قصة قصيرة i قد انتهى ؟!
كان تصرفه قد حيرنا فعلاً ، حين قتل الثري الترف واسع النفوذ والكثير الانتشار في المجتمع ، متحدثاً لبقاً عن أفضاله ومساعداته التي يقدمها لكل من يقصده ، وأنه ما بخل وما منع وما توقف عن العطاء لفرد أو مجتمع وأن عطاؤه قد شمل الدولة كلها ، ولكن شيء خفي كان يشير إلى أنه غير صادق ، فقد استولى على مشاريع منتجة تدر الربح الوفير بأبخس الأثمان ، وكان قد ثبت تحايله عن دفع ما يتوجب عليه دفعه من ضرائب مستحقة عن دخله وعن أرباح شركاته المتهربة من سداد مستحقات الدولة ، كان يفعل هذه الجرائم ضد الدولة وضد المجتمع ولكنه كان يتمادى في فساده ، وقد ابتدع وسائل ابتكارية للتغطية على احتيالاته ، حتى أنه أسس وكون امبراطورية اعلامية خاصة به ، لتكون جيشه في خوض حروبه من أجل مزيد من المال المنهوب من الآخرين .
بعدما قتل فجأة وهو وسط ثرائه وحراساته وأمنه فقد روع المجتمع فعلا ، ليس حباً فيه ، ولكن الدهشة من أن يكون هذا المصير غير المتوقع أبداً هو مصيره ، كانت الجريمة فعلاً غامضة ومفاجئة ، ولأني كنت أعرف القاتل والمقتول عن قرب فقد حركني الفضول الحارق المتشوق للإطفاء ، لأن أعرف كيف جروء القاتل على أن يقتل وقد خمنت أسباباً لعل أحدها يصدف ويفسر ليّ غموض الحادث الذي بدا لا معقولا من حيث اتزان القاتل والمقتول ، وقد استبعدت العلاقة الجنسية الشاذة بين الاثنيين ، فقد كانت غير موجودة ، وقد تحينت الفرصة لمقابلة القاتل فور علمي بالحادث ؛ وفقط سمعته لأتأكد من أن حدثي كان في محله ، وأنني لم أظلم ذلك المقتول في ظني بشأنه ، والذي كنت سوف أكون أنا هو قاتله وليس هو ، وقد سألت القاتل عندما أتيحت ليّ فرصة سؤاله :
- "لماذا قتلته ؟! " .
-- "ظننته أولا راشداً عاقلا ثرياً قادراً على المساعدة ، كما كان يوحى زاعماً ، فلما شكوت له عوزي وحاجتي وجوعي ، وغربتي داخل وطني ، فقد باغتني بجملة نهائية :
" الجوع داخل الوطن ، أكرم لك من الجوع خارج الوطن ، لا تتسول وعش بكرامة " .
"صوبت بصقة قوية على جبهته ، أصابته وأوجعته ، وأنا أقول له :
- "يا مدعى ياحقير ، كان يمكنك أن تعرض عن المساعدة ، بلا احتيال وكذب ادعاء " .
"ولما رآني عازماً على فعل ما هو أكثر من البصقة ، فقد شرع في شتمي بينما هو ينسحب من أمامي في ارتباك وعجالة ، وقد تركته يفلت ، لأنى فعلا كنت منهك جائع ، ولكني صممت على قتله في أقرب فرصة تمكنني منه ، فمثل نموذجه ، تُفسد على البشر الحياة ، حتى لو دفعت أنا الثمن الواجب للتخلص من مثل هذه الحقارات ، فلما واتتني الفرصة فعلت غير نادم ، ولعل هذا ما أدهشكم ، فقد قتلته حين جاءت الفرصة مع تيسر أحوالي المعيشية ، ولم يجعلني اليسر أتراجع عن عزم أو مبدأ " .
فقلت له راثياً المصير الذي صار إليه مختاراً :
- "لا أعرف إذا ما كان يتوجب عليّ مواساتك أو لومك ، على إهدارك حياتك ، ولكن سوف أعزيك باعتراف لو كان في ذلك تعزية لك ؛ لو لم تقتله أنت ، لربما قتلته أنا لو أتيحت ليّ فرصة قتله ، ربما لنفس الأسباب ، التي دفعتك لقتله ، ولأسباب أخرى ، أفضل أن احتفظ بها داخلي ، فهو عموماً قد انتهى " .
محمد الصباغ
كان تصرفه قد حيرنا فعلاً ، حين قتل الثري الترف واسع النفوذ والكثير الانتشار في المجتمع ، متحدثاً لبقاً عن أفضاله ومساعداته التي يقدمها لكل من يقصده ، وأنه ما بخل وما منع وما توقف عن العطاء لفرد أو مجتمع وأن عطاؤه قد شمل الدولة كلها ، ولكن شيء خفي كان يشير إلى أنه غير صادق ، فقد استولى على مشاريع منتجة تدر الربح الوفير بأبخس الأثمان ، وكان قد ثبت تحايله عن دفع ما يتوجب عليه دفعه من ضرائب مستحقة عن دخله وعن أرباح شركاته المتهربة من سداد مستحقات الدولة ، كان يفعل هذه الجرائم ضد الدولة وضد المجتمع ولكنه كان يتمادى في فساده ، وقد ابتدع وسائل ابتكارية للتغطية على احتيالاته ، حتى أنه أسس وكون امبراطورية اعلامية خاصة به ، لتكون جيشه في خوض حروبه من أجل مزيد من المال المنهوب من الآخرين .
بعدما قتل فجأة وهو وسط ثرائه وحراساته وأمنه فقد روع المجتمع فعلا ، ليس حباً فيه ، ولكن الدهشة من أن يكون هذا المصير غير المتوقع أبداً هو مصيره ، كانت الجريمة فعلاً غامضة ومفاجئة ، ولأني كنت أعرف القاتل والمقتول عن قرب فقد حركني الفضول الحارق المتشوق للإطفاء ، لأن أعرف كيف جروء القاتل على أن يقتل وقد خمنت أسباباً لعل أحدها يصدف ويفسر ليّ غموض الحادث الذي بدا لا معقولا من حيث اتزان القاتل والمقتول ، وقد استبعدت العلاقة الجنسية الشاذة بين الاثنيين ، فقد كانت غير موجودة ، وقد تحينت الفرصة لمقابلة القاتل فور علمي بالحادث ؛ وفقط سمعته لأتأكد من أن حدثي كان في محله ، وأنني لم أظلم ذلك المقتول في ظني بشأنه ، والذي كنت سوف أكون أنا هو قاتله وليس هو ، وقد سألت القاتل عندما أتيحت ليّ فرصة سؤاله :
- "لماذا قتلته ؟! " .
-- "ظننته أولا راشداً عاقلا ثرياً قادراً على المساعدة ، كما كان يوحى زاعماً ، فلما شكوت له عوزي وحاجتي وجوعي ، وغربتي داخل وطني ، فقد باغتني بجملة نهائية :
" الجوع داخل الوطن ، أكرم لك من الجوع خارج الوطن ، لا تتسول وعش بكرامة " .
"صوبت بصقة قوية على جبهته ، أصابته وأوجعته ، وأنا أقول له :
- "يا مدعى ياحقير ، كان يمكنك أن تعرض عن المساعدة ، بلا احتيال وكذب ادعاء " .
"ولما رآني عازماً على فعل ما هو أكثر من البصقة ، فقد شرع في شتمي بينما هو ينسحب من أمامي في ارتباك وعجالة ، وقد تركته يفلت ، لأنى فعلا كنت منهك جائع ، ولكني صممت على قتله في أقرب فرصة تمكنني منه ، فمثل نموذجه ، تُفسد على البشر الحياة ، حتى لو دفعت أنا الثمن الواجب للتخلص من مثل هذه الحقارات ، فلما واتتني الفرصة فعلت غير نادم ، ولعل هذا ما أدهشكم ، فقد قتلته حين جاءت الفرصة مع تيسر أحوالي المعيشية ، ولم يجعلني اليسر أتراجع عن عزم أو مبدأ " .
فقلت له راثياً المصير الذي صار إليه مختاراً :
- "لا أعرف إذا ما كان يتوجب عليّ مواساتك أو لومك ، على إهدارك حياتك ، ولكن سوف أعزيك باعتراف لو كان في ذلك تعزية لك ؛ لو لم تقتله أنت ، لربما قتلته أنا لو أتيحت ليّ فرصة قتله ، ربما لنفس الأسباب ، التي دفعتك لقتله ، ولأسباب أخرى ، أفضل أن احتفظ بها داخلي ، فهو عموماً قد انتهى " .
محمد الصباغ