفه النسور العواكف الحائمة فوق ساحة الوغى طلباً للغذاء.
لا شكّ في أنّ هذه السيرة فيها مبالغات كثيرة وخيال جامح ومغالطات تاريخيّة شأنها شأن سيرة بني هلال وسيرة المهلهل وقصّة ألف ليلة وليلة، وقد كتبت هذه السيرة بلغة دارجة لا تراعي النحو والصرف، وعباراتها مسجوعة في أغلب الأحيان، وهناك السيرة الحجازيّة والسيرة العراقيّة والسيرة الشاميّة، وفيها تباين واختلاف في سرد الأحداث.
عبد الكريم عيد الحشّاش
antara (sirat-) - antara (sirat-)
سيرة عنترة
لقد صوّرت السيرة الشعبيّة عنترة ابن شداد وهو يولد لشدّاد بن قراد العبسيّ من أمة زنجيّة اسمها زبيبة، ولم يعترف شدّاد بهذه النسبة بادئ الأمر، ونشأ عنترة أسود اللون مع العبيد والإماء وقد فطن زهير بن جذيمة زعيم بني عبس لمخايل الفروسيّة التي ترتسم ملامحها على محيّاه، فقسمات وجهه الجادّة ونظراته الصارمة وعضلاته المفتولة وصدره العريض تنمّ على أنّه سيكون له شأن ستجلوه الأيّام، وسمّاه زهير: «حامي بني عبس وفارس كلّ من طلعت عليه الشمس» وكان عنترة يصرع أقرانه، ويسير في الليل غير آبه بما فيه من ويل، كان يقول: الليل يكفيك الجبان ونصف الشجاع. ويردد: الشجاعة صبر ساعة. وحين أغار بنو طيء على بني عبس، وقتلوا رجالاً وسبوا نساء كان عنترة معتزلاً بني عبس يرعى الإبل، فلحق به أبوه شدّاد قائلاً: ويك عنترة كرّ. فيجيب عنترة: العبد لا يحسن الكرّ إنمّا يحسن الحلب والصرّ. فيصرخ شدّاد: كرّ وأنت حرّ.
تروي السيرة المشاهد القتالية التي خاضها عنترة مع أقوام كثر من قيس ويمن، فحياته إمّا على صهوة جواده في طعان وقتال وإمّا جالس على وليمة يلتهم لحم الجزور، ويعاقر المعتقّة الصهباء ولم تترك السيرة فارساً نبغ اسمه أو علا شأنه، إلاّ وتجعل عنترة يبارزه ويجالده، إمّا يقتله أو يصرعه، ليشدّ أخوه شيبوب وثاقه، فيقتل مسحل بن طراق الكندي الذي أراد أن يتزوّج عبلة مستهيناً بشأن عنترة، ويقتل زهير بن جذيمة من بني عامر، ولقيط بن زرارة، ويحالف عامر بن الطفيل بعد مناوءة ومماحكة، ثمّ ما يلبث هذا الصريع أن يعقد صفقة صداقة مع عنترة، وترتقي هذه الصداقة إلى مرتبة التحالف، حدث هذا مع عروة بن الورد وعمرو بن معد يكرب وعمر بن ودّ العامري، ودريد بن الصمّة، ولم تترك السيرة فارساً أو شاعراً أو أميراً سواء عاصر عنترة أم لا إلاّ وله معه حكاية، كالنابغة الذبيانيّ الذي تآمر عليه أو الحطيئة الذي أراد الاستفادة منه، وكان شيبوب المنقذ لعنترة في اللحظات الحرجة، وسلاحه الذي لايخطئ القوسُ والنبل، وتصوّره السيرة خبيراً في المسالك والدروب صاحب مكر ودهاء، ويعدو كالظليم (ذكر النعام) وأحرز قصب السبق على داحس والغبراء، وتدور السيرة حول عبلة بنت مالك، ويعد مالك وابنه عمرو عنترة بأن يزوّجاه من عبلة التي هام بها عنترة أشد الهيام وأنشد فيها أجمل الأشعار، وناصب بنو زياد عنترة العداء لأجلها، وعلى رأسهم الربيع بن زياد وأخوه عمارة الذي خطبها من أبيها رغم الوعد الذي قطع لعنترة، وكلّما وقعت عبلة وأترابها في السبي وعجزت فرسان بني عبس عن إنقاذهنّ فزعوا إلى عنترة لتخليصهم من الورطة، وكثيراً ما تقوده المصادفة المحض في الظروف الحرجة لتخليص النساء من السبي والرجال من الأسر، وكلّما طالب عنترة عمّه بتنفيذ الوعد بتزويجه راغ عمّه كما يروغ الثعلب، وطلب منه التريّث، واشترط عليه المعاجز، وذات مرّة طلب مهراً لابنته ألف ناقة من النوق العصافير إبل المنذر ابن النعمان، فما كان من عنترة إلاّ أن يطلب من أخيه شيبوب مرافقته إلى الحيرة، وحاولا إجبار الرعاة والعبيد على سوق ألف ناقة من النوق العصافير إلاّ أنّ الحظ لم يحالف عنترة هذه المرّة، فيكبو حصانه وينبو حسامه عن الضرب ويتكاثر عليه القوم فيشدّون وثاقه، ويسقط في سجن المنذر بن النعمان ويتمكّن شيبوب من الهرب، ويتخلّص عنترة من السجن بصرعه لسبع كاسر، فأعجب المنذر من شجاعة عنترة، وأعطاه طلبه من النوق، ثم أرسله إلى كسرى أنوشروان، وعنده يبارز عنترة الفرسان ويصرع بهرام فارس الديلم أمام كسرى، ويقتل البطريق الذي أرسله قيصر الروم إلى كسرى، فيعطي كسرى عنترة هدايا قيصر ويحمّله بالذهب والفضّة ويضمّ هذه الهدايا الثمينة إلى النوق العصافير، كلّ هذه الغنائم والهدايا لم تقنع مالكاً كي يفي لعنترة بالوعد الذي قطعه على نفسه، ويشكو عنترة لشأس بن زهير قائلاً: أيّها الأمير، أنت تعلم أنّ أباها أطمعني فيها، ووعدني بها، وتعلم كم مرّة خلّصتها من السبي، وألقيت بنفسي في المخاطر بسببها، ولمّا طلب النوق العصافير، أتيته بها محمّلة بالجواهر والدنانير، زد على ذلك ما أتيته به من أنعام الملك الأكبر وتحف الملك قيصر، وما زلت أخاطر بنفسي لأجل هذه الجارية، وجراحي لم تزل دامية.
وتروي السيرة أنّ الأكاسرة والقياصرة هادنت عنترة بعد أن يئست من هزيمته، فطلبت ودّه ورغبت في مسالمته، وأخيراً أخذ يلمّ بعبلة ويبثّها أرقّ أشعاره، وينشد:
يا دار عبلة بالجواء تكلّمي
وعمي صباحاً دار عبلة واسلمي
وفي السيرة أشعار كثيرة قالها عنترة في الفخر والحماسة منها:
لا تسقني ماء الحياة بذلّةٍ
بل فاسقني بالعزّ كأس الحنظلِ
ماء الحياة بذلّـةٍ كجهنّم
وجهنّـم بالـعزّ أطيب منزلِ
ويصرخ:
أنا في الحرب العوانِ
غير مجهـول المكانِ
أينما نـادى المنادي
في دجى الـنقع يراني
وحسامي مـع قناتي
لفعـالي شـاهـدانِ
إنّني لـيثٌ عـبوسٌ
ليس لي في الخلق ثاني
وأخذ ينشد وهو يتمايل طرباً:
حصـاني كان دلاّل المـنايا
فخاض غمـارها وشرى وباعا
وسيفي كان في الهيجا طـبيباً
يداوي رأس من يشكو الصداعا
أنا العبدُ الـذي خبّـرتَ عنه
وقـد عايـنتني فـدعِ السماعا
ولو أرسلتُ رمحي مـع جبانٍ
لكـان بهيبتي يلـقى السباعا
ملأتُ الأرض خوفاً من حسامي
وخصـمي لم يجـد فيها اتساعا
صوّرت السيرة عنترة وهو يقصف بسيفه رقاباً عدّة بضربة واحدة، ويفلّق هامات الرجال، وينزع أحد الفرسان من فوق سرج حصانه ويضرب به آخر فيرديه قتيلاً، أو يقذف به في الجو لتختطفه النسور العواكف الحائمة فوق ساحة الوغى طلباً للغذاء.
لا شكّ في أنّ هذه السيرة فيها مبالغات كثيرة وخيال جامح ومغالطات تاريخيّة شأنها شأن سيرة بني هلال وسيرة المهلهل وقصّة ألف ليلة وليلة، وقد كتبت هذه السيرة بلغة دارجة لا تراعي النحو والصرف، وعباراتها مسجوعة في أغلب الأحيان، وهناك السيرة الحجازيّة والسيرة العراقيّة والسيرة الشاميّة، وفيها تباين واختلاف في سرد الأحداث.
عبد الكريم عيد الحشّاش