المسرح البصري يستقطب الأطفال السوريين ويبشر بمستقبل أبي الفنون
سوريون يؤسسون أول مهرجان مسرحي بصري يخاطب الأطفال بلغة العصر.
الأحد 2023/05/14
انشرWhatsAppTwitterFacebook
عصر المسرح لم ينته
ما زالت في رصيد المسرح في سوريا أفكار تحمل الجديد والخلاق لجمهور شغوف بأي منتج إبداعي يحترم عقله. ضمن هذا المشهد ومع حضور قوي متصاعد لمفهوم المسرح البصري، أقيم في مدينة دمشق أول مهرجان مسرحي بصري للأطفال، بدأ مع أول أيام عيد الفطر ودام خمسة أيام، وكان أول مهرجان من نوعه في سوريا. “العرب” كانت هناك وسجلت حوارات مع المسرحيين حوله.
يعتبر المسرح البصري أحد أوجه الحراك المسرحي الجديد على المشهد الفني السوري. وهو حالة فنية عالمية تتطور بسرعة وتتهافت على متابعتها شرائح جماهيرية جديدة. ويستفيد المسرح البصري من تقنيات الضوء والصورة الغرافيكية وحركة الممثل على المسرح وخلق البعد الثالث في الصورة، لكي يصل إلى حالة من الإبهار البصري التي تخاطب جمهور اليوم بما يعرفه ويتابعه من خلال مواقع الميديا ولغة العصر.
ظهر تداخل العنصر البصري مع المسرح في سوريا من خلال العديد من المحاولات المبكرة التي تعود إلى أكثر من عشرين عاما، لكنها لم تخرج عن كونها حالات إسقاط سينمائية في عمق المنظور المسرحي للصالة. وظهرت بعض ملامح المسرح البصري بمحاولات جريئة لدى العديد من المبدعين المسرحيين الشباب الذين قدموا عروضا كاملة.
مشروع جديد
زياد الموح: لم يعد تقديم مسرحية للطفل مجرد عرض بدميتين
كان من أوائل هؤلاء الفنانين بسام حميدي، الذي عمل مطولا في تصميم وتنفيذ الإضاءة في المسرح السوري وكذلك بعض الأعمال الدرامية التلفزيونية. ثم قدم لاحقا مسرحية “ضوى القمر” ثم عرْض “المنديل” الذي حقق به شهرة كبيرة. ولاحقا اتجه نحو مسرح الطفل من خلال صيغة المسرح البصري ليقدم عرض “فلة والأقزام السبعة” الذي حقق شهرة كبيرة في سوريا، ثم قدم عرضا تاليا حمل اسم “علاء الدين والمصباح السحري” الذي شكل منعطفا جديدا نحو المزيد من التجريب المسرحي السوري.
التقى طموح زياد الموح الإعلامي والمنتج الناشط في الحراك الفني المجتمعي مع طموح المخرج بسام حميدي، ليوجدا معا مشروعا مسرحيا سوريا جديدا حمل اسم “مهرجان مسرح الطفل للعروض البصرية” بتعاون ودعم عدة جهات أهلية ورسمية منها: مؤسسة ميار الدولية للإنتاج والتوزيع الفني وتجمع شدو للعروض البصرية، وبرعاية وزارة التربية في سوريا وسفيرة النوايا الحسنة للطفولة في سوريا راما عدنان زريق ومكتب الاتحاد العام للمنتجين العرب وبعض الجهات الإعلامية.
أقيم المهرجان للمرة الأولى في دمشق مع أول أيام عيد الفطر الفائت، في صالة مسرحية سورية شهيرة، حيث قدم مسرحيتين هما “فلة والأقزام السبعة” تأليف هشام كفارنة وإخراج بسام حميدي و”علاء الدين والمصباح السحري” تأليف إيهاب مرادني وإخراج بسام حميدي. حقق المهرجان معدلات متابعة فاقت التصور، فالجمهور ملأ المكان، وحضر جزء منه العروض على مدرجات الصالة المسرحية. ولم يكتف صناع المهرجان بتقديم عرضين مسرحيين بل قدموا فيه فن الرسم على الوجوه وتم تكريم شخصيات فنية سورية كبيرة.
بسام حميدي: التعامل مع الشاشات عالم قلق ومربك وخطر فنيا
يقول زياد الموح في مشروع مسرح الطفل البصري لـ”العرب”: “كنا نطمح أن نقدم عرضا مسرحيا عصريا وجديدا، عندما تضافرت جهود عدد من الأشخاص المعنيين بالموضوع. جاءت الفكرة عندما أعد الفنان بسام حميدي مسرحية ‘فلة والأقزام السبعة’ منذ سنتين تقريبا، وكانت أول عرض مسرحي بصري غنائي مكرس للأطفال . قدم العرض بالتعاون مع شدو للعروض البصرية، وحقق تفاعلا جيدا مع الجمهور، بلغ عدد عروضه بدمشق أحد عشر عرضا، كما قدم في عدد من المحافظات السورية عدة عروض، وشارك في مهرجان الدار البيضاء للطفل العربي في المغرب وحقق حضورا طيبا”.
ويتابع متحدثا عن أهمية عروض الأطفال “البعض ينظر إلى العمل الموجه للطفل على أنه سهل. وهو أمر غير صحيح؛ فلا يمكن حاليا تقديم مسرحية للطفل من خلال دميتين على المنصة وموسيقى مرافقة. أحترم جهود كل من يقدم مسرحا للطفل، لكن لغة العصر وطبيعة الجيل تحتمان علينا تقديم ما يلائمه تقنيا وفنيا”.
ويضيف “في مسرحية ‘فلة’ التي قدمها المخرج بسام حميدي قبل سنوات، قدمت لغة بصرية مختلفة، كانت بالعربية الفصحى وحملت معاني وقيما عليا وفكاهة وتميزا، وكانت ضمن شكل فني مبهر ليس على المستوى السوري والعربي فحسب بل والعالمي أيضا، وهذا ما شد الجميع وكانوا راضين عنه”.
وعن خصوصية مشروعهم الفني والهدف منه يؤكد “في مشروعنا كان مسرح الطفل البصري التخصصي هو التوجه الأول، ثم يأتي الاستعراض. بعد عرض ‘فلة’ ونجاح التجربة ذهبنا إلى عرض ‘علاء الدين والمصباح السحري’ الذي شكل خطوة حاسمة متقدمة بالمشروع، البعض يسأل: لماذا تأخذون هذه الأسماء الشهيرة ولا تقدمون أسماء جديدة؟ نعم نحن نقدم هذه الأسماء المعروفة إنما بخصوصية مختلفة، تعمل عليها الشركة المنتجة والمخرج وكاتب السيناريو”.
ويتابع الموح “اخترنا هذه الأسماء لأن إيصالها إلى ذهن المشاهد الطفل والأسرة وكل الجمهور المحلي سيكون أسرع، كونها معروفة وراسخة في أذهان الناس. عرض ‘علاء الدين’ خطوة متطورة أكثر من عرض ‘فلة’، وفيه مواكبة لآخر تقنيات العصر وهو طرح فني مختلف ضمن الجنس العام للتوجه الذي نعمل عليه، أي المسرح البصري، والمشروع يتقدم برؤى متطورة يراها المخرج بسام حميدي ضرورية ومفيدة وهي تسير دائما إلى الأمام”.
تأسيس المهرجان
المسرح البصري يستفيد من التكنولوجيا
يلفت زياد الموح إلى أنه بعد نجاح العمل تمت بلورة الفكرة وتأسس المشروع برفقة الصديقين بسام حميدي وماهر رمضان. ويقول “فوجئنا بالنتائج التي وصلنا إليها، والتي أثبتت أن عصر المسرح لم ينته. فالجمهور كان على الممرات وخارج صالة المسرح أكثر من الذي كان في داخل الصالة. كانت هنالك حالة حميمية من حضور الجمهور، حققت رجوعا إلى العصر الذهبي للمسرح الذي لن يغيب عندما يقدم عرضا مسرحيا بفكر جيد وبشكل إنتاجي لائق ويقدم روح العصر ويكون محصنا بإيمان فريق العمل به. عندما يتوفر كل ذلك يعني أن الجمهور سيأتي، وهذا ما دفعني إلى أن أكتب على صفحتي: يا ليت عدد كراسي الصالة لم يكن 600 بل عشرة آلاف”.
وعن تفاعل الجمهور مع المهرجان يتابع الإعلامي السوري “استقبلنا خلال خمسة أيام أكثر من خمسة عشر ألف طفل مع ذويهم. نرى أننا حققنا نتيجة هامة استطعنا بها الوصول الفني إلى الطفل في سوريا أولا وإلى الأسرة بشكل كامل ثانيا. العمل ليس كاملا وهذا يهم أهل النقد، لكننا قدمنا جهدا نرتقي به ويرتقي بنا إلى آفاق جديدة في العمل الجاد والطموح”.
ويتابع “نحن نعمل على إضافة بعض الأفكار على العروض الحالية كما سنقدم ‘علاء الدين’ في العديد من الفعاليات المحلية والعربية، كما نخطط لتقديم عملنا لمرحلة ما بعد ‘علاء الدين’. ولكن ضمن منظور وضعنا و إمكاناتنا؛ فكلفة إنتاج هذا المسرح عالية جدا، كلفة عرض أي يوم تقارب إنتاج مسرحية بالشكل التقليدي كاملة، ونطمح للوصول إلى العالمية مستقبلا. نريد أن ننطلق من المحلية السورية إلى العربية والعالمية لكي نحمل للآخرين رسائل الفن السوري الحضاري الذي وجد مسرحيا منذ مرحلة أبي خليل القباني وامتد إلى يومنا هذا”.
وعن وجود بعض الفعاليات الموازية وجهود الدعم يقول الموح “وجهنا تحية لبعض العاملين المؤثرين في الوسط الثقافي والفني السوري، الذين بذلوا جهودا جبارة في مسيرة الفن، منهم الموسيقي صلحي الوادي والشاعر سليمان العيسى والرسام ممتاز البحرة والممثل نضال سيجري. ورغم المصاعب التي واجهتنا فإن جهودا داعمة وفرت لنا بيئة حاضنة وحامية، وكانت حصنا فنيا وماليا لنا في مشروعنا. نتمنى أن يستمروا معنا هم وجهات موازية، لأن جدية العمل موجودة ومقدار الطموح كبير. نحن متابعون في كل الحالات ومهما كانت الظروف، لأننا نسعى لتكريس التوجه ونعد بأننا دائما سنقدم الأفضل. الطفل هو مستقبلنا ويستحق منا كل رعاية، ونحن مؤمنون بأن الفن الموجه إلى الطفل مسألة حساسة جدا، ويجب الاهتمام بها بشكل خاص”.
لغة الشباب البصرية
لا يهدأ المخرج بسام حميدي عن تقديم أفكار جديدة في موضوع المسرح البصري، فبعد مسيرة صعبة تجاوزت مرحلة البدايات، وارتسمت ملامحها في المشهد المسرحي السوري كصانع عروض مسرحية، يخطو خطوة جديدة بالمساهمة الفاعلة في تأسيس أول مهرجان مسرحي سوري بصري موجه إلى الأطفال.
عن ذلك يقول لـ”العرب”: “‘فلة والأقزام السبعة’ عرض مسرحي بصري موجه إلى الأطفال تم بصيغة 2D وفيه بعض المؤثرات البصرية اللطيفة والمختلفة، لكن عرض ‘علاء الدين’ 3D هو أكثر تطورا تقنيا من ‘فلة’. قدمت فيه تعاملا مختلفا مع كتلة الديكور وتعامل الممثلين مع مساحة منصة المسرح. ففي المسرح البصري حسابات فنية أكثر صعوبة. الجمهور لا يعرف إن كان الممثل يقف على المسرح فعلا أم ضمن نطاق الشاشة، عملت تجارب كثيرة حتى وصلنا إلى تحقيق المعادلة وبلوغ صيغة صحيحة تناسب مسرح الطفل الذي يهدف إلى نشر المعرفة والثقافة”.
ويضيف “اتفقت مع كاتب العمل إيهاب مرادني على أن نوجد في العرض العديد من الأمكنة، الأمر الذي يساعدنا على الترحال والتغير. وكانت هنالك خيارات كثيرة متعلقة بالمكان أو الأشياء التي يمكن استغلالها في صنع تفاصيل الحالة المشهدية. وعملت على المبدأ الذي أعمل عليه عادة وهو تقليل الحوارات قدر الإمكان والعمل على وجود الحوارات الغنائية والحالة البصرية المبهرة بغية جذب الطفل والإمساك به حتى نهاية العرض”.
المهرجان يؤكد استمرا حضور المسرح، إذ استطاع استقطاب الآلاف من الأطفال وذويهم، رهانه الطفل أولا والأسرة ثانيا
وعن كيفية ولادة فكرة المهرجان يقول “خطرت لنا فكرة أنه يجب أن نجتمع في مشروع يقدم مسرحا للأطفال كما في مشروع وزارة الثقافة فرح الطفولة. وكانت فكرة مهرجان المسرح البصري للطفل، الذي نرحب فيه بوجود عروض موازية ستنضم إلينا لاحقا. رأينا أن نوجد القطاع الخاص الداعم في المسرح، فالداعمون يريدون شيئا جديدا، وقد وجدوه عندنا وساعدونا في تنفيذه تمويليا”.
ويتابع “قدمنا خلال المهرجان حالة فنية مختلفة. البداية كانت من مجانية الحضور ثم الرسم على الوجوه كما كرمنا قامات هامة في تاريخ سوريا. عملنا كان رسالة موجهة إلى الأطفال وهي رسالة ثقافية تربوية، لا شك أنها مكلفة ماليا، لكن المتابعين والجهات الداعمة آمنوا بنا وبمشروعنا. عندما بدأت بتقديم المسرح البصري بعرض ‘ضوى القمر’ قبل سنوات كنت وحيدا، لكن نجاح التجربة شجع الجمهور والشركات على التعاون، وقادما سيكون هنالك أفق تعاون أكبر وأعمق حتى نصل إلى حدود العالمية”.
وعن كيفية التخاطب مع جيل الأطفال والشباب في تقديم هذا الشكل الفني يقول “الجمهور يشاهد وسائل التواصل العصرية، وهو جيل يجب أن نعود به إلى المسرح، ولكن باللغة التي يفهمها، ولا يصح أن يكون الأداء جامدا تقليديا، فمن خلال الإبهار البصري جذبنا الجمهور إلى لغة العصر. والجمهور هو صاحب القرار في تقييم أي عمل فني. ذهبت إلى العنصر البصري وقدمت مادة الغرافيك التي ألغت موضوع الديكور وحلت مكانه، وصار تقنية لازمة تعتمد حالة الإبهار. وهو فن جميل وممتع، لكن التعامل مع الشاشات والخدع البصرية والمؤثرات عالم قلق ومربك وخطر فنيا، فأي خلل صوتي أو بصري في حركة الممثل أو الضوء يمكن أن يحدث كوارث في العرض، هي عروض جديدة ومرغوبة لكنها خطرة تقنيا”.
ويضيف حميدي “قدمت ‘ضوى القمر’ و’المنديل’ ثم ‘فلة والأقزام السبعة’ و’علاء الدين والمصباح السحري’ . لجأت إلى مسرح الطفل لأن عالمه متسع، ويعطيني مجالا لتقديم رؤى فنية مختلفة، منها أنني أضفت إليه مادة الرسوم الكرتونية (التحريك). في مسرح الكبار كنت أدمج بين المسرح والسينما، مع الأطفال ذهبت إلى الأعمق ودمجت بين المسرح والسينما والتحريك”.
وعن التكامل بين القطاعيْن العام والخاص في تقديم رؤى فنية كبرى يقول “نحن بحاجة إلى دعم حكومي أكبر. عروض المسرح البصري تتطلب منا مسارح خاصة تملكها الحكومة وتعاونا إداريا مرنا. لم نجد مسرحا حكوميا نقدم عليه العرض بسبب عوائق قانونية وإدارية، فذهبنا إلى صالة خاصة وهي مسرح الخيام. قوانين وزارة الثقافة قديمة، لا تسمح بوجود حالة الداعم المالي للعرض، ونحن لا يمكننا تنفيذ العرض المكلف جدا إلا بوجودها، فكان الحل بتقديم العرض لدى القطاع الخاص. هذه القوانين القديمة يجب أن يعاد النظر فيها بما يتلاءم مع طبيعة العصر، وبذلك يتحقق تقديم حالة مسرحية تهم الجانب الحكومي والأهلي في سوريا، نقدم من خلالها مسرحا متقدما وخلاقا للطفل يخاطبه بلغة العقل والعصر”.
انشرWhatsAppTwitterFacebook
نضال قوشحة
كاتب سوري
سوريون يؤسسون أول مهرجان مسرحي بصري يخاطب الأطفال بلغة العصر.
الأحد 2023/05/14
انشرWhatsAppTwitterFacebook
عصر المسرح لم ينته
ما زالت في رصيد المسرح في سوريا أفكار تحمل الجديد والخلاق لجمهور شغوف بأي منتج إبداعي يحترم عقله. ضمن هذا المشهد ومع حضور قوي متصاعد لمفهوم المسرح البصري، أقيم في مدينة دمشق أول مهرجان مسرحي بصري للأطفال، بدأ مع أول أيام عيد الفطر ودام خمسة أيام، وكان أول مهرجان من نوعه في سوريا. “العرب” كانت هناك وسجلت حوارات مع المسرحيين حوله.
يعتبر المسرح البصري أحد أوجه الحراك المسرحي الجديد على المشهد الفني السوري. وهو حالة فنية عالمية تتطور بسرعة وتتهافت على متابعتها شرائح جماهيرية جديدة. ويستفيد المسرح البصري من تقنيات الضوء والصورة الغرافيكية وحركة الممثل على المسرح وخلق البعد الثالث في الصورة، لكي يصل إلى حالة من الإبهار البصري التي تخاطب جمهور اليوم بما يعرفه ويتابعه من خلال مواقع الميديا ولغة العصر.
ظهر تداخل العنصر البصري مع المسرح في سوريا من خلال العديد من المحاولات المبكرة التي تعود إلى أكثر من عشرين عاما، لكنها لم تخرج عن كونها حالات إسقاط سينمائية في عمق المنظور المسرحي للصالة. وظهرت بعض ملامح المسرح البصري بمحاولات جريئة لدى العديد من المبدعين المسرحيين الشباب الذين قدموا عروضا كاملة.
مشروع جديد
زياد الموح: لم يعد تقديم مسرحية للطفل مجرد عرض بدميتين
كان من أوائل هؤلاء الفنانين بسام حميدي، الذي عمل مطولا في تصميم وتنفيذ الإضاءة في المسرح السوري وكذلك بعض الأعمال الدرامية التلفزيونية. ثم قدم لاحقا مسرحية “ضوى القمر” ثم عرْض “المنديل” الذي حقق به شهرة كبيرة. ولاحقا اتجه نحو مسرح الطفل من خلال صيغة المسرح البصري ليقدم عرض “فلة والأقزام السبعة” الذي حقق شهرة كبيرة في سوريا، ثم قدم عرضا تاليا حمل اسم “علاء الدين والمصباح السحري” الذي شكل منعطفا جديدا نحو المزيد من التجريب المسرحي السوري.
التقى طموح زياد الموح الإعلامي والمنتج الناشط في الحراك الفني المجتمعي مع طموح المخرج بسام حميدي، ليوجدا معا مشروعا مسرحيا سوريا جديدا حمل اسم “مهرجان مسرح الطفل للعروض البصرية” بتعاون ودعم عدة جهات أهلية ورسمية منها: مؤسسة ميار الدولية للإنتاج والتوزيع الفني وتجمع شدو للعروض البصرية، وبرعاية وزارة التربية في سوريا وسفيرة النوايا الحسنة للطفولة في سوريا راما عدنان زريق ومكتب الاتحاد العام للمنتجين العرب وبعض الجهات الإعلامية.
أقيم المهرجان للمرة الأولى في دمشق مع أول أيام عيد الفطر الفائت، في صالة مسرحية سورية شهيرة، حيث قدم مسرحيتين هما “فلة والأقزام السبعة” تأليف هشام كفارنة وإخراج بسام حميدي و”علاء الدين والمصباح السحري” تأليف إيهاب مرادني وإخراج بسام حميدي. حقق المهرجان معدلات متابعة فاقت التصور، فالجمهور ملأ المكان، وحضر جزء منه العروض على مدرجات الصالة المسرحية. ولم يكتف صناع المهرجان بتقديم عرضين مسرحيين بل قدموا فيه فن الرسم على الوجوه وتم تكريم شخصيات فنية سورية كبيرة.
بسام حميدي: التعامل مع الشاشات عالم قلق ومربك وخطر فنيا
يقول زياد الموح في مشروع مسرح الطفل البصري لـ”العرب”: “كنا نطمح أن نقدم عرضا مسرحيا عصريا وجديدا، عندما تضافرت جهود عدد من الأشخاص المعنيين بالموضوع. جاءت الفكرة عندما أعد الفنان بسام حميدي مسرحية ‘فلة والأقزام السبعة’ منذ سنتين تقريبا، وكانت أول عرض مسرحي بصري غنائي مكرس للأطفال . قدم العرض بالتعاون مع شدو للعروض البصرية، وحقق تفاعلا جيدا مع الجمهور، بلغ عدد عروضه بدمشق أحد عشر عرضا، كما قدم في عدد من المحافظات السورية عدة عروض، وشارك في مهرجان الدار البيضاء للطفل العربي في المغرب وحقق حضورا طيبا”.
ويتابع متحدثا عن أهمية عروض الأطفال “البعض ينظر إلى العمل الموجه للطفل على أنه سهل. وهو أمر غير صحيح؛ فلا يمكن حاليا تقديم مسرحية للطفل من خلال دميتين على المنصة وموسيقى مرافقة. أحترم جهود كل من يقدم مسرحا للطفل، لكن لغة العصر وطبيعة الجيل تحتمان علينا تقديم ما يلائمه تقنيا وفنيا”.
ويضيف “في مسرحية ‘فلة’ التي قدمها المخرج بسام حميدي قبل سنوات، قدمت لغة بصرية مختلفة، كانت بالعربية الفصحى وحملت معاني وقيما عليا وفكاهة وتميزا، وكانت ضمن شكل فني مبهر ليس على المستوى السوري والعربي فحسب بل والعالمي أيضا، وهذا ما شد الجميع وكانوا راضين عنه”.
وعن خصوصية مشروعهم الفني والهدف منه يؤكد “في مشروعنا كان مسرح الطفل البصري التخصصي هو التوجه الأول، ثم يأتي الاستعراض. بعد عرض ‘فلة’ ونجاح التجربة ذهبنا إلى عرض ‘علاء الدين والمصباح السحري’ الذي شكل خطوة حاسمة متقدمة بالمشروع، البعض يسأل: لماذا تأخذون هذه الأسماء الشهيرة ولا تقدمون أسماء جديدة؟ نعم نحن نقدم هذه الأسماء المعروفة إنما بخصوصية مختلفة، تعمل عليها الشركة المنتجة والمخرج وكاتب السيناريو”.
ويتابع الموح “اخترنا هذه الأسماء لأن إيصالها إلى ذهن المشاهد الطفل والأسرة وكل الجمهور المحلي سيكون أسرع، كونها معروفة وراسخة في أذهان الناس. عرض ‘علاء الدين’ خطوة متطورة أكثر من عرض ‘فلة’، وفيه مواكبة لآخر تقنيات العصر وهو طرح فني مختلف ضمن الجنس العام للتوجه الذي نعمل عليه، أي المسرح البصري، والمشروع يتقدم برؤى متطورة يراها المخرج بسام حميدي ضرورية ومفيدة وهي تسير دائما إلى الأمام”.
تأسيس المهرجان
المسرح البصري يستفيد من التكنولوجيا
يلفت زياد الموح إلى أنه بعد نجاح العمل تمت بلورة الفكرة وتأسس المشروع برفقة الصديقين بسام حميدي وماهر رمضان. ويقول “فوجئنا بالنتائج التي وصلنا إليها، والتي أثبتت أن عصر المسرح لم ينته. فالجمهور كان على الممرات وخارج صالة المسرح أكثر من الذي كان في داخل الصالة. كانت هنالك حالة حميمية من حضور الجمهور، حققت رجوعا إلى العصر الذهبي للمسرح الذي لن يغيب عندما يقدم عرضا مسرحيا بفكر جيد وبشكل إنتاجي لائق ويقدم روح العصر ويكون محصنا بإيمان فريق العمل به. عندما يتوفر كل ذلك يعني أن الجمهور سيأتي، وهذا ما دفعني إلى أن أكتب على صفحتي: يا ليت عدد كراسي الصالة لم يكن 600 بل عشرة آلاف”.
وعن تفاعل الجمهور مع المهرجان يتابع الإعلامي السوري “استقبلنا خلال خمسة أيام أكثر من خمسة عشر ألف طفل مع ذويهم. نرى أننا حققنا نتيجة هامة استطعنا بها الوصول الفني إلى الطفل في سوريا أولا وإلى الأسرة بشكل كامل ثانيا. العمل ليس كاملا وهذا يهم أهل النقد، لكننا قدمنا جهدا نرتقي به ويرتقي بنا إلى آفاق جديدة في العمل الجاد والطموح”.
ويتابع “نحن نعمل على إضافة بعض الأفكار على العروض الحالية كما سنقدم ‘علاء الدين’ في العديد من الفعاليات المحلية والعربية، كما نخطط لتقديم عملنا لمرحلة ما بعد ‘علاء الدين’. ولكن ضمن منظور وضعنا و إمكاناتنا؛ فكلفة إنتاج هذا المسرح عالية جدا، كلفة عرض أي يوم تقارب إنتاج مسرحية بالشكل التقليدي كاملة، ونطمح للوصول إلى العالمية مستقبلا. نريد أن ننطلق من المحلية السورية إلى العربية والعالمية لكي نحمل للآخرين رسائل الفن السوري الحضاري الذي وجد مسرحيا منذ مرحلة أبي خليل القباني وامتد إلى يومنا هذا”.
وعن وجود بعض الفعاليات الموازية وجهود الدعم يقول الموح “وجهنا تحية لبعض العاملين المؤثرين في الوسط الثقافي والفني السوري، الذين بذلوا جهودا جبارة في مسيرة الفن، منهم الموسيقي صلحي الوادي والشاعر سليمان العيسى والرسام ممتاز البحرة والممثل نضال سيجري. ورغم المصاعب التي واجهتنا فإن جهودا داعمة وفرت لنا بيئة حاضنة وحامية، وكانت حصنا فنيا وماليا لنا في مشروعنا. نتمنى أن يستمروا معنا هم وجهات موازية، لأن جدية العمل موجودة ومقدار الطموح كبير. نحن متابعون في كل الحالات ومهما كانت الظروف، لأننا نسعى لتكريس التوجه ونعد بأننا دائما سنقدم الأفضل. الطفل هو مستقبلنا ويستحق منا كل رعاية، ونحن مؤمنون بأن الفن الموجه إلى الطفل مسألة حساسة جدا، ويجب الاهتمام بها بشكل خاص”.
لغة الشباب البصرية
لا يهدأ المخرج بسام حميدي عن تقديم أفكار جديدة في موضوع المسرح البصري، فبعد مسيرة صعبة تجاوزت مرحلة البدايات، وارتسمت ملامحها في المشهد المسرحي السوري كصانع عروض مسرحية، يخطو خطوة جديدة بالمساهمة الفاعلة في تأسيس أول مهرجان مسرحي سوري بصري موجه إلى الأطفال.
عن ذلك يقول لـ”العرب”: “‘فلة والأقزام السبعة’ عرض مسرحي بصري موجه إلى الأطفال تم بصيغة 2D وفيه بعض المؤثرات البصرية اللطيفة والمختلفة، لكن عرض ‘علاء الدين’ 3D هو أكثر تطورا تقنيا من ‘فلة’. قدمت فيه تعاملا مختلفا مع كتلة الديكور وتعامل الممثلين مع مساحة منصة المسرح. ففي المسرح البصري حسابات فنية أكثر صعوبة. الجمهور لا يعرف إن كان الممثل يقف على المسرح فعلا أم ضمن نطاق الشاشة، عملت تجارب كثيرة حتى وصلنا إلى تحقيق المعادلة وبلوغ صيغة صحيحة تناسب مسرح الطفل الذي يهدف إلى نشر المعرفة والثقافة”.
ويضيف “اتفقت مع كاتب العمل إيهاب مرادني على أن نوجد في العرض العديد من الأمكنة، الأمر الذي يساعدنا على الترحال والتغير. وكانت هنالك خيارات كثيرة متعلقة بالمكان أو الأشياء التي يمكن استغلالها في صنع تفاصيل الحالة المشهدية. وعملت على المبدأ الذي أعمل عليه عادة وهو تقليل الحوارات قدر الإمكان والعمل على وجود الحوارات الغنائية والحالة البصرية المبهرة بغية جذب الطفل والإمساك به حتى نهاية العرض”.
المهرجان يؤكد استمرا حضور المسرح، إذ استطاع استقطاب الآلاف من الأطفال وذويهم، رهانه الطفل أولا والأسرة ثانيا
وعن كيفية ولادة فكرة المهرجان يقول “خطرت لنا فكرة أنه يجب أن نجتمع في مشروع يقدم مسرحا للأطفال كما في مشروع وزارة الثقافة فرح الطفولة. وكانت فكرة مهرجان المسرح البصري للطفل، الذي نرحب فيه بوجود عروض موازية ستنضم إلينا لاحقا. رأينا أن نوجد القطاع الخاص الداعم في المسرح، فالداعمون يريدون شيئا جديدا، وقد وجدوه عندنا وساعدونا في تنفيذه تمويليا”.
ويتابع “قدمنا خلال المهرجان حالة فنية مختلفة. البداية كانت من مجانية الحضور ثم الرسم على الوجوه كما كرمنا قامات هامة في تاريخ سوريا. عملنا كان رسالة موجهة إلى الأطفال وهي رسالة ثقافية تربوية، لا شك أنها مكلفة ماليا، لكن المتابعين والجهات الداعمة آمنوا بنا وبمشروعنا. عندما بدأت بتقديم المسرح البصري بعرض ‘ضوى القمر’ قبل سنوات كنت وحيدا، لكن نجاح التجربة شجع الجمهور والشركات على التعاون، وقادما سيكون هنالك أفق تعاون أكبر وأعمق حتى نصل إلى حدود العالمية”.
وعن كيفية التخاطب مع جيل الأطفال والشباب في تقديم هذا الشكل الفني يقول “الجمهور يشاهد وسائل التواصل العصرية، وهو جيل يجب أن نعود به إلى المسرح، ولكن باللغة التي يفهمها، ولا يصح أن يكون الأداء جامدا تقليديا، فمن خلال الإبهار البصري جذبنا الجمهور إلى لغة العصر. والجمهور هو صاحب القرار في تقييم أي عمل فني. ذهبت إلى العنصر البصري وقدمت مادة الغرافيك التي ألغت موضوع الديكور وحلت مكانه، وصار تقنية لازمة تعتمد حالة الإبهار. وهو فن جميل وممتع، لكن التعامل مع الشاشات والخدع البصرية والمؤثرات عالم قلق ومربك وخطر فنيا، فأي خلل صوتي أو بصري في حركة الممثل أو الضوء يمكن أن يحدث كوارث في العرض، هي عروض جديدة ومرغوبة لكنها خطرة تقنيا”.
ويضيف حميدي “قدمت ‘ضوى القمر’ و’المنديل’ ثم ‘فلة والأقزام السبعة’ و’علاء الدين والمصباح السحري’ . لجأت إلى مسرح الطفل لأن عالمه متسع، ويعطيني مجالا لتقديم رؤى فنية مختلفة، منها أنني أضفت إليه مادة الرسوم الكرتونية (التحريك). في مسرح الكبار كنت أدمج بين المسرح والسينما، مع الأطفال ذهبت إلى الأعمق ودمجت بين المسرح والسينما والتحريك”.
وعن التكامل بين القطاعيْن العام والخاص في تقديم رؤى فنية كبرى يقول “نحن بحاجة إلى دعم حكومي أكبر. عروض المسرح البصري تتطلب منا مسارح خاصة تملكها الحكومة وتعاونا إداريا مرنا. لم نجد مسرحا حكوميا نقدم عليه العرض بسبب عوائق قانونية وإدارية، فذهبنا إلى صالة خاصة وهي مسرح الخيام. قوانين وزارة الثقافة قديمة، لا تسمح بوجود حالة الداعم المالي للعرض، ونحن لا يمكننا تنفيذ العرض المكلف جدا إلا بوجودها، فكان الحل بتقديم العرض لدى القطاع الخاص. هذه القوانين القديمة يجب أن يعاد النظر فيها بما يتلاءم مع طبيعة العصر، وبذلك يتحقق تقديم حالة مسرحية تهم الجانب الحكومي والأهلي في سوريا، نقدم من خلالها مسرحا متقدما وخلاقا للطفل يخاطبه بلغة العقل والعصر”.
انشرWhatsAppTwitterFacebook
نضال قوشحة
كاتب سوري