ساي (جان باتيست ـ)
(1767 ـ 1832م)
جان باتيست ساي Jean Baptiste Say، مفكر واقتصادي فرنسي، ولد في ليون في 5 كانون الثاني، وتوفي في باريس في 15 تشرين الثاني. أشتهر جان باتيست ساي بالقانون الاقتصادي الذي عرف باسمه، وهو قانون المنافذ، ومؤداه أن كل منتج جديد يخلق بذاته قوة شرائية توفر له سوقاً أو منفذاً. بدأ ساي حياته كاتباً في أحد مصارف ليون ثم انتقل في التاسعة عشرة من عمره إلى إنكلترا حيث عاش الثورة الصناعية[ر] وكان شديد الحماسة لها كما قرأ بإعجاب كتاب آدم سميث[ر]، «ثروة الأمم»، وعايش الأفكار السياسية والفلسفية للثورة الفرنسية عام 1789م التي امتدحها في مجلة «العشرية» Decade التي كانت تصدر في العهد الامبراطوري. لكن ساي رفض تأييد النظام الامبراطوري وبقي معارضاً ومضطهداً من السلطة الرسمية، ولم تتح له فرصة الكتابة والنشر إلا بعد تجديد أفكار الثورة وقيام حكومة القناصل. وكان لهذه الأحداث أثرها الكبير في تكوينه الفكري وبقيت ملازمة له طوال حياته. وفي عام 1819م عُين أستاذاً في معهد الفنون الجميلة والحرف، وسمي أستاذاً للاقتصاد السياسي في المدرسة الفرنسية. يُعد ساي الاقتصادي الفرنسي الأكثر شهرة في عصره.
من مؤلفاته المشهورة: «دروس في الاقتصاد السياسي» عام 1803م، الذي يعد من المراجع الرئيسة في علم الاقتصاد أعيدت طباعته مرات عدة. وكتابه «تعليم الاقتصاد السياسي» عام 1815م، و«الدروس الكاملة في الاقتصاد السياسي التطبيقي» عام 1828و1829م. عرفت مؤلفات ساي بوجهين أحدهما فلسفي والثاني عملي تطبيقي بسبب الأعمال التي مارسها والمهام التي قام بها.
أسهم جان باتيست ساي إسهاماً فعالاً في تطوير الفكر الاقتصادي حتى صح ما قاله فيه أدولف بلانكي: «لقد اكتشف آدم سميث حقائق العلم الأساسية التي كان الفيزيوقراط (الطبيعييون) قد لامسوها بصعوبة في القرن الثامن عشر، لقد أوضح سميث هذه الحقائق على نحو رائع غير أن كتابه المقصود «ثروة الأمم» الخالد كان في حاجة إلى تبسيط ليكون في متناول كل المستويات وكل الشعوب، فقد كانت تنقص الكتاب بعض التوضيحات الأساسية كما أن بعض المسائل الهامة جداً لم تكن في مكانها المناسب من الكتاب. أما جان باتيست ساي فقد وضع كل شيء في مكانه وأوجد المصطلحات وقوَّم التعريفات وأعطى لعلم الاقتصاد قاعدة صلبة وفي الوقت نفسه ضبط حدوده بدقة». قال ساي، مثل سميث وريكاردو[ر]، إن الإنتاج يتحقق بمشاركة ثلاثة عوامل: العمل ورأس المال والطبيعة (أو الأرض) ولكنه ألمح إلى أهمية دور المستحدث في تجميع عوامل الإنتاج وتناسقها واضعاً بذلك المقدمات لأعمال جوزيف شومبيتر[ر] عن دور المستحدث. ويرجع إلى ساي الفضل في إعطاء بدايات صحيحة لتفسير توضع قيمة السلع في السوق على أساس تقاطع قيمة الطلب وقيمة التكلفة. فقيمة الطلب أو قيمة الشراء، بحسب رأي ساي، تعادل قيمة المنفعة التي يكون المستهلكون راغبين عندها في شراء السلعة تبعاً لتقديرهم منفعتها. أما قيمة العرض، أو قيمة البيع، فتعادل التكلفة التي يتحملها المنتج في إنتاج السلعة، ولا يمكنه الاستمرار في الإنتاج إذا لم تكن القيمة في السوق مساوية لتكلفة إنتاجه، على الأقل. ولعل الإسهام الرئيسي الذي قدمه ساي لعلم الاقتصاد هو صوغ قانون المنافذ أو قانون الأسواق الذي يفترض أن عرض البضاعة يخلق بذاته طلباً مقابلاً. وإن البضائع، في رأيه، تبادل ببضائع أخرى. فقد كتب ساي يقول: «على أية حال فإنه بقدر ما يكون المنتجون متعددين والمنتجات كثيرة تكون المنافذ (إمكانية التصريف) سهلة ومتنوعة وواسعة». ذلك أن القوة الشرائية التي يتم إيجادها بوساطة المنتج الجديد تستخدم في نهاية المطاف لشراء المنتج ذاته، لأن الموارد التي يتم توزيعها لإنتاج هذا المنتج (قيمة المواد + أجور العمال + أرباح رأس المال أو ريع ملاك الأرض) تكون مساوية لقيمة هذا المنتج، ومن ثم فإن سعة المنافذ أو الأسواق تقاس بتكاليف الإنتاج أصلاً.
على الرغم من أن قانون المنافذ لا يعترف بإمكانية حدوث الأزمات الاقتصادية التي عصفت بالاقتصاد الصناعي المتقدم، فإن الكثير من الاقتصاديين، ومن بينهم اللورد كينز J.M.Keneyes، كان يفسر حدوث الأزمات بسلوك المستهلكين وإحجامهم عن تحويل نقودهم إلى سلع في الوقت المناسب(الميل إلى تفضيل السيولة). ولذا يرون أنه يمكن تسوية الأزمات عند حدوثها وتجاوزها بسرعة، بالتدخل الحكومي، وطرح قوة شرائية جديدة في السوق، بوساطة زيادة الإنفاق العام أو رفع مستويات الأجور، فيعود الاقتصاد من جديد إلى مرحلة التوازن، أي يعود قانون المنافذ إلى ممارسة الدور الذي كان يراه ساي. بقي قانون المنافذ العقيدة المركزية في الفكر الاقتصادي حتى الأزمة الاقتصادية الكبرى في أواخر العشرينيات من القرن العشرين. إذ بدأ كينز يدافع عن ضرورة تدخل الحكومات للتخفيف من حدة الأزمات عند حدوثها.
يعد جان باتيست ساي أحد الاقتصاديين الفرنسيين الأعلام الذين أسهموا في تطوير نظرية الحرية الاقتصادية، ودافعوا عن حرية المنافسة وسيلة لتحقيق التوازن والنمو الاقتصاديين من دون حاجة إلى أي تدخل حكومي في الحياة الاقتصادية.
مطانيوس حبيب
(1767 ـ 1832م)
جان باتيست ساي Jean Baptiste Say، مفكر واقتصادي فرنسي، ولد في ليون في 5 كانون الثاني، وتوفي في باريس في 15 تشرين الثاني. أشتهر جان باتيست ساي بالقانون الاقتصادي الذي عرف باسمه، وهو قانون المنافذ، ومؤداه أن كل منتج جديد يخلق بذاته قوة شرائية توفر له سوقاً أو منفذاً. بدأ ساي حياته كاتباً في أحد مصارف ليون ثم انتقل في التاسعة عشرة من عمره إلى إنكلترا حيث عاش الثورة الصناعية[ر] وكان شديد الحماسة لها كما قرأ بإعجاب كتاب آدم سميث[ر]، «ثروة الأمم»، وعايش الأفكار السياسية والفلسفية للثورة الفرنسية عام 1789م التي امتدحها في مجلة «العشرية» Decade التي كانت تصدر في العهد الامبراطوري. لكن ساي رفض تأييد النظام الامبراطوري وبقي معارضاً ومضطهداً من السلطة الرسمية، ولم تتح له فرصة الكتابة والنشر إلا بعد تجديد أفكار الثورة وقيام حكومة القناصل. وكان لهذه الأحداث أثرها الكبير في تكوينه الفكري وبقيت ملازمة له طوال حياته. وفي عام 1819م عُين أستاذاً في معهد الفنون الجميلة والحرف، وسمي أستاذاً للاقتصاد السياسي في المدرسة الفرنسية. يُعد ساي الاقتصادي الفرنسي الأكثر شهرة في عصره.
من مؤلفاته المشهورة: «دروس في الاقتصاد السياسي» عام 1803م، الذي يعد من المراجع الرئيسة في علم الاقتصاد أعيدت طباعته مرات عدة. وكتابه «تعليم الاقتصاد السياسي» عام 1815م، و«الدروس الكاملة في الاقتصاد السياسي التطبيقي» عام 1828و1829م. عرفت مؤلفات ساي بوجهين أحدهما فلسفي والثاني عملي تطبيقي بسبب الأعمال التي مارسها والمهام التي قام بها.
أسهم جان باتيست ساي إسهاماً فعالاً في تطوير الفكر الاقتصادي حتى صح ما قاله فيه أدولف بلانكي: «لقد اكتشف آدم سميث حقائق العلم الأساسية التي كان الفيزيوقراط (الطبيعييون) قد لامسوها بصعوبة في القرن الثامن عشر، لقد أوضح سميث هذه الحقائق على نحو رائع غير أن كتابه المقصود «ثروة الأمم» الخالد كان في حاجة إلى تبسيط ليكون في متناول كل المستويات وكل الشعوب، فقد كانت تنقص الكتاب بعض التوضيحات الأساسية كما أن بعض المسائل الهامة جداً لم تكن في مكانها المناسب من الكتاب. أما جان باتيست ساي فقد وضع كل شيء في مكانه وأوجد المصطلحات وقوَّم التعريفات وأعطى لعلم الاقتصاد قاعدة صلبة وفي الوقت نفسه ضبط حدوده بدقة». قال ساي، مثل سميث وريكاردو[ر]، إن الإنتاج يتحقق بمشاركة ثلاثة عوامل: العمل ورأس المال والطبيعة (أو الأرض) ولكنه ألمح إلى أهمية دور المستحدث في تجميع عوامل الإنتاج وتناسقها واضعاً بذلك المقدمات لأعمال جوزيف شومبيتر[ر] عن دور المستحدث. ويرجع إلى ساي الفضل في إعطاء بدايات صحيحة لتفسير توضع قيمة السلع في السوق على أساس تقاطع قيمة الطلب وقيمة التكلفة. فقيمة الطلب أو قيمة الشراء، بحسب رأي ساي، تعادل قيمة المنفعة التي يكون المستهلكون راغبين عندها في شراء السلعة تبعاً لتقديرهم منفعتها. أما قيمة العرض، أو قيمة البيع، فتعادل التكلفة التي يتحملها المنتج في إنتاج السلعة، ولا يمكنه الاستمرار في الإنتاج إذا لم تكن القيمة في السوق مساوية لتكلفة إنتاجه، على الأقل. ولعل الإسهام الرئيسي الذي قدمه ساي لعلم الاقتصاد هو صوغ قانون المنافذ أو قانون الأسواق الذي يفترض أن عرض البضاعة يخلق بذاته طلباً مقابلاً. وإن البضائع، في رأيه، تبادل ببضائع أخرى. فقد كتب ساي يقول: «على أية حال فإنه بقدر ما يكون المنتجون متعددين والمنتجات كثيرة تكون المنافذ (إمكانية التصريف) سهلة ومتنوعة وواسعة». ذلك أن القوة الشرائية التي يتم إيجادها بوساطة المنتج الجديد تستخدم في نهاية المطاف لشراء المنتج ذاته، لأن الموارد التي يتم توزيعها لإنتاج هذا المنتج (قيمة المواد + أجور العمال + أرباح رأس المال أو ريع ملاك الأرض) تكون مساوية لقيمة هذا المنتج، ومن ثم فإن سعة المنافذ أو الأسواق تقاس بتكاليف الإنتاج أصلاً.
على الرغم من أن قانون المنافذ لا يعترف بإمكانية حدوث الأزمات الاقتصادية التي عصفت بالاقتصاد الصناعي المتقدم، فإن الكثير من الاقتصاديين، ومن بينهم اللورد كينز J.M.Keneyes، كان يفسر حدوث الأزمات بسلوك المستهلكين وإحجامهم عن تحويل نقودهم إلى سلع في الوقت المناسب(الميل إلى تفضيل السيولة). ولذا يرون أنه يمكن تسوية الأزمات عند حدوثها وتجاوزها بسرعة، بالتدخل الحكومي، وطرح قوة شرائية جديدة في السوق، بوساطة زيادة الإنفاق العام أو رفع مستويات الأجور، فيعود الاقتصاد من جديد إلى مرحلة التوازن، أي يعود قانون المنافذ إلى ممارسة الدور الذي كان يراه ساي. بقي قانون المنافذ العقيدة المركزية في الفكر الاقتصادي حتى الأزمة الاقتصادية الكبرى في أواخر العشرينيات من القرن العشرين. إذ بدأ كينز يدافع عن ضرورة تدخل الحكومات للتخفيف من حدة الأزمات عند حدوثها.
يعد جان باتيست ساي أحد الاقتصاديين الفرنسيين الأعلام الذين أسهموا في تطوير نظرية الحرية الاقتصادية، ودافعوا عن حرية المنافسة وسيلة لتحقيق التوازن والنمو الاقتصاديين من دون حاجة إلى أي تدخل حكومي في الحياة الاقتصادية.
مطانيوس حبيب