روسيا (موسيقي في)
Russia - Russie
الموسيقى في روسيا
اعتمدت الموسيقى الروسية الألحان والأغاني الفولكلورية لمختلف المناطق والأقاليم الروسية الغنية بها، والتي تتصف بسمات موسيقية متميزة فيما بينها. ويغلب على الموسيقى الروسية استخدام السلم الموسيقي الصغير[ر الموسيقى].
يقول المؤلف الروسي ميخائيل غلينكا (1804ـ1857)M.Glinka، مؤسس المدرسة الموسيقية القومية الروسية في القرن التاسع عشر: «إن الشعب الروسي هو الذي صنع موسيقاه، ولسنا نحن (ويقصد الموسيقيين)، سوى المنسقين لهذه الموسيقى». ومن معالم الموسيقى الروسية أنها تأثرت بثلاثة عناصر أساسية: الأغاني الشعبية والألحان الفولكلورية الراقصة القومية، والغناء الديني، والأوبرا الإيطالية.
تميزت الموسيقى الفولكلورية الروسية بعدة أنواع من الغناء الشعبي ذي الأصول الوثنية التي تتسم بالعواطف والمرح أحياناً، وبالأسى والحزن إبان حكم التتر، وبتنوع أغاني الأعراس والأرض وحقول الزراعة فيها، وبمرافقة الغوزلي Gusli (آلة موسيقية وترية روسية من أسرة السيتار [ر.الآلات الموسيقية] وهي شبيهة بآلة القانون العربي) لجميع الأغاني والألحان الفولكلورية.
وكان للموسيقى البيزنطية[ر]، التي هي من أصول سورية ويونانية، تأثير كبير في الموسيقى الروسية، والسلافية بصورة عامة؛ إذ عندما اعتنق فلاديمير، دوق مدينة كييف، الديانة المسيحية (عام988) التي غدت دين الدولة الأساس، صار الغناء الكنسي إنجيلياً، واعتمد اللحن المنفرد البسيط دون تعدد التصويت. وزاد من ثرائه نفوذ الموسيقى الفولكلورية إليه، مع أن الكنيسة كانت قد أخذت تلاحق، منذ القرون الأولى لاعتناق المسيحية، مؤدي الغناء البيزنطي والراقصين وجميع العاملين في الموسيقى الدنيوية التي عدت بأنها «موسيقى الشيطان» وأنها سبب الكوارث في البلاد. وهكذا حلت الموسيقى الكنسية محل الموسيقى الدنيوية، وأخذت دوراً أساسياً في حياة المواطنين، وسيطرت على الحياة الموسيقية في روسيا، حتى اعتلاء القيصر بطرس الأكبر عرش الحكم، إذ استعادت الموسيقى الشعبية مكانتها السابقة.
أخذ الغناء الكنسي الروسي، منذ بداية القرن السابع عشر، يتحلى بتعدد التصويت (البوليفونية) polyphony [ر.الانسجام (الهارموني)] بدلاً من الغناء وحيد اللحن الرئيس. وصارت البوليفونية أساساً في الغناء الجوقي وتوزيع الأصوات الغنائية حسب طبقاتها الصوتية عند الرجال والنساء. وتميزت الأصوات الرجالية الروسية ذات الطبقات الصوتية المنخفضة (الباص) bass، في الأغاني الدينية بسيرها الميلودي (اللحني) البسيط الخالي من التزينيات اللحنية. وصار تشكيل الجوقة الغنائية (الكورال) بطبقاتها الصوتية الأساسية الأربع المختلفة يثري الغناء الروسي. وتبوأت الموسيقى الغنائية الإيطالية، ولاسيما الأوبرا التي تعتمد الكورال أساساً في الغناء، مكانة رفيعة في الحياة الموسيقية الروسية. وتوافد الموسيقيون الإيطاليون مع أعمالهم الفنية والأوبرالية، بصورة خاصة، إلى روسيا. ففي عام 1730، وفدت مجموعة جوقية غنائية إلى روسيا احتفاء بتتويج القيصرة آنّا إيفانوفنا A.Ivanovna، وعرضت بعض أعمال الأوبرا الإيطالية استحوذت على مشاعر القيصرة التي قررت في إثرها، إبقاء الفنانين الإيطاليين من الجوقة الغنائية لعرض أعمال الأوبرا في روسيا. وشيدت دار الأوبرا في سان بطرسبرغ، وافتتحت أبوابها بعرض أوبرا «ألبياتزار» Albiazzare للمؤلف الموسيقي الإيطالي فرانشيسكو أرايا (1709ـ1770) F.Araja، الذي كان على رأس الجوقة الغنائية، وبقي في روسيا حتى عام 1762، يدير المسرح الغنائي الروسي في سان بطرسبرغ، ويعرض أعمالاً أوبرالية فيها.
يُعد غلينكا أباً روحياً ومؤسساً للموسيقى الروسية منذ القرن التاسع عشر. كانت هناك موسيقى قبله، ولكنها لم تكن جادة وعالمة savante فقد خلق مدرسة وطنية تجاري الموسيقى الأوربية بتزاوجها مع الموسيقى الروسية. فكان مغرماً بالموسيقى الإيطالية، ويكثر من زياراته إلى إيطاليا عشقاً بالأوبرا فيها. وتأثر كذلك في الموسيقى الألمانية لمتابعته دراساته الموسيقية في برلين، فقد أخذ غلينكا عن الموسيقى الإيطالية سلاسة ألحانها الغنائية التي بعثها في تلامذته، وتمثّل علم الانسجام عن الموسيقى الألمانية في الكتابة الموسيقية الروسية، كما أنه دعا إلى التأليف في الصيغ الموسيقية الأوربية بجميع أنواعها الغنائية والآلية (للآلات الموسيقية). وإن عمليه في الأوبرا «حياة قيصر» و«روسلان وليودميلا» يشهدان على دعوته الفنية القومية.
لما كانت روسيا تعد حقلاً واسعاً من الأغاني والرقصات الفولكلورية التي أغنت ألحان الموسيقيين الروس منذ بداية القرن التاسع عشر، فقد كان من أبرز معالم الموسيقى الجادة فيها أن تشكلت جماعة «الخمسة الكبار»، عام 1860 في بطرسبرغ، من الموسيقيين: بالاكيريف (1837ـ1910) Balakirev، وكوي (1835ـ1918) C.A.Cui، وموسورغسكي[ر] M.Moussorgsky، وريمسكي كورساكوف[ر] N.Rimsky- Korsakov، وبورودين[ر] A.Borodin وقد استوحوا من غلينكا، ومن ستاسوف (1824ـ1906) C.Stassov، ودارغومشكي (1813ـ1869) A.Dargomyshky، الملهمين الروحيين للجماعة، التركيز على الموسيقى القومية والنهل منها للتحرر من سيطرة الموسيقى الأوربية. في حين نادى موسيقيون آخرون مثل أنطون روبنشتاين (1829ـ1894) A.Rubinstein وتشايكوفسكي[ر] P.I.Tchaikowsky بضرورة عولمة الموسيقى، بعكس الاتجاه الأول، والتفاعل مع الموسيقى الأجنبية. ويعد تشايكوفسكي، تلميذ روبنشتاين، أكثر الموسيقيين الروس الكبار إنتاجاً في القرن التاسع عشر. فقد كتب في جميع الصيغ الموسيقية، تقريباً، ولاسيما الباليه[ر] Ballet والسمفونية[ر] والحوارية[ر] (الكونشرتو) Concerto.ومن الموسيقيين البارزين الذين ولدوا في الربع الثالث من القرن التاسع عشر:ليادوف A.Liadov، وإيبوليتوف ـ إيفانوفM.Ippolitov-Ivanov الذي كان ينهل من الموسيقى القوقازية والجيورجانية التقليديتين، وسكريابين A.Scriabin ذو الأسلوب المفرط بالرومنسية، ورخمانينوف[ر] S.Rakhmaninov المؤلف وعازف البيانو الذي تميز بأسلوبه الرومنسي، ومن أشهر أعماله «الحوارية الثانية للبيانو» (1910).
بقيت الموسيقى الفولكلورية، بأنواعها المختلفة، منهلاً للمؤلفين الموسيقيين في حقبة الاتحاد السوڤييتي، إلا أن أعمالهم سارت وفق الاتجاهات الواقعية الاشتراكية. ومع ذلك، بقيت أعمال الموسيقيين ـ لما قبل الثورة ـ مثل غلينكا، وموسورغسكي، وبورودين، وتشايكوفسكي، وريمسكي ـ كورساكوف مدرسة للموسيقيين السوفييت، إضافة إلى أن بعض الموسيقيين الروس المخضرمين، الذين عاصروا الحقبتين القيصرية والسوڤيتية، مثل غلازونوف، وإيبوليتوف ـ إيفانوف، وغليير (1875ـ1956) R.M.Gliere، ومياسكوفسكي (1881ـ1950) N.Miaskovski وغيرهم، صاروا أساتذة ومربين للشبيبة الموسيقية البولشفية، وبنوا بأعمالهم وأنشطتهم الموسيقية جسراً وصل بين الحقبتين من الموسيقى التقليدية الروسية السابقة والثقافة الموسيقية الاشتراكية الحديثة. ويعد بروكوفييف[ر] S.Prokofiev حلقة وصل بين هاتين المدرستين (الروسية والسوڤييتية)، علماً أنه غادر روسية في بداية الثورة، لكنه عاد إلى وطنه عام 1933، لينضم إلى مجموعة الموسيقيين السوفييت الطليعيين، مثل شوستاكوفيتش[ر] D.Shostakovitch، وخاتشادوريان[ر] A.Khatchaturian، وكاباليفسكي (1904ـ1987) D.Kabalevsky .
وكان أن برز تياران موسيقيان متضادان، اهتم ممثلو التيار الأول مثل دافيدنكو (1899ـ1934) Davidenko».»، وبيلي (1904ـ)V.Bely، وكوفال (1907ـ) V.M.Koval بتطبيق مبادئ الثورة «البروليتارية» الفنية، وقاوموا بعض أشكال الموسيقى الغربية، في حين نادى التيار الثاني مثل شتاينبرغ (1883ـ1946) M.D.Steinberg ، وأسافييف (1884ـ1949) B.V.Assafiev بتشجيع ممارسة طريقة الموسيقى الأجنبية والأعمال التجريبية فيها.
ومن بين موسيقيي التيار الثاني الطليعيين، إضافة إلى اللذين ذكرا سابقاً: إديسون دنيسوف (1929ـ)E.Denissov الذي يؤلف وفق أسلوبي «التقانة المسلسلة» technique serial و«الاحتمالي» aleatory، وإيان رياتس (1932ـ) I.Riaets ، وآرفوبيارت (1935ـ) A.Piart الذي هاجرفي الثمانينات إلى النمسة،وديمتري سميرنوف (1948ـ) D.Semirnov، وإيلينا فيرسوفا (1950ـ) E.Firsova .
وقد بقيت الموسيقى الروسية، بعد انهيار النظام السوفييتي، متميزة بطابعها القومي، مع الأخذ بالأساليب والمدارس الموسيقية العالمية الحديثة بشكل عام.
الباليه: اهتمت روسيا، إضافة إلى الأوبرا، بالرقص المسرحي (الباليه)؛ فقد تأسست «المدرسة الإمبراطورية للباليه» عام 1738، في عهد القيصرة آنّا بإدارة مدرب الرقص الفرنسي لانديه J.B.(Landet) Lande (ـ1746). وظل تدريس الباليه على يد الفرنسيين مدة طويلة إلى أن تشكل مسرح «البولشوي» عام 1780، (وأعيد بناؤه عام 1825 بعد أن شب حريق فيه) وغدت، فيما بعد، فرقته الراقصة من أشهر فرق الباليه العالمية. وكان بتيبا (1822ـ1910) M.Petipa ، مصمم الرقص الفرنسي، قد أقام في روسيا نحو نصف قرن، قدم فيه أعمالاً مشهورة من الباليه لكبار الموسيقيين الروس، وعلى رأسهم تشايكوفسكي، في أساليب فنية مبتكرة وتصميمات رائعة. ثم توالى راقصون وراقصات ومدربو رقص روسيون مثل فوكين (1880ـ1942) M.Fokine ، وآنّا بافلوفا (1881ـ1931) ذات الشهرة الواسعة، ونيجينسكي (1890ـ1950)V.NiJinsky ، نهضوا بفن الباليه وأوصلوه إلى أعلى مستوياته الفنية. واستأثرت روسيا بنشر وشهرة هذا الفن الرفيع في جميع أنحاء العالم. وتحتفظ روسيةـ اليوم ـ في كل من جمهورياتها الاتحادية على واحد، على الأقل، من مسارح الباليه، مع فرقته أو فرقه الراقصة، ومسرحاً للأعمال الأوركسترالية، وداراً للأوبرا. هذا، إضافة إلى ما ينوف على عشرين مدرسة ومعهداً لتعليم وتصميم الباليه: منها معهدان، في موسكو، الأول للتعليم التقني العالي في الباليه، والآخر للدراسات العليا في النقد والتاريخ المسرحي.
حسني الحريري
Russia - Russie
الموسيقى في روسيا
اعتمدت الموسيقى الروسية الألحان والأغاني الفولكلورية لمختلف المناطق والأقاليم الروسية الغنية بها، والتي تتصف بسمات موسيقية متميزة فيما بينها. ويغلب على الموسيقى الروسية استخدام السلم الموسيقي الصغير[ر الموسيقى].
يقول المؤلف الروسي ميخائيل غلينكا (1804ـ1857)M.Glinka، مؤسس المدرسة الموسيقية القومية الروسية في القرن التاسع عشر: «إن الشعب الروسي هو الذي صنع موسيقاه، ولسنا نحن (ويقصد الموسيقيين)، سوى المنسقين لهذه الموسيقى». ومن معالم الموسيقى الروسية أنها تأثرت بثلاثة عناصر أساسية: الأغاني الشعبية والألحان الفولكلورية الراقصة القومية، والغناء الديني، والأوبرا الإيطالية.
تميزت الموسيقى الفولكلورية الروسية بعدة أنواع من الغناء الشعبي ذي الأصول الوثنية التي تتسم بالعواطف والمرح أحياناً، وبالأسى والحزن إبان حكم التتر، وبتنوع أغاني الأعراس والأرض وحقول الزراعة فيها، وبمرافقة الغوزلي Gusli (آلة موسيقية وترية روسية من أسرة السيتار [ر.الآلات الموسيقية] وهي شبيهة بآلة القانون العربي) لجميع الأغاني والألحان الفولكلورية.
وكان للموسيقى البيزنطية[ر]، التي هي من أصول سورية ويونانية، تأثير كبير في الموسيقى الروسية، والسلافية بصورة عامة؛ إذ عندما اعتنق فلاديمير، دوق مدينة كييف، الديانة المسيحية (عام988) التي غدت دين الدولة الأساس، صار الغناء الكنسي إنجيلياً، واعتمد اللحن المنفرد البسيط دون تعدد التصويت. وزاد من ثرائه نفوذ الموسيقى الفولكلورية إليه، مع أن الكنيسة كانت قد أخذت تلاحق، منذ القرون الأولى لاعتناق المسيحية، مؤدي الغناء البيزنطي والراقصين وجميع العاملين في الموسيقى الدنيوية التي عدت بأنها «موسيقى الشيطان» وأنها سبب الكوارث في البلاد. وهكذا حلت الموسيقى الكنسية محل الموسيقى الدنيوية، وأخذت دوراً أساسياً في حياة المواطنين، وسيطرت على الحياة الموسيقية في روسيا، حتى اعتلاء القيصر بطرس الأكبر عرش الحكم، إذ استعادت الموسيقى الشعبية مكانتها السابقة.
أخذ الغناء الكنسي الروسي، منذ بداية القرن السابع عشر، يتحلى بتعدد التصويت (البوليفونية) polyphony [ر.الانسجام (الهارموني)] بدلاً من الغناء وحيد اللحن الرئيس. وصارت البوليفونية أساساً في الغناء الجوقي وتوزيع الأصوات الغنائية حسب طبقاتها الصوتية عند الرجال والنساء. وتميزت الأصوات الرجالية الروسية ذات الطبقات الصوتية المنخفضة (الباص) bass، في الأغاني الدينية بسيرها الميلودي (اللحني) البسيط الخالي من التزينيات اللحنية. وصار تشكيل الجوقة الغنائية (الكورال) بطبقاتها الصوتية الأساسية الأربع المختلفة يثري الغناء الروسي. وتبوأت الموسيقى الغنائية الإيطالية، ولاسيما الأوبرا التي تعتمد الكورال أساساً في الغناء، مكانة رفيعة في الحياة الموسيقية الروسية. وتوافد الموسيقيون الإيطاليون مع أعمالهم الفنية والأوبرالية، بصورة خاصة، إلى روسيا. ففي عام 1730، وفدت مجموعة جوقية غنائية إلى روسيا احتفاء بتتويج القيصرة آنّا إيفانوفنا A.Ivanovna، وعرضت بعض أعمال الأوبرا الإيطالية استحوذت على مشاعر القيصرة التي قررت في إثرها، إبقاء الفنانين الإيطاليين من الجوقة الغنائية لعرض أعمال الأوبرا في روسيا. وشيدت دار الأوبرا في سان بطرسبرغ، وافتتحت أبوابها بعرض أوبرا «ألبياتزار» Albiazzare للمؤلف الموسيقي الإيطالي فرانشيسكو أرايا (1709ـ1770) F.Araja، الذي كان على رأس الجوقة الغنائية، وبقي في روسيا حتى عام 1762، يدير المسرح الغنائي الروسي في سان بطرسبرغ، ويعرض أعمالاً أوبرالية فيها.
مشهد من أوبرا موسورغسكي «بورس غودونوف»، وفيه يظهر مدى تأثر اعمال الأوبرا الروسية بالتاريخ والفلكلور |
لما كانت روسيا تعد حقلاً واسعاً من الأغاني والرقصات الفولكلورية التي أغنت ألحان الموسيقيين الروس منذ بداية القرن التاسع عشر، فقد كان من أبرز معالم الموسيقى الجادة فيها أن تشكلت جماعة «الخمسة الكبار»، عام 1860 في بطرسبرغ، من الموسيقيين: بالاكيريف (1837ـ1910) Balakirev، وكوي (1835ـ1918) C.A.Cui، وموسورغسكي[ر] M.Moussorgsky، وريمسكي كورساكوف[ر] N.Rimsky- Korsakov، وبورودين[ر] A.Borodin وقد استوحوا من غلينكا، ومن ستاسوف (1824ـ1906) C.Stassov، ودارغومشكي (1813ـ1869) A.Dargomyshky، الملهمين الروحيين للجماعة، التركيز على الموسيقى القومية والنهل منها للتحرر من سيطرة الموسيقى الأوربية. في حين نادى موسيقيون آخرون مثل أنطون روبنشتاين (1829ـ1894) A.Rubinstein وتشايكوفسكي[ر] P.I.Tchaikowsky بضرورة عولمة الموسيقى، بعكس الاتجاه الأول، والتفاعل مع الموسيقى الأجنبية. ويعد تشايكوفسكي، تلميذ روبنشتاين، أكثر الموسيقيين الروس الكبار إنتاجاً في القرن التاسع عشر. فقد كتب في جميع الصيغ الموسيقية، تقريباً، ولاسيما الباليه[ر] Ballet والسمفونية[ر] والحوارية[ر] (الكونشرتو) Concerto.ومن الموسيقيين البارزين الذين ولدوا في الربع الثالث من القرن التاسع عشر:ليادوف A.Liadov، وإيبوليتوف ـ إيفانوفM.Ippolitov-Ivanov الذي كان ينهل من الموسيقى القوقازية والجيورجانية التقليديتين، وسكريابين A.Scriabin ذو الأسلوب المفرط بالرومنسية، ورخمانينوف[ر] S.Rakhmaninov المؤلف وعازف البيانو الذي تميز بأسلوبه الرومنسي، ومن أشهر أعماله «الحوارية الثانية للبيانو» (1910).
بقيت الموسيقى الفولكلورية، بأنواعها المختلفة، منهلاً للمؤلفين الموسيقيين في حقبة الاتحاد السوڤييتي، إلا أن أعمالهم سارت وفق الاتجاهات الواقعية الاشتراكية. ومع ذلك، بقيت أعمال الموسيقيين ـ لما قبل الثورة ـ مثل غلينكا، وموسورغسكي، وبورودين، وتشايكوفسكي، وريمسكي ـ كورساكوف مدرسة للموسيقيين السوفييت، إضافة إلى أن بعض الموسيقيين الروس المخضرمين، الذين عاصروا الحقبتين القيصرية والسوڤيتية، مثل غلازونوف، وإيبوليتوف ـ إيفانوف، وغليير (1875ـ1956) R.M.Gliere، ومياسكوفسكي (1881ـ1950) N.Miaskovski وغيرهم، صاروا أساتذة ومربين للشبيبة الموسيقية البولشفية، وبنوا بأعمالهم وأنشطتهم الموسيقية جسراً وصل بين الحقبتين من الموسيقى التقليدية الروسية السابقة والثقافة الموسيقية الاشتراكية الحديثة. ويعد بروكوفييف[ر] S.Prokofiev حلقة وصل بين هاتين المدرستين (الروسية والسوڤييتية)، علماً أنه غادر روسية في بداية الثورة، لكنه عاد إلى وطنه عام 1933، لينضم إلى مجموعة الموسيقيين السوفييت الطليعيين، مثل شوستاكوفيتش[ر] D.Shostakovitch، وخاتشادوريان[ر] A.Khatchaturian، وكاباليفسكي (1904ـ1987) D.Kabalevsky .
وكان أن برز تياران موسيقيان متضادان، اهتم ممثلو التيار الأول مثل دافيدنكو (1899ـ1934) Davidenko».»، وبيلي (1904ـ)V.Bely، وكوفال (1907ـ) V.M.Koval بتطبيق مبادئ الثورة «البروليتارية» الفنية، وقاوموا بعض أشكال الموسيقى الغربية، في حين نادى التيار الثاني مثل شتاينبرغ (1883ـ1946) M.D.Steinberg ، وأسافييف (1884ـ1949) B.V.Assafiev بتشجيع ممارسة طريقة الموسيقى الأجنبية والأعمال التجريبية فيها.
ومن بين موسيقيي التيار الثاني الطليعيين، إضافة إلى اللذين ذكرا سابقاً: إديسون دنيسوف (1929ـ)E.Denissov الذي يؤلف وفق أسلوبي «التقانة المسلسلة» technique serial و«الاحتمالي» aleatory، وإيان رياتس (1932ـ) I.Riaets ، وآرفوبيارت (1935ـ) A.Piart الذي هاجرفي الثمانينات إلى النمسة،وديمتري سميرنوف (1948ـ) D.Semirnov، وإيلينا فيرسوفا (1950ـ) E.Firsova .
وقد بقيت الموسيقى الروسية، بعد انهيار النظام السوفييتي، متميزة بطابعها القومي، مع الأخذ بالأساليب والمدارس الموسيقية العالمية الحديثة بشكل عام.
الباليه: اهتمت روسيا، إضافة إلى الأوبرا، بالرقص المسرحي (الباليه)؛ فقد تأسست «المدرسة الإمبراطورية للباليه» عام 1738، في عهد القيصرة آنّا بإدارة مدرب الرقص الفرنسي لانديه J.B.(Landet) Lande (ـ1746). وظل تدريس الباليه على يد الفرنسيين مدة طويلة إلى أن تشكل مسرح «البولشوي» عام 1780، (وأعيد بناؤه عام 1825 بعد أن شب حريق فيه) وغدت، فيما بعد، فرقته الراقصة من أشهر فرق الباليه العالمية. وكان بتيبا (1822ـ1910) M.Petipa ، مصمم الرقص الفرنسي، قد أقام في روسيا نحو نصف قرن، قدم فيه أعمالاً مشهورة من الباليه لكبار الموسيقيين الروس، وعلى رأسهم تشايكوفسكي، في أساليب فنية مبتكرة وتصميمات رائعة. ثم توالى راقصون وراقصات ومدربو رقص روسيون مثل فوكين (1880ـ1942) M.Fokine ، وآنّا بافلوفا (1881ـ1931) ذات الشهرة الواسعة، ونيجينسكي (1890ـ1950)V.NiJinsky ، نهضوا بفن الباليه وأوصلوه إلى أعلى مستوياته الفنية. واستأثرت روسيا بنشر وشهرة هذا الفن الرفيع في جميع أنحاء العالم. وتحتفظ روسيةـ اليوم ـ في كل من جمهورياتها الاتحادية على واحد، على الأقل، من مسارح الباليه، مع فرقته أو فرقه الراقصة، ومسرحاً للأعمال الأوركسترالية، وداراً للأوبرا. هذا، إضافة إلى ما ينوف على عشرين مدرسة ومعهداً لتعليم وتصميم الباليه: منها معهدان، في موسكو، الأول للتعليم التقني العالي في الباليه، والآخر للدراسات العليا في النقد والتاريخ المسرحي.
حسني الحريري