الفنانة اللبنانية شيرمين تابت غيمة زرقاء فوق بحر من الغموض

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الفنانة اللبنانية شيرمين تابت غيمة زرقاء فوق بحر من الغموض

    الفنانة اللبنانية شيرمين تابت غيمة زرقاء فوق بحر من الغموض


    اللون المائي يكشف تصورات بصرية لأسرار منغلقة.


    ألوان تستمد قوتها من تحررها

    لا تخطط الفنانة اللبنانية شيرمين تابت لأعمالها مسبقا، بل تترك الألوان تنساب بحرية، لكنها تظل خاضعة لضوابطها وتدخلها الذي يأتي في الوقت المناسب، لتصبح لوحات ومنحوتات خيالية تمزج بين أحاسيس متنوعة لعل أهمها السلام والغموض والنسيان.

    افتتحت صالة "وايل وي أر يونغ" اللبنانية في السادس عشر من مارس الجاري معرضا للفنانة اللبنانية شيرمين تابت ويستمر المعرض حتى السادس من أبريل القادم. يضم المعرض مجموعة من اللوحات معظمها بالمقاسات الكبيرة وأعمالا نحتية بالسيراميك.

    العناوين التي وضعتها الفنانة على أعمالها التي تقدمها في صالة “وايل وي أر يونغ” تشير إلى مضمون المعرض ككل، الذي جاء دون عنوان جامع.

    ومن الكلمات التي وشمت بها الفنانة عناوين لوحاتها نذكر “الغموض”، و”تمتمات” و”ماء عميق” و”أوهام” و”مشاعر مشوشة” و”أمواج” و”غبش” و”أحلام”.

    عبر هذه الكلمات الإيحائية تتجول الفنانة اللبنانية شيرمين تابت متنقلة برفقة اللون المائي المتواطئ معها في تشكيل أعمالها. أما كيف تعاونت الفنانة مع اللون المائي لتجعل منه شريكا في

    تنفيذ أعمالها فجاء من خلال إعطائها فرصة، إذا صح التعبير، لانسياب اللون أن يأخذ مساراته الحرّة. فقد سمحت الفنانة للألوان التي سكبتها على القماش بأن تتشبع ببعضها البعض ليطغى لون على الآخر أو يتحول لقاؤهم إلى لون جديد لا يخرج عن الأجواء الضبابية التي طغت على كل الأعمال المعروضة في الصالة.

    الفنانة التشكيلية قدمت مجموعة من الأعمال بالسيراميك تشبه في شكلها الخارجي حصى البحار والأنهر والسواقي

    وفي لوحات أخرى أتاحت للألوان المائية أن تنساب متجاورة دون أن تتلاقى إلا في القليل من الأنحاء لتشكل هيئات عمودية وأخرى أفقية غير واضحة صعدت إلى الأعلى، المغشيّ هو الآخر بشحنة من الألوان الضبابية، أو انخفضت ببطء كغيوم صيفية بيضاء اللون لتشكل الثقل الأساسي المتموضع في أسفل اللوحات وليس بالعكس، وذلك دون أن تخفي ما خلفها من هيئات طبيعية غلبتها تجريدية غنائية.

    ويشعر الناظر إلى أعمال شيرمين تابت بأن ليس ثمة تخطيط مسبق وضعته الفنانة قبل أن تنطلق في تحقيق أعمالها.

    ويؤكد البيان الصحافي المرافق للمعرض هذه الناحية ويشير إلى أنها “مدفوعة برغبة السيطرة على قنوات تحولات الألوان ومساراتها. تنطلق الفنانة في عملية تأمل وبحث في طبيعية انبعاث وتسلل الألوان إلى عمق القماش القطني وكيفية تعاملها وانصهارها مع الألوان الأخرى”.

    ومن الواضح أن شيرمين تابت تعطي لمادة اللون السائلة الحرية في الجريان والانتشار في لوحاتها، ولكن دون أن تتركها غير مضبوطة وخاضعة للمنطق البصري الذي يسكن خيال الفنانة. الصدفة عامل مهم جدا في أسلوب عملها الفني، ولكنه عامل غير متروك “إلى حال سبيله” كما يشير التعبير الشعبي.


    هيئات غير واضحة


    ومما يذكر البيان الصحافي أن الفنانة “بعد مرحلة صبغ القماش بضربات ريشتها المتداخلة والمغمسة باللون المائي، تعمد إلى مراقبة كيف تتفاعل الألوان مع الماء والقماش القطني وكيف تأخذ اتجاهاتها العشوائية. ولا تتدخل الفنانة فيما يجري على قماش لوحتها قبل أن تمر 48 ساعة. ويحمل هذا الانتظار الصبور في طياته قدرة على الحفاظ على التوازن الضروري ما بين ما هو مرتجل ويمكن الوثوق به وهو يسعى ويبتكر دروبا في اللوحات”.

    من المؤكد أن هذا الأسلوب الفني يشير إلى الهدوء الكبير الذي تتميز به الفنانة شيرمين تابت، هدوء ينعكس بالسماح للوقت أن يجري وللزمن أن يمرّ مع غياب لقلق مباشر غالبا ما يفسد العمل الفني.

    ويذكر البيان الصحافي في هذا السياق أن أعمال الفنانة تشكل “لهوا لونيا على قماش قطني يحيلنا إلى آثار صور بعد انعكاسها على قطع من كريستال”.

    وربما تكون أعمال الفنانة اللبنانية بمجملها بسيطرة لون الحليب الصافي والمتكدر على السواء شبيهة أكثر بما يمكن أن نراه في حجر القمر وليس الكريستال وبياضه الكثيف، الذي يعكس لا بل يشف عما في داخله من عوالم قيد التكوين أو التلاشي.

    الطمأنينة حاضرة في أعمال الفنانة شيرمين تابت ويبدو أنها تكتفي بمقدار من القلق الذي يمنحها القدرة على مواجهة المجهول والغامض والغائم والوهمي وكل ما وضعته من كلمات في عناوين لوحاتها، ولكن مع غياب المنحى الدرامي.

    لوحات الفنانة هي سلام مع الغموض وسلام وتصالح مع فعل المغادرة والتشوش، وهي تثمين للنسيان وهو يمد عروقه في ثنايا العالم بشكل مرئي يذكرنا بالغابات، حيث يعمّ السكون وتتمايل برقة الأشجار الدقيقة قليلة الأوراق والأغصان ليس لأنها أشجار خريفية، بل لأنها أشجار/مرايا لمعنى الحياة والحرية وهشاشة واقع يستقيم خلفه واقع آخر هو أكثر حقيقة وصلابة منه.


    غابات شيرمين تابت الخيالية الرقيقة يلتحفها دوما الضباب يخف حينا ويشتد حينا آخر. لا يدخل إليها ضوء الشمس إلا عبر ومضات رقيقة ومطمئنة. أما تلك الطمأنينة الحاضرة في لوحاتها فمردها أن أضواء شمس العصر والغروب والصباح ليس لها أي ظلال حزينة أو كاسرة. كما لا تشير هشاشة ضوء الصباح في لوحاتها إلى معنى الزوال الحزين للكائنات، بل الرضوخ لحكمة القدر.

    إضافة إلى اللوحات قدمت الفنانة شيرمين تابت مجموعة من الأعمال بالسيراميك تشبه في شكلها الخارجي حصى البحار والأنهر والسواقي وتلك التي من الممكن لها أن تقع ليلا من الفضاء الخارجي. وتشبهها كذلك في انسيابيات ألوانها التي تميل إلى الزرقة والخضرة والبياض لتأخذنا إلى عالم الأسرار المنغلقة على ذاتها وإلى نعومة الأسطح التي توحي بالنوم وبالرغبة فيه.

    أما إن أردنا أن نقارن ما بين اللوحات وأعمال السيراميك فربما سنفضل الأخيرة لما تكتنز به من جمالية داخلية وخارجية على السواء. وفي حين يكتمل أو شبه يكتمل التعبير في أعمال السيراميك تبدو لوحاتها وكأنها مرحلة تسبق تحقيق أعمال السيراميك أو هي مجرد تصور بصري ليتحقق في هيئات فنية أكثر حسية.

    يُذكر أن الفنانة اللبنانية شيرمين تابت هي فنانة تجريدية تخرجت من الجامعة الأميركية في بيروت. وبعد حيازتها على شهادة في التصميم الداخلي وفن تصميم الملابس عملت في مجال التصميم وجابت الكثير من البلدان، لتعود إلى وطنها وتكرس وقتها للعمل الفني.




    انشرWhatsAppTwitterFacebook

    ميموزا العراوي
يعمل...
X