Akka - Akka
عكا
مدينة فلسطينية قديمة على ساحل البحر المتوسط شهد لها كل من زارها بالعظمة والمنعة، فعلى قول الإدريسي هي «مدينة كبيرة واسعة الأرجاء ولها مرسى حسن وناسها أخلاط»، وعلى قول ابن جبير «قاعدة من الإفرنج بالشام ومحط الجواري المنشآت في البحر كالأعلام، مرفأ كل سفينة والمشبهة في عظمتها بالقسطنطينية، مجمع السفن والرفاق وملتقى تجار المسلمين والنصارى من كل الآفاق»، وعلى قول ياقوت الحموي «عكا أحسن بلاد الساحل في أيامنا هذه وأعمرها».
تدل الأقوال السابقة وكثير غيرها على أن عكا كانت ذات أهمية كبيرة، وهذا ما جعلها هدفاً للطامعين، وتجلت أهميتها أيضاً عندما صارت مركزاً لمقاطعة تمتد من جنوب جبل الكرمل إلى وادي القرن في عام 400م، وكانت كذلك من أهم قواعد الإفرنج بالشام زمن الحروب الصليبية حيث سميت مملكة عكا.
الموقع والظهير الجغرافي
تقع عكا في الطرف الشمالي من الخليج المسمى باسمها، بين رأس الناقورة شمالاً وجبل الكرمل جنوباً، عند تقاطع 55 َ 32 ْ شمالاً و40 َ 35 ْ شرقاً، وهي تقوم على رأس أرضي يتجه جنوباً ويقابله في جنوب الخليج رأس الكرمل المتجه إلى الشمال الغربي، وهذا ما جعل عكا محاطة بالمياه من الجنوب والغرب ومتصلة باليابسة من الشمال والشرق، وقد شُيِّدت المدينة على أرض مرتفعة تجنباً لطغيان مياه البحر في أثناء العواصف، ويقع ميناء المدينة في الجهة الجنوبية لما يسمى شبه جزيرة عكا.
تحيط بالمدينة من الشمال والشرق سهول زراعية خصبة تتخللها بعض المستنقعات والتلال، إضافة إلى بعض الكثبان الرملية إلى الجنوب منها، ويصب نهر النعامين في الخليج جنوب المدينة، وتُزرع في هذه السهول المحاصيل المختلفة، كما استُخدِمت التلال مواقع عسكرية من قبل الجيوش الغازية أو المدافعة عن المدينة.
تتمتع عكا بمناخ متوسطي يكون حاراً رطباً في الصيف ودافئاً ممطراً في الشتاء، ويبلغ وسطي درجات الحرارة العظمى 31 ْم في آب/أغسطس، في حين يبلغ وسطي درجات الحرارة الصغرى 9 ْم في كانون الثاني/يناير، أما متوسط الرطوبة النسبية السنوي فهو 67% ومعدل الأمطار السنوية 600مم ووسطي الأيام الماطرة 50 يوماً.
كانت فلسطين زمن العثمانيين مقسمة إلى ثلاث متصرفيات، منها متصرفية عكا التابعة لولاية بيروت، أما زمن الانتداب البريطاني فقد قسمت إلى ستة ألوية منها لواء حيفا ومنطقة عكا تابعة له، ثم أعيد تقسيمها إلى أربعة ألوية منها اللواء الشمالي ومركزه حيفا وقضاء عكا تابع له، وكان القضاء يضم عدداً كبيراً من القرى، وصل في أواخر عهد الانتداب إلى 52 قرية على مساحة 800كم2.
بلغ عدد سكان عكا 8150 نسمة تقريباً في عام 1904م، ليرتفع إلى 9300 نسمة تقريباً في عام 1908م، غير أن الحرب العالمية الأولى وويلاتها أدت إلى تناقص هذا العدد، حيث لم يزد على 6400 نسمة في عام 1922م، ثم ارتفع إلى 7900 نسمة تقريباً في عام 1931م، واستمر ذلك حتى وصل إلى 12400 نسمة تقريباً في عام 1945م، وفي عام النكبة ونتيجة للتهجير القسري للسكان العرب انخفض عددهم إلى 4000 نسمة؛ إذ رفضوا التخلي عن وطنهم وأرضهم، وفي عام 1993م وصل عدد السكان العرب إلى 4600 نسمة من أصل عدد سكان المدينة البالغ 35500 نسمة.
المرفأ القديم في مدينة عكا |
لمحة تاريخية
كانت نشأة عكا في الألف الثالثة قبل الميلاد على يد إحدى القبائل الكنعانية، وكان اسمها عكو، وفي عام 1479ق.م دخلتها الجيوش المصرية واستولت عليها، وتلاهم العبرانيون الذين حاولوا احتلال المدينة لكنهم أخفقوا في ذلك، وفي القرن الثامن ق.م خضعت المدينة لسيطرة الآشوريين حتى احتلالها من قبل الفرس في القرن السادس ق.م، وفي الثلث الأخير من القرن الرابع ق.م أصبحت عكا وسائر بلاد الشام خاضعة للإسكندر المقدوني، ثم تلاه البطالمة والسلوقيون، وجاء بعدهم الرومان فاحتلوا المدينة عام 64ق.م، وأضحت بذلك جزءاً من الولاية السورية ومركزاً تجارياً مهماً.
فتح شرحبيل بن حسنة عكا عام 636م، وفي عام 649م أرسلت حملة بحرية من ميناء عكا إلى جزيرة قبرص، ثم إلى جزيرة رودس بعد ذلك بخمس سنوات، وفي عام 877م سيطر أحمد بن طولون على عكا، وأصبحت في زمنه أمنع موانئ الساحل السوري.
البوابة البرية لمدينة عكا |
البوابة البحرية لمدينة عكا |
استعادت المدينة مجدها وأهميتها بعد الفتح العثماني، وخاصة في عهد الشيخ ظاهر العمر، حين غدت عاصمة له، فرمم أسوارها وأبراجها وحصونها وجدد أسواقها، وشجع الزراعة في السهول حولها وعمل على تنشيط صناعاتها وتجارتها، بحيث أصبحت نافذة لشمالي فلسطين على العالم الخارجي. وتابع أحمد باشا الجزار عمل سلفه وتمكن من دحر نابليون ومنعه من احتلال المدينة، بل جعله يتخلى عن فكرة السيطرة على المشرق العربي. وبعد الحرب العالمية الأولى أصبحت فلسطين ومن ضمنها عكا تحت الانتداب البريطاني الذي مكَّن الصهاينة من احتلال المدينة في التاسع عشر من أيار سنة 1948م بعد مقاومة عنيفة وصمود مشرف، وقامت دولة العدوان بعد الاحتلال بتغيير معالم المدينة وطمس طابعها العربي الإسلامي الذي ميزها عبر القرون.
بسام حميدة