عروه ورد
Urwa ibn al-Ward - Urwa ibn al-Ward
عروة بن الورد
(… ـ نحو 30ق.هـ/… ـ 495م)
عروة بن الورد بن زيد بن عبد الله العبسي، شاعر جاهلي وفارس جواد صعلوك. يكنى أبا الصعاليك، وقيل أبو نَجْدة وأبو المُغلّس، وقيل «كانت كنيته في الحرب أبا عَبلة وفي السلم أباهراسة».
كان أبوه أحد سادة بني عبس في الجاهلية، ويبدو أن العبسيين صاروا يتشاءمون منه لأنه كان سبباً في اندلاع الحرب بينهم وبين بني فزارة. أما أمه فكانت من بني نَهْد.
نشأ عروة بين إخوته، وتشير الأخبار إلى أن أباه كان يُؤْثِر عليه أخاه الأكبر، وكان عروة يبدي امتعاضه من ذلك، ويشعر بالظلم، وهذا مما أثر في مجريات حياته، إذ مال إلى رعاية الفقراء واحتضانهم وتوزيع الأموال والغنائم عليهم، حتى صاروا يؤمّون بيته ويستجدونه قائلين: «يا أبا الصعاليك أغثنا»، وهذا ما جعل الباحثين والدارسين يعدّون عروة بن الورد من الصعاليك.
يتضح من شعره أنه كان يرى شيئاً من الضعة في نسبه من جهة أمه وأخواله، من ذلك قوله:
هُمُ عيّروني أنّ أمي غريبةٌ
وهل في كريمٍ ماجدٍ ما يُعيَّر
وقوله:
ما بيَ من عارٍ إخالُ علمتُه
سوى أن أخوالي إذا نُسبوا نَهد
ويبدو أنه كان يرى أن أباه أخطأ في زواجه من امرأة نهدية، وقد صرّح بذلك قائلاً:
لا تَلم شيخي فما أدري به
غيرَ أنْ شارك نهداً في النسب
كان في قيسٍ حسيباً ماجداً
فأتتْ نهدٌ على ذاك الحسب
شبّ عروة على حب الآخرين والعطف على الضعفاء والفقراء ورعايتهم، وكان كريماً جواداً نبيلَ الأخلاق، وفارساً من فرسان بني عبس المعدودين، أعجبت سيرتُه القدماء فأكثروا من الثناء عليه ورغّبوا الناس في الاقتداء بها، فقالوا: «من زعم أن حاتماً أسمحُ الناس فقد ظلم عروة بن الورد»، وكان معاوية بن أبي سفيان يقول: «لو كان لعروة بن الورد ولدٌ لأحببت أن أتزوج إليهم».
كان عروة ينفق أمواله على الفقراء، ولما نفِد ما عنده صار يجمعهم ويغزو بهم ثم يوزع الغنائم عليهم، ولذلك كان له موقف واضح من الصعاليك؛ إذ كان يحب الأقوياء المقدامين منهم، ويكره الضعفاء الخانعين، وعبّر عن ذلك في شعره قائلاً:
لحى اللهُ صعلوكاً إذا جنَّ ليلُه
مُصافي المُشاشِ آلفاً كلَّ مَجْزَرِ
قليلَ التماسِ الزادِ إلا لنفسه
إذا هو أمسى كالعَريْش المُجَوَّر
ولكنّ صعلوكاً صحيفةُ وجهه
كضوء شهابِ القابِس المتنوّر
مطلاً على أعدائه يزجرونه
بساحتهم زجْرَ المَنِيحِ المُشَهَّر
فذلك إنْ يلقَ المنيةَ يلقَها
حميداً وإنْ يَستغنِ يوماً فأجْدِر
(مصافي المشاش: ملازماً أكلَ بقايا اللحم على العظام، والعريش المجور: الخيمة الساقطة، المنيح: السهم الخاسر من سهام القمار، وهو مكروه).
وتتضح في شعره معالم أخلاقه والقيم التي كان قد ندب نفسه من أجلها، فهو معطاء بلا حدود، يقول:
أقَسّم جسمي في جسومٍ كثيرةٍ
وأحسو قَراحَ الماءِ والماءُ باردُ
وكان يرى أن مصير الإنسان أن يدبّ على العصا، وأن يموت، فالأجل محتوم، ولذلك عليه أن يسعى إلى كسب المحامد والذكر الحسن وألا يخاف الموت:
أليس ورائي أنْ أدبَّ على العصا
فيأمنَ أعدائي ويسأمنني أهلي
وكان كثير الغزو، فحصل على بعض السبايا، وتزوج من امرأة اسمها سُليمى، ويبدو أنها كانت تلومه على كثرة أسفاره وغزواته، وكان لا يستمع إلى نصحها، كقوله:
ذريني للغنى أسعى فإني
رأيتُ الناسَ شرُّهُمُ الفقيرُ
وقوله:
أقلّي عليَّ اللومَ يا بنتَ منذرٍ
ونامي وإنْ لم تشتهي النومَ فاسهري
ذريني ونفسي أمَّ حسانَ إنني
بها قبلَ ألا أملكَ البيعَ مشتري
أحاديثَ تبقى والفتى غيرُ خالد
إذا هو أمسى هامةً فوق صَيّر
(الصير: حجارة)
كثر في شعر عروة الحديث عن السعي والعمل والطموح، وتضمن كثيراً من الحكم التي تنمّي القيم والمبادئ والفروسية، كقوله:
ما بالثراء يسودُ كلُّ مُسَوَّد
مُثْرٍ ولكنْ بالفعال يسود
جُمع شعره، وشرحه القدماء، وطُبع حديثاً عدة طبعات آخرها بتحقيق محمد فؤاد نعناع.
علي أبوزيد
Urwa ibn al-Ward - Urwa ibn al-Ward
عروة بن الورد
(… ـ نحو 30ق.هـ/… ـ 495م)
عروة بن الورد بن زيد بن عبد الله العبسي، شاعر جاهلي وفارس جواد صعلوك. يكنى أبا الصعاليك، وقيل أبو نَجْدة وأبو المُغلّس، وقيل «كانت كنيته في الحرب أبا عَبلة وفي السلم أباهراسة».
كان أبوه أحد سادة بني عبس في الجاهلية، ويبدو أن العبسيين صاروا يتشاءمون منه لأنه كان سبباً في اندلاع الحرب بينهم وبين بني فزارة. أما أمه فكانت من بني نَهْد.
نشأ عروة بين إخوته، وتشير الأخبار إلى أن أباه كان يُؤْثِر عليه أخاه الأكبر، وكان عروة يبدي امتعاضه من ذلك، ويشعر بالظلم، وهذا مما أثر في مجريات حياته، إذ مال إلى رعاية الفقراء واحتضانهم وتوزيع الأموال والغنائم عليهم، حتى صاروا يؤمّون بيته ويستجدونه قائلين: «يا أبا الصعاليك أغثنا»، وهذا ما جعل الباحثين والدارسين يعدّون عروة بن الورد من الصعاليك.
يتضح من شعره أنه كان يرى شيئاً من الضعة في نسبه من جهة أمه وأخواله، من ذلك قوله:
هُمُ عيّروني أنّ أمي غريبةٌ
وهل في كريمٍ ماجدٍ ما يُعيَّر
وقوله:
ما بيَ من عارٍ إخالُ علمتُه
سوى أن أخوالي إذا نُسبوا نَهد
ويبدو أنه كان يرى أن أباه أخطأ في زواجه من امرأة نهدية، وقد صرّح بذلك قائلاً:
لا تَلم شيخي فما أدري به
غيرَ أنْ شارك نهداً في النسب
كان في قيسٍ حسيباً ماجداً
فأتتْ نهدٌ على ذاك الحسب
شبّ عروة على حب الآخرين والعطف على الضعفاء والفقراء ورعايتهم، وكان كريماً جواداً نبيلَ الأخلاق، وفارساً من فرسان بني عبس المعدودين، أعجبت سيرتُه القدماء فأكثروا من الثناء عليه ورغّبوا الناس في الاقتداء بها، فقالوا: «من زعم أن حاتماً أسمحُ الناس فقد ظلم عروة بن الورد»، وكان معاوية بن أبي سفيان يقول: «لو كان لعروة بن الورد ولدٌ لأحببت أن أتزوج إليهم».
كان عروة ينفق أمواله على الفقراء، ولما نفِد ما عنده صار يجمعهم ويغزو بهم ثم يوزع الغنائم عليهم، ولذلك كان له موقف واضح من الصعاليك؛ إذ كان يحب الأقوياء المقدامين منهم، ويكره الضعفاء الخانعين، وعبّر عن ذلك في شعره قائلاً:
لحى اللهُ صعلوكاً إذا جنَّ ليلُه
مُصافي المُشاشِ آلفاً كلَّ مَجْزَرِ
قليلَ التماسِ الزادِ إلا لنفسه
إذا هو أمسى كالعَريْش المُجَوَّر
ولكنّ صعلوكاً صحيفةُ وجهه
كضوء شهابِ القابِس المتنوّر
مطلاً على أعدائه يزجرونه
بساحتهم زجْرَ المَنِيحِ المُشَهَّر
فذلك إنْ يلقَ المنيةَ يلقَها
حميداً وإنْ يَستغنِ يوماً فأجْدِر
(مصافي المشاش: ملازماً أكلَ بقايا اللحم على العظام، والعريش المجور: الخيمة الساقطة، المنيح: السهم الخاسر من سهام القمار، وهو مكروه).
وتتضح في شعره معالم أخلاقه والقيم التي كان قد ندب نفسه من أجلها، فهو معطاء بلا حدود، يقول:
أقَسّم جسمي في جسومٍ كثيرةٍ
وأحسو قَراحَ الماءِ والماءُ باردُ
وكان يرى أن مصير الإنسان أن يدبّ على العصا، وأن يموت، فالأجل محتوم، ولذلك عليه أن يسعى إلى كسب المحامد والذكر الحسن وألا يخاف الموت:
أليس ورائي أنْ أدبَّ على العصا
فيأمنَ أعدائي ويسأمنني أهلي
وكان كثير الغزو، فحصل على بعض السبايا، وتزوج من امرأة اسمها سُليمى، ويبدو أنها كانت تلومه على كثرة أسفاره وغزواته، وكان لا يستمع إلى نصحها، كقوله:
ذريني للغنى أسعى فإني
رأيتُ الناسَ شرُّهُمُ الفقيرُ
وقوله:
أقلّي عليَّ اللومَ يا بنتَ منذرٍ
ونامي وإنْ لم تشتهي النومَ فاسهري
ذريني ونفسي أمَّ حسانَ إنني
بها قبلَ ألا أملكَ البيعَ مشتري
أحاديثَ تبقى والفتى غيرُ خالد
إذا هو أمسى هامةً فوق صَيّر
(الصير: حجارة)
كثر في شعر عروة الحديث عن السعي والعمل والطموح، وتضمن كثيراً من الحكم التي تنمّي القيم والمبادئ والفروسية، كقوله:
ما بالثراء يسودُ كلُّ مُسَوَّد
مُثْرٍ ولكنْ بالفعال يسود
جُمع شعره، وشرحه القدماء، وطُبع حديثاً عدة طبعات آخرها بتحقيق محمد فؤاد نعناع.
علي أبوزيد