عراق (فن في)
Iraq - Iraq
العراق (الفن في ـ)
يتميز العراق بعراقة الفن فيه، فمنذ فجر التاريخ كان للفن التشكيلي والعمارة أثرهما في بناء حضارة بلاد الرافدين، وكانت للفنون السومرية والأكدية والآشورية ثم الحضرية وأخيراً الفنون الهلنستية آثارٌ مهمةٌ استطاعت التنقيبات المنهجية الكشف عنها، ففي متاحف العراق نماذج تدل على المستوى الرفيع للفن القديم الذي حمل هوية جمالية متميزة.
وفي العصر الإسلامي كان لفن المنمنمات[ر] وفن الترقين[ر] أثره في إعطاء صورة جديدة للفن التشكيلي، وكانت مدرسة بغداد تضارع مدارس الفن في إيران وفي مصر الفاطمية.
وبعد سقوط بغداد على أيدي المغول بقيادة هولاكو[ر] في عام 656هـ/1258م، وانهيار الدولة العباسية، تعاقبت على الحكم دويلات غير عربية، إلى أن خضع العراق للحكم العثماني، ثم إلى الانتداب البريطاني، فكان على الثقافة العراقية أن تتأثر بالمناخ الثقافي والمدارس الفنية التي فرضها الحكّام. كالأسلوب الباروكي الذي جاء عن طريق العثمانيين، والفن الأوربي الذي مهد له البريطانيون.
خضع العراق لمؤثرات ثقافية وافدة لها أثر في تغيير الهوية الأصلية، وهكذا ظهر فن اللوحة الذي حل محل فن الكتب، وكان نيازي مولوي بغدادي من أوائل الذين زاولوا التصوير الزيتي أو المائي في صور مصغرة متأثراً بالطابع التقليدي لفن الترقين الذي زين المخطوطات، واستطاع هذا المصور أن يؤلف بين الصورة والزخرفة والخط العربي؛ إذ كان أصلاً بارعاً في الخط الفارسي. وكان اهتمام المبدعين قوياً بتجويد الخط العربي، وكان من الخطاطين محمد النائب البغدادي, وأحمد عبد الله البغدادي، وسفيان الوهبي، وعثمان الياور، ومحمد ابن الواعظ، وبكر صدٌقي، وعبد الله نيازي. ومن أشهر الخطاطين العراقيين محمد هاشم البغدادي[ر]. وإلى جانب الخط كان فن التصوير الشعبي سائداً، وقد تحدث المؤرخون عن أثر وباء الطاعون في القضاء على صفوة الرسامين والخطاطين.
كان العراق تابعاً للنفوذ العثماني منذ عام 1638 حتى الحرب العالمية الأولى، إذ سيطرت بريطانيا على ذلك القطر بموجب معاهدة سان ريمو بعد اتفاقية سايكس بيكو؛ وبذلك تفككت وحدة الأرض العربية سياسياً، وظهرت إلى الوجود دول عربية مستقلة مثل العراق وسورية ولبنان وشرقي الأردن وفلسطين.
عانى العراق ظروفاً داخلية لم تكن تسمح له بالنهضة الثقافية، بل لم يكن سهلاً على العراقيين تقبل تأثير الثقافة الأوربية التي خطط لها البريطانيون. لذلك فإن التقاليد الفنية التي كانت سائدة استمرت مرتبطة بالتقاليد الشعبية وبالحرف اليدوية، ونادراً ما مورس التصوير الذي ازدهر في العصر العباسي تحت اسم مدرسة بغداد، التي لمع فيها يحيى الواسطي[ر]، ولكن ثمة صوراً شعبية كانت تعبر عن القصص الشعبي المعروفة في العراق.
برزت الزخارف الشعبية التصويرية أو الرقشية في صناعة الزجاج المعشق[ر] والزخارف الخشبية في المنشآت المعمارية التي كانت تنفذ تصويراً أو نحتاً على الحجر. وكانت صناعة النسيج والسجاد وفن الفخار والمصنوعات الجلدية والصياغة المعدنية من أجناس الفن التطبيقي الذي ساد وبقي حاملاً مفهوم الفن قبل التشكيلي.
بعد الحرب العالمية الأولى بدأت بواكير الفن التشكيلي الذي تأثر بالفنون المعاصرة في القرن الماضي. ففي عام 1922 أقيم في بغداد مهرجان سوق عكاظ الشعري. وضم هذا المهرجان جناحاً خاصاً بالفن إلى جانب الصناعات الحرفية.
وكانت ثمة خيمة زاخرة بالصور، رسمها فنانون محليون وكانت موضوعاتها منتخبة، وكانت هذه المحاولات الأولى تمثل معاصرة الفنانين العراقيين للفن الأوربي، ومثلت موضوعات هذه الأعمال الوديان والقناطر الحجرية وسفن الثوار العراقيين في ثورة العشرين 1920، وكان من العارضين فيها شوكت سليمان الخفاف الذي قدم صوراً زيتية وأخرى مرسومة بالألوان الترابية.
وفي مجال النحت كان تمثال الجنرال فريدريك ستانلي مود Frederick Maude القائد البريطاني الذي هزم العثمانيين، مثالاً أكاديمياً وأنموذجاً للنحاتين الناشئين. وأقيم هذا التمثال في جانب الكرك أمام دار المندوب السامي، وأُزيح عنه الستار في 4/12/1923، وفي ثورة 14 تموز 1958 أُطيح بهذا التمثال تعبيراً عن إطاحة الاستعمار.
ثم صار العراق سريع التمثل للفن المعاصر، وكانت الأعمال الفنية الأولى مشوبة بالبدائية في التعبير. وكان بعض الضباط المسرحين من الجيش العثماني قد انصرف إلى الرسم والتصوير، دون أن ترفدهم ثقافة مدرسية، شأنهم في ذلك شأن المصورين الفرنسيين من أمثال روسو Rousseauالجمركي، ولكن سرعان ما فكر بعضهم بضرورة دراسة الفن، وكان منهم عبد القادر رسام، ومحمد صالح زكي، والحاج محمد سليم، وحسن سامي، وعاصم الحافظ الذي درس الفن في باريس.
وعندما اهتمت المدارس المهنية والثانوية بمادة الرسم والأشغال اليدوية، ظهرت مواهب بعض الناشئين، من أمثال شوكت سليمان الخفاف الذي اعتمد على تصوير الأنموذج الحي (الموديل)، ولم يعتمد على النَّسْخ والنقل، ثم كان فتحي صفوة الذي صار مدرساً للأشغال اليدوية والنحت وصب التماثيل، ومحمد خضر الذي أسس فيما بعد قسم الاختصاص في معهد الفنون الجميلة منذ العام 1939. ثم صار هؤلاء رعيل المدرّسين الأوائل الذين تخرج على أيديهم رواد الفن التشكيلي في العراق، واستمد عبد القادر رسام أسلوبه من تقاليد فن المخطوطات، وشارك رفاقه من الضباط المتقاعدين في تصوير الطبيعة والأشخاص متأثرين أيضاً بالفن الغربي الوافد عن طريق الصور أو عن طريق أعمال الغرباء والجوالين.
أقيم المعرض الزراعي في بغداد عام 1932، وعُرِضَتْ فيه أعمال الفنانين الرواد في بداية محاولاتهم، وقدم فيه حافظ الدروبي لوحة بألوان الباستيل موضوعها مسجد الجيلاني، ولوحة أخرى تمثل منارة سوق الغزل.
وبتأثير من ساطع الحصري[ر] مدير المعارف، وبعد أن أصبحت مادة الرسم منهجية؛ كُلِّفَ شوكت سليمان برسم صور إيضاحية للكتب المدرسية مع عطا صبري الذي نشرت صوره صحفياً.
كان سعاد سليم قد درس الفن على والده الحاج محمد سليم مع إخوته جواد ونزيهة، وكان من المشاركين في المعرض الزراعي، إلى جانب أكرم شكري ومحمد خضر. ولأول مرة قدم جواد سليم الطفل نحتاً مقولباً.
ودعماً لتدريس الفنون أوفدت مديرية المعارف عدداً من الموهوبين إلى أوربا لدراسة الفن والتخصص فيه، وكان نصيب فائق حسن أن يمضي إلى مدرسة الفنون في باريس (البوزار)، وقاسم ناجي إلى أكاديمية برلين، وعطا صبري وحافظ الدروبي إلى روما، وعندما عاد الموفدون نشطت الحركة الفنية في التدريس، وفي المعارض الفنية، وفي إنشاء المعاهد الفنية الاختصاصية.
في عام 1939 افْتُتِِحَ في معهد الفنون الجميلة فرع للرسم والتصوير، وكان من أساتذته الأوائل سعاد سليم وفائق حسن. وبعد عودة جواد سليم من روما أنشئ قسم للنحت ألحق به قسم للسيراميك، ومنذ عام 1957 أُحْدِثَ في المعهد قسم مسائي للهواة، ثم أنشئت أكاديمية الفنون الجميلة في عام 1962.
كان من أبرز المتخرجين عيسى حنا، والنحات خالد الرحال الذي تتلمذ على يد جواد سليم، وتأثر بأسلوب الواسطي في تمثاله الكبير الذي أنجزه في عام 1972 وأقيم في حديقة الزوراء.
تأثر جيل الفنانين الأول بالمدارس الفنية التي اشتهرت في الغرب مثل الانطباعية[ر] عن طريق المصورين البولونيين. وظهرت في ذلك الوقت الجمعيات الفنية التي دعمت النشاط الفني ووطدت علاقة الفنانين ببعضهم، إلى جانب تكون جماعات من الفنانين يضمهم اتجاه فني مشترك؛ إذ ظهر منذ ذلك التاريخ جيل من الفنانين المحترفين، ولاسيما أولئك الذين تابعوا دراستهم العالية في الفن خارج العراق، من أمثال إسماعيل الشيخلي ونزيهة سليم.
نشط الفنانون في إقامة المعارض الفردية والجماعية، بل إن أول معرض جماعي خرج من بغداد إلى الهند في عام 1955، وكان يمثله فائق حسن وإسماعيل الشيخلي، وفي عام 1958 كانت ثورة 14 تموز حيث أقيم معرض شامل للفن العراقي في قاعة النادي الأولمبي في الأعظمية، وسرعان ما نُقِلَ إلى الصين. وكان أبرز المعارض الفردية في هذه المرحلة من نصيب الفنانين الشباب من أمثال رافع الناصري، ومحمد قمر الدين، وإسماعيل فتاح، وراكان دبدوب، وضياء عزاوي.
أسست جمعية الفنانين العراقيين عام 1956. ومنذ عام 1970 ازداد عدد الجماعات الفنية وكان من أبرزها جماعة الأكاديميين (1971)، وجماعة الواقعية الحديثة (1973). أما جماعة البعد الواحد (1971) فلقد عنيت باقتباس الحرف والكتابة العربية، ومن أبرز الفنانين فيها شاكر حسن، ومديحة عمر، وجميل حمودي، ورافع الناصري، ومحمد مهر الدين، وضياء عزاوي. وقد نهجت هذه الجماعة أسلوب التعبير التلقائي من دون التمسك بقواعد الخط العربي.
كانت فترة السبعينات حافلة بنشاط فني يسعى إلى تأصيل الفن معتمداً على التنظير، وكان لمهرجان الواسطي عام 1971 دوره في تأكيد الاتجاه التأصيلي. وتوثق هذا الاتجاه بإنشاء اتحاد الفنانين التشكيليين العرب عام 1971وحقق التعارف والتعاون بين الفنانين العرب باتجاه التأكيد على الهوية الفنية.
ولابد من الإشارة إلى اهتمام الدولة بالنحت، بوصفه فناً جماهيرياً يمثل مظاهر قومية وحضارية تأخذ معينها من تقاليد الفن العراقي القديم. وكان النحات العراقي جواد سليم رائداً في هذا الاتجاه، سار وراءه خالد الرحال ومحمد غني وعلي حسين وعبيدان الشيخلي وطالب مكي. وعلى نحو مواز كان هناك اتجاه نحتي يؤكد المناخ السياسي في الثمانينات، ومن هؤلاء النحاتين ليث فتاح، وصباح فخر الدين، وسهيل هنداوي الذي حاول استقراء الموضوع الإنساني. وكان جواد سليم الممثل الأول للنحت العراقي الحديث ومن أبرز أعماله نصب الحرية المعروف الذي أنجزه عام 1958.
وبعد الخمسينات نما فن الحفر (الغرافيك) الذي بدا في المعرض الأول الذي شارك فيه رافع الناصري وهاشم سمرجي ويحيى الشيخ وسامي حقي واهتمت الدولة بهذا الفن فأسست فرعاً له في المعهد، وأقامت معرضاً لضياء العزاوي، ورافع الناصري، وصالح الجميعي. ثم شارك العراق في معارض دولية للغرافيك.
وإلى جانب هذا الفن نما فن الخزف (السيراميك)، وبدا هذا الفن حاملاً الطابع الشعبي (الفولكلوري) أو متأثراً بالخزف الرافدي القديم. ومن أبرز فناني الخزف طارق إبراهيم.
يتفق النقاد العراقيون على تصنيف تيارات الفن المعاصر والحديث في العراق، بدءاً بالمدرسة الإنسانية الاجتماعية التي برز فيها جواد سليم وإسماعيل الشيخلي ومحمود صبري وخالد الجادر. أما محمود صبري فلقد أخرج هذا التيار بأسلوب تعبيري أو تكعيبي. ومن أهم شواهد هذه المدرسة «الذبيحة» لجواد سليم، و«الحمام» لخالد الرحال، و«ثورة الجزائر» لمحمود صبري, و«أعرابيات» لفائق حسن, و«الشاي» لحافظ الدروبي، و«زين العابدين» لشاكر حسن. ويمكن ضم مجموعة من الفنانين إلى هذه المدرسة، من أمثال عامر العبيدي وكاظم حيدر وراجحة القدسي ونزار الهنداوي، وفي مجال النحت برز كل من النحاتين إسماعيل فتاح وميران السعدي.
وثمة اتجاه سريالي بدا في أعمال كامل الموسوي وعبد الصاحب الركابي وعلي النجار وإسماعيل الخياط وعلاء حسين بشير.
أما جماعة بغداد للفن الحديث فاتجه معظم أفرادها إلى الأصالة التراثية، ومن أبرزهم خالد الرحال ومحمد غني في النحت، وإسماعيل الشيخلي وإبراهيم العبدلي في التصوير.
واشتد الاهتمام بالاتجاه التجريدي، وكان من رواده خضير شكرجي، وضياء عزاوي الذي امتاز باستلهامه التراثي والحروفي وحسن عيد علوان وغازي السعودي وجميل حمودي بأسلوبه الحروفي.
ولابد من ذكر اتجاهات متنوعة توضحت في أعمال سعدي الكعبي، ومهدي مطشر، ونزار سليم، وخليل الورد، وفؤاد جهاد. على أن من أبرز المدارس الفنية الاتجاه الواقعي الطبيعي، وكان رائده فائق حسن. وثمة اتجاه واقعي جديد بدا عند محمد عارف متأثراً بتقنيات المنمنمات، وماهود أحمد ومحمد مهر الدين. وآخر المدارس الفنية الحديثة المدرسة البيئية التي جمعت أكثر التيارات المعروفة، ومن ممثليها سعاد العطار وسلمان عباس.
ويتفق نقاد الفن على أن من أبرز أعلام الفن في العراق عبد القادر رسام وجواد سليم وحسن فائق وإسماعيل الشيخلي وخالد الرحال ونزار سليم ورافع الناصري ومخلد المختار ونوري الراوي وحميد العطار وجميل حمودي وشاكر حسن. ومن الفنانين الشباب فاخر محمد وكريم رسن وهيمت محمد علي وإيمان عبد الله، وهؤلاء من الواعدين بمتابعة تفعيل الحركة الفنية بعد رحيل أكثر الرواد.
تأثر الفن العراقي منذ ثمانينات القرن العشرين بالظروف الحربية مع إيران، إلى جانب التفاعل والتيارات العالمية المتطرفة بحداثتها وتجريديتها. وتبلورت هذه الاتجاهات والانتماءات في إطار الجمعيات الفنية التي أبرزت تنظيرات جمالية، مما جعل الفن العراقي الحديث يعتمد على الفكر الجمالي والنقد التنظيري.
ولابد من الإشارة إلى الظروف الخاصة بالعراق التي أدت إلى هجرة كثير من الفنانين لممارسة فنهم بعيداً عن الوطن، وكان لهؤلاء المهاجرين أثر كبير في التعريف بالفن العراقي الحديث، الذي بدا غالباً مستقلاً عن المؤثرات العدمية في الفن الحديث. وحاول هؤلاء الفنانون تقديم أعمالهم من خلال معارض أقيمت في أكثر عواصم العالم العربية والغربية.
عفيف البهنسي
Iraq - Iraq
العراق (الفن في ـ)
يتميز العراق بعراقة الفن فيه، فمنذ فجر التاريخ كان للفن التشكيلي والعمارة أثرهما في بناء حضارة بلاد الرافدين، وكانت للفنون السومرية والأكدية والآشورية ثم الحضرية وأخيراً الفنون الهلنستية آثارٌ مهمةٌ استطاعت التنقيبات المنهجية الكشف عنها، ففي متاحف العراق نماذج تدل على المستوى الرفيع للفن القديم الذي حمل هوية جمالية متميزة.
وفي العصر الإسلامي كان لفن المنمنمات[ر] وفن الترقين[ر] أثره في إعطاء صورة جديدة للفن التشكيلي، وكانت مدرسة بغداد تضارع مدارس الفن في إيران وفي مصر الفاطمية.
وبعد سقوط بغداد على أيدي المغول بقيادة هولاكو[ر] في عام 656هـ/1258م، وانهيار الدولة العباسية، تعاقبت على الحكم دويلات غير عربية، إلى أن خضع العراق للحكم العثماني، ثم إلى الانتداب البريطاني، فكان على الثقافة العراقية أن تتأثر بالمناخ الثقافي والمدارس الفنية التي فرضها الحكّام. كالأسلوب الباروكي الذي جاء عن طريق العثمانيين، والفن الأوربي الذي مهد له البريطانيون.
خضع العراق لمؤثرات ثقافية وافدة لها أثر في تغيير الهوية الأصلية، وهكذا ظهر فن اللوحة الذي حل محل فن الكتب، وكان نيازي مولوي بغدادي من أوائل الذين زاولوا التصوير الزيتي أو المائي في صور مصغرة متأثراً بالطابع التقليدي لفن الترقين الذي زين المخطوطات، واستطاع هذا المصور أن يؤلف بين الصورة والزخرفة والخط العربي؛ إذ كان أصلاً بارعاً في الخط الفارسي. وكان اهتمام المبدعين قوياً بتجويد الخط العربي، وكان من الخطاطين محمد النائب البغدادي, وأحمد عبد الله البغدادي، وسفيان الوهبي، وعثمان الياور، ومحمد ابن الواعظ، وبكر صدٌقي، وعبد الله نيازي. ومن أشهر الخطاطين العراقيين محمد هاشم البغدادي[ر]. وإلى جانب الخط كان فن التصوير الشعبي سائداً، وقد تحدث المؤرخون عن أثر وباء الطاعون في القضاء على صفوة الرسامين والخطاطين.
كان العراق تابعاً للنفوذ العثماني منذ عام 1638 حتى الحرب العالمية الأولى، إذ سيطرت بريطانيا على ذلك القطر بموجب معاهدة سان ريمو بعد اتفاقية سايكس بيكو؛ وبذلك تفككت وحدة الأرض العربية سياسياً، وظهرت إلى الوجود دول عربية مستقلة مثل العراق وسورية ولبنان وشرقي الأردن وفلسطين.
يحيى الواسطي: (قطيع الإبل) "من المقامة الثانية والثلاثين من مقامات الحريري" |
برزت الزخارف الشعبية التصويرية أو الرقشية في صناعة الزجاج المعشق[ر] والزخارف الخشبية في المنشآت المعمارية التي كانت تنفذ تصويراً أو نحتاً على الحجر. وكانت صناعة النسيج والسجاد وفن الفخار والمصنوعات الجلدية والصياغة المعدنية من أجناس الفن التطبيقي الذي ساد وبقي حاملاً مفهوم الفن قبل التشكيلي.
بعد الحرب العالمية الأولى بدأت بواكير الفن التشكيلي الذي تأثر بالفنون المعاصرة في القرن الماضي. ففي عام 1922 أقيم في بغداد مهرجان سوق عكاظ الشعري. وضم هذا المهرجان جناحاً خاصاً بالفن إلى جانب الصناعات الحرفية.
وكانت ثمة خيمة زاخرة بالصور، رسمها فنانون محليون وكانت موضوعاتها منتخبة، وكانت هذه المحاولات الأولى تمثل معاصرة الفنانين العراقيين للفن الأوربي، ومثلت موضوعات هذه الأعمال الوديان والقناطر الحجرية وسفن الثوار العراقيين في ثورة العشرين 1920، وكان من العارضين فيها شوكت سليمان الخفاف الذي قدم صوراً زيتية وأخرى مرسومة بالألوان الترابية.
وفي مجال النحت كان تمثال الجنرال فريدريك ستانلي مود Frederick Maude القائد البريطاني الذي هزم العثمانيين، مثالاً أكاديمياً وأنموذجاً للنحاتين الناشئين. وأقيم هذا التمثال في جانب الكرك أمام دار المندوب السامي، وأُزيح عنه الستار في 4/12/1923، وفي ثورة 14 تموز 1958 أُطيح بهذا التمثال تعبيراً عن إطاحة الاستعمار.
ثم صار العراق سريع التمثل للفن المعاصر، وكانت الأعمال الفنية الأولى مشوبة بالبدائية في التعبير. وكان بعض الضباط المسرحين من الجيش العثماني قد انصرف إلى الرسم والتصوير، دون أن ترفدهم ثقافة مدرسية، شأنهم في ذلك شأن المصورين الفرنسيين من أمثال روسو Rousseauالجمركي، ولكن سرعان ما فكر بعضهم بضرورة دراسة الفن، وكان منهم عبد القادر رسام، ومحمد صالح زكي، والحاج محمد سليم، وحسن سامي، وعاصم الحافظ الذي درس الفن في باريس.
وعندما اهتمت المدارس المهنية والثانوية بمادة الرسم والأشغال اليدوية، ظهرت مواهب بعض الناشئين، من أمثال شوكت سليمان الخفاف الذي اعتمد على تصوير الأنموذج الحي (الموديل)، ولم يعتمد على النَّسْخ والنقل، ثم كان فتحي صفوة الذي صار مدرساً للأشغال اليدوية والنحت وصب التماثيل، ومحمد خضر الذي أسس فيما بعد قسم الاختصاص في معهد الفنون الجميلة منذ العام 1939. ثم صار هؤلاء رعيل المدرّسين الأوائل الذين تخرج على أيديهم رواد الفن التشكيلي في العراق، واستمد عبد القادر رسام أسلوبه من تقاليد فن المخطوطات، وشارك رفاقه من الضباط المتقاعدين في تصوير الطبيعة والأشخاص متأثرين أيضاً بالفن الغربي الوافد عن طريق الصور أو عن طريق أعمال الغرباء والجوالين.
أقيم المعرض الزراعي في بغداد عام 1932، وعُرِضَتْ فيه أعمال الفنانين الرواد في بداية محاولاتهم، وقدم فيه حافظ الدروبي لوحة بألوان الباستيل موضوعها مسجد الجيلاني، ولوحة أخرى تمثل منارة سوق الغزل.
وبتأثير من ساطع الحصري[ر] مدير المعارف، وبعد أن أصبحت مادة الرسم منهجية؛ كُلِّفَ شوكت سليمان برسم صور إيضاحية للكتب المدرسية مع عطا صبري الذي نشرت صوره صحفياً.
كان سعاد سليم قد درس الفن على والده الحاج محمد سليم مع إخوته جواد ونزيهة، وكان من المشاركين في المعرض الزراعي، إلى جانب أكرم شكري ومحمد خضر. ولأول مرة قدم جواد سليم الطفل نحتاً مقولباً.
جواد سليم: "بغداديات" |
نزيهة سليم: "من عوالم المرأة وأقراحها |
في عام 1939 افْتُتِِحَ في معهد الفنون الجميلة فرع للرسم والتصوير، وكان من أساتذته الأوائل سعاد سليم وفائق حسن. وبعد عودة جواد سليم من روما أنشئ قسم للنحت ألحق به قسم للسيراميك، ومنذ عام 1957 أُحْدِثَ في المعهد قسم مسائي للهواة، ثم أنشئت أكاديمية الفنون الجميلة في عام 1962.
كان من أبرز المتخرجين عيسى حنا، والنحات خالد الرحال الذي تتلمذ على يد جواد سليم، وتأثر بأسلوب الواسطي في تمثاله الكبير الذي أنجزه في عام 1972 وأقيم في حديقة الزوراء.
تأثر جيل الفنانين الأول بالمدارس الفنية التي اشتهرت في الغرب مثل الانطباعية[ر] عن طريق المصورين البولونيين. وظهرت في ذلك الوقت الجمعيات الفنية التي دعمت النشاط الفني ووطدت علاقة الفنانين ببعضهم، إلى جانب تكون جماعات من الفنانين يضمهم اتجاه فني مشترك؛ إذ ظهر منذ ذلك التاريخ جيل من الفنانين المحترفين، ولاسيما أولئك الذين تابعوا دراستهم العالية في الفن خارج العراق، من أمثال إسماعيل الشيخلي ونزيهة سليم.
إسماعيل الشيخلي: "كان يوماً" |
أسست جمعية الفنانين العراقيين عام 1956. ومنذ عام 1970 ازداد عدد الجماعات الفنية وكان من أبرزها جماعة الأكاديميين (1971)، وجماعة الواقعية الحديثة (1973). أما جماعة البعد الواحد (1971) فلقد عنيت باقتباس الحرف والكتابة العربية، ومن أبرز الفنانين فيها شاكر حسن، ومديحة عمر، وجميل حمودي، ورافع الناصري، ومحمد مهر الدين، وضياء عزاوي. وقد نهجت هذه الجماعة أسلوب التعبير التلقائي من دون التمسك بقواعد الخط العربي.
كانت فترة السبعينات حافلة بنشاط فني يسعى إلى تأصيل الفن معتمداً على التنظير، وكان لمهرجان الواسطي عام 1971 دوره في تأكيد الاتجاه التأصيلي. وتوثق هذا الاتجاه بإنشاء اتحاد الفنانين التشكيليين العرب عام 1971وحقق التعارف والتعاون بين الفنانين العرب باتجاه التأكيد على الهوية الفنية.
ولابد من الإشارة إلى اهتمام الدولة بالنحت، بوصفه فناً جماهيرياً يمثل مظاهر قومية وحضارية تأخذ معينها من تقاليد الفن العراقي القديم. وكان النحات العراقي جواد سليم رائداً في هذا الاتجاه، سار وراءه خالد الرحال ومحمد غني وعلي حسين وعبيدان الشيخلي وطالب مكي. وعلى نحو مواز كان هناك اتجاه نحتي يؤكد المناخ السياسي في الثمانينات، ومن هؤلاء النحاتين ليث فتاح، وصباح فخر الدين، وسهيل هنداوي الذي حاول استقراء الموضوع الإنساني. وكان جواد سليم الممثل الأول للنحت العراقي الحديث ومن أبرز أعماله نصب الحرية المعروف الذي أنجزه عام 1958.
وبعد الخمسينات نما فن الحفر (الغرافيك) الذي بدا في المعرض الأول الذي شارك فيه رافع الناصري وهاشم سمرجي ويحيى الشيخ وسامي حقي واهتمت الدولة بهذا الفن فأسست فرعاً له في المعهد، وأقامت معرضاً لضياء العزاوي، ورافع الناصري، وصالح الجميعي. ثم شارك العراق في معارض دولية للغرافيك.
وإلى جانب هذا الفن نما فن الخزف (السيراميك)، وبدا هذا الفن حاملاً الطابع الشعبي (الفولكلوري) أو متأثراً بالخزف الرافدي القديم. ومن أبرز فناني الخزف طارق إبراهيم.
يتفق النقاد العراقيون على تصنيف تيارات الفن المعاصر والحديث في العراق، بدءاً بالمدرسة الإنسانية الاجتماعية التي برز فيها جواد سليم وإسماعيل الشيخلي ومحمود صبري وخالد الجادر. أما محمود صبري فلقد أخرج هذا التيار بأسلوب تعبيري أو تكعيبي. ومن أهم شواهد هذه المدرسة «الذبيحة» لجواد سليم، و«الحمام» لخالد الرحال، و«ثورة الجزائر» لمحمود صبري, و«أعرابيات» لفائق حسن, و«الشاي» لحافظ الدروبي، و«زين العابدين» لشاكر حسن. ويمكن ضم مجموعة من الفنانين إلى هذه المدرسة، من أمثال عامر العبيدي وكاظم حيدر وراجحة القدسي ونزار الهنداوي، وفي مجال النحت برز كل من النحاتين إسماعيل فتاح وميران السعدي.
وثمة اتجاه سريالي بدا في أعمال كامل الموسوي وعبد الصاحب الركابي وعلي النجار وإسماعيل الخياط وعلاء حسين بشير.
أما جماعة بغداد للفن الحديث فاتجه معظم أفرادها إلى الأصالة التراثية، ومن أبرزهم خالد الرحال ومحمد غني في النحت، وإسماعيل الشيخلي وإبراهيم العبدلي في التصوير.
واشتد الاهتمام بالاتجاه التجريدي، وكان من رواده خضير شكرجي، وضياء عزاوي الذي امتاز باستلهامه التراثي والحروفي وحسن عيد علوان وغازي السعودي وجميل حمودي بأسلوبه الحروفي.
ضياء العزاوي: "المدينة الضائعة" |
غازي السعودي: "المنائر الذهبية" |
ويتفق نقاد الفن على أن من أبرز أعلام الفن في العراق عبد القادر رسام وجواد سليم وحسن فائق وإسماعيل الشيخلي وخالد الرحال ونزار سليم ورافع الناصري ومخلد المختار ونوري الراوي وحميد العطار وجميل حمودي وشاكر حسن. ومن الفنانين الشباب فاخر محمد وكريم رسن وهيمت محمد علي وإيمان عبد الله، وهؤلاء من الواعدين بمتابعة تفعيل الحركة الفنية بعد رحيل أكثر الرواد.
تأثر الفن العراقي منذ ثمانينات القرن العشرين بالظروف الحربية مع إيران، إلى جانب التفاعل والتيارات العالمية المتطرفة بحداثتها وتجريديتها. وتبلورت هذه الاتجاهات والانتماءات في إطار الجمعيات الفنية التي أبرزت تنظيرات جمالية، مما جعل الفن العراقي الحديث يعتمد على الفكر الجمالي والنقد التنظيري.
ولابد من الإشارة إلى الظروف الخاصة بالعراق التي أدت إلى هجرة كثير من الفنانين لممارسة فنهم بعيداً عن الوطن، وكان لهؤلاء المهاجرين أثر كبير في التعريف بالفن العراقي الحديث، الذي بدا غالباً مستقلاً عن المؤثرات العدمية في الفن الحديث. وحاول هؤلاء الفنانون تقديم أعمالهم من خلال معارض أقيمت في أكثر عواصم العالم العربية والغربية.
عفيف البهنسي