الموجة الجديدة وما بعدها
الجدير بالإهتمام أن العديد من حواريي بازان كان مسؤولاً مباشرة عن العودة إلى تقنيات المونتاج الإنطباعي في أواخر الخمسينات وأوائل الستينات . خلال الستينات كتب كودار وتروفو كلاهما نقداً في مجلة (الأوراق السينمائية) قبل التحول إلى صناعة الأفلام في السنوات الأخيرة من ذلك العقد في الواقع كان هنالك انفجار عجيب في النشاط السينمائي في فرنسا خلال هذه الفترة وكان العديد من المخرجين الجدد قد بدأ عمله كناقد سينمائي - وقد تكرر هذا النمط في إنكلترا والولايات المتحدة الموجة الجديدة كما سميت هذه الحركة كانت كالكهرباء خارقة في الإطارين النظري والعملي. كان أعضاء هذه المجموعة. ولم تكن هذه المجموعة شديدة الترابط يتوحدون بحماس مهووس للثقافة الفلمية، وكان مدى حماسهم عريضاً بشكل غير إعتيادي يمتد من هتشكوك إلى رنوار ومن آيزنشتاين إلى فلاهرتي ومن فورد إلى درایر رغم أن هؤلاء المؤلفين المخرجين كانوا دوغماطيقيين بعض الشيء في أذواقهم الشخصية إلا إنهم كانوا يميلون إلى تجنب الدوغماطيقية في التنظير. كان بإمكانهم الاعجاب بدورة طويلة من فلم روسوليني إلى جانب إعجابهم بمشهد شديد التقطع من أحد أفلام آيزنشتاين التقنيات كانت ذات معنى بالنسبة لأغلبهم فقط فيما يخص مادة المضمون. كانت مناقشات الشكل توضع عادة ضمن إطار المضمون والعكس صحيح في الواقع إن الموجة الجديدة هي التي نشرت فكرة أن (ما) يقوله الفلم لا يمكن فصله وأنه مرتبط بـ (كيف) يقوله .
لم تكن الموجة الجديدة تفضل أسلوباً رسمياً في المونتاج أفلام أكنس فاردا مثلاً تميل إلى اتباع نموذج بازان للقطات الطويلة والدورات الطويلة .
نسبياً. فلمها (السعادة) مثلاً يبدو مديناً جداً لأعمال رنوار الغنائية العظيمة. أفلام رينيه من الناحية الأخرى تميل إلى تأكيد التجزئة. موضوع الزمن الذاتي ينكشف بالدرجة الأولى من خلال المونتاج في أعمال مثل (هيروشيما حبيبتي) وانتهت الحرب. مزج كلود شابرول بين تأثير هتشكوك - وخاصة في استغلاله لذلك النوع من أفلام الإثارة السايكولوجية ـ وبين تقنيات التقديم الموضوعي التي نادى بها بازان .
كان تروفو وكودار وهما أبرز صانعي أفلام الموجة الجديدة يمتلكان أكبر التقنيات الموسوعية أول أفلام تروفو الطويلة (٤٠٠ ضربة) يميل إلى استخدام الممارسات الواقعية مع التأكيد على اللقطات الطويلة والميزانسين وآلة التصوير المتحركة والدورات المطولة (أطلق على عازف البيانو فلم من الناحية الثانية أكثر إنطباعية من الناحية المونتاجية. فلم تروفو الأول مدين بشدة أفلام رنوار ونظریات بازان. فلمه الثاني مدين أكثر للنوع الأمريكي من أفلام بتأكيدها على الفعل والتوقع والأسلوب السريع النظيف من المونتاج. تناوب تروفو خلال عمله من طراز لآخر أفلام مثل (سرير وسكن) و(قبل مسروقه) تعكس حبه العميق لأعمال رنوار بينما نجد في لبست العروس السواد و(حورية المسبي) أن التأثير الأولي هو تأثير معبوده الآخر هتشكوك. غير أن هذه تعميمات فقط. أعمال الكثير من هؤلاء الفنانين تجمع الطرز ضمن الفلم الواحد فلم تروفو (جول وجم) مثلا يحتوي على مشاهد ذات رقة غنائية وغواية منسابة لا يستطيع أن يجاريها إلا حفنة من المخرجين حسب. ذلك نجد في نفس الفلم مشاهد ذات ذكاء معقد سريع يلعب فيها مع المونتاج دوراً رئيسياً.
جان لوك كودار أجراً مبتكري الموجة الجديدة وربما في كل السينما المعاصرة أعطانا فلمين سنوياً تقريباً منذ بداية عمله كمخرج في نهاية الخمسينات أول أفلامه مقطوع النفس قصد أن يكون تكريماً لفلم ذو الوجه المجروح وهو فلم من أفلام العصابات الكلاسيكية أخرجه هوارد هوكس وهو واحد من معبودي كودار في حينه. فمقطوع النفس نشر القطع المقصود بفجوة الذي أصبح تقليداً شائعاً في الستينات والسبعينات (٤ - ٢٣).
في الواقع بدا العنوان وكأنه يشير إلى المونتاج القافز ذي الفجوات بقدر ما يشير إلى القصة نفسها. القفزات المشوشة في الزمان والمكان والمقاطع غير المربوطة وعدم وجود حبكة بصورة عامة كل ذلك يعكس إحساساً بالإضطراب والحاجة للإتجاه والعفوية بالنسبة للشخصية المركزية (جان بول بلموندو) وهو رجل عصابة ساحر إلا إنه غير متمكن يقلد بدون وعي منه همفري بوكارت أسلوب كودار العصبي في مونتاج هذا الفلم مناسب بصورة خاصة لتجسيد الإحساس بقلق الشباب وتمرده رغم أنه يعكس أيضاً موقفاً أقرب للفلسفة موقفاً يؤكد التمزق والتجزئة في الحياة المعاصرة. وقد استخدم أسلوب المونتاج هذا غالباً وخاصة في الأفلام التي تعالج الأبطال من الشباب .
غير أن كودار جرب أيضاً البدائل الواقعية في المونتاج كذلك
(٤ - ٢٤). (رجال الشرطة) مثلاً صور في أغلبه باللقطات البعيدة والدورات المطولة لتحقيق موضوعية شبيهة بالوثائقية في أفلام روسوليني وهو بطل ثقافي آخر في الموجة الجديدة. فلم مذكر ومؤنث وهو واحد من أعظم أعمال كودار نموذج للأساليب والتأثيرات الهجينة. هنالك مشهد في الفلم يتكون من دورة تصوير واحدة وآلة التصوير ثابتة لمدة سبع دقائق في لقطة طويلة بشكل لا يصدق. اللقطة في فلم كودار مثل مشهد مماثل من فلم (٤٠٠ ضربة) هي مشهد مقابلة مع شخصية وهو أسلوب مستعار من سينما الحقيقة وهي حركة وثائقية تؤكد استخدام آلة التصوير المحمولة باليد وأسلوب المقابلة المباشرة. يقدم فلم (مذكر ومؤنث) لقطات عديدة تستغرق جزءاً من الثانية فقط.
إن ما يجعل الكثير من أفلام الموجة الجديدة جذابة هو باختصار القدرة الاختيارية في الطرز التقنيات الإنطباعية والواقعية تستغل وفقاً لحاجات المشهد الدرامية والسايكولوجية. خلال سنوات قليلة تمثل مخرجون من أمم أخرى دروس الموجة الجديدة بدون تمحيص في الأغلب في العقد التالي استخدم أتفه الأفلام تقنيات المونتاج التي نشرها في الأصل كودار ومشاركوه،
كانت أفلام الهوس والإنشغال بالشباب في الستينات تزوم داخلة وخارجة وتبادل القطع وتقطع بالإستدارة السريعة والقفز حتى وإن لم يكن هنالك شيء معين نقطع إليه.
مع فلم راعي بقر منتصف الليل وهو مكتوب بشكل جيد وممثل بشكل رائع أصابه العيب بسبب أسلوب جون شلسينكر في المونتاج البعيد جداً عن رقة وحميمية مادة الموضوع بعض الأفلام فشل حتى خلال السبعينات مع الجمهور جزئياً بسبب أسلوب المونتاج الذي ظهر «قديماً» بالمقارنة الأفكار الإنطباعية غالباً للعصر. تم تقطيع فلم جون هيوستن الممتاز (المدينة السمينة وفقاً للعرف الكلاسيكي في المونتاج أسلوب) ساهم هو نفسه في إنضاجه في أفلام مثل الصقر المالطي وكنوز سيرامادرا غير أن الذين شاهدوا المدينة السمينة كانوا يميلون للاعتقاد بأنه كان بطيء الحركة جداً وليس فيه ما يكفي من الطاقة. لم يهتم إلا القليل بملاحظة أن السلبية والإنهاك هما الميزتان الرئيسيتان لأشخاص الفلم ولذا فإن مونتاج هيوستن الدقيق كان يرتبط عضوياً بهذه الأفكار.
إن تركة الموجة الجديدة تراث ثمين إذا إنه نشر النظرة التي تقول بأن . أساليب المونتاج يجب ألا تقرر بالتقليعات السائدة وقصور التكنولوجية والتصريحات الدوغماطيقية ولكن وفقاً لطبيعة مادة الموضوع نفسه
(٤ - ٢٥) .
الجدير بالإهتمام أن العديد من حواريي بازان كان مسؤولاً مباشرة عن العودة إلى تقنيات المونتاج الإنطباعي في أواخر الخمسينات وأوائل الستينات . خلال الستينات كتب كودار وتروفو كلاهما نقداً في مجلة (الأوراق السينمائية) قبل التحول إلى صناعة الأفلام في السنوات الأخيرة من ذلك العقد في الواقع كان هنالك انفجار عجيب في النشاط السينمائي في فرنسا خلال هذه الفترة وكان العديد من المخرجين الجدد قد بدأ عمله كناقد سينمائي - وقد تكرر هذا النمط في إنكلترا والولايات المتحدة الموجة الجديدة كما سميت هذه الحركة كانت كالكهرباء خارقة في الإطارين النظري والعملي. كان أعضاء هذه المجموعة. ولم تكن هذه المجموعة شديدة الترابط يتوحدون بحماس مهووس للثقافة الفلمية، وكان مدى حماسهم عريضاً بشكل غير إعتيادي يمتد من هتشكوك إلى رنوار ومن آيزنشتاين إلى فلاهرتي ومن فورد إلى درایر رغم أن هؤلاء المؤلفين المخرجين كانوا دوغماطيقيين بعض الشيء في أذواقهم الشخصية إلا إنهم كانوا يميلون إلى تجنب الدوغماطيقية في التنظير. كان بإمكانهم الاعجاب بدورة طويلة من فلم روسوليني إلى جانب إعجابهم بمشهد شديد التقطع من أحد أفلام آيزنشتاين التقنيات كانت ذات معنى بالنسبة لأغلبهم فقط فيما يخص مادة المضمون. كانت مناقشات الشكل توضع عادة ضمن إطار المضمون والعكس صحيح في الواقع إن الموجة الجديدة هي التي نشرت فكرة أن (ما) يقوله الفلم لا يمكن فصله وأنه مرتبط بـ (كيف) يقوله .
لم تكن الموجة الجديدة تفضل أسلوباً رسمياً في المونتاج أفلام أكنس فاردا مثلاً تميل إلى اتباع نموذج بازان للقطات الطويلة والدورات الطويلة .
نسبياً. فلمها (السعادة) مثلاً يبدو مديناً جداً لأعمال رنوار الغنائية العظيمة. أفلام رينيه من الناحية الأخرى تميل إلى تأكيد التجزئة. موضوع الزمن الذاتي ينكشف بالدرجة الأولى من خلال المونتاج في أعمال مثل (هيروشيما حبيبتي) وانتهت الحرب. مزج كلود شابرول بين تأثير هتشكوك - وخاصة في استغلاله لذلك النوع من أفلام الإثارة السايكولوجية ـ وبين تقنيات التقديم الموضوعي التي نادى بها بازان .
كان تروفو وكودار وهما أبرز صانعي أفلام الموجة الجديدة يمتلكان أكبر التقنيات الموسوعية أول أفلام تروفو الطويلة (٤٠٠ ضربة) يميل إلى استخدام الممارسات الواقعية مع التأكيد على اللقطات الطويلة والميزانسين وآلة التصوير المتحركة والدورات المطولة (أطلق على عازف البيانو فلم من الناحية الثانية أكثر إنطباعية من الناحية المونتاجية. فلم تروفو الأول مدين بشدة أفلام رنوار ونظریات بازان. فلمه الثاني مدين أكثر للنوع الأمريكي من أفلام بتأكيدها على الفعل والتوقع والأسلوب السريع النظيف من المونتاج. تناوب تروفو خلال عمله من طراز لآخر أفلام مثل (سرير وسكن) و(قبل مسروقه) تعكس حبه العميق لأعمال رنوار بينما نجد في لبست العروس السواد و(حورية المسبي) أن التأثير الأولي هو تأثير معبوده الآخر هتشكوك. غير أن هذه تعميمات فقط. أعمال الكثير من هؤلاء الفنانين تجمع الطرز ضمن الفلم الواحد فلم تروفو (جول وجم) مثلا يحتوي على مشاهد ذات رقة غنائية وغواية منسابة لا يستطيع أن يجاريها إلا حفنة من المخرجين حسب. ذلك نجد في نفس الفلم مشاهد ذات ذكاء معقد سريع يلعب فيها مع المونتاج دوراً رئيسياً.
جان لوك كودار أجراً مبتكري الموجة الجديدة وربما في كل السينما المعاصرة أعطانا فلمين سنوياً تقريباً منذ بداية عمله كمخرج في نهاية الخمسينات أول أفلامه مقطوع النفس قصد أن يكون تكريماً لفلم ذو الوجه المجروح وهو فلم من أفلام العصابات الكلاسيكية أخرجه هوارد هوكس وهو واحد من معبودي كودار في حينه. فمقطوع النفس نشر القطع المقصود بفجوة الذي أصبح تقليداً شائعاً في الستينات والسبعينات (٤ - ٢٣).
في الواقع بدا العنوان وكأنه يشير إلى المونتاج القافز ذي الفجوات بقدر ما يشير إلى القصة نفسها. القفزات المشوشة في الزمان والمكان والمقاطع غير المربوطة وعدم وجود حبكة بصورة عامة كل ذلك يعكس إحساساً بالإضطراب والحاجة للإتجاه والعفوية بالنسبة للشخصية المركزية (جان بول بلموندو) وهو رجل عصابة ساحر إلا إنه غير متمكن يقلد بدون وعي منه همفري بوكارت أسلوب كودار العصبي في مونتاج هذا الفلم مناسب بصورة خاصة لتجسيد الإحساس بقلق الشباب وتمرده رغم أنه يعكس أيضاً موقفاً أقرب للفلسفة موقفاً يؤكد التمزق والتجزئة في الحياة المعاصرة. وقد استخدم أسلوب المونتاج هذا غالباً وخاصة في الأفلام التي تعالج الأبطال من الشباب .
غير أن كودار جرب أيضاً البدائل الواقعية في المونتاج كذلك
(٤ - ٢٤). (رجال الشرطة) مثلاً صور في أغلبه باللقطات البعيدة والدورات المطولة لتحقيق موضوعية شبيهة بالوثائقية في أفلام روسوليني وهو بطل ثقافي آخر في الموجة الجديدة. فلم مذكر ومؤنث وهو واحد من أعظم أعمال كودار نموذج للأساليب والتأثيرات الهجينة. هنالك مشهد في الفلم يتكون من دورة تصوير واحدة وآلة التصوير ثابتة لمدة سبع دقائق في لقطة طويلة بشكل لا يصدق. اللقطة في فلم كودار مثل مشهد مماثل من فلم (٤٠٠ ضربة) هي مشهد مقابلة مع شخصية وهو أسلوب مستعار من سينما الحقيقة وهي حركة وثائقية تؤكد استخدام آلة التصوير المحمولة باليد وأسلوب المقابلة المباشرة. يقدم فلم (مذكر ومؤنث) لقطات عديدة تستغرق جزءاً من الثانية فقط.
إن ما يجعل الكثير من أفلام الموجة الجديدة جذابة هو باختصار القدرة الاختيارية في الطرز التقنيات الإنطباعية والواقعية تستغل وفقاً لحاجات المشهد الدرامية والسايكولوجية. خلال سنوات قليلة تمثل مخرجون من أمم أخرى دروس الموجة الجديدة بدون تمحيص في الأغلب في العقد التالي استخدم أتفه الأفلام تقنيات المونتاج التي نشرها في الأصل كودار ومشاركوه،
كانت أفلام الهوس والإنشغال بالشباب في الستينات تزوم داخلة وخارجة وتبادل القطع وتقطع بالإستدارة السريعة والقفز حتى وإن لم يكن هنالك شيء معين نقطع إليه.
مع فلم راعي بقر منتصف الليل وهو مكتوب بشكل جيد وممثل بشكل رائع أصابه العيب بسبب أسلوب جون شلسينكر في المونتاج البعيد جداً عن رقة وحميمية مادة الموضوع بعض الأفلام فشل حتى خلال السبعينات مع الجمهور جزئياً بسبب أسلوب المونتاج الذي ظهر «قديماً» بالمقارنة الأفكار الإنطباعية غالباً للعصر. تم تقطيع فلم جون هيوستن الممتاز (المدينة السمينة وفقاً للعرف الكلاسيكي في المونتاج أسلوب) ساهم هو نفسه في إنضاجه في أفلام مثل الصقر المالطي وكنوز سيرامادرا غير أن الذين شاهدوا المدينة السمينة كانوا يميلون للاعتقاد بأنه كان بطيء الحركة جداً وليس فيه ما يكفي من الطاقة. لم يهتم إلا القليل بملاحظة أن السلبية والإنهاك هما الميزتان الرئيسيتان لأشخاص الفلم ولذا فإن مونتاج هيوستن الدقيق كان يرتبط عضوياً بهذه الأفكار.
إن تركة الموجة الجديدة تراث ثمين إذا إنه نشر النظرة التي تقول بأن . أساليب المونتاج يجب ألا تقرر بالتقليعات السائدة وقصور التكنولوجية والتصريحات الدوغماطيقية ولكن وفقاً لطبيعة مادة الموضوع نفسه
(٤ - ٢٥) .
تعليق