علي بن الجهم Ali ibn al-Djaham

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • علي بن الجهم Ali ibn al-Djaham

    علي جهم

    Ali ibn al-Djaham - Ali ibn al-Djaham


    علي بن الجهم

    (188ـ 249هـ/804 ـ 863م)



    أبو الحسن علي بن الجهم بن بدر ابن الجهم الشاعر المجيد المشهور، يعود نسبه إلى قريش العازبة من بني سامة ابن لؤي، الذين تركوا مكة إلى البحرين، وهاجر بعضهم إلى خراسان، وانتقلت جماعة منهم إلى بغداد أوائل عهد الدولة العباسية، وفيهم الجهم أبو علي، الذي تولى للمأمون بريد اليمن، وولاه الخليفة الواثق شرطة بغداد، وقد أصبح لبني الجهم بعض المكانة والجاه في الدولة.

    ولد علي بن الجهم في بغداد، وحينما بلغ الصبا أرسله والده إلى الكتاب لاكتساب مبادئ العلوم، وبعد أن أتم دراسته فيه، توجه إلى حلقات العلم في المسجد الجامع في بغداد، فاطّلع على الفلسفة وعلم الكلام، وألمّ بمعارف عصره، والتحق بحلقة الشعر والأدب، فسمع الأخبار والأشعار وحديث الشعراء عن فنهم، وتعرّف أعلام الشعر ببغداد، وفي مقدمتهم الشاعر الكبير أبو تمام، وقامت بينهما صداقة متينة. وسرعان ما علا نجمه فاتصل بالخليفة المعتصم الذي ولاه ديوان المظالم في حلوان، ونال حظوة عند الخليفة المتوكل، فصار جليسه ونديمه، ولكن علاقة ابن الجهم بحاشية المتوكل ساءت، فسعوا به وأوصلوه إلى السجن، ثم أطلقه الخليفة بعد أن استعطفه كثيراً، ولكنه غضب عليه مرة أخرى لاتهامه بهجاء الخليفة والإزراء عليه، فأمر المتوكل بنفيه إلى خراسان وصلبه نهاراً كاملاً وسجنه، فصلبه والي خراسان وسجنه، وظل في سجنه إلى أن عفا عنه الخليفة، فعاد إلى بغداد حزيناً منكسراً لانصراف الخليفة والناس عنه، وحاول نسيان همومه والتخفيف من حزنه بارتياد مجالس الخمر والمجون، وأفاق على الدعوة إلى مواجهة الروم الذين زاد خطرهم على بلاد المسلمين واشتد الصراع معهم، فاستجاب لهذه الدعوة، واتجه إلى بلاد الشام، ووصل إلى حلب ثم توجه منها إلى الثغور، فخرج عليه في الطريق أعراب بني كلب، وقاتلهم قتالاً شديداً، وجرح في القتال، فعاد به أصحابه إلى بغداد، ولكنه لفظ أنفاسه الأخيرة في موقع خساف قرب حلب.

    نشأ علي بن الجهم في بيئة ثقافية، كثرت فيها العلوم، واشتد فيها الجدل، فاكتسب ثقافة كبيرة، واشترك في المناظرات الدائرة بين الفرق الإسلامية، وتابع الأحداث المهمة وأوضح موقفه منها، واستهواه الأدب، فسعى إلى معرفة مسائله وإتقان صناعته حتى صار بصيراً بالشعر، يعرف مكوناته، ويميز الجيد من الرديء فيه، وقد تفتحت مواهبه الشعرية في وقت مبكر، فنظم الشعر وهو صبي في الكتاب، وصقل موهبته بالثقافة والتجربة، فأضحى من أعلام الشعر في عصره. واتسم بالظرف وحسن المنادمة، فقربه الخلفاء وأكرموه، ووصل إلى مكانة جيدة عند الخليفة المتوكل، وصار داعية له، ينوه بأعماله، ويؤيد مواقفه و يدافع عنها، ويوالي العباسيين وينافح عن حقهم في الخلافة، ويطعن في ادعاء خصومهم أن لهم حقاً فيها، فهاجم المعتزلة والشيعة وأهل الذمة، وهجا كل من يغضب عليه الخليفة، وبالغ في ذلك، فتأذى منه أناس كثيرون، وتألبوا عليه بعدما هابوه، لسلاطة لسانه الذي يضعه أينما شاء، ومع ذلك كان موضع إعجاب بعض العلماء والمؤرخين، فوصفوه بالمتدين الفاضل، وكأن مهاجمته للفرق الدينية انتصار للإسلام ودفع للبدع الطارئة عليه. واستطاع ابن الجهم أن ينهض بذلك كله، لأنه امتلك ثقافة عالية، وتمتع بملكات عقلية كبيرة ومقدرة شعرية قوية مكنته من التصرف بالكلام وتوليد المعاني الشعرية وإبداعها، والاحتجاج للرأي ونقيضه، وأدى مقاصده بأسلوب فصيح واضح، قليل الصنعة بعيد عن التكلف، متدفق منسجم، حافل بالصور الطريفة والتشابيه البديعة، عليه مسحة من جمال ورونق وبهاء، وصل به إلى الأراجيز، يرضي العقل ويشبع الحاجة الجمالية، لذلك أقبل الخاصة والعامة على شعره، وذاع وانتشر، وتفرد بأشياء لم يسبقه إليها أحد، ولم يجاره بها الشعراء، وإن اتهم بسرقة شعر غيره وادعائه.

    أجاد ابن الجهم المدح ومخاطبة الخلفاء والقادة، ورثى فأبكى لصدق لهجته وبراعته في تصوير المصيبة بالفقيد، وتغزل فأبدع وأقام حواراً مع محبوباته على طريقة عمر بن أبي ربيعة، وقد اختيرت من غزله أصوات كثيرة، لحنت وغنيت لعذوبة غزله ووفرة الإيقاع في شعره، وافتخر بنسبه وذاته وصفاته، واشتد في هجائه للجماعات والأفراد، يفحش مرة، ويسخر مرة أخرى حتى وصف بالشاعر الهجاء، وقد تهاجى مع شعراء كبار مثل مروان بن أبي حفصة والبحتري وثبت لهم، ووصف الطبيعة الصحراوية وكثبانها وأطلالها، وحيواناتها ونباتها، ووصف الطبيعة الحضرية ورياضها وقصورها ومجالس الأنس والخمر في أحضانها، فأجاد في هذا الوصف وذاك. وتحدث عن الصداقة، فكان من أفضل الشعراء في بيان حقيقتها وواجباتها وعوارضها، وتأمل في الحياة والناس، فخرج بحكم بليغة مستخلصة من تجاربه، واشتهرت ورددها الناس وضربوها مضرب الأمثال، وله فوق ذلك مجون لطيف، عرف كيف يعبر عنه من غير استخدام الألفاظ البذيئة وأسماء العورات، وله قصائد مؤثرة في استعطاف الخليفة وأهل الدولة، أرسلها من سجنه على أمل إخراجه منه. لذلك أجمع أهل الأدب على أنه شاعر مطبوع مجيد، ومن أهم الشعراء في المرحلة الثانية من العصر العباسي.

    ومن قوله شعره في رثاء أبي تمام:

    غاضت بدائع فطنة الأحلام

    وعدت عليها نكبة الأيـــام

    وغدا القريض ضئيل شـــخص باكياً

    يشكو رزيته إلى الأقــــلام

    وتأوَّهت غرر القوافي بعـــــــده

    ورمى الزمان صحيحها بسقام

    أودى مثقفها ورائض صعبهــــــا

    وغدير روضتها أبو تمـــام

    ومن مقدماته المشهورة في الغزل قوله في فاتحة إحدى مدائحه للمتوكل:

    عُيون المها بين الرُّصافة والجِسْر

    جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري

    أعدْنَ لي الشوق القديم ولم أكن

    سلوت ولكن زِدْن جمراً إلى جَمْــرِ

    محمود سالم محمد
يعمل...
X