سحنون (عبد سلام سعيد تنوخي) (Sahnoon (Abd al-Salam ibn Sa’id al-Tanoukhi

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • سحنون (عبد سلام سعيد تنوخي) (Sahnoon (Abd al-Salam ibn Sa’id al-Tanoukhi

    سَحْنُــونْ (عَبْد السّلامْ بنُ سعيد التنوخي)
    (160 ـ 240هـ /776 ـ 854م)

    أبو سعيد عبد السلام بن سعيد بن حبيب التنوخي القيرواني، أصله شامي من حمص، قدم أبوه سعيد في جند حمص، وسحنون هو لقب له. وُلد في رمضان سنة 160 للهجرة وقيل سنة 161 للهجرة.
    أخذ سحنون العلم بالقيروان عن مشايخها: أبي خارجة وبهلول، وعلي ابن زياد وابن أبي حسان، وابن غانم وغيرهم.
    رحل في طلب العلم أول سنة ثمان وثمانين ومئة فيما ذكره بعض العلماء: منهم أبو العرب وأبو الحارث. وقال ابنه: خرج إلى مصر أول سنة ثمان وسبعين في حياة الإمام مالك بن أنس. ومات مالك وهو ابن ثمانية عشر عاماً أو تسعة عشر عاماً وكانت رحلته من قبل إلى تونس.
    سمع سحنون في رحلته إلى مصر والحجاز من ابن القاسم، وابن وهب، وابن أشهب، وعبد الله بن الحكم وغيرهم ..، وانصرف إلى إفريقية سنة إحدى وتسعين ومائة. قال سحنون: خرجت إلى ابن القاسم ابن خمس وعشرين، وقدمت إفريقية ابن ثلاثين سنة.
    كان سحنون ثقة حافظاً للعلم فقيهاً، اجتمعت فيه خِلالٌ قلّما اجتمعت في غيره، الفقه والورع والصراحة في الحق والزهادة في الدنيا، والتخشن في الملبس والمطعم، وكان لا يقبل من السلاطين شيئاً، وكان مع هذا رقيق القلب، غزير الدمع، خاشعاً متواضعاً غير متصنّع، كريم الأخلاق، حسن الأدب، سالم الصدر، لا يخاف في الله لومة لائم.
    سلّم له بالإمامة أهل عصره، واجتمعوا على فضله وتقديمه، فقد انتهت إليه الرئاسة في العلم وعليه المعول في المشكلات وإليه المرحلة، ومدونته عليها الاعتماد في المذهب المالكي، وحصل له من الأصحاب مالم يحصل لأحد من أصحاب مالك، وعنه انتشر علم مالك في المغرب، قال عنه أبو علي البصري: سحنون فقيه أهل زمانه، وشيخ عصره، وعالم وقته.
    وُلي سحنون قضاء إفريقية سنة أربع وثلاثين ومئتين، وعمره آنذاك أربع وسبعون سنة. فلم يزل قاضياً إلى أن مات. ذكر بعض أصحابه أنه: لما عُزل القاضي ابن أبي الجواد قال سحنون: اللهم ولّ هذه الأمة خيرها، وأعدلها، فكان هو الذي وُلي بعده.
    ولم يرض بتسلم منصب القضاء إلا بعد أن أدير عليه حولاً كاملاً وبعد إلحاح من محمد بن الأغلب وبعد توليه هذا المنصب، أقام أياماً ينظر في القضاء، ويلتمس أعواناً. ثم قعد للناس في المسجد الجامع. قال سحنون: لم أكن أرى قبول هذا الأمر حتى أُعطيت كل ما طلبت وأُطلقت يداي في كل ما رغبت.
    كان لا يهاب سلطاناً، في الحق يقيمه عليه. ولما أكثر من رد المظالم في رجال ابن الأغلب، وأبى أن يقبل منهم الوكلاء على الخصومة إلا بأنفسهم. وجه إليه الأمير، وقد شكوه إليه، بأنه يغلظ عليهم (أي على بني الأغلب)، فأرسل إليه ابن الأغلب وقال: «إنهم فيهم غلظة وقد شكوك، ورأيت مما فاتك من شرهم فلا تنظر في أمرهم»، فقال سحنون للرسول: «ليس هذا الذي بيني وبينه، قل له: خذلتني خذلك الله»، فلما أنهى الرسول الرسالة إلى الأمير قال: «ما نعمل به؟ إنما أراد الله».
    كان الذين يحضرون مجلس سحنون من العبّاد وأكثر من يحضره من طلبة العلم، كانوا يأتونه من أقطار الأرض.
    قال بعض أصحابه: ما بورك لأحد بعد أصحاب رسول الله (مثل ما بورك لسحنون في أصحابه. إنهم في كل بلد أئمة وقال آخرون: كان سحنون من أيمن العلماء، وأعقل الناس صاحباً وأفضلهم في باب الدين وأفقههم. ومن وصاياه لابنه: يا بني، سلم على الناس، فإن ذلك يزرع المودة، وسلم على عدوّك وداره، فإن رأس الإيمان بالله المداراة بالناس.
    من أقوال سحنون: ليس للأمور بصاحب، من لم ينظر لها في العواقب.
    وعن فضل العلم يقول: مثل العلم القليل في الرجل الصالح، مثل العين العذبة في الأرض العذبة يزرع عليها صاحبها ما ينتفع به.
    ومن كلامه: من لم يعمل بعلمه لم ينفعه العلم بل يضره، إنما العلم نور يضعه الله تعالى في القلوب، فإذا عمل به نورّ الله قلبه، وإن لم يعمل به، وأحب الدنيا أعمى حب الدنيا عليه ولم ينوره العلم وكان إذا رأى إعراض الجهّال عن العلماء يقول:
    لمنزلة الفقيه من السفيه
    كمنزلة السفيه من الفقيه
    فهذا زاهد في رأي هذا
    وهذا فيه أزهد منه فيـه
    توفي سحنون في القيروان، ودفن في يومه وصلى عليه الأمير محمد بن الأغلب، ووجه إليه بكفن وحنوط، فاحتال ابنه محمد حتى كفن في غيره، وتصدق بذلك، وكان عمره يوم مات ثمانين سنة. قال أبو بكر المالكي: لما مات سحنون رجّت القيروان لموته وحزنت له الناس.
    بعد وفاة سحنون جلس ابنه محمد ابن سحنون مجلسه (202 ـ 256هـ/817ـ869م) وكان محمد بن سحنون فقيهاً مالكياً، كثير التصانيف، ولد في القيروان ورحل إلى الشرق سنة 235/849م ولقي عدداً من العلماء بالمدينة المنورة وأخذ عنهم وكان يُدافع عن مذهب أهل المدينة كثيراً ويغلب عليه الفقه والمناظرة، وكثيراً ما كان يناظر أباه في حياته. قال عنه والده: ما أُشبهه إلا بأشهب، وقال أيضاً: ما غبنت في ابني محمد إلاّ أني أخاف أن يكون عمره قصيراً.
    ألف ابن سحنون كتاب «المسند في الحديث». وهو كبير، وكتابه الكتاب الكبير المشهور «الجامع» جمع فيه فنون العلم والفقه في عدة كتب، نحو ستين، منها كتب السير عشرون كتاباً، وكتابه في المعلمين، ورسالة في السنة، ورسالة في أدب المناظرة جزآن، وكتاب تفسير الموطأ أربعة أجزاء وكتاب الحجة على القدرية وكتاب الحجة على النصارى، وكتاب الإباحة. وكتاب الرد على البكرية. وكتاب الورع، وكتاب الإيمان والرد على أهل الشرك، وكتاب الرد على البدع بثلاثة أجزاء، وكتاب الرد على الشافعي، وعلى أهل العراق وهو كتاب الجوابات، بخمسة أجزاء، وكتاب طبقات العلماء بسبعة أجزاء وكتاب الأشربة وغريب الحديث بثلاثة أجزاء، وكتاب التاريخ بستة أجزاء.
    توفي محمد بن سحنون بعد موت أبيه بست عشرة سنة. وكانت وفاته بالسامل، وجيء به إلى القيروان فدفن فيها.
    أحمد أبو ضاهر

يعمل...
X