الجغرافية عند العرب Geography

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الجغرافية عند العرب Geography

    جغرافيه عند عرب

    Geography - Géographie chez les Arabes

    الجغرافية عند العرب

    تتبوأ الجغرافية مكانة مرموقة في سلم علوم الحضارة العربية الإسلامية إذ كانت مصدراً لمادة غزيرة لشتى العلماء والمؤلفين في العصور الوسطى التي شهدت تطوراً كبيراً للجغرافية العربية الإسلامية تجاوزت فيه حدود العالمين العربي والإسلامي إلى البلدان الأجنبية. وقد ساعد اتساع رقعة أراضي دارة الإسلام حينذاك على تزايد الاهتمام بالمعلومات الجغرافية، وعلى جمع معارف موثوقة ودقيقة وغزيرة عن أنحاء الخلافة والبلدان الأجنبية، وقد أسهمت التجارة وزيارة الديار المقدسة والحج وطلب العلم والرحلة للمغامرة في إغناء الثروة المعرفية الجغرافية.
    ويقدر عدد المؤلفات الجغرافية العربية بنحو 150 مؤلفاً لنحو أربعين جغرافياً، إضافة إلى وجود الكثير من المخطوطات في مكتبات العالم لم تحقق ولم تنشر بعد.
    بدايات الجغرافية عند العرب
    تتمثل هذه البدايات بالخبرات والملاحظات والتجارب المكتسبة غير المكتوبة في مجال الجغرافية الفلكية ومعرفة مواقع النجوم والكواكب والاهتداء بها في بوادي شبه الجزيرة العربية وريفها وحاضرها، وكذلك معرفة الأرض ومعالمها و(طبوغرافيتها) في بلدان المشرق العربي إضافة إلى معارف شعبية عن التربة والنبات والحيوان، حفلت بها أشعار العرب ونثرهم، وألفت أسس المواد الأولية للمؤلفات المبكرة مثل كتب الأنواء التي ترتبط بالظواهر الجوية والنجوم.
    أخذت المعارف ذات الطابع الجغرافية تتزايد وتتجمع مع توسع الفتوحات الإسلامية في صدر الإسلام والعصر الأموي، لكن الأدب الجغرافي لم يتعد بعض الكتابات الوصفية للبلدان والوصف التخطيطي في كتب الولاة الموجهة إلى الخليفة، إضافة إلى بعض الرحلات الحافلة بالوصف الأسطوري. وباستثناء المعلومات الجغرافية الوصفية الواقعية التي سجلتها كتب الفتوحات، وبعض الأخبار والكتابات التي غلب عليها السجع والبلاغة الأدبية، فإنه لم تظهر في العصر الأموي مؤلفات ذات صبغة جغرافية واضحة.
    مرحلة النقل والاستيعاب
    اتصف العصر العباسي الأول بأعمال الترجمة والاطلاع على المنجزات العلمية اليونانية والسريانية والهندية والفارسية، فظهرت الأعمال الجغرافية الرياضية الموضوعة على هيئة أزياج (جميع زيج) وجداول فلكية مثل كتاب محمد بن موسى الخوارزمي (ت بعد 232هـ/847م)، (صورة الأرض) وأزياج عربية أخرى تبين أطوال المواضع الجغرافية وعرضها موزعة على الأقاليم السبعة أشهرها زيج البتاني (ت 317هـ/929م) وغيره، إضافة إلى مؤلفات في الجغرافية الوصفية أخذت تتلمس طريقها تدريجياً في كتب غلبت عليها التعددية في الموضوعات، تتداخل فيها الجغرافية مع التاريخ والأدب والأساطير ووصف الأقوام. وفي القرن الثالث الهجري/ التاسع الميلادي، انتهجت الجغرافية العربية نهج استيعاب ثم تَمَثُّل المعارف الأجنبية للانطلاق في مجال جغرافية عربية، ومن أعلام هذه المرحلة الوصفية للأقاليم والبلدان اليعقوبي (ت 284هـ/897م) مؤلف «كتاب البلدان» والبلاذري (279هـ/892م) صاحب كتاب «فتوح البلدان» الذي يطغى فيه الجانب التاريخي على الجغرافية.
    الجغرافية العربية في القرن الرابع الهجري/ العاشر الميلادي
    لم ينقطع التأليف في الجغرافية المتعددة الجوانب في هذا القرن، إذ ظهر كتاب «البلدان» لابن الفقيه الهمداني وكتاب «الأعلاق النفيسة» لابن رستة (ت 337هـ/948م) وغيرهما، كما بدأت بعض المؤلفات الجغرافية تظهر في المغرب مثل كتاب «المسالك والممالك» للوراق (ت 363هـ/973م). ويكتسب كتاب «صفة جزيرة العرب» للحسن بن أحمد الهمداني (ت 334هـ/945م) أهمية في ميدان الجغرافية الإقليمية وميدان اللغة لغزارة المعارف الميدانية الخاصة بشبه الجزيرة العربية، لكن أهم ما اتصفت به الجغرافية العربية الإسلامية في هذا القرن هو تطورها وتكوين شخصيتها المستقلة في مجال الجغرافية الإقليمية.
    وقد ازدهر أدب الرحلات على يد ابن فضلان ورحلته إلى حوض نهر الفولغا (310هـ/922م) التي وصف فيها الطريق والأصقاع والمناخ ولاسيما الشعوب وصفاً عيانياً أميناً ودقيقاً، فحديثه عن الروس وعاداتهم حتى المخجلة منها يعد نموذجاً لمشاهداته الميدانية المباشرة، كذلك ارتحل أبو دُلَف الخزرجي إلى مشارق الأرض، فوصف تركستان والتبت والصين والهند، أما إبراهيم بن يعقوب (ت 354هـ/965م) فقد زار أوربة، وكتب عن ديارها وشعوبها.
    سارت المصنفات الجغرافية في هذا العصر على منهجية متطورة ذات شقين، يركز أولهما على الاهتمام بالبلدان الإسلامية، وثانيهما على تزويد المصنفات بخرائط توضيحية كانت منفردة في البداية، ثم تعددت حتى أصبحت مجموعة تزين الكتب وتفسر مضمونها، من أبرز ممثلي هذه المدرسة أبو إسحاق الاصطخري (ت 346هـ/957م) وأبو القاسم ابن حوقل (ت بعد 367هـ/977م) وشمس الدين المقدسي البشاري (ت 390هـ/600م) الذي التزم في مصنفه «أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم» منهجاً علمياً رصيناً ودقيقاً.
    ويرى جمهور الباحثين أن الجغرافية العربية الإسلامية بلغت في هذا القرن أوجها، إذ أصبحت لها منهجيتها الخاصة المتحررة من التبعية الأجنبية، وابتدعت مدرسة في رسم الخرائط يمثله أطلس الإسلام الذي يتألف من 21 خريطة، تضم خريطة العالم المستديرة ثم خرائط أقاليم العالم الإسلامي زودت بها الكتب، خلافاً لما كانت عليه خرائط الرومان والساسانيين المنفصلة عن الكتب. ويلاحظ أن غالبية الكتب والمصنفات العربية في العلوم المختلفة تعنى بجوانب جغرافية بنسب متفاوتة مبثوثة في صفحاتها، وهذا يعكس شمولية الجغرافية وارتباطها بشتى جوانب الحياة على اليابسة وفي الجو والماء وتزايد الاهتمام بالجغرافية.
    الجغرافية العربية الإسلامية في القرون المتأخرة
    كان القرن الخامس الهجري/ الحادي عشر الميلادي، امتداداً للمرحلة السابقة مع ظهور بوادر تراجع في المصنفات الجغرافية العربية وأساليبها التي أخذت تعتمد الصنعة والنقل عن السابقين باستثناء أعلام حافظوا على الأصالة والإبداع، أهمهم البيروني (ت 440هـ/1048م) فهو وإن لم يكن جغرافياً، فقد كان موسوعياً اهتم بالعلوم الرياضية والفيزيائية، وتصدرت العلوم الاجتماعية والجغرافية الكثير من مصنفاته، ومن الأعلام القلائل في هذا العصر الرحالة ناصر خسرو (ت 481هـ/1088م) وله «سفرنامة» ومحمود الكاشغري وله «ديوان لغات الترك». هذا في المشرق، أما في المغرب فقد ظهر عبد الله البكري القرطبي في الأندلس وله كتاب «المسالك والممالك» وغيره.
    بحلول القرن السادس الهجري/ الثاني عشر الميلادي، تزحزح مركز ثقل الجغرافية العربية الإسلامية إلى المغرب مع بقاء جذوات باهتة لممثليها في المشرق، ففي صقلية ظهرت مؤلفات تجمع الجغرافية الوصفية مع الجغرافية الفلكية، والكارتوغرافية على يد محمد بن عبد الله الإدريسي (الشريف الإدريسي)[ر] (ت 560هـ/1164م) أهمها كتاب «نزهة المشتاق في اختراق الآفاق» والمزود بسبعين خريطة لأقاليم الأرض المعروفة، جمعُها معاً يؤلف خريطة للعالم، ويعد هذا المصنف أفضل رسالة في الجغرافية عن العصور الوسطى، بإجماع الباحثين. وقدم المغرب في هذا القرن رحالتين هما أبو حامد الغرناطي[ر] (ت 565هـ/1170م) الذي جال في المشرق وأوربة والقفقاس، وابن جبير[ر] (ت 614هـ/1217م) الذي تميز كتابه بمنهجية وصف الرحلات على نمط يوميات لمشاهداته وما سمعه. وفيما عدا ذلك سار الجغرافيون العرب على خطى سابقيهم في مجالات الجغرافية الفلكية والوصفية والرحلات والمعاجم، والنقل والاقتباس عنهم. أعقب ذلك وفي القرن السابع الهجري/ الثالث عشر الميلادي إنجاز مصنفات جغرافية مهمة أبرزها مؤلف «معجم البلدان» لياقوت الحموي الرومي (ت 626هـ/1229م) الذي يعد خير معجم قدمته الجغرافية العربية الإسلامية لا يستغنى عنه حتى اليوم. ويرى فيه المختصون خاتمة الأعمال الكبيرة في ميدان الجغرافية. ومن أعلام هذا القرن، ابن سعيد الغرناطي (ت 673هـ/1274م) صاحب كتاب «جغرافية في الأقاليم السبعة» ثم زكريا القزويني (ت 682هـ/1283م) مؤلف كوزموغرافية «عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات» الذي طبع أكثر من طبعة وانتشر انتشاراً واسعاً في العالم الإسلامي وخارجه.
    أما في القرنين الثامن والتاسع الهجريين/ الرابع عشر والخامس عشر الميلاديين فقد دخلت الجغرافية العربية الإسلامية عصراً تميز بتأليف موسوعات ضخمة ظهرت في مصر في عهد السلطنتين التركية والجركسية، وقد جمعت هذه الموسوعات نتاج الفكر الجغرافي والتاريخي وغيرهما وخلاصة معارف العصر وما سبقه في مجلدات وأجزاء كثيرة. منها موسوعة شهاب الدين النويري (ت 732هـ/1332م) المعروفة بـ «نهاية الأرب في فنون الأدب» المؤلفة من واحد وثلاثين جزءاً. وموسوعة شهاب الدين العمري (ت 749هـ/1349م) الواقعة في اثنين وثلاثين جزءاً وعنوانها «مسالك الأبصار في ممالك الأمصار» ثم مصنف شهاب الدين أحمد بن علي بن أحمد الفزاري القلقشندي (ت 821هـ/1418م) الضخم والقيم «صبح الأعشى في صناعة الإنشا» الذي يعد أكبر موسوعات هذا العصر الذي وسم بـ «عصر الانحطاط». والموسوعة الأخيرة غنية بمعلومات جغرافية متنوعة إلى جانب احتوائها على قسم جغرافي صرف حول الأقاليم وأعمال البلدان وإداراتها وأوصافها وخصائصها في العالم الإسلامي وأوروبة والقفقاس منبت سلاطين عصر القلقشندي الجراكسة، ويرى الباحثون في القلقشندي آخر قمم عهد الجغرافية العامة والموسوعات والجغرافية الإقليمية العربية، ومع ذلك فقد برز في القرنين التاسع والعاشر (الخامس عشر والسادس عشر) أعلام لهم كتب جغرافية أو مؤلفات اهتمت بالجغرافية مع علوم أخرى مثل ابن خلدون (ت 808هـ/1406م) والمقريزي (ت 845هـ/1442م) وخليل الظاهري (ت 872هـ/1468م) والمعجمي محمد بن عبد المنعم الحميري (ت 900هـ/1494م) وابن إياس الجركسي الحنفي (ت 930هـ/1524م) الذي يحظى مؤلفه في الجغرافية «نشق الأزهار في عجائب الأقطار» إلى جانب سفره في التاريخ، بأهمية خاصة لاحتواء أعماله أخبار وأحداث وأحوال البلدان حتى عام (922هـ/1516م) أي سنة احتلال العثمانيين لبلاد الشام ثم مصر بعد عام، ومن ثم توقف النشاط الجغرافي العربي توقفاً شبه تام.
    أما في ميدان الرحلات في العهد المملوكي فلقد برز ابن بطوطة [ر] (ت 779هـ/1377م) الرحالة المغربي الذي قطع قرابة 280.000كم في غضون ربع قرن، وهو إن لم يكن جغرافياً وأديباً، فإنه ترك مادة جغرافية غزيرة جمعها عن طريق ملاحظاته وتجاربه الشخصية في رحلات قام بها في قارتي آسيا وإفريقية وأجزاء من أوربة، كذلك برز علمان عربيان في أواخر هذا العهد قدما للجغرافية الملاحية البحرية مصنفات مهمة استفادت منها أوربة في بداية تعرفها على علم البحار والملاحة هما شهاب الدين أحمد بن ماجد (ت بعد 903هـ/1498م) وسليمان المهري.
    وهكذا مرت الجغرافية عند العرب بمراحل وأطوار نشأة متواضعة أعقبها عهد بناء اعتمدت فيه الجغرافية على النقل والنهل من جغرافية وعلوم الأقوام الأخرى التي احتكت بها أو اتصلت بها وبثقافاتها مثل اليونان والفرس والهنود والسريان، ثم عاشت مرحلة تكوين الشخصية المميزة للجغرافية العربية الإسلامية وازدهارها في القرون الرابع والخامس والسادس (العاشر والحادي عشر والثاني عشر الميلادي) تلتها مرحلة ركود وتراجع لم تخل من ومضات ونفحات إنجازات جغرافية رائعة (انتهت مع احتلال العثمانيين ونقل مركز الحكم من القاهرة إلى الأستانة (اصطنبول)، والجغرافية العربية الإسلامية في مسيرتها الطويلة هذه وإن لم ترق إلى مستوى التخصص الدقيق المعروف اليوم، فإنها قدمت للحضارة العالمية منجزات مهمة في الجغرافية العامة والإقليمية التي تتداخل معها الأخبار والتاريخ والأدب ووصف البلدان والشعوب والحياة الاجتماعية والدينية وغيرها، ولم تخرج عن هذا المنهج إلا في حقل الجغرافية الرياضية الفلكية، وبعض الأعمال في الجغرافية الإقليمية، ويجمع الباحثون على أن الدور الكبير الذي قامت به الجغرافية العربية الإسلامية كان حفظها لعلوم السابقين ونقلها إلى العربية ثم استيعابها وتمثلها، ومن ثم إغناء علم الجغرافية بمعارف ومعلومات ومنهجيات جديدة وأصيلة، أصبحت أساساً لبحوث ومصنفات جغرافية وغير جغرافية في بدايات النهضة العلمية الأوروبية الحديثة. وقد استفاد أوائل الجغرافيين والفلكيين وغيرهم من الأوربيين من المنجزات العربية الإسلامية الجغرافية في رسم معالم علم الجغرافية الحديثة ونشأة المدارس البحثية الأوربية (الألمانية، والفرنسية، والشرقية ـ السوفييتية) والأمريكية المعاصرة التي تسير على هديها المصنفات الجغرافية في الجامعات العربية المختلفة، من دون أن تتكون معالم مدرسة جغرافية عربية حديثة بعد.
    عادل عبد السلام
يعمل...
X