Ain Dara - Ain Dara
عين دارا
تل أثري يقع على الضفة الشرقية لنهر عفرين، على نحو 7كم جنوبي مدينة عفرين، وينسب إلى نبع عين دارا الغزير، شرقي التل بنحو 800م، يجاوره سهل خصيب يروى من النبع والنهر. يتألف الموقع من تلين متجاورين: الصغير الأعلى ويسمى المدينة الفوقانية، ويرتفع عن حوض عفرين نحو30م، طوله 125م وعرضه60م، والكبير المنخفض، أي المدينة التحتانية طوله 270م وعرضه 170م.
يرجح أن المدينة التحتانية التي تطوق الفوقانية من الشمال والشرق، قد نشأت في العهد الآرامي (نحو 1200ـ 730ق.م)، بينما سُكنت الفوقانية عبر عصور عدة.
اهتمت المديرية العامة للآثار والمتاحف في سورية بالتل، حالما اكتشف راعٍ أسداً بازلتياً على سفحه الغربي عام 1954، ولم ترسل بعثة تنقيب إلا في عام 1956، وبعدها في عام 1962. ثم توقف العمل حتى عام 1976 فأجري الموسم الرابع ثم الخامس عام 1978 والسادس عام 1980، ودام العمل من دون انقطاع حتى توقف عام 1992، ومايزال حتى اليوم.
أما طبقات التل المعروفة، والمكتشفة في المدينة الفوقانية فهي:
الطبقة الأولى: وهي الأعلى، وقد خُربت بفعل زراعة سطح التل، ونقل حجارة مبانيها إلى القرى المجاورة. فتعذر تعرفها مفصلةً، إنما اكتشفت بعض الأواني الفخارية التي ساعدت على تأريخ الطبقة بعد عام 1072م، حين دمرت المدينة في أثناء الحروب السلجوقية ـ البيزنطية.
الطبقة الثانية: تلي الأولى مباشرةً، وقد دمر مبانيها حريق هائل وشامل. يحيط بالمدينة سور دفاعي حصين تزينه الأبراج، وقد أقيم على الجوانب الشمالية والشرقية والجنوبية، واستثني الجانب الغربي حيث كان النهر حاجزاً طبيعياً حصيناً.
تلتصق داخل السور البيوت والمنشآت العامة: كنيسة، مشغل حداد ونجارة وحياكة، تفصل بينها أزقة ضيقة، مدت تحتها أقنية الصرف الصحي. يراوح عدد غرف البيوت من 1ـ 3 على صف واحد، وتتألف من غرفة كبيرة في الوسط، وعلى جانبيها غرفتان صغيرتان، بحسب الأنموذج البيزنطي.
عثر على نقود ذهبية لقياصرة بيزنطة، ساعدت هي واللُّقى الأخرى في تأريخ هذه الطبقة من 969ـ 1072م، إبان حكم الأسرة المكدونية التي احتلت سورية الشمالية عام 969، وطردت عام 1072م.
الطبقة الثالثة: وكانت مبانيها متهدمة، بنيت فوقها مباني المدينة البيزنطية مع تعديلات طفيفة عليها.
تتشابه اللقى الأثرية الفخارية والمعدنية مع أقرانها في أنطاكية والرقة وحماة، وتؤرخ في الحقبة من640 ـ 969م، في الدورين الأموي والعباسي.
رأس تمثال من البازلت عثر عليه في معبد عشتار في عين دارا |
الطبقة الخامسة: 530 ـ330ق.م، عثر على بقاياها، من جدران وأرضيات طينية وأعمدة خشبية، فوق أطلال المعبد، فخارها مستورد من اليونان أو محلي، وتمثل اللُّقى دمى الخيالة ولوحات المرأة العارية .
الطبقة السادسة: وقد عثر على بقاياها حول المعبد وهي بقايا معمارية هزيلة تعرضت للدمار. وأهم ما فيها كسر فخارية ودمى طينية للمرأة العارية، وكسر فخارية يونانية ذات زخارف هندسية، وختم أسطواني من الطراز الآشوري. وكلها تساعد على تأريخ هذه الطبقة من 740 ـ530ق.م.
المعبد: وهو أهم أثر في التل، وأهم آبدة معمارية من عصرها، شيد فوق الطرف الشمالي الغربي للمدينة الفوقانية نحو عام 1200ق.م، وجدد نحو عام 950ق.م، ودمر عام 740ق.م. يتألف مخططه من حفرة أساس، دكت وأقيمت فوقها مصطبة (32×38م) وهي أبعاد المعبد الذي يتجه نحو الجنوب الشرقي، تتقدمه باحة مبلطة بالحجارة الكلسية والبازلتية المنحوتة وفيها بئر مع حوض للوضوء. بين الباحة ومدخل المعبد درج عظيم ارتفاعه 0.70م زينت درجاته بالضفائر. المدخل عميق، وعلى جانبيه شرفتان، في وسطهما عمودان لحمل الساكف، وفيه عتبتان متتاليتان نقشت في الأولى صورة قدمين وفي الثانية صورة القدم اليسرى، أكبر من الحجم الطبيعي. بجانب العتبتين أسدان من الحجر البازلتي، يلي المدخل قاعة أمامية مستطيلة (15.50×6م) زينت جدرانها من الداخل بالمنحوتات المزينة بالضفائر وصور رب الجبل. وتنخفض أرضيتها المرصوفة عن أرضية الحرم التي ترتبط بها بوساطة درج زينت درجاته بأشكال الضفائر. تؤدي هذه القاعة إلى المصلى بوساطة مدخل عميق فيه عتبة، فيها صورة القدم اليمنى لإنسان 0.97×0.36م مساوية لأقدام العتبات الأخرى، وعلى جانبيها أسدان كبيران يزينان المدخل، بينما تزين أسود مقعية واجهة الحرم، وواجهة المعبد أيضاً.
أما الحرم أو المصلى فمربع الشكل تقريباً16.70×16.80م، جعلت في صدره منصة مكسوة بأشكال مزدوجة لأسود وأبي الهول بارتفاع0.50م، فوق أرضية المصلى المرصوفة، زينت واجهتها بأشكال رب الجبل، وقد انتصبت فوقها تماثيل الأرباب. المصلى مخرب، ويطوف العباد حوله وحول القاعة الأمامية عبر رواق تزينه أشكال حيوانية ونباتية وإنسانية، يمثل مرحلة التجديد ويوازي الأضلاع الشرقي والشمالي والغربي، ويرتفع فوق الأرضية المجاورة للمعبد.
يمثل معبد عين دارا، الذي ربما كرس لعبادة الربة عشتار ورب الجبل، الحلقة الأهم في سلسلة معابد بلاد الشام والجزيرة من الألف الثالثة ق.م حتى القرنين الأول والثاني الميلادي.
علي أبو عساف